يقولون في الأمثال "النبي وصّي على سابع جار" ، وكان يحرص الأجداد على التواصل بالجيران وكأنهم من أقارب العائلة، وبدأ هذا الاختلاط يقل شيئاً فشئ إلى أن أصبح الجار لا يعرف جاره بالرغم من أن الباب في الباب.
وبالرغم من تغير الزمن ، واختلاف البشر وطبائعهم وانشغالهم بالحياة ، يظل الجار هو الأقرب في بعض الظروف من الأهل ، لذلك يجب معاملته حتى وإن كانت العلاقات سطحية وتقتصر على السلام فقط ببعض الود.
فإن الإحسان إلى الجار وإكرامه من أكبر الحقوق وأعظمها، فقد أوصى القرآن الكريم بالإحسان إلى الجار، وأكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى بعدما أمر بعبادة الله تعالى وحده وبالإحسان إلى الوالدين: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا [النساء:36]، وقال صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. متفق عليه.
جارة محبوبة
ولكي تكوني جارة محبوبة ، فمعاملة الجيران فن له أصول و قواعد؛ونقدم لك بعض النصائح التي تساعدك على ذلك .
- إذا تكلمت مع جيرانك فلتقولي خيراً، ولتعودي لسانك الجميل من القول، وإياك والنميمة ، فكلامك عن الناس لا بد أن يكون بذكر محاسنهم ،حتى يبدأ الحديث عادياً وينقلب في لحظة إلى غيبة ونميمة!!
- كما لا بد أن تحرصي على كتمان سر جارتك، فالمجالس أمانات، وقد يحدث أثناء زيارتك أمر قد يسبب الحرج لجارتك فعليك نسيانه، ولا تقحمي نفسك فيما لا يعنيك، وحاولي الانصراف بهدوء مراعاة للشعور، فقد يكون من غير المناسب بقاؤك في هذا الموقف، وعليك أن تدعي لأهل المنزل بإخلاص أن ينزع الله ما بينهم من خلاف ويعيد للبيت سكينته ومودته.
- وإذا ما دعتك صاحبة المنزل لزيارتها للطعام فيجب أن تلبي الدعوة إلى ما يقدم لك؛ لأن هذا يسعد صاحبة المنزل ويزيل التكلف، كذلك إن كان الطعام مما تطيب به نفسك كلي وإن كان غير ذلك فتذوقي منه كأنك أكلت حتى ترضي صاحبة المنزل ثم تتركيه دون أن تعيبيه.
- كذلك يجب عليك مراعاة آداب الطعام الأخرى خاصة إذا كان أطفالك في صحبتك، وبعد الانتهاء من الطعام ادع لجارتك وامدحي طعامها اللذيذ.
- عند الانصراف حاولي - قدر الإمكان - إنهاء حديثك داخل الشقة، وتجنبي الكلام على السلم.
- لا تبخلي علي جيرانك بالمساعدة، فمثلا إذا رأيت جارتك في حيرة لإعداد حفل لطفلها عليك بالمبادرة لمساعدتها.
إياكِ والأسرار
ومن أهم الأصول التي يجب أن تراعيها في علاقتك بجارتك هي عدم نقل خصوصياتك ، وجميل ان تجد المرأة من جارتها أذنا تسمع مشكلاتها، فالمشاركة ظاهرة صحية لكن قد تخطئ عندما تتناول ادق تفاصيل حياتها علي أبواب الشقق، مما يجعل الإسرار مشاعا لباقي الجيران.
تقول الدكتورة ندا صلاح شحاتة أستاذة العلوم الإنسانية أن الإنسان قلما يطيل الحديث دون أن يلمس موضوعا أو فكرة تستهوي السامع الذي يلح بأسئلة عديدة يتعمد بها إحراج المتحدث فيجيب دون ان تكون لديه الرغبة في ذلك، فمعدل سرعة الكلام للشخص العادي 125 كلمة في الدقيقة ونحن نفكر بسرعة تبلغ
اربعة أضعاف سرعة الكلام أي انه في الدقيقة التي ننصت فيها الي احد يكون لدينا وقت فراغ للتفكير في400 كلمة وهذا يعني أن المتحدث يتكلم ويتيح لجاره التفكير والخيال الذي ينسج له قصصا وراء الكلمات، محاولا ان يجد فيما يقال أمراً مثيرا للاهتمام للاستفادة منه في القص والقيل والقال.
