تربية الاولاد
أولاً لأن الشيخوخة تتوقف على الطفولة, ولذلك قيل أن السنوات السبع الأولى من الحياة هي الأهم. فكما ينشأ المرء في طفولته هكذا يكون في رجولته وكهولته.
ثانياً لأن التربية هي مسؤولية الوالدين لا مسؤولية المربيات والخامات ودور الحضانة. يخاطب بولس الرسول الآباء قائلاً لهم: "أيها الآباء لا تغيظوا أولادك بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره".
ثالثاً لأن الأولاد بطبيعتهم الموروثة يميلون إلى الخطية والشر ويظهرون ذلك بأعمارهم. يقول الحكيم سليمان في الأمثال "الجهالة مرتبطة بقلب الولد. عصا التأديب تبعدها عنه" (أي تبعد الجهالة عنه).
رابعاً لأن المحبة تفرض ذلك فمن لا يربي ولده لا يحبه. يقول الوحي "من يمنع عصاه يمقت ابنه. ومن أحبه يطلب له التأديب".
خامساً يجب تربية الولد لأن الأمل في تقويمه في الصغر كبير. فالتربية في الصغر النقش في الحجر. لا تترك ابنك أو ابنتك حتى يكبر, فالتأديب والتأنيب لا ينفعان بعد فوات الفرصة. ولا تقل أن الزمن كفيل بتغييره. لو كان الزمن عاملاً من عوامل التغيير لكان الذئب صار حملاً منذ آلاف السنين. يقول الله: "أدب ابنك لأن فيه رجاء"(الأمل في إصلاحه كبير).
سادساً: رب ولدك لئلا يحزنك يكسر قلبك في شيخوختك وآخرتك. يقول الكتاب المقدس في هذا الصدد "الصبي المطلق على هواه (أي الصبي السائب) يخجل أمه" وأيضاً "الابن الحكيم يسر أباه والابن الجاهل حزن أمه".
سابعاً وأخيراً يجب تربية الأولاد لئلا نتسبب في إعثارهم. يقول الرب يسوع في العدد 6 من الفصل الثامن عشر من إنجيل متى "من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر".
ولكي تربي أولادك التربية الصالحة في خوف الرب وإنذاره فمن الضروري أن تعرفهم معرفة جيدة. فما أكثر الوالدين الذين يجهلون أولادهم أو على الأقل لا يعرفون عنهم الكثير. يقول سفر المثال "الولد أيضا يعرف بأفعاله". وعلى هذا الأساس يمكننا القول أن معرفة ولدك ممكنة – وذلك بالطرق التالية:
أولاً: راقبه.
راقبه في كل مكان وفي كل وقت وفي كل مناسبة. راقبه في البيت وكيف يتصرف مع أمه وأخوته. لاحظه وهو يلعب مع زملائه: هل يتعاون أم يتخاصم معهم؟ هل يشترك أم يتفرج؟ راقب موقفه من المدرسة والمعلمين. راقب كتبه ودروسه وفروضه وطالعاته وعلاماته. لاحظ تصرفاته على مائدة الطعام. راقب موقفه من النظافة والترتيب والكنيسة والشيوخ. ولاحظ مواهبه وهواياته وأيضاً ميوله الموروثة. فهذه كلها فرص ثمينة لك لكي تكتشفه وتعرف مواطن القوة والضعف فيه. ومتى عرفته جيداً عرفت كيف تساعده وتشجع فيه الحسنات وتجنبه السيئات.
ثانياً: لاعبه.
لا تتصرف مع ابنك أو ابنتك وكأنك ضابط عسكري أو دكتاتور, بل دعه يشعر أنك أب وصديق في آن معاً. وهذا الموقف يحتم عليك أن تضحك وتمرح معه, وتلعب معه وتحادثه ليس فقط في البيت بل حيث كان: في الملعب, على الشاطئ وفي أثناء الرحلات والنزهات. دعه يستمتع في صغره بكل ما هو طاهر وبريء ومفيد لأن تلك هي الأشياء التي تصوغ شخصيته ومستقبله. فالمستقبل السعيد لا يبنى بين ليلة وضحاها ولا يتم على طريقة "افتح يا سمسم". فنحن لا نعيش في عالم علي بابا بل في عالم الماما والبابا.
