لا يمكن للإنسان ان يعيش كالنعامة يدفن رأسه في التراب كلما واجهته مشكلة معضلة، لان المشاكل لا تحل نفسها بنفسها، وانما تبحث دائما عن حل دائم ومستقر، ولا يتأتى لها هذا الحل المنشود إلا في نطاق المشروعية، لان الخيانة التي تقع من كلا الزوجين لا تأتي من فراغ، وانما لها اسبابها وبواعثها، واغراضها المباشرة أو غير المباشرة، سواء أكانت ظاهرة أم خفية.
فلماذا تقع الخيانة وأين وكيف؟ التساؤلات تعمل على تفحص المشكلة، لتشخيص الداء، ووصف الدواء الناجع لها، وبخاصة اذا كان متوافرا في شرع اللّه تعالى ودينه الخاتم. الاسلام بكل صراحة، ودقة، وموضوعية، واحكام، لا ينقصنا سوى التعرف عليه، للتوصل الى الحل لمشكلة الخيانة الزوجية، قبل فوات الأوان.
نقطة البداية
سوء الاختيار لأحد الزوجين هو البداية الخاطئة، لحياة كان ينبغي لها ان تكون مستقرة ومستمرة، لان الاصل في النكاح التواصل بقوة من الحياة الى الممات، لان النكاح المؤقت أو محدد المدة لا يقره الاسلام، فإذا تغاضى الرجل أو المرأة عن بعض العيوب الظاهرة في المتقدم اليها أو عن عيوب المتقدم ذاته، فإن بعض هذه العيوب قد يستفحل ويؤدي الى تصدع الزوجية أو الانحدار بها الى طريق الغواية، بسبب عدم التوافق العاطفي أو الخلقي أو غير ذلك من الاسباب، فمن يتجاهل دعوة الرسول صلى اللّه عليه وسلم للرجل أن يحسن اختيار أم لاولاده، وان السوداء الولود الودود، خير من الحسناء العقيم، بالقطع سيعاني في حياته من العديد من المثالب، لان مهمة الزواج ليست مجرد ارضاء، الشهوة فحسب، وانما هي لاداء رسالة عمارة الكون، وتربية النشء ايضا، ويؤكد هذا المعنى الدعوة الى تفضيل ذات الدين، على ذوات المال أو الجمال أو الحسب والنسب وان كانت لا تتمتع بهذه المزايا، لأن ذات الدين غناها في نفسها، وجمالها في خلقها، وحسبها في سلوكها وحسن تبعلها لزوجها، لان الحسن قد يردي المرأة ويسقطها في مهاوي الانحراف، وتوافر مالها قد يجعلها طاغية تعمل على التحكم في زوجها وكافة شئون الاسرة، كما انها قد تعتمد على انها حسيبة نسبية فتتعالى وتتكبر على زوجها، وهذا كله يؤدي الى الفت في عضد الاسرة، ويضع العوائق في طريقها و قد يؤدي الى تدميرها أو الاندفاع بها الى مسالك وطرق لا تحمد عقباها.
حسن الاختيار وحده لا يكفي
اذا احسن كلا الزوجين الاختيار للآخر، فلا يعتمد على هذا الامر وحد، لانه مجرد بداية صحيحة، يعقبها حسن رعاية وعناية متبادلة بين الطرفين، وليحرص كل طرف على اعفاف الطرف الآخر بكل وسيلة مشروعة حتى وان كانت رغبة الزوج وشهوته غير مولعة بزوجته في وقت معين، وهي في حاجة اليه فعليه تلبية رغبتها، بل اذا انعدمت لديه الشهوة فينبغي عليه اعفاف زوجته، اعمالا لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «مباضعتك أهلك صدقة، قلت: يا رسول اللّه أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال: أرأيت لو وضعه في غير حقه كان عليه وزر؟ قال: قلت: بلى، قال: افتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير». لانه يؤجر على فعله هذا، وان كان على غير رغبة منه، بمقتضى هذا الحديث الشريف، بل لا يجوز للزوج ان ينشغل عن زوجته بعبادة أو عمل، أو يتغيب عنها لفترات طويلة بلا عذر أو ضرورة، ويؤيد ذلك ما روي عن زوجة عبداللّه بن عمرو بن العاص - رضى اللّه عنهما - انها شكت الى النبي صلى اللّه عليه وسلم انصراف زوجها عنها، لاشتغاله بالعبادة، فأرسل اليه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما جاء له، قال له: «يا عبداللّه، ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ فقال: بلى يا رسول اللّه، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وان لعينك عليك حقا، وان لزوجك عليك حقا».
وقد شغل أمر غياب الازواج عن زوجاتهم لفترات طويلة بال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - عندما سمع في جوف الليل في اثناء حراسته للمدينة صوت امرأة تقول:
تطاول هذا الليل وازورّ جانبه وليس الى جنبي خليل ألاعبه فواللّه لولا اللّه لا شيء غيره لزعزع من هذا السرير جوانبه. مخافة ربي والحياء يكفني وأكرم بعلي أن تنال مواكبه
سارع أمير المؤمنين بترك حراسته ثم سأل عن هذه المرأة، فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل اللّه، فأرسل إليها أمرأة تكون معها، وبعث الى زوجها فأقفله - أي ارجعه اليها مما كان فيه - ثم دخل على أم المؤمنين حفصة - رضى اللّه عنها - فقال: «يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان اللّه، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: خمسة أو ستة أشهر» فوقت للناس في مغازيهم ستة اشهر، يسيرون شهرا ويقيمون اربعة، ويسيرون شهرا راجعين.
