في أيار الماضي، دعا مجلس التعاون الخليجي كلا من المغرب والأردن للانضمام إلى عضويته. قرار، فاجأ كلاً من الدولتين المدعوتين بالإضافة إلى معظم الدول الأعضاء في المجلس، ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والسياسية في الدول الخليجية وفي الأردن.
وتناولت الصحف العربية والأجنبية خلفيات الدعوة، وأجمعت على أنها تأتي في سياق مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، لا سيما بعدما ثبتت قدرة إيران على التأثير في الأحداث في الخليج، وبعد سقوط كل من مصر وتونس بالإضافة إلى الخطر الذي يتهدد اليمن. على الأثر، اعتبر المحللون أن هذه الدعوة تهدف إلى الدفاع عن الأنظمة الملكية في المنطقة التي تخاف رياح الاحتجاجات التي تعم المنطقة بأسرها، خصوصا بعدما بينت الأحداث في مصر وتونس غياب الاهتمام الأميركي في الدفاع عن حلفائها لتركب الموجة الجديدة.
يقارن الباحث وأستاذ العلوم السياسية في «الجامعة اللبنانية الأميركية» باسل صلوخ بين ظروف دعوة كل من المغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي بتلك التي رافقت إنشاء المجلس في العام 1981. «توقيت وخلفيات الدعوة هو توقيت الثورات العربية، ومحاولة الأنظمة الملكية رصّ صفوفها وحماية نفسها. وهذا الأمر، يشبه توقيت إنشاء مجلس التعاون الخليجي الذي جاء حينها ردّا على الثورة الإيرانية والخوف من امتداد رياح الثورة إلى الخليج، حيث تم استثناء كل من اليمن والعراق من العضوية».
إذاً، هي محاولة إنشاء «ناد ملكي»، بحسب صلوخ، «ذلك أن هذه الدول تنظر إلى نفسها على أنها حالة واحدة لا تتجزأ». أما الرسالة التي تريد توجيهها، برأي صلوخ، فهي «أنها تريد أن تقول إنها تختلف عن الأنظمة الجمهورية. بالإمكان مناقشة كل شيء، إلا الملكية». ففي الأنظمة الجمهورية، «إحدى المشكلات الأساسية التي خلقت نوعاً من النقمة عند الشعوب العربية وكانت الدافع لانفجار هذه النقمة هي قضية التوريث»، يضيف صلوخ. من هنا، «كانت الحاجة لدعم الحلقات الضعيفة في هذا النادي الملكي، إذاً انه ليس من مصلحة الأنظمة القوية أن تنهار مثيلاتها الضعيفة، وهذا ما يفسر الدعم المالي الذي حصلت عليه كل من سلطنة عمان والبحرين».
أما في ما يتعلق بفرضية ارتباط دعوة الانضمام إلى محاربة التمدد الإيراني، فيرى صلوخ أنه لو كانت هذه الفرضية صحيحة لكانت «حصلت الدعوة من قبل»، فالخوف اليوم، هو من «تأثير الثورات على هذه الأنظمة وإمكانية امتدادها إلى بلدانهم». هي «حركة مناورة» إذاً من قبل أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب صلوخ. «تحصن هذه البلدان نفسها من خلال دعم الأنظمة الملكية الضعيفة».
يختلف الأردنيون في تحليل أسباب الدعوة وتوقيتها وخلفياتها. تحليل أول، يعبّر عنه الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، الذي يرى أن قبول طلب الأردن الانضمام إلى المجلس «يرتبط بالثورات الديموقراطية، وهي تأتي ضمن رؤية سعودية لبناء إطار ما يسمى بالممالك العربية، وتحصينها من موجة التغيير الحالية». من هنا، تولي السعودية أهمية كبرى بحسب أبو رمان «لتأمين الجبهة الشمالية للخليج بعدما انهارت الجبهة الجنوبية».
