تكاد تعتبر كلمة "مراهق" سبّة أو تعبير مرادف لعدم النضوج أو للاندفاع العاطفي بلا حكمة ولا فهم. لكنها ليست كذلك وإنما هي مرحلة هامة جداً من مراحل نمونا النفسي والجسدي فيها ننتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والنضوج. تكاد تعتبر هذه المرحلة هي الامتحان النهائي لكل مراحل نمو الشخصية فقرب نهايتها (18 سنة) يكتمل نمو الشخصية الإنسانية.
سمات مرحلة المراهقة
المراهق يقف في مرحلة وسطية مُرهِقَة فهو من الداخل لا يزال طفلاً ولكنه يحاول أن يبدو بمظهر البالغ الناضج ربما بطريقة مبالغ فيها للتغطية على احساسه الداخلي بالضعف والاحتياج والحيرة. كلنا كنّا مراهقين ولا يزال هذا المراهق الباحث عن الهوية قابعاً داخل كل واحد فينا، يتساءل:
"من أنا؟" و
"إلى أين أنا ذاهب؟" و
"هل توجد قيمة حقيقية لحياتي؟".
1) المراهق يميل إلى تحقيق ذاته وفرديته من خلال التمرد، وهو بذلك يعيد بصورة أعمق مرحلة تكوين الكيان المستقل التي عاشها حول سن الثانية من عمره التي كان يريد فيها أن يؤكد أنه كيان مستقل عن الأم. أما الآن فهو يريد التأكيد على هويته ككيان مستقل عن الأسرة كلها وربما عن المجتمع كله وكل ما هو سائد فيه.
2) المراهق سريع وشديد الانفعال عاطفياً. وعدم الاستقرار في المشاعر ناتج عن الصراع الداخلي لتأكيد الهوية، كما أنه ناتج أيضاً عن التغييرات الهورمونية والعضوية التي تحدث فيه.
3) المراهق مندفع سلوكياً، يمكن أن يعطي حياته لشيء يحبه ويجد أنه يسدد احتياجاته ويهدئ صراعه، سواء كان هذا الشيء علاقة روحية بالله أو علاقة عاطفية بشخص من الجنس الآخر أو التزام ديني أو حتى الولع بمغني أو هواية وقد يكون الجنس أو المخدرات إذا كانت هي المُتنفّس الوحيد المتاح لديه للتعبير عن كيانه والهروب من صراعاته.
4) صعوبة فترة المراهقة هي أن هناك طفل بداخله يريد أن يخفيه وبالغ خارجه يحتاج لأن يثبته.
ثقافة الشباب العالمية
يقولون كثيراً هذه الأيام بأن العالم أصبح قرية صغيرة وذلك بسبب الثورة الإتصالاتية والتطور المذهل الذي حدث في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات من خلال الانترنت وقنوات التلفزيون الفضائية وغير ذلك.
إن أكثر المرتبطين بهذه التكنولوجيا هم الشباب. مما أدى إلى ظهور ثقافة خاصة بالشباب العالمي Global Youth Culture بمعنى أن هناك ثقافة شبابية عالمية متخطية للحدود الدولية ومتجاوزة للثقافات المحلية. هذا يجعل الأمور المشتركة بين شاب مصري وشاب أوربي وآخر أمريكي وثالث صيني أكثر من الأمور المشتركة بين هؤلاء الشباب وآباءهم وأمهاتهم الذين يعيشون معهم في نفس البيت!
هذه الثقافة تتميز بالفردية والعزلة برغم سهولة الاتصال فالعلاقات أصبحت سطحية استهلاكية هدفها الاستمتاع معاً الآن وليس الالتزام والإخلاص والرغبة في المصلحة المشتركة على المدى البعيد. هذا أدى إلى تعميق الاحساس بالوحدة بين الشباب، فالعلاقة بالأهل شبه مقطوعة والعلاقات في مجتمع الشباب سطحية وقصيرة العمر مثل الوجبات السريعة الخفيفة. هذه الوحدة توقظ كل الاحتياجات القديمة وتعمّق جراحها. فلا يصبح أمام الشاب والفتاة إلا الإغراق في كل ما يسكن الألم الآن، حتى وإن كان على المدى البعيد يضيف لجراح الإهمال والهجر والترك والإساءة. لذلك فإن عالم ما بعد الحداثة الذي نعيش فيه، بعد أن اختبر الحرية التي وفرتها له التكنولوجيا، يشتاق للعلاقة والمجتمع والانتماء، هذا يدفع الشباب للانتماء لأي شيء يقدم لهم خبرة المجتمع ويشفي إحساسهم بالعزلة. قد يكون هذا المجتمع متطرفاً دينياً وقد يكون منحلاً أخلاقياً، أو حتى مجتمع يتصل ببعضه فقط من خلال الرسائل القصيرة على التليفون المحمول أو شريط على شاشة إحدى القنوات الفضائية المهم هو أن يشعر الشاب بأنه "مهم" لدى آخرين!
ماهي احتياجات سن المراهقة
1) من يجتاز سن المراهقة يحتاج إلى الفهم والحوار، يحتاج من يدخل إلى عالمه ويرى الدنيا من منظوره هو قبل أن يعظه وينصحه.
2) المراهق يحتاج من يستوعب احتياجه للحب والحنان برغم ما يبدو عليه من تمرد وغضب وعنف. المراهق يحتاج من يخاطب كل من البالغ والطفل المتصارعين داخله.
3) المراهق يحتاج للتشجيع والإعجاب بما يفعله.
4) المراهق يحتاج لشيء يعيش من أجله ويستوعب كل حياته.
5) المراهق يحتاج إلى قدوة يحترمها ويُعجب بها وتجسد بصورة حية ملموسة رغبته في الحصول على هوية مستقرة فعالة محبوبة.
6) المراهق يحتاج لسلطة، ولكن سلطة تحترمه وتعامله كشخص قارب البلوغ والنضوج.
مرة أخرى أؤكد أن هذا المراهق الباحث عن الهوية موجود داخل كل واحد فينا، ويعود للظهور مرة أخرى في مرحلة تالية حول سن الأربعين أو الخمسين في ما يسمى أزمة منتصف العمر. والأزمة الشديدة هي أن الأسر غالباً ما تمر بالمرحلتين في نفس الوقت ففي الوقت الذي يكون فيه الأبناء في سن المراهقة، يكون الوالدان في سن منتصف العمر!
ساحة النقاش