ويرى شيخ الاسلام ابن تيمية ان حق الزوجة في الوطء غير مقدر بمدة، وانما يقدر بكفايتها، أو باشباع رغبتها، ما لم ينهك بدنه، او يشغله عن معيشته، فإن تنازعا في القدر الذي يكفيها زو يعفها فينبغي للحاكم ان يفرضه على الزوج شأنه شأن النفقة سواء بسواء بل ان النفقة امرها قد يحتمل، ولكن شعار الرغبة قد لا يحتمل، لذلك يفرض للزوجة القدر الذي يعفها في حدود قدرة وطاقة الزوج، بلا افراط أو تفريط وهذا هو رأي الامام الغزالي ايضا، بل يقول كذلك: ينبغي على الزوج ان يزيد أو ينقص في عدد مرات الوطء لزوجته حسب حاجتها بهدف تحصينها واعفافها، لان تحصينها واجب عليه.
وعليه لا يكفي حسن اختيار الزوجة، وانما ينبغي معاشرتها بالمعروف، وارضاء رغبتها، وكذا الشأن بالنسبة للزوجة تجاه زوجها، فإن دعاها الى فراشه من ليل أو نهار، فلا تمتنع عليه إلا لمانع شرعي أو صحي ضروري وقطعي، لان تحصين الزوج
واعفافه ايضا من مهام الزوجة.
الرعاية والمحبة بين الزوجين
ان الرعاية وبث روح التفاهم والحب بين الزوجين، يعمل على استقرار الحياة الزوجية بينهما، وعلى الرجل يقع العبء الاكبر في رعايته لزوجته، استجابة للتوجيه النبوي الكريم، فقد روي عن جابر بن عبداللّه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبته في صحة الوداع: «اتقوا اللّه في النساء، فإنهن عوان عندكم، اخذتموهن بأمان اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن أن لا يواطئن فراشكم احداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غيرمبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف». وأهم من توفير ضروريات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، اعفاف الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها وتحصينها له باشباع رغبته، وغلق منافذ الشيطان وقطع حبائله عنهما، يجعل المودة والرحمة بينهما متواصلة بلا انقطاع اعمالا لقول اللّه تعالى: «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، وقد يحقق التقارب والمودة بين الزوج وزوجته ما لا يمكن أن تحققه كافة مباهج الحياة، لان المرأة متاع، وهي بطبيعتها تميل الى كلمات الحب، بحكم عواطفها الجبلية، ومشاعرها الفطرية، وليس على الزوج سوى الرعاية والعناية بهذه المشاعر، ورب كلمة طيبة يكون لها في نفس الزوجة ما يغنيها ويعفها، ويزيد من اخلاصها وعطائها لوجها، والعكس صحيح، لان الحياة تتطلب تعاون الطرفين فالمرأة لباس للرجل، وهو لها كذلك، مصداقا لقوله تعالى: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» والملابس تواري أخص خصوصيات الإنسان، وتستر عوراته، فكل زوج ستر لعورة زوجه، ومن اهم المهام المنوطة به، اعفاف وتحصين زوجه، يتساوى في هذا الشأن الرجل والمرأة.
الحل المشروع للمشكلة
ان مشكلة الخيانة الزوجية لن تجد حلها المشروع سوى في رحاب الاسلام بأحكامه وقيمه، والتأسي برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في معاملته ومعاشرته لزوجاته امهات المؤمنين - رضوان اللّه عليهن - فلا ينبغي للرجال ان يرتموا على نسائهم كالبهائم، بل ينبغي ان يجعلوا بينهم وبينهن رسولا، من مقدمات الجماع، لتهيئة نفسية الزوجة، وبعث رغبتها، لتتمكن من اشباع رغبة الزوج، لأن سوء المعاشرة أو الانحراف بها، يهدد عرس الزوجية، ويفت في عضدها، ويعرض حصن الزوجية للاختراق من شياطين الانس واخوانهم، فإذا تنافرت الطباع، واستعصى الحل في اخص خصوصيات العلاقات الزوجية الحميمة، فلا مفر من اللجوء الى آخر انواع العلاج وهو الطلاق، لانه ابغض الحلال، ولكنه ايضا بمثابة الكي الذي يتم اللجوء اليه عند تعذر التداوى بما عداه.
هذا أفضل من التغاضى عن حل هذه المشكلة، ساء كانت قديمة أو مستجدة، لأنها من اخطر المشاكل، وقد يضعف امام متطلباتها ومغرياتها بعض الازواج من الرجال أو النساء، وقد يجد الرجل فسحة في تعديد زوجاته، ليشيع رغباته بصورة مشروعة، لكن المرأة لا مجال امامها سوى ان تروى غلتها من زوجها فحسب، لذلك لا مفر في حالة عجز الرجل عن مجاوبة المرأة أو التفاهم معها بصورة تحقق رغباتهما المشروعة، ان يتفق معها في حل عقدة النكاح بالطلاق أو التطليق، فهذا أكرم لهما، ويسد باب الفساد والانحراف تحت ستار الزوجية، فلعل المرأة تجد زوجا آخر أصلح من طليقها، ولعل الرجل يجد زوجة أخرى تطيب له وتشبع رغبته وبغير المصارحة والوضوح بين الزوجين، لن يتم حل هذه المشكلة والقضاء على جميع تبعانها، وكل حل خارج احكام الشريعة الاسلامية، لن يكون حلا حاسما، بل قد يؤدي الى تفاقم المشكلة، من خلال توالد مشاكل اخرى اخطر واعقد، تفت في عضد المجتمع، وتشيع الفساد في جنباته، ما لم يتم حسمها بالحل الشرعي، في الوقت المناسب.
المرأة بطبعها عاطفية فأهم شيء لديها المشاعر والاحاسيسفعندما تعلم بخيانة زوجها لها تهدم في قلبها كل شيء.
ساحة النقاش