لحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
فالأطفال فلذات أكبادنا وجواهر تسلسلت من ذواتنا، وهم الدماء الجديدة التي تحمل ثقافتنا وتبقي ذكرنا، إن أحسنا إليها فقد أحسنا إلى أنفسنا، وإن أسأنا إليها فقد أسأنا إلى أنفسنا كذلك، وهم الفطرة التي تتشكل في قالب الأبوة كما قال رسول الله ?: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"([1])، والإشفاق والحنو عليهم من قبل الوالدين لا يحتاج إلى دفع وإلزام فقد تكفل به ضمير الأب وقلب الأم، فهم هبة الخالق وقرة العيون وبهجة الحياة يقول الحق جل وعلا: ?وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً?([2]) ويقول عز من قائل: ?الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا?([3]) ولكن ليست الفطرة كل شيء، فهي غير قادرة على الحفاظ على نفسها فكيف يمكنها أن تسيّر غيرها، فالفطرة يمكن أن تنحرف بل كأن الانحراف حتماً عليها إن لم يكن لها موجه ومهذب من الشرع والعقل، فالحنو الفطري والخوف الداخلي والمحبة القلبية لا تقوّم إعوجاج الطفل، ولا تهدي سبيله، ولا تسوي نفسيّته، فلابد للحنو من تزكية والخوف على الولد من ترشيد والمحبة من توجيه، فلابد أن يتم كل ذلك بمعرفة علمية سليمة ومنهج إيماني وعقل مستنير، فنحن نشاهد من خلال واقعنا البشري أن الأطفال الذين توجههم العاطفة فقط لا يكتب لهم النجاح السليم إلا إذا مروا بتجارب مريرة في حال كبرهم، وفي الحديث عن رسول الله ? في وجوب الرعاية والعناية بالطفل: "ألا كلكلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"([4])، وجاء أيضاً عنه ?: "أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم"([5])، وقال ?: "علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم"([6])، وحب الأولاد يكون حباً ميتاً غير صادق، حباً لإرواء الغريزة ليس أكثر، والحب الصادق يكون عند من يجعل العناية بالأولاد والإحسان إليهم وتربيتهم وسيلة مؤدية على غاية عظيمة وهي الخوف من سخط الله والرجاء في نيل رضوانه يقول الحق جل وعلا: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ?([7]).
قدمت بهذه المقدمة لاعتقاد كثير من الناس أن دراسة مراحل نمو الطفل قد تدخل في دائرة العبث وإضاعة الوقت، وهذا خطأ فاحش وسوء تقدير للأمور، وليتصور هذا المخطئ أن ابنه زرع، كم سيبذل في جهد من الحرث والزراعة واختيار الوقت المناسب لها حتى يؤتي ثمره، وإذا أصابته آفة زراعية سأل المختصين وبذل الجهد حتى يستقيم المحصول، فأيهما أخطر الزرع أم النسل، وأيهما أولى بالعناية هذا أم ذاك؟!
والتربية الساذجة قائمة على التخمين والظن والتجربة غير الواعية، والتربية العلمية قائمة على معرفة بواطن الأمور، وحقائق الحياة، والدين عدو الظن والشك، واليقين ركن من أركانه وسنده المكين وعروته الوثقى، فعلينا الاستمساك بالعروة الوثقى ودمع الظن ببراهين اليقين.
حياة الإنسان مترابطة
هذا، وحياة الإنسان متداخلة في رحلتها الزمنية ومتكاملة في مبناها الحيوي، فلا يمكننا أن نضع فاصلاً بين مرحلة عمرية وأخرى لاحقة، فالكائن البشري تبدأ حياته منذ لحظة انطلاقته الأولى من بين الصلب والترائب في الرجل والمرأة، ثم سكونه في رحم أمه، ثم خروجه إلى هذا العالم بخيره وشره، وتدرجه في مراحل نموه من الرضاعة إلى الطفولة المبكرة فالمتوسطة فالمتأخرة فمرحلة الشباب فالكهولة.. الخ، مراحل متعاقبة تؤثر الأولى على الأخرى، ينمو ويتغير فيها الإنسان جسدياً وانفعالياً وعقلياً، ولابد أن تتشبع كل مرحلة من المراحل المتعاقبة باحتياجاتها الفطرية والبدنية والفكرية والنفسية، وأي خروج عن هذا المسار يؤدي إلى اضطراب شامل لهذا الإنسان، وبما أن الإنسان قاصر عن متابعة نفسه في مراحله الأولى تقع مهمة العناية به على عاتق الراشدين من ذويه، وأي خطأ تربوي -في أي جهة كان من جهات الحياة- سؤثر سلباً على حياته، لأجل ذلك ندعو إلى فهم حياة الإنسان فهماً علمياً مدروساً.
