خلق الله تعالى الإنسان بفطرة كما يبدو أن يكون في قرارة نفسه ديكتاتور صغير، بدليل أننا نمارس جمعياً نفس الدور، كلاً حسب دائرته، ونطاقه التي يعيش فيه، ولكن باختلاف بسيط في مدى تركزها ومدتها أيضاً، نبدأ بالأب حيث أنه في هذه الحالة رمز للديكتاتورية منذ أقدم الأزمان وبدونه لا يكون للديكتاتورية وجود، حيث يمارس ديكتاتوريته وعلى نطاق واسع مع الزوجة والأبناء الكبار والصغار الأولاد والبنات بدون أي إستثناء وعلى إخوانه خصوصاً إذا ما كان الأبن الأكبر، وما على الجميع الا السمع والطاعة، وهز الرأس، بدون مناقشات جانبية أو تعليقات، وإلا لما استقام الأمر بمعنى آخر "إنفرادية السلطة، والرأي"، مستغل مبدأ "القوامة".
وقديماً برز دور سي السيد في الأوساط العربية، وكان له من المعجبين الكثر كما كان له من المنتقدين لسياسته، وهذا بحد ذاته لا يعد ضرب من ضروب المبالغة، وإنما عكس لحقيقة موجودة، ونستطيع أن نخلص في أن للرجل الحق في أن يلعب دور الديكتاتور الصغير فهو حق من حقوقه، وصورة من صورة، بدليل أن الرجل الذي لا يمارس الديكتاتورية بالشكل الأمثل أو الصحيح قد يوصف بأنه رجل لا شخصية له، كما أن ديكتاتورية الزوجة والتي هي بطبيعة الحال تمتلك جزء منها، سوف تطغى وبالتالي تسيطر على شخصية الرجل، والتوازن في هذه الحالة جداً مطلوب، ويعد مطلب من المطالب الأساسية، وما يصح الا الصحيح.
وبالتالي يأتي دور الأم في ممارسة الديكتاتورية، والأم على سبيل المثال تمارس دور الديكتاتور الصغير على مستوى أسرتها، ويبدو ذلك جلياً في تعاملها مع أولادها الصغار وبسط نفوذها، إلى أن يكبروا وتتمكن من صقل شخصيتهم بعدها تبدأ الأم بالتراجع القهقري عن هذا الدور تاركة الدور لأبنها، وخصوصاً إذا ما كان مراهقاً أو شاباً يافعاً، حيث يبدأ تبادل الادوار بشكل واضح للأعيان، مهما كانت شخصية الأم قوية، وبحكمة من الأم حتى لا يبلغ الصادم حده، ويصل إلى عدم الاحترام أو الوقاحة.
وبالنسبة للبنت فإن دور الديكتاتور الصغير فإن الأم تمارسه ضدها إلى أن تتزوج وربما بعد أن تتزوج أيضاً، وبطبيعة البنت تكون نوعاً ما مطيعة للأم، لذلك لا تجد بد من أن تتبع التعليمات الصادرة من الأم والمتعلقة بتنظيم حياتها الزوجية أيضاً مع زوجها، ومسكينة تلك البنت حيث أنها قد تتعرض إلى ديكتاتورية الام وديكتاتورية الرجل (الزوج) في آن واحد، خصوصاً إذا ما كانت الأطباع مختلفة تماماً، فأيهما ترضي البنت، أمها أو زوجها، الله يكون في عونها.