هي مقاربة بين الأمس واليوم، يقدمها الكاتب والناقد الأردني سلطان الحطاب. «في العام 1996، تقدم الملك الراحل حسين بطلب الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي في أعقاب اتفاقية أوسلو. عندها، شعر الأردن أن دوره في القضية الفلسطينية قد تراجع، ولا بد من البحث عن بدائل»، غير أن الولايات المتحدة عارضت الانضمام «لاعتبارات كثيرة، منها اعتقادها باستمرارية دور الأردن في القضية». اليوم، لا يشعر الأردن بتراجع دوره فحسب، بل تشعر معه بذلك، المملكة العربية السعودية. «على أثر الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن وانخفاض المساعدات التي يتلقاها، بالإضافة إلى أننا نتوقع أن يحدث توجه جديد في القضية الفلسطينية في الفترة المقبلة من أجل ولادة الدولة الفلسطينية، كل هذه الاعتبارات قد تؤدي إلى تراجع الدور الذي يلعبه الأردن مرة أخرى».
من هنا، يكمل الحطاب، «لا بد من التعويض عن الأردن، وذلك من خلال انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي لتعزيزه، لا سيما أنه الدولة الوحيدة المتبقية في دول الاعتدال بعد سقوط مصر». هي استدارة كاملة إذاً، بحسب الحطاب، إذ أصبحت الأردن اليوم «عمقا لدول الخليج عامة والسعودية خاصة».
القرار النهائي لم يتخذ بعد حتى اليوم، وجدية الدعوة لا تزال ضبابية بالنسبة للأردن «الذي لا يزال ينتظر حتى إتمام الإجراءات اللازمة، غير أن آلية تحقيقها بطيئة ولم تسرع من تحرك العجلة»، بحسب الحطاب. من هنا، فإن الأيام المقبلة، «ستترجم مدى جدية هذه الدعوة أو عدمها والأردن لا يزال ينتظر رغم أنه تم الحديث عن تشكيل لجنة لدراسة الدعوة» يقول الحطاب.
أين تقع إيران في معادلة انضمام الأردن؟ يستبعد الحطاب أن تكون مواجهة التمدد الإيراني سببا من أسباب دعوة الأردن إلى الانضمام «فالأردن في الأصل من دول الاعتدال التي لطالما شجبت التدخل». في المقابل، يخيم التناقض على موقف أبو رمان، الذي على الرغم من تأكيده أن «هذه القضية تراجعت»، فهو لا ينفي أن «إيران عامل حقيقي ومباشر في الرغبة في ضم الأردن وخصوصا بعد أحداث البحرين والقلق في الخليج العربي من الدور الإيراني في الثورات، لا سيما أن إيران تستخدم العامل الشيعي في سياساتها!».
هي عدة سيناريوهات يطرحها الأردنيون، وينقسمون حولها، حول أثمان هذه الدعوة على المستوى السياسي والأمني. يرى أبو رمان أن الشارع الأردني والنخبة السياسية تتخوف من أن «ترتبط هذه الدعوة بعرقلة الإصلاح السياسي وتحجيمه ضمن السقف المقبول خليجيا». أما في الشق الأمني فهناك، بحسب أبو رمان، «تخوف وعدم وضوح ما إذا سيكون هناك دور أمني للأردن في قمع الاحتجاجات في الخليج وهذا ما يرفضه الشارع الأردني».
المشكلة إذاً بالنسبة للشارع «تتأرجح بين أولوية الشأن الاقتصادي والمطلب الديموقراطي، وهذا هو التحدي الحقيقي». احتمال التدخل العسكري، لا ينفيه الحطاب «خاصة أن الولايات المتحدة لم تعد مندفعة في مساعداتها كما كانت في أفغانستان، لذا فإن دول الخليج قد تحتاج إلى قدرات الأردن العسكرية». في المقابل، يرفض الحطاب أن تكون الدعوة للانضمام على حساب حركة الإصلاح، «إذ هناك دول خليجية متقدمة في الإصلاحات أكثر من الأردن، مثل الكويت».