وكذلك عندما ندرس ظاهرة معينة في حياة الإنسان لا يعني عدم وجود أي ظواهر أخرى أو أن هذه الظاهرة منعدمة في باقي مراحل حياة الإنسان، وإنما يعني أن هذه المرحلة تبرز فيها هذه الظاهرة كسمة مميزة، أو تبرز بوضوح فيها دون سائر المراحل، وأيضاً أي ظاهرة من الظواهر تتبادل تأثيراً وتأثراً مع ظاهرة أخرى، وقد تنشأ ظاهرة أخرى هكذا...
وبما أننا بصدد الحديث عن ظاهرة العناد لدى الطفل، فهذه الظاهرة ينطبق عليها ما ذكرناه سابقاً فليست هي ظاهرة منفردة في حياة الطفل، ولم تنشأ من فراغ ولا ترتفع بدون ترك أثر، وهكذا...
مفهوم العناد
العناد عند الطفل ظاهرة طبيعية في حدودها المعقولة، وعدم وجودها أو برودها كثيراً يعتبر مؤشراً خطراً لنمو الجوانب العقلية والنفسية في حياة الطفل، كما أن ارتفاعها قد يؤدي بالطفل إلى اضطرابات انفعالية ونفسية، بل وعدم تأقلم الطفل مع مجتمعه، وخاصة إذا تعدت السن المحدد لها علمياً.
فما هي ظاهرة العناد؟
يمكننا أن نعرف العناد بأنه: السلبية التي يبديها الطفل تجاه الأوامر والنواهي والإرشادات الموجهة إليه من قبل الكبار من حوله.
ولا نعني بالسلبية -قطعاً- الجمود وعدم الفعل، وإنما نعني به الإصرار على الفعل الذي يخالف الأوامر، فمثلاً عندما يطلب من الطفل أن يذهب إلى مخدعه يعاند ويعكس الأمر، وعند دعوته إلى الغداء يتشاغلب باللعب، وعندما يؤمر بالذهاب إلى التبول في دورة المياه يرفض ذلك، وربما يتبول في ملابسه وفراشه، وإذا خلعت ملابه رفض لبس غيرها وهكذا...
وقد يعني العناد لزوم الحالة التي اعتاد عليها وإن كانت سيئة، فالطفل الذي اعتاد دخول المطبع والعبث بمحتوياته الحادة والخطيرة، نجده عن نهره عن دخول المطبخ يعاكس الأمر بشدة، وقد يتعود الصريخ والصياح كلما قامت أمه إلى الصلاة وهكذا...
وقد تظهر هذه الحالة العنادية بصورة متسارعة، وكأنها تأتي فجأة نوعاً ما، وربما تختفي كذلك، وقد تظهر بطيئة وتلازم الطفل إلى مرحلة متأخرة، وهذا عائد إلى أسباب عديدة نفسية وجسمية واجتماعية.
العناد ظاهرة صحية
حتى نعرف أن العناد ظاهرة صحية وليس مرضاً لابد لنا من تعليل حالة العناد.
فما تعليل ذلك؟
حسبما يرى علماء النفس أن الطفل يشعر في هذه المرحلة بتفتح قدراته الجسمية والعقلية، فقد أصبح قادراً على المشي والتنقل وقادراً على الاختبار والاستقصاء، وبدأ يحسن التكلم والتعبير، وأصبح يفهم الشيء الكثير عن محيطه وبيئته، ويعقد صلات الصداقة مع أقرانه وهو يريد أن يثبت وجوده، وأن يثبت إقدامه، بل وأكثر من ذلك يريد أن يكون محط أنظار الجميع، وباختصار يريد أن يتصرف كأي شخص آخر لـه اعتبار، واحترامه وشخصيته المستقلة.