وحين تجد الجارة من جارتها حسن الذوق والبساطة والمجاملة تتأثر بذلك فتزيل الحواجز وتبدأ في عرض مشكلاتها الاسرية ومتاعبها الزوجية دون وعي منها بأن من أمامها تنصت لمعرفة المزيد الذي سريعا ما سيذاع بمجرد غلق الابواب المفتوحة علي السلالم.
وعن أسس تكوين العلاقات الشخصية أوضحت د. ندي صلاح ان تشابك العلاقات الإنسانية وتقويتها يستند الي ضرورة عدم الخوض في الاسرار او كشف ما ينبغي حجبه عن الغير؛ لأن بعض الناس يتشوقون لمعرفة ما يدور خلف الابواب وتتبين حقيقتهم بعد حدوث العديد من المشكلات التي فيها لا يلام المستمع بقدر ما نلقي اللوم وبشدة علي من سمح لغيره بأن يتناول ادق تفاصيل حياته بإرادة صاحبتها؛ لأنها لم تضع حدودا للعلاقات فالحقيقة ان الكثير من افكارنا الخفية واسرارنا تتفكك إذا كشفناها لإنسان .
وتنبه إلي انه إذا نشأ اتصال وصداقة بين اثنين فليس من الضروري دائما التحدث في كل شئ، ففي أوقات الغضب والضيق تتحول الأسرار إلي قصص وروايات يدخلها "التحبيش الأنثوي"، مما يفتت العلاقات ولنتذكر دائما الرسالة الأساسية للتخاطب الإنساني وهي انا هنا وانت هناك.. لكننا لسنا وحيدين.. فالكلمات التي يتم تبادلها أثناء خروج الضيوف علي باب الشقة او ما يقال بعد خروج الأزواج لعملهم ووقوف الجارة مع الجارة بحجة التسلية يجب الا يخرج عن الطابع الرسمي المقتضي وحتى لا نلوم أنفسنا.
طباع جارتك
اعلمي جيدا أن هناك فرق بين حسن الجوار والاندماج الاجتماعي؛ فالأخير هو الذي يتولد عنه خلطة ومعاشرة، أما حسن الجوار فهو أن تحرصي على مراعاة شعور جارك وعدم ضرره بأي طريقة متعمدة.
أما جارتك سيئة المزاج والعصبية والغريبة الطباع فيفضل ألا تندمجي معها بل احرصي على حسن جوارها فقط ، واتبعي مبدأ " صباح الخير يا جاري انت في حالك وأنا في حالي " .
هذا ومن جانب آخر فقد أكدت إحدى الدراسات البريطانية أن قوة العلاقات الاجتماعية تساعد في تدعيم الصحة الجيدة إلي افردها ، حيث قام الخبراء بمتابعة بالغين في السبعين من عمرهم لأكثر من سبع سنوات ووجدوا أن أولئك الذين كانت لديهم علاقات اجتماعية ظلوا حاضري الذهن طوال فترة الدراسة أكثر من أولئك الأشخاص الذين كانوا معزولين عن المجتمع.
كذلك فإن الأشخاص ذوي العلاقات الاجتماعية لديهم أجهزة للمناعة أقوى من غيرهم ويؤكد الخبراء انه "لا نزال نكافح من أجل فهم الأمر، الناس الذين يتناولون الكحول أو القلقون أقل احتمالاً لتلقي دعم اجتماعي. أما العلاقات الاجتماعية فهي المؤشر على أن المرء يعيش بقية حياة بسعادة".
كما أن حب الاستطلاع والإبداع يساعد كبار السن على أن يبدوا أصغر عمر
ساحة النقاش