ملف مياه النيل
نهر النيل شريان الحياة لمصر منذ بدء التاريخ، وهو يجري من الجنوب إلى الشمال نحو مصبه في البحر الأبيض المتوسط
وحوض النيل هو مسمي يطلق علي 10 دول إفريقية يمر فيها نهر النيل؛ سواء تلك التي يجري مساره مخترقا أراضيها، أو تلك التي يوجد علي أراضيها منابع نهر النيل، أو تلك التي يجري عبر أراضيها الأنهار المغذية لنهر النيل. ويغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم² من المنبع في بحيرة فكتوريا وحتي المصب في البحر المتوسط
يبلغ عدد الدول المشاركة في حوض نهر النيل عشراً، وهي من المنبع إلى المصب كما يلي: بوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا وإرتريا (بصفة مراقب) والسودان ومصر.
وقد تم توقيع اتفاقيات تنظم توزيع حصة كل دولة من دول حوض النيل من مياه نهر النيل وهذه الاتفاقيات هي :
إتفاقية مياه النيل 1929: هي إتفاقية أبرمتها الحكومة البريطانية -بصفتها الاستعمارية- نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا و كينيا)، في عام 1929 مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض (الفيتو) في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده، وتبع هذا اتفاقية عام 1959 تعطي لمصر حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 84 مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل.
وقد تضمنت اتفاقية عام 1959 بند الأمن المائي، الذي يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلا بعد الرجوع إلى دولتي المصب (مصر و السودان)، والجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية كانت قد قضت عام 1989 بأن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود، ولا يجوز تعديلها.
وفي شباط- فبراير 1999 تم توقيع مبادرة حوض النيل بين دول حوض النيل العشر، بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين هذه الدول. وقد تم توقيها في تنزانيا.
وفي أيار- مايو 2009، عقد اجتماع وزاري لدول حوض النيل في كينشاسا عاصمة الكونغو الديموقراطية لبحث الإطار القانوني والمؤسسي لمياه النيل، ورفضت مصر التوقيع على الاتفاقية بدون وجود بند صريح يحافظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل.
وفي تموز-يوليو 2009، عقد إجتماع طارئ لوزراء خارجية دول حوض النيل بالاسكندرية، مصر، وفي بداية الجلسات صدر تحذيرات بإستبعاد دول المصب (مصر والسودان) من توقيع الاتفاقية، ثم أعطيت مهلة 6 أشهر للدولتين. وقد حذر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير حسام زكي من خطورة الاندفاع وراء ادعاءات زائفة لا أساس لها من الصحة تروجها أيد خفية في بعض دول المنبع تدعى زورا معارضة مصر لجهود ومشرعات التنمية بهذه الدول، مشيرا إلى أن مصر كانت وستظل الداعم الرئيسي والشقيقة الكبرى لدول حوض النيل في مدينة عنتيبي الأوغندية يوم 10 أيار-مايو 2010 وقعت خمس دول من دول حوض النيل "إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا"على الاتفاقية الإطارية، وقد رفضت دولتا المصب "مصر والسودان"، التوقيع على الاتفاق لأنه ينهى الحصص التاريخية للدولتين "55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان"، كما تطالب مصر باخطارها قبل إقامة أى مشاريع مائية مثل السدود على نهر النيل، وتطالب أيضا بضرورة الحصول على موافقة بالإجماع أو بالأغلبية قبل إقامة أي سدود ومشاريع مائية على نهر النيل،وهو مالم يتضمنه نص الاتفاق الذى وقع في عنتيبى الذى ركز على أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول، بأن تنتفع دول مبادرة حوض النيل انتفاعاً منصفاً ومعقولاً من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل، على وجه الخصوص الموارد المائية التى يمكن تطويرها بواسطة دول مبادرة حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول.
وهذه هي أول مرة في التاريخ تجتمع فيها دول المنبع وتوقع اتفاقا ضد مصر والسودان دولتي المصب.
كان من المثير للدهشة في الأمر أن يخرج علينا بعض رجال النظام المصري الحاكم ليتهموا الرئيس جمال عبد الناصر بالتسبب في سوء العلاقات المصرية الأفريقية لإهتمامه بالعرب على حساب الأفارقة، وكان الدكتور مصطفى الفقى رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب هو أول من صرح بذلك، ثم نشر الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام مقالا يحمل نفس المعنى.
يبدو هذا التبرير لسوء العلاقات المصرية الأفريقية إذا وافقنا عليه عصي على الفهم ومستحيل تصديقه لأن الرئيس جمال عبد الناصر صعدت روحه إلى بارئها منذ 40 عاما، وتعاقب على حكم مصر من بعده الرئيس السادات ثم الرئيس مبارك، ولأي عاقل فإن 40 عاما تكفى وتزيد لإصلاح العلاقات المصرية الأفريقية، بل وعلاقات مصر بالست قارات وبالفضاء الخارجي أيضا.