وهذا يعني أن سلبية الطفل وعناده دليل نمو شخصيته وازديادها قوة ومنعة، لا دليل شذوذه وانحرافه، فإذن هي دليل صحة لا دليل مرض([8])، ولكن بشرط أن تكون في إطارها المعقول كما سنوضح ذلك في أنواع العناد.
سن العناد
تحدد الدراسات العلمية سن ظهور العناد بالسنة الثانية والنصف وينتهي مع السن الخامسة وتكون الذروة بين السن الثالثة والرابعة، ويعتبر العناد في هذه الحالة طبيعياً ويزول كذلك بصورة طبيعية، بشرط أن يحسن الوالدان كيفية التعامل مع طفلهم، وعند التصرف السيء في علاج هذه الظاهرة تظهر مشاكل عديدة في حياة الطفل تؤثر في الحال وفي المستقبل، كما أنه يحول هذا العناد الطبيعي إلى عناد سيء مفرط، وقد تطور فترة بقائه إلى سنوات عديدة تظهر كمشاكل دراسية يعاني منها المدرسون في المدرسة والآباء في المنزل([9]).
أنواع العناد وعلاجه
يتضح من خلال ما بيناه أن هناك أنواعاً للعناد، ويمكننا أن نقسمه تقسيماً نسبياً إلى نوعين: العناد الطبيعي والعناد المشكل([10]):
1- العناد الطبيعي:
وهذا النوع لا يعد خطراً بل يعتبر ضرورياً للطفل، وعلى الأبوين أن يجيدا طريقة التعامل مع الطفل في هذه الحالة، فالصراخ في وجه الطفل وضربه وزجره ليس هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه الحالة، بل إيجاد الحل البديل الصحيح مع التعزيز لذلك الحل.
ونقصد بالتعزيز أن نشج الطفل بطريقة أو أخرى على التزام الحالة الصحيحة التي نريدها لـه، فمثلاً عليك كأب -والأم أيضاً- أن تعلم طفلك بعض كلمات التعزيز التي تدخل الفرحة والسرور في قلبه لقاء عمله الجيد، وفي أحيان كثيرة قد لا يفهم مصطلح هذه العبارات، ولكن إدخاله في مجموعة سنية أكبر منه قد تؤدي به إلى اكتساب هذه المصطلحات.
وأريد هنا أن أضرب مثالاً واقعياً على ذلك، فأنا لدي ابن عمره ثلاث سنوات استطعت -بأكثر من طريقة- أن أرسم في ذهنه بعض الكلمات الحسنة التي يحس بجمالها النفسي لتعززه للفعل المرغوب، وكذلك بعض الكلمات لتنفره من الفعل غير المرغوب.
والجدول التالي يوضح بعض تلك الكلمات:
الكلمات المحببة :
o شاطـــــر
o أســـــــــد
o يحب أبوه وأمه
o يريد يتعلم
o نظيف
الكلمات المنفرة
o ما شاطـــــر
o دلـــــــــــوع
o ما يحب أبوه وأمه
o ما أيسير المدرسة
o ما نظيف
فعندما يأتي ولدي بعمل جيد أقول لـه: أسد - شاطر، فيتفاعل مع ذلك العمل، وعندما يأتي بعمل غير جيد أقول لـه: ما شاطر - دلوع، فيترك ذلك العمل، ولكنني أوجد لـه البديل مباشرة وأعززه لعمله البديل قائلاً لـه: من يحب أبوه وأمه يفعل كذا، ومباشرة يفعل، وهكذا...
وهناك طرق كثيرة يمكن أن يبتكرها الوالدان أو يتعلمانها أو يسألان عنها للتعامل مع ظاهرة العناد لدى الطفل.
2- العناد المشكل:
ينشأ هذا النوع مع عدم وجود البيئة الصحيحة للتعامل مع العناد الطبيعي، حيث يتطور العناد الطبيعي إلى عناد مشكل فتطول فترته ويترك آثاراً سيئة يعاني منها الأهل والمدرسون، وقد تطبع حياته بطابع العناد المستمر وعدم المبالاة والاستهتار والانصراف عن العلم، والأخطر من هذا قد يصاب بعدم التواؤم النفسي مع حياته الاجتماعية فيضطرب، وقد تسلمه حالته هذه إلى أنواع من الأمراض النفسية والعقلية والاجتماعية وقد تورثه آفة العنف.
