authentication required

إنّ أحد أسباب الصعوبات في العلاقة بين الرجل والمرأة وبين البشر عموماً هو عدم إدراك الفرق بين الرجل والمرأة، أو بصورة أعمق، عدم إدراك بُعدَيّ الذكورة والأنوثة النفسية في الإنسان. لذلك سأحاول إلقاء بعض الضوء على هذه الأبعاد في الشخصية الإنسانية فردياً ومجتمعياً كي نتمكّن من الحصول على فهم أعمق لهذه الصفات الإنسانية الغنية.
الإنسان يحمل داخله الذكورة والأنوثة كطبيعتين متكاملتين في كل من الرجل والمرأة على حدة. هذا بالطبع مع ميل الرجل للذكورة أكثر من الأنوثة وميل الأنثى للأنوثة أكثر من الرجولة. الذكورة والأنوثة في الإنسان صفتين منفصلتين ولكنهما تواجدا على متصل continuum يقع عليه كل الرجال وكل الإناث. فلا يوجد رجل دون صفات أنثوية ولا أنثى بدون صفات ذكرية، ولكن يجب أن تغلب على الرجل الصفات الذكرية دون إنكار الصفات الأنثوية وعلى المرأة الصفات الأنثوية دون إنكار الصفات الذكرية.
ويصف الفيلوسوف والروائي ك.س. لويس ذلك بقوله:
«يجب روحياً أن يكون هناك رجلاً داخل كل امرأة وامرأة داخل كل رجل. ويا لفظاعة الرجل الذي ليس بداخله امرأة والمرأة التي ليس بداخلها رجل. إنني لا أستطيع أن أحتمل ذكورة الرجل مجردة من أنوثته ولا أنوثة المرأة مجردة من ذكورتها»
لقد خلق الله هذه الصفات الروحية لكي تكون موجودة في كلٍّ من الرجل والمرأة حتى يكون كل منهما متوازناً روحياً ونفسياً، مع مَيل كل منهما إلى ناحية من طرفي المتصل. وفيما يلي سنتناول بعضاً من مظاهر الذكورة والأنوثة في الشخصية الإنسانية والتكامل المطلوب بينهما.
في استقبال الواقع:
تميل الطبيعة الذكرية لأن تستقبل الواقع ككل دون الانتباه للتفاصيل الصغيرة والخروج بتقييم عام وهي طريقة في الاستقبال تميل لتصنيف الواقع تحت تصنيفات categories وإصدار الأحكام العامة، وهي مجربة دائماً بالتعسف وإغفال التفاصيل واللفتات التي قد تبدو دون أهمية ولكنها ربما تقلب الموازين تماماً إذا انتبهنا إليها. وهذا ما تقوم به الطبيعة الأنثوية فهي تملك ميزة القدرة على قراءة المعاني المخبأة في التفاصيل الصغيرة ومتابعة التغيرات اللحظية التي قد تغفلها الطبيعة الذكرية فتفقد الكثير. لكن الطبيعة الأنثوية أيضاً مجربة بفقدان الرؤية الكاملة اللازمة للتحرك السليم.
في طريقة التفكير والمعرفة
تميل طريقة التفكير الذكرية إلى الطريقة التحليلية الإمبريقية Empirical أو ربما يسمى أيضاً بحسب الفيلسوف الألماني الشهير بول تيليك «العقل التقني» Technical reason هذا العقل أو المنطق مبني على التجربة والتحليل والاستنتاج. أما الطريقة الأنثوية فتتّبع على الأغلب الحدس اللحظي المباشر Intuition وهذا الحدس اللحظي المباشر هو ما يسمى في الكثير من الأحيان بالعين الداخلية أو القلب، الذي ربما يرى قبل العقل أحياناً ويأتي التحليل والتجريب فيبرهن على ما اكتشف بالحدس وفي أحيان كثيرة لا يستطيع. وعندما لا يستطيع فهذا لا يعني خطأ الحدس دائماً بل ربما يعني أنه وعي بأمور لا يمكن للعقل التقني أن يدركها فهي تتعلق بما يسميه تيليك «العقل الوجودي» Ontological reason وقد أراد الله تعالى أن يجمع في الإنسان بين هاتين الطريقتين بتوازن دقيق لكي يستقبل الإنسان الكون بكل من عقله التحليلي وقلبه المتوقد فيستوعبه. ولكن الذي حدث أن الذي جمعه الله قد فرقه الإنسان، فالحضارة الغريبة في إحدى منعطفات التاريخ وبالتحديد في عصر الاستنارة وغلبة العقلانية Rationalism قد قررت أن تغفل الحدس المباشر والمشاعر كطريقة للمعرفة لأنه لا يمكن أن يُثبَت ولأنه محفوف بالكثير من مخاطر سوء التأويل فأغلقت هذا الباب الأنثوي الجميل للمعرفة. أما الحضارة الشرقية فقد فعلت العكس فقد أغرقت نفسها في غياب التفكير الأنثوي وأغفلت المنطق العلمي التحليلي في التفكير فراحت في ظلمات الجهل وتغييب العقل لدرجة مُعَوِّقة فصارت الحضارة الغربية حضارة بلا قلب والحضارة الشرقية حضارة بلا عقل. الله نراه بالقلب أكـثر ما نراه بالعقل وإن كانت حقيقة ما ندركه بالقلب لا تتعارض مع شكوك العقل التحليلي التجريبي، فالحقيقة واحدة لا تتجزأ.
السؤال هنا ما هو الفاصل بين الاثنين؟ من هو الحكم العادل الذي يقف حتى لا تطغى طريقة تفكير على الأخرى؟
الجواب في رأيي هو أمران:
أولاً: المنطق، فكل من التفكير التحليلي التجريبي والحدس المباشر يجب أن يخضعا للمنطق أو لما يمكن أن نسميه «العقل العام» ولكن ما فعلته الحضارة الغربية هو أنها تصورت أن المنطق مُنحاز للتفكير التحليلي وهذا غير صحيح فالمنطق أيضاً يعترف بطرق المعرفة الأخرى ولا يقف ضدها والحل هنا هو ألاّ نطلب في الأمور الروحية برهان تجريبي ولكن نطلب أن كل ما يُقال يكون منطقياً، أي أن يكون خاضعاً لا للتجريب المعملي وإنما للمنطق والعقل العام. فمن غير الواقعي أن أتحقق من وجود الله بالطريقة التي أتحقق بها من كون محلول ما حمضياً أو قلوياً. فهذا غير منطقياً فمن المنطقي أن لا أرى من هو في حالة وجودية تختلف عن حالتي فالله روح وأنا جسد كما لا أستطيع أن أرى الموجات الكهرومغناطيسية التي حولي في كل مكان لأنني في حالة فيزيائية مختلفة عنها. وأن أصدق أنه كما توجد طرق يمكن بها التعرف على ما أستطيع أن أتعرف عليه بحواسي الجسدية هناك أيضاً طريقة لاستقبال ما هو روحي بالحدس القلبي المباشر. والمنطق يحكم، كما يحكم في المحسوس القابل للتجريب، يحكم أيضاً في الفائق للطبيعة.