أحياناً يحدث أن أحد الأبناء يبدو متغطرساً نوعاً ما مستغل بعد الأم من المنزل او سفر الأب مثلاً أو إنشغاله الدائم عن الأسرة فتكون فرصته الذهبية في ممارسة دور الديكتاتور الصغير، كما أن أحياناً وإن كان ذلك نادراً بروز أحد الفتيات ولتكن الأكبر سناً أو أحياناً الأصغر سنا وخصوصاً إذا ما كانت شخصيتها بارزة وقوية في أن تلعب دور الديكتاتور الصغير وبنجاح تام، كما أن البنات بطبيعتهم ومنذ صغرهم يميلون ومنذ الصغر إلى الألعاب والتي بدورها تجسد حقيقة الديكتاتور الصغير، فنجدهم يمثلون عن طريق اللعب الإيهامي دور الأم المتسلطة المتغطرسة، ودور الابن الكبير الذي لا يحترم الجميع، ودور البنت الشرسة والتي تعاكس الجميع بدءاً من الأسرة الوالدين وإنتهاءاً بالمدرسة ومدرساتها، والغريب في الأمر إنهم يشعرون بسعادة حقيقية في ممارسة هذه النوعية من الأدوار نظراً لعدم تمكنهم من ممارستاها في الواقع العملي. كما أن الأولاد أيضاً بطبيعة ألعابهم نجدهم قد يتفقون وبسرعة على نوعية اللعبة التي ستجمعهم ولكن نجدهم يختلفون كثيراً في توزيع الأدوار وخصوصاً الأدوار القيادية والزعامة نجد أنهم في الغالب يتنافسون عليها، طارحين المبررات كلاً حسب اجتهاده، والسبب يرجع إلى محاولة التنفيس عن إرادة الديكتاتور الصغير بعيداً عن الأجواء الأسرية أو الأجواء المدرسية والتي بدورها تمارس الديكتاتورية ضدهم، حتى يعيشوا بشكل سوي، بدون ضغوط تذكر.
كل تلك الأمثلة تجرنا إلى أن نقتنع جميعاً تماماً بأن دور الديكتاتور الصغير هو أحد الأدوار الحقيقية والتي تمارس في الحياة العملية بل أنها من السلوكيات الطبيعية والتي يجب أن يمارسها الجميع، بل لا يجب أن يستهان بها في حياتنا اليومية وأن كانت متذبذبة أو أنها لا تسير على وتيرة واحدة ولكن هناك العديد من الأشخاص يمارسون الدور ذاته وهم يعلمون وفي قرارة نفوسهم بأنهم يملكون السيطرة التامة على الأوضاع مع إختلاف فارق بسيط يتعلق بالتسمية، حيث لا يطلق البعض على الدور الذي يمارسه بالتسمية التي أطرحها أنا الآن، ربما لأنه هو أيضاً لم يدرك بأن السلوك الصادر منه يرمز إلى الديكتاتورية ربما بسبب الإنشغالات المتعددة وعدم الأكتراث بأهمية الوقفات التأملية وأهميتها بالنسبة للإنسان وتصحيح المسارات، أو قد يكون يعلم تماماً بأن الدور والسلوك الصادر منه ديكتاتورية أو صورة من صورها وراضي تماماً عن ذلك بحكم أن الكرة في ملعبة ويحلو له اللعب بها كيفما يشاء.
المشكلة أو المصيبة الكبرى والتي وددت أن أعالجها معكم، وهي عندما ينسحب الدور والتي تدارسناه من قبل معكم وأصدرنا نحوه حكم بأنه طبيعي، ويصل إلى مستوى يتعارض معه مع المقاييس الطبيعية، أي عندما يصل أمر السيطرة والديكتاتورية إلى حدود أوسع وأشمل وضمن نطاق غير متفق عليه، كأن يحمل الزوج أو الأب أو الأبن الأكبر أو الأم أو البنت الكبرى أو حتى الصغرى، دكتاتوريتها معها إلى العمل إلى المكان الذي تعمل فيه إلى مكان يجب أن يمتد لتشمل العلاقات الإنسانية والأخلاقية مأخذها، ونتفاجأ بأن نجد أن هناك رصيد شحنات كبير من الغضب، وبسط السيطرة والنفوذ، والانفرادية في اتخاذ القرارات والديكتاتورية في توزيع الأدوار، ولا مكان يذكر للعلاقات الإنسانية، متمثلة في سيل من أوامر لا تطاق وتصرفات غير معقولة لا ترقى بالمستوى الأكاديمي أو المهني، ولا حتى بالمركز التي تحظى به، إلى الحد الذي قد ينفر الموظفين