وفي حالة العناد المشكل ينبغي للوالدين أن يستعينا بأولي الخبرة للتغلب على مشكلة ولدهم وننصحهم بأن لا يلجأوا إلى الضرب إلا في حالات محدودة جداً.
خصائص هذه المرحلة
يقسم العلماء حياة الإنسان إلى مراحل نذكر منها مراحل طفولته:
o مرحلة الرضاع: منذ الولادة إلى نهاية السنة الثانية.
o مرحلة الطفولة المبكرة: من السنة الثانية إلى السنة السادسة.
o مرحلة الطفولة المتوسطة: من السنة السادسة إلى السنة التاسعة.
o مرحلة الطفولة المتأخرة: من السنة التاسعة إلى السنة الثانية عشرة أو إلى البلوغ.
وعند ملاحظة هذه المراحل نجد أن سن العناد الطبيعي يقع ضمن مرحلة الطفولة المبكرة، وحتى نوفي موضوع العناد بعض حقه لابد أن نعطي للقارئ ملخصاً لخصائص هذه المرحلة، ولا ريب أن هذه الخصائص تؤثر على حركة ظاهرة العناد، فعند معرفة هذه الخصائص يكون الوالدان على بصيرة في تربية طفلهم فينبغي لهما أن ينظرا نظرة شاملة لحياة طفلهم، فالإنسان كما قلنا كل متكامل.
من خصائص هذه المرحلة:
1- النمو الجسمي:
تحدث في هذه المرحلة تغيرات سريعة في الجسم، لأجل ذلك ينبغي أن يعتنى بتغذية الطفل تغذية صحية سليمة، فالطفل من جهة محتاج إلى الغذاء، ومن جهة أخرى لا يقدر أن يعتمد على نفسه في توفيره، فيقع على عاتق الوالدين تهيئة الغذاء المناسب، ففي هذه المرحلة يستمر ظهور الأسنان اللبنية واكتمالها، وقد تبدأ في التساقط لتحل محلها الأسنان الدائمة، وتنمو الأطراف بصورة سريعة، والجذع بدرجة متوسطة، والرأس بدرجة بطيئة، ويزداد الوزن مؤدياً إلى النمو العضلي وتتحول الغضاريف إلى عظام غير ناضجة.
2- النمو العقلي:
في هذه المرحلة يلاحظ على الطفل كثرة السؤال، وعلينا في الإجابة عليها أن لا نسلك مسلك الكذب، بل نقرب لـه الإجابة بطريقة صادقة يدركها عقلياً، ويطغى على هذه المرحلة الإدراك الحسي فهو لا يستطيع أن يتصور المجردات، بل يتصور المفاهيم والعدد والأشكال الهندسية -طبعاً بالتدرج مع السن- عندما نعرضها لـه كأشيا محسوسة لا كأشياء مجردة.
وأضرب على ذلك مثالاً واقعاً أيضاً:
زارنا ذات يوم شخص من ولاية نخل، وكان معنا في المجلس طفل في هذه السن، فسأل هذا الطفل الزائر: من أين أنت؟
الزائر: من نخل.
فسكت الطفل ليعمل هذا المفهوم في عقله فلم يستوعبه، فسأله مرة ثانية: أنت تكذب، لا أحسد يسكن في النخل.
فضحك الزائر وقال: أنا أسكن بلداً تسمى نخل.
فقال الطفل: يعني فيها نخل.
فقال الزائر مقرباً الإجابة: صح.
فقال الطفل: ولكن أيضاً بلادنا فيها نخل.
واحتار الزائر ولم يفهم الطفل.
فتدخل أحد الحضور ممن يستطيع أن يقرب المفهوم للطفل قائلاً لـه: هل ذهبت إلى مسقط؟
فقال الطفل: نعم ذهبت.
فقال المتكلم: هل ذهبت إلى حديقة النسيم؟
فقال الطفل بفرح: ذهبت.. ذهبت.