ولكن هل كانت العلاقات المصرية الأفريقية سيئة بالفعل في عهد عبد الناصر كما يدعى مصطفى الفقى وعبد المنعم سعيد؟ للتعرف على حقيقة العلاقات المصرية الأفريقية في عهد الرئيس عبد الناصرسنعرض كتاب (عبد الناصر والثورة الأفريقية) محمد فائق رجل عبد الناصر للمهام الخاصة في أفريقيا.
يقول محمد فائق في كتابه أن الثورة المصرية بالنسبة لقارة أفريقيا بمثابة الثورة الفرنسية بالنسبة لقارة أوروبا، قبل الثورة لم تكن لمصر علاقات خارجية بدول القارة الأفريقية ما عدا أثيوبيا والصومال وجنوب أفريقيا، ولكن بعد الثورة وتطبيقا لرؤية الرئيس عبد الناصر التى شرحها في كتابه (فلسفة الثورة)عن الدوائر الثلاثة المتداخلة التى سوف تتحرك فيها السياسة المصرية، الدائرة العربية والدائرة الأفريقية والدائرة الإسلامية، كلف الرئيس عبد الناصر، محمد فائق أن يقوم بدراسة أوضاع القارة وأن يتصل بكل حركات التحرير الأفريقية،وأن يقيم علاقات مع الطلاب الأفارقة الذين يدرسون بالأزهر الشريف، ومع الحجاج الأفارقة الذين يصلون لمصر قبل توجههم للأراضى المقدسة،ويقول محمد فائق أن الاتصالات قبل قرار تأميم قناة السويس وخروج مصر منتصرة على قوى العدوان الثلاثى كان تتم بصعوبة، ولكن بعد حرب 1956 تغير الوضع وأصبح زعماء حركات التحرير والثوار الأفارقة هم الذين يسعون إلى مصر وإلى جمال عبد الناصر الذي أصبح بالنسبة لهم ملهما وزعيما قادرا على مجابهة قوى الاستعمار، فقد كبرت مكانة مصر لدى الأفارقة عندما قدمت لهم نموذجا جديدا للتحرر عبر إستخدام القوة المسلحة أثناء مباحثات الجلاء ثم عبر تحدي قوى الاستعمار بتأميم القناة.
وهنا يؤكد محمد فائق على صحة وجهة نظر الرئيس عبد الناصر فيما يخص عدم ضم السودان بالقوة إلى مصر، ويضيف فائق رغم سعي مصر للوحدة مع السودان وبذلها كل المستطاع لتحقيق ذلك إلا أن إصرار السودانيين على الاستقلال جعل عبد الناصر يوافق على مضض، وتكون مصر أول الدول التى تعترف باستقلال السودان، وكما يقول فائق، كان لهذا القرار أثر هائل على صورة مصر في أفريقيا لأنها رفضت حق الفتح ومنحت السودانيين حقهم في تقرير مصيرهم، كما قرر الرئيس عبد الناصر إستمرار عمل المؤسسات التعليمية والثقافية المصرية في السودان، كما ترك أسلحة الجيش المصرى هدية للجيش السوداني، ويرى محمد فائق أنه لكل ذلك عندما ققر الرئيس عبد الناصر بناء السد العالى لم يجد ممانعة من حكومة السودان التى وقعت مع مصر اتفاقية 1959.
وفى حوار صحافي لمحمد فائق حول موضوع السودان كانت تلك إجاباته:
ـ ما حقيقة انفصال مصر عن السودان وكيف تم هذا الانفصال؟
محمد فائق: قبل قيام الثورة كان الملك فاروق قد توج نفسه أسميا ملكا لمصر والسودان، بدافع من تأييد القوى الوطنية وللعلاقة التاريخية بين مصر والسودان والترابط الأسري، وقد نحت الثورة منحى مختلفا وذلك لوجود تيار كبير جداً داخل السودان يعارض الوحدة مع مصر.
بريطانيا وأميركا تغذيان هذا التيار وتحثانه على ضرورة الانفصال عن مصر، وعبدالناصر قبل فكرة تقرير مصير السودان في مفاجأة أذهلت الاستعمار الانجليزي.