بالمناسبة وسائل التسلية واللعب والرياضة كثيرة ومعظمها مفيد. طبعاً لا أنصحك أن تلعب معه الورق (لئلا يصير مقامراً) ولا البنغو الذي يلعبه بعضهم بحجة العمل الخيري والديني. ولا أنصحك أن تسمح لابنك وابنتك بالرقص الذي له عواقب وخيمة. وفي جميع الأحوال أشجعك أن تصلي وتطلب حكمة من الله لتعرف ماذا تفعل وأين تذهب وبم تلعب.يمكنك مثلاً أن تشاهد معه المباريات الرياضية على التلفزيون أو تذهب معه إلى الملعب إن كان الأمر ضمن طاقتك المادية. فهذه أيضاً وسيلة لاكتشاف أولادك ومعرفة شخصياتهم وميولهم ونقاط القوة والضعف فيهم.
ولد من أولادي يستاء ويغضب عندما يهزم في أية منافسة. فلكي أعلمه الروح الرياضية أو بالأحرى الروح المسيحية, صرت أتركه يهزمني أحياناً في اللعب لكي أرفع من معنوياته وأحيانا أخرى أهزمه لكي يعرف الهزيمة أمر لا بد منه بين الحين والآخر. وكم من مرة اكتشفت في أثناء اللعب مع أولادي أموراً لم أكن أعرفها عنهم من قبل. أضف إلى هذا كله فوائد التسلية واللعب والرياضة من النواحي الجسدية والنفسية والفكرية. يقول الرسول بولس "الرياضة الجسدية نافعة" وإن تكن منافعها في رأيه أقل من منافع التقوى والإيمان.
ثالثاً: جاوبه.
ولكي تجاوبه يجب أن تصغي إليه أولاً وتفسح أمامه مجالاً لطرح الأسئلة (وما أكثر الأسئلة عند الصغار). إن عدم الإصغاء دليل عدم الاهتمام, وعدم الاهتمام دليل عدم المحبة, وعدم المحبة دليل عدم الشعور بالمسؤولية. إذاً اصغ إليه وأجب عن استفساراته بحكمة وروية ومحبة آخذاً بعين الاعتبار قدرته على الاستيعاب. بكلام آخر, الحوار مع الأولاد ضروري. وإن كان لديك مبرر كاف لعدم الإجابة أو الحوار ففي وسعك أن تعتذر بكل لطف. مثلاً قد يكون ضيقاً أو مشغولاً مع ضيف أو تقوم بعمل يتطلب السرعة في هذه الحالة يمكنك أن تعرفه بلطف أو ترجئ الحديث معه إلى يوم آخر. حذار أن تصرف الولد بالصياح والغضب لأنك إن فعلت فستندم فيما بعد.
إن كنا لا نفعل لأولادنا أحسن ما عندنا فنحن جرم بحقهم ولا ننسى أن ما نفعله نحن لهم (ومعهم) سيفعلونه هم مع أولادهم في المستقبل. فإذا كنا لطفاء متفهمين كانوا كذلك, وإن كنا قساة ظالمين كانوا كذلك أيضاً. فبطريقة غير مباشرة نحن مسئولون ليس فقط عن أولادنا بل أيضاً عن أحفادنا وأحفاد أحفادنا. ويذكرنا هذا بقول الله في الوصايا العشر "أنا الرب إلهك إله غيور افتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع" بحيث أن ذنوب الآباء وميولهم الساقطة يلحق أبناءهم وأحفادهم عن طريق الوراثة.
المبادئ الثلاثة الأساسيه هي:- إن شئت أن تعرف ولدك جيداً فمن الضروري أولاً أن تراقبه وثانياً أن تلاعبه وثالثاً أن تجاوبه.
واعلم أن "ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً". ليت الله يعينك لكي تسلك هذا الطريق وفيالنهاية "من تعب نفسك ترى وتشب".
ساحة النقاش