قال المتكلم: بلاده قريبة من هناك.
فقال الطفل: أنا أحب الحديقة، أنا أحب بلادكم سآتي معكم.
وزالت الحيرة من رأس الطفل. هذا مثال.
ومثال آخر في الأرقام؛ لا تطلب من الطفل أن يأتيك بتفاحتين فهو لا يفهم هذا العدد، ولكن حدد لـه ذلك بإصبعيه، وهكذا...
3- النمو الانفعالي:
ونقصد بالانفعال المشاعر الداخلية المرتبطة بالحركة الخارجية، ولذلك يسمى بالنفسحركي.
ففي هذه الفترة يحل اللفظ محل الحركة الجسمية.
والانفعالات في هذه المرحلة شديدة ومتنوعة وسريعة الانتقال من حالة إلى أخرى.
ويتركز الحب حول الوالدين، وتتركز الانفعالات حول الذات كالخجل والإحساس بالذنب والخوف والغيرة من المولود الجديد، وحب التملك، وهكذا...
وتؤثر وسائل الإعلام في هذه المرحلة في النمو الانفعالي تأثيراً كبيراً كما سنرى لاحقاً في أثر التلفزيون في إثارة ظاهرة العناد.
4- النمو الاجتماعي:
في هذه المرحلة تنمو الصداقة وتظهر الزعامة الوقتية وحب البروز بجذب انتباه الآخرين، ويميل الطفل إلى المنافسة الفردية وينمو لديه الاستقلال وتتسع دائرة العلاقات والتفاعل الاجتماعي في الأسرة([11]).
نخلص من هذا العرض أن على الوالدين والأهل أن يراعوا خصائص هذه المرحلة، فإن عدم الاتزان في التنشئة ستؤثر قطعاً على حالة العناد.
المؤثرات على ظاهرة العناد
نقصد بهذه المؤثرات كل ما يثير عناد الطفل فيجعل من مشكلته حالة مرضية، فيتحول العناد نتيجة هذه المؤثرات إلى حالة عصبية لدى الطفل تجعله غير مستقر، ولذلك على الوالدين والأهل أن يحذروا من استثارة ولدهم لأتفه الأسباب، أو يتخذوا من ذلك تسلية كلما أرادوا الضحك من تصرفات ولدهم، بل عليهم أن يتابعوا حالة ولدهم أولاً بأول، فيجعل لكل حالة علاجاً مناسباً، ويحاولوا أيضاً أن يقضوا على كل مؤثر سلبي، مما يتواءم مع طبيعة الطفل وفترته العمرية.
فما هذه المؤثرات؟
1- مؤثرات داخلية:
وهي المؤثرات التي تؤثر على ظاهرة العناد عند الطفل من داخل نفسيته كالمؤثرات الوراثية والذكاء وضعفه وغيرها، فمثلاً قد يؤثر المزاج العصبي الموجود عند أحد الوالدين في بروز حدة العناد عند طفلهم.
وأيضاً من المؤثرات الداخلية تحول المؤثرات الخارجية نتيجة بقاء أثرها عند الطفل إلى عقدة نفسية، فتتفاعل هذه المؤثرات كلما كان هناك مثير خارجي.
مثال ذلك: لدينا شاب تحولت لديه مشكلة عنادية مثارة في صغرة إلى عقدة مستمرة، فعندما كان هذا الشاب صغيراً، ألبسه أهله "كمة" على رأسه فرفض لبسها لسبب أو لآخر فحاول المحيطون أن يرغموه على لبسها وهو يرفض، فتحول لبس "الكمة" لديه إلى مشكلة لا يحتملها، فهو يشعر بأثر نفسي سيء كلما أراد لبسها.
في هذا المثال عناد الطفل للمرات الأولى يعتبر مؤثراً خارجياً طبيعياً، ولكن نتيجة استمرار هذه المشكلة تحول هذا المؤثر الخارجي إلى مؤثر داخلي.
2- مؤثرات خارجية:
وهي المؤثرات التي تؤثر على العناد من المحيط الخارجي نتيجة تصرف الوالدين والأهل، وكما قلنا سابقاً ربما تتحول المؤثرات الخارجية إلى مؤثرات داخلية تتفاعل عند المواقف المشابهة.