وقبل عبدالناصر بهذه الفكرة لإيمانه بأن فكرة حق “الفتح” باتت أمرا لا يتماشى مع روح العصر، رغم إيمانه بأهمية الوحدة في وادي النيل، لكن من منطق أن تأتي الوحدة بإرادة شعبية جامعة وليس إكراهاً، وهذه النقطة حكمت علاقة الرئيس عبدالناصر بكل مشروعات الوحدة التي أتت بعد ذلك، لأنه كان يؤكد ضرورة أن تكون هذه الوحدة لا إكراه فيها ولا حتى شبهة إكراه، لكنها وحدة تقوم بإرادة الشعوب، وكان السبب الأساسي في ذلك أن عبدالناصر أراد إدخال تقرير مصير السودان في مفاوضات الجلاء مع الإنجليز عن مصر، لأنه كان ينظر إلى ضرورة تحرير السودان من الاستعمار الانجليزي أيضا، لأنه لا معنى لأن يخرج الإنجليز من السويس (مصر) ويبقوا في السودان، وبالإضافة إلى أنه سواء كان السودان في وضع الوحدة مع مصر أو قرر مصيره بالاستقلال فإن أمنه بالنسبة لمصر مهم جدا، وإذا ظل متحدا مع مصر فسيكون هناك 7 حدود افريقية أخرى واقعة تحت الاحتلال، وكان ذلك دافعا لدخول مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار، ففرنسا كانت موجودة في تشاد وإفريقيا الوسطى، وانجلترا موجودة في كينيا وأوغندا وبلجيكا موجودة في الكونغو.
الأمر الثاني كان عبدالناصر ينظر إلى أمن السودان من خلال حدوده لدول إفريقيا، وهو ما أدخل مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار القديم، وبالفعل بعد فشل عدوان عام 1956 انتهت الإمبراطورية البريطانية.
سؤال: بعد الانفصال هل تخلت مصر عن عمقها الاستراتيجي في الجنوب؟
محمد فائق: لا طبعا، بدليل أنه بعد 1967 تم نقل الكلية الحربية إلى الخرطوم وأنشأنا مطاراً هناك، وهو ما يعني أن السودان ظل هو العمق الاستراتيجي لأمن مصر، وقد عملت مصر “الثورة” على إقامة علاقة قوية ومتينة مع السودان ودول إفريقيا وساهمت في تحرير تلك الدول من الاستعمار.
مصر كانت ترغب في الوحدة لكنها كانت تأمل في تحقيقها عبر إرادة شعبية، غير أن حزب الاتحاد الوطني السوداني بقيادة اسماعيل الأزهري سعى إلى الاستقلال، فبادرت مصر بالاعتراف بالسودان كدولة مستقلة حتى تكسب مزيدا من الصداقة والعلاقة مع السودان، بل واستمرت في دعم الاستقلال باعتبار أن تأمين السودان هو بوابة مصر والثورة للدخول إلى إفريقيا لمساندة حركات التحرر من الاستعمار.
وفى نفس السياق يذكر المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى الحقائق التالية عن مصر والسودان أن الإنجليز منذ أن احتلوا مصر (1882) فرضوا سيطرتهم علي السودان، وترضية للخديو عباس حلمي الثاني حتي يبتعد عن مصطفي كامل، أبرموا اتفاقيتين لحكم السودان ثنائيا بين مصر وإنجلترا (في 19 يناير-كانون الثاني، 10 يوليو-تموز 1899) وكان في حقيقته حكما إنجليزيا خالصا وليس ثنائيا، لأن إنجلترا تختار الحاكم العام للسودان وهو إنجليزي وخديو مصر يصدر أمر تعيينه. هذه واحدة أما الثانية فإن إنجلترا انتهزت فرصة اغتيال الجنرال لي ستاك سردار الجيش المصري في السودان (19 نوفمبر-تشرين الثاني 1924) لتخرج الجيش المصري من السودان. وظلت الحكومات المصرية تطالب بعودة الجيش المصري للسودان في معظم المفاوضات التي جرت مع بريطانيا من 1927 إلي 1936 دون جدوي.
وأما الثالثة فإن مصطفي النحاس عندما ألغي معاهدة 1936 في 8 أكتوبر-تشرين الاول 1951 ومعها اتفاقيتا الحكم الثنائي للسودان أعدت حكومته مرسوما بمشروع قانون بأن يكون للسودان دستور خاص تضعه جمعية تأسيسية تمثل أهالي السودان. فما معني أن يكون للسودان دستور بأيدي أبنائه.. هل يعني تبعية لمصر أم استقلالا؟ وما معني كلمة النحاس في هذا السياق؟
والرابعة أن بريطانيا اشترطت في مارس-آذار 1953 للدخول في مفاوضات مع حكومة يوليو بشأن الجلاء أن توافق مصر علي مبدأ استقلال السودان بمقتضي استفتاء.. فهل كان يتعين علينا أن نرفض استقلال السودان الذي ضمه محمد علي لولايته بالقوة في 1822.. وهل من اللائق أن تقوم ثورة في مصر تطالب بالجلاء والاستقلال وتمنعه عن أهالي السودان.
ساحة النقاش