وعلى عكس أبو رمان، يلفت الحطاب، إلى أن الشعب الأردني ينظر إلى قضية الانضمام على أنها سوف «تحل معضلات اقتصادية واجتماعية، ولا يرد في ذهنهم أنه ستترتب على ذلك أثمان عسكرية أم سياسية». رأي، تقابله معادلة الديموقراطية مقابل الاقتصاد.
ولكن، تبقى استجابة الأردن أو عدمها مرتبطة بدرجة عضويته في مجلس التعاون الخليجي. فالسعودية لا تزال هي الدولة الوحيدة التي ترغب بانضمام الأردن لحماية حقوقها، «ولا يزال هناك عقبات كثيرة أمام إتمام الانضمام لأن هناك معارضة داخل المجلس ومن دول حليفة، لا سيما الكويت، فالمسألة في الخليج لا تزال مبكرة».
ويعود رفض دولة الكويت انضمام الأردن إلى المجلس إلى موقف الأردن الداعم للغزو العراقي للكويت. فعلى الرغم من المبادرات التي جرت بين الدولتين لرأب الصدع بينهما، من خلال إعادة فتح السفارات في كل منهما في النصف الثاني من التسعينيات، بالإضافة إلى تدفق الاستثمارات الكويتية إلى الأردن، يبدو أن الكويتيين لم يتخطوا بعد مسألة الغزو، وقد انعكس هذا الأمر في مواقف عدد من النواب الكويتيين الذين دعوا الشعب الكويتي إلى عدم نسيان موقف الأردن في الغزو. فإبان الغزو العراقي للكويت، أيّد الأردن الغزو بذريعة «حماية البترول العربي وتصحيح الخلل في توزيع الثروة في الخليج»، معتبرا أن الحدث أشبه «بتأميم قناة السويس في مصر»، ورافضا للتدخلات الخارجية. وبعد الضغوط الدولية التي مارسها المجتمع الدولي، بدّل الأردن لهجته حول الغزو. ففي العام 1990، رفض الاعتراف بالحكومة الانتقالية التي شكلها العراق، وأدان الغزو مؤكدا على سيادة الكويت. وتأزمت العلاقات الأردنية الكويتية بعد إقدام الأردن على إغلاق سفارته في الكويت في 20 آب من العام 1990، والسماح للعراق باستخدام ميناء العقبة بعد فرض الحصار عليه.
المغرب امتنعت عن قبول الدعوة من دون أن «تنفي استمرارها في التعاون مع دول الخليج»، عازية الأمر إلى رغبتها وتضافر جهودها لتشكيل اتحاد المغرب العربي.
خلافا للأردن التي سارعت إلى الترحيب بدعوتها للانضمام، امتنعت المغرب عن قبول الدعوة من دون أن «تنفي استمرارها في التعاون مع دول الخليج»، عازية الأمر إلى رغبتها وتضافر جهودها لتشكيل اتحاد المغرب العربي.
يلخص الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلوم السياسية والحياة السياسية الدولية في كلية الحقوق في «جامعة القاضي عياض» في مراكش، خلفيات دعوة المغرب للانضمام إلى المجلس. «تنامي المد الإيراني في المنطقة واقتناع مجلس التعاون بعدم المراهنة على الولايات المتحدة، خصوصا بعد انهيار النظام المصري الحليف وتخلي الأميركيين عنه بعدما تغيرت المعادلة». هذا في الشكل، يقول لكريني. هنا، يعبّر عما امتنع الأردنيون عن التطرق إليه بصراحة. «من المعلوم أن للمغرب والأردن إمكانيات عسكرية وأمنية متطورة تساعد دول الخليج في التنظيم والتدريب لمواجهة المدّ الإيراني المتزايد في المنطقة»، من هنا، يلخص المعادلة البسيطة وراء الدعوة: الأمن مقابل الاقتصاد.
ويؤيد لكريني غيره من المحللين الذين رأوا في الدعوة محاولة لحماية الأنظمة الملكية مما يجري في الخليج، ولا ينفي القلق من أن تكون هذه الدعوة «هي للالتفاف والحد من الإصلاحات والتطور الذي تعرفه هذه الملكيات، لا سيما المغرب، من تقاسم السلطة وتطوير الدستور».