وبدون ريب أن المؤثرات الداخلية هي أصعب المؤثرات، وقد لا يظهر نشاز كبير لو كان هذا المؤثر وراثياً أو من طبيعة الطفل، وربما يتفهم المحيطون بالطفل هذا الأمر، ولكن الخطر من المؤثرات الخارجية التي تبقى مستمرة في حياة الطفل مما قد تثير لديه اضطرابات نفسية ومشاكل اجتماعية.
وهذه المؤثرات تتمايز في حدتها وخطورتها، فالمؤثرات التي تحدث نتيجة مؤثر مؤقت تزول بسرعة ولا تصنع من حالة العناد مشكلة تستدعي العلاج المرضي، أما المؤثرات المستمرة فهي التي تترك أثراً سيئاً ينطبع الطفل بطابعها، وهناك مؤثرات خطيرة جداً وهي المؤثرات ذات الهدف المرسوم المخطط.
لكن هل هناك أهداف مخططة مرسومة لإثارة العناد؟!
نعم، هناك مؤثرات من هذا النوع وهي المؤثرات التلفزيونية.
أثر التلفزيون في إثارة العناد
لا أتحدث عن التلفزيون من ناحية خطورته المطلقة، ولا الجوانب السلبية أو الإيجابية المؤثرة على الطفل، ولا كيفية توجيهه لحل مشكلة العناد، لأننا في الحقيقة لا نملك هذا الحل، فهذا الحل يجب أن تتظافر الجهود الحكومية والمؤسسية لإيجاده وهذا ما لا نملكه بصفة فردية.
وإنما سيكون الحديث عن أثر التلفزيون في تهييج العناد.
عندما نشاهد برامج التلفزيون الموجهة للأطفال وخاصة الرسوم المتحركة سنجدها منصبة على إبراز المواقف العنادية، فهناك الشخصية الشريرة التي تعاند الشخصية الخيرة كما في مسلسل "بابا رجل البحار" والشخصية الشديدة التي تشاكس الشخصية اللطيفة كما في مسلسل "توم وجيري" والشخصية التي تسخر بجميع من حولها وتعاندهم مثل شخصية "الأرنب" والشخصية التي تثير الرعب في المخلوقات الصغيرة "الفئران" وهي شخصية "القط"، وهكذا... بل أكاد أجزم بأنني لم أر قط في حياتي "أكثر من خمسة عشر عاماً دخول التلفزون البلاد" مسلسلاً للرسوم المتحركة لا يتعمد إثارة العناد، وأظن - وبعض الظن يفيد اليقين- أن القارئ الكريم يوافقني على هذه النظرة، أضف إلى كل ما ذكرته أن هذه البرامج أجنبية مسخرة ضد إسلامنا وقيمنا وعروبتنا، ومن أخطرها -والتي تتكرر دائماً- شخصية "المنقذ الذي يأتي بالمعجزات"، يعرض كل ذلك بما يترك أثراً سيئاً في الطفل من تشويه العقائد الإسلامية في عقله، وإثارة الأنانية في نفسه، هذه الأنانية -بدون ريب- مبعث للعناد، وأيضاً هذا المنقذ يقضي على خصومه الذين يعارضونه، فلنتصور كيف يواجه الطفل ذويه وإخوانه عندما يريد أن يتملك حاجة ما، سنجده يغضب ويصرخ ويضرب بيديه وربما يحمل السكين أو الحجارة لردع من يعانده.
يرى محمود رحمي مخرج برامج الأطفال أن خطورة هذه الأفلام في أنها تصدر النموذج الغربي بكل مساوئه للعقل العربي، بتدعيمها للفردية، وتصوير البطل دائماً على أنه المنقذ الذي يأتي بالمعجزات، والمسلسل الكرتوني "توم وجيري" شاهد فج على ما يفعله الغرب بأطفالنا([12]).