في السلوك
تميل الطبيعة الذكرية في السلوك إلى الأخذ بزمام المبادرة والتحرك واختراق مناطق جديدة دون خوف أو تردد. بينما تميل الطبيعة الأنثوية للانتظار والاستماع والتأكد وحساب النفقة قبل الإقدام. واضح أنه إذا أفرطنا في الاستجابة للطبيعة الذكرية، سوف نعاني من التهور والتسرع، وإذا أفرطنا في الاستجابة للطبيعة الأنثوية تحولنا للسلبية والتوقف.

في العلاقات الإنسانية
وفي العلاقات الإنسانية، كم نحتاج للتوازن بين الحق والحنان، بين الميل الذكري للتكلم بالحق دون أن نخشى فيه اللوم، وفي الوقت ذاته نراعي الحنان فنرعى البدايات الصغيرة ونحن على من يتراجع وينتكس في مسيرة نموه معطين إياه فرصة جديدة ليواصل النمو والتطور.
لقد تجلت عبقرية الخلق في ذلك التنوع الرائع بين الذكورة والأنوثة في كل من الرجل والمرأة وكيف أنه زوَّد الرجل بقدر من الأنوثة والأنثى بقدر من الذكورة لضبط الاتزان الروحي والنفسي لكل من هما ولمساعدة كل منهما على فهم الآخر لتحقيق الوحدة بينهما التي تحقق بالفعل التوازن الكامل بين الذكورة والأنوثة في المجتمع البشري بصورة تعبر بأجمل صورة بشرية عن كمال وجمال الله.
حقاً ما أحوجنا لعودة الصورة الجميلة المتكاملة لإنسانيتنا المخلوقة على صورة الله، فكم من فساد جنينا... إذ اختزلنا تعسفاً... ما جمعه الله فينا.

hany2012

شذرات مُتجدده مُجدده http://kenanaonline.com/hany2012/

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 140 مشاهدة
نشرت فى 31 ديسمبر 2011 بواسطة hany2012

ساحة النقاش

هـانى

hany2012
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,758,283