وعلى الرغم من المكاسب الاقتصادية الكبيرة التي سيحققها المغرب مثل فتح السوق أمام الاستثمارات الخليجية وتصدير اليد العاملة من البلاد، خاصة في ظل البطالة، إلا أن الدعوة لم تلق ترحيبا شعبيا كبيرا بحسب لكريني، وذلك لأسباب عديدة أبرزها «أن هناك أولوية عند المغرب، وهي إنشاء اتحاد المغرب العربي». من هنا، «فإن دعوة مجلس التعاون الخليجي قد يجعل المغرب يحيد عن الانفتاح على محيطه القريب، لا سيما أنه قبل نحو أسبوع أسسنا منظمات العمل المغربي مع مجموعة من المثقفين من أجل دعم قيام اتحاد المغاربة». من هنا، يرى لكريني أن المغربي يعتبر أنه «ليس هناك أي مقومات من أجل دعم هذا الطرح، ذلك أن المغاربة يعون أن هذه الدعوة هي بمثابة ولادة قيصرية، قد تزول مع انتهاء الثورات».
ويذكر لكريني بالانفتاح الذي يتمتع به المغرب، معتبرا أن احد أسباب الرفض الشعبي للدعوة هو «خوف الشعب المغربي من أن تؤثر هذه الحوافز الاقتصادية على موضوع الحريات».
أما النخبة السياسية، فهي لا تختلف عن توجهات الشعب كثيرا، وتنقسم بحسب لكريني إلى قسمين: الأول «يتعامل بنوع من التأني مع هذه الدعوة من خلال التركيز على خلفيتها وأبعادها، وعلى مدى وجود مقومات تدعم هذا الانضمام مثل الجغرافيا والمصالح المشتركة». في المقابل، يرى القسم الثاني من النخب السياسية أن «من شأن هذه الدعوة أن تعود بمزيد من الإيجابية على المستوى الاقتصادي، خاصة أن المغرب في أمسّ الحاجة للانفتاح على هذه الدول لحل مشاكل مرتبطة بالتعليم والبطالة والصحة».
هل تصل رياح الاحتجاجات إلى المغرب؟ يشرح لكريني أن «الإصلاح في المغرب ليس جديدا، بل بدأ منذ التسعينيات مع تعديل الدستور ووصول المعارضة إلى الحكم، بالإضافة إلى التشريعات المتعلقة بالتعددية الحزبية وحرية الرأي وغيرها». من هنا، ينظر لكريني بإيجابية إلى الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في المغرب في 20 شباط، معتبرا أنها «أدت إلى تسريع وتيرة الإصلاحات التي بدأها المغرب»، وأبرز تجلياتها «الاستفتاء بشأن الدستور الذي سيطرح الأسبوع المقبل على الشعب المغربي».
فالإصلاح الدستوري، يتابع لكريني، قد انطلق «منذ أسابيع بمشاركة الأحزاب وأكاديميين والمجتمع المدني»، وهنا تكمن بالنسبة إليه أهمية وجود «هذه الحركة الاحتجاجية السلمية والحضارية لمواكبة هذا الإصلاح الذي يشكل وسيلة من أجل دعم قضايا مهمة مثل التعليم والقضاء والشفافية وغيرها». هو امتحان إذاً لكل من الدولة والحركة الاحتجاجية، «إذ ان قوة مشروعية الاحتجاجات في المغرب ستتأثر بمدى استجابة الدولة بالمحطة التالية في مسيرة الإصلاح المرتبطة بالدستور، عندها، ستربح هذه الحركة، وهناك تجاوب لا بأس به لاستجابة الدولة لهذه المطالب»
<!-- End News -->
<!-- Begin Qutes 1--><!-- End Qutes 1-->
<!-- Begin Qutes 2--><!-- End Qutes 2-->
<!-- Begin Qutes 3--><!-- End Qutes 3-->
ساحة النقاش