والطفل يعتبر أرضية خصبة لتأثره بما يعرض في التلفزيون سواء كانت البرامج موجهة لـه أو موجهة للكبار، وأسوق هنا تجربة قام بها باحث اسمه "أندريو ملتزوف" من جامعة واشنطن عام 1988م، كان هدف "ملتزوف" من تجربته هو أن يعرف إن كان الأطفال الصغار بمستوى فهم مضمون عروض متتالية من المشاهد التلفزيونية بالقدر الذي يكفي على الأقل لتمثلها في سلوكهم، فقد وضع بشكل منعزل أربعين طفلاً لا يتجاوز عمر كل منهم السنة -وبالتالي فإن فترة العناد أكثر تأثراً بدون ريب- أمام شاشة يحرك فيها شخص دمية فتؤدي بعض الحركات المحددة تماماً، ثم أعطى الدمية إلى نصف الأطفال ولم يعط الآخرين إلا بعد أربع وعشرين ساعة لاحقة دون أن يشاهدوا الصور التلفزيونية مرة أخرى في هذه الأثناء وتبين بالمقارنة مع مجموعات كانت بمثابة الشهود ولم تر التلفزيون، إن النسبة المئوية للمشاهدين للتلفزيون الذين قلدوا حركات النموذج كانت كبيرة وذات مغزى، سواء حدث التقليد آنياً أو لاحقاً([13]).
هذه هي الحقيقة.
وقد أحصى المركز الدولي للطفولة أربع مراحل لتمثل الحركات المنقولة في التلفزيون:
1- التقليد: يتقمص الطفل الشخصية التي يقلد تصرفاتها أو التي يتبنى آراءها بطريقة إرادية.
2- التشبع: تصبح عملية التمثيل أو التقليد غير واعية ولا يختار الطفل بطله.
3- تبدد التثبيط: تشج عروض تلفزيونية معينة انتقال الطفل إلى مرحلة الفعل.
4- تبدد التحسس: بعد أن يتكفي الطفل مع الأحداث نتيجة تكرارها لا يعود يتأثر بهها بل ينظر إليها على أنها طبيعية وعادية([14]).
ونريد هنا أن ننبه إلى أن العناد إذا غذي بمشاهد العنف التي تعرض في التلفزيون سيكون حالة تنذر بالخطر يجب أن يقف الجميع أفراداً ومؤسسات لعلاجها.
والذي يعنينا هنا أن نشير إلى العلاج بيد الوالدين والأهل، فعليهم أن يعودوا أبناءهم على مشاهدة ما يتم اختياره لهم وفي الوقت المختار أيضاً، أما دعوى أنني لا أستطيع ذلك، فهذا عذر أقبح من ذنب، فقد رأينا العديد من الآباء الذين نجحوا في بناء أبناءهم مع وجود التلفزيون في بيوتهم.
نصائح لتجاوز مشكلات العناد
أحب هنا أن أنقل نصائح الدكتور "نبيه الغبرة" لتساعد الآباء في التخفيف من سلبية الطفل وشدة عناده:
1- أن يربى الطفل منذ البدء تربية نظامية، فيها تلبية لحاجاته الجسمية والنفسية، ولكن دون إيجاد عادات سيئة، فالطفل ما أسرع ما يتعود وما أصعب أن يترك ما يتعود.
2- عند إطعام الطفل يترك لـه حرية اختيار ما يحب أكله دون إجباره على نوع معين أو على المزيد من الغذاء.
3- توفير الألعاب المناسبة لدرجة تطوره العمري، وأن يترك لـه حرية الاختيار لهذه اللعب.
4- عند تعليمه النظافة يجب أن يعامل بلطف وخاصة عند التبول وقضاء الحاجة، فإن الشدة تثير عناده وتغرس فيه روح المشاكسة.
5- أن نخفف ما أمكن من الأوامر والنواهي والتدخل، وأن نعلم الطفل السلوك الاجتماعي واحترام حقوق الآخرين باللطف واللين والتدرج بروح مفعمة بالحب([15]).
هذا، ولابد من الحزم في بعض المواقف، وإلا أصبح الطفل مائعاً قلقاً غير قادر على تحمل مسؤوليته في المستقبل، وأيضاً لابد من توفر القدوة الحسنة في الوالدين والأهل لكي يحتذيها الطفل.
وفي الختام: عسى أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع بالطريقة المفيدة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني الصواب، وأن يتجاوز عني خطأي، والله الموفق لما يحب ويرضى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
نشرت فى 27 ديسمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,793,358
ساحة النقاش