والموظفات أو مع من تتعامل معهم كمثال، والمثال الآخر يتعلق بسياسة الصد والتجاهل وعدم الاكتراث إلى ظروف الموظفين أو حتى نفسياتهم على المث القائل "طنش تعش تنتعش"، وبالتالي يتم غلق للقنوات التي من المفترض أن تبقى مفتوحة، بحجة "عقدة الخواجة" عقدة المركز، وإن كان البعض لا يملك المركز أصلاً، فالذي يملك المركز قد يكون معذور نوعاً ما، ولكن المصيبة والطامة الكبرى حينما لا يمكن الإنسان أصلاً مركز، ولكنه معقد بعقدة الخواجة حباً في الزعامة والعبودية للبشر، فهذه مصيبة عظمى يعزى عليها صاحبها. وتحليلنا يقول بأنهم يملكون ما هو أكبر من المركز فهو المزاج وما أدراك ما المزاج وحب السيطرة والتي يميل إلى فرض الديكتاتورية أو ممارسة الديكتاتورية تجاه العاملين معهم، وهذا هو المؤسف حقاً، خصوصاً إذا ما علمنا جميعاً أن أغلب من يمارس أسلوب الديكتاتورية في العمل، هو الإنسان الضعيف الغير سوي، والتي لا حول له ولا قوة، وبالتالي يريد أن يغلف نفسه بغلاف سميك يخفي من خلاله جوهرة الهش، حتى لا يترك مجال للعاملين معه في الكشف عن كينوناته الخفية، وهذا أسهل ما يمكن، كما أنه مسكين لم يتمكن من ممارسة حقه الطبيعي في ممارسة السلطة والسيطرة والإنفرادية في إتخاذ القرارات الفردية داخل نطاق مجتمعه الصغير (الأسرة)، وبالتالي يحمل معه الهم الأكبر، ليتحول من ديكتاتور صغير وهو الأمر الطبيعي، إلى ديكتاتور كبير، يهز المشاعر ويلبدها، ويفقد العلاقات الإنسانية، وأخلاقيات العمل الناجح. ولا يجد الجميع المبرر الكافي لمواجهته أو حتى التعامل معه، وبالتالي تتأثر الإنتاجية أو العطاء بدرجة كبيرة، بدليل أنه لو كان طبيعي لما قبل في أن يتنازل عن ممارسة سلوكه ودوره الطبيعي في المكان التي من المفترض أن يمارس فيه دكتاتوريته، وجر معه الويلات والحسرات إلى المكان التي ليس من المفترض، و لا من أي حق يذكر في أنه يمارس دور الديكتاتور الكبير. وبهذا وددنا فقط أن نلفت نظر البعض في أن يتأملوا في سلوكهم وفي تصرفاتهم ولنكن موضوعياً في تقويم أنفسنا، وليعلم الإنسان مهما كان نوعه، أنه حتى لو كان في موضع المسئولية فإن المسئولية نفسها لم تجبره في أي زمان أو أي مكان أن يكون ديكتاتور كبير، بل تلزمه أن يكون مسؤول في عمله ومدى إخلاصه وتفانيه، وليعلم بأن الديكتاتورية التي نحن نرفضها في وضعنا الطبيعي ولا أحد منا يرضى بأي حال من الأحوال أن يكون أسير للديكتاتورية أو أحد ضحاياه، والسبب يكمن في كونها لا تستطيع أن تفعل المستحيل، ولكن الإنسان بسلوكه وتعامله وحسن قيادته للأمور والأوضاع، وأخلاقياته وثقته بمن حوله تصنع المستحيل، وتتحدى الموجود أيضاً، وكثيراً ما نقرأ بأن سر الإدارة الناجحة والقيادة الفاعلة يكمن في التعامل الجيد مع العاملين، وأخلاقيات العمل الدارجة، خصوصاً إذا ما علمنا بأن هناك فنون للإدارة الجيدة، ويجدر بنا كمسئولين أن نتقنها ونتعاطى معها بدلاً من تجاهلها، فلا نهمش الأمور المهمة وذات البعد التنظيمي المطلوب، ونبرز الأمور الأقل أهمية أو ما دون الأهمية، وصدق الرسول الأكرم "ص" حين قال "كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته"، وعلينا أن نختار ما يدعو مجال إلى الشك إلى الأسلوب الأمثل في التعامل مع الرعية، حتى نبدو في أبهى صورنا وليس أبشعها على الإطلاق.
نشرت فى 27 ديسمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,756,128
ساحة النقاش