لا أتفق مع حالة الريبة المفرطة، والتشكيك المبالغ فيه الذى تعامل به بعض النشطاء الليبراليين مع اختيار حزب النور والتيار السلفى للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مرشحا للرئاسة، فالذين تصوروا أن هناك صفقة سرية، ووعودا غير معلنة بين الجانبين، يبنون رؤيتهم هذه على الظن وحده، فى حين يتجاهلون الميزات النسبية لهذا الاختيار من زوايا أخرى أكثر نفعا للمسيرة الديمقراطية المصرية، ولبناء دولة القانون.

اختيار أبو الفتوح هنا يكشف عن رؤية مستقلة راسخة للسلفيين، تختلف عن رؤية جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والمسألة هنا تعنى تأكيد التنوع والاختلاف داخل التيار الإسلامى، فالسلفيون لم يعترفوا للإخوان بحق السمع والطاعة أبدا، وقرروا منذ اليوم الأول لعملهم السياسى والبرلمانى، أن يتحركوا حسب ما تفرضه رؤيتهم المتفردة، أو مصالحهم الحزبية، اختلف أنت أو اتفق مع السلفيين فى هذه الرؤية، لكن الأكيد أن التباين فى وجهات النظر، يضيف مرونة أكبر على المشهد السياسى الإسلامى فى مصر، ولا يجعل الكل فى معسكر واحد جامد بلا تنوع، وأسألك: ما هى الليبرالية سوى هذا التنوع؟ وما الذى نريده أكثر من إتاحة فرصة أكبر للاختيار على أسس علمية تخدم مصر، وليس الانحياز على أسس الولاء للتنظيم، أو الالتزام بتصور واحد جامد لمفهوم تطبيق الشريعة؟.

أضف هنا أن الدكتور عبد المنعم نفسه، لم يتورط فى أى تصريحات صادمة للتيارين «الإسلامى السياسى، والليبرالى» على حد سواء، وحافظ على إيقاع من العمل يظهر احتراماً لدولة القانون والحريات، كما حظى بتقدير قوى مدنية متعددة، كان على رأسها جناح كبير من مجموعة الدكتور محمد البرادعى، كما أن رصيده فى العمل العام شهد تعاونا لافتا بين جميع القوى، سواء على مستوى العمل النقابى، أو لجان الإغاثة، أو فى الخطوط الحمراء التى صاغها لنفسه كناشط سياسى إسلامى، ومن ثم فإن اختيار التيار السلفى للدكتور أبو الفتوح، يعنى أن هذا النموذج للناشط الإسلامى الذى يعمل بمعايير الدولة المدنية يحظى باحترام السلفيين، ولا يشترط التيار السلفى أن يكون المرشح مفرطا فى الأداء الطقوسى، أو الالتزام الشكلى فى المظهر الخارجى من الجلباب واللحية والتصريحات العنترية التى تخاصم أرض الواقع.

رسالة التيار السلفى هنا تبدو توافقية، وتبتغى الحل الوسط، صحيح طبعا أن الجذور السياسية للدكتور عبدالمنعم هى فى جماعة الإخوان المسلمين، مما يعنى أن منطلقاته متقاربة مع التيار الإسلامى السلفى، لكن الصحيح أيضا أن «أبو الفتوح» استخدم مفردات مدنية وقانونية ووطنية فى مشروعه السياسى، وفى برنامجه الرئاسى، ربما لم تكن تروق من قبل لكثير من شيوخ السلفية، ولكن التحول هنا يشير إلى أننا نوشك على الوصول إلى نقاط وسط بين الفكرة المدنية الليبرالية، والفكرة الإسلامية، وأن هذا الاختيار هو عنوان مهم لهذا النوع من التقارب، وفى تقديرى أن «أبو الفتوح» دون غيره، يمكنه بناء الجسور بين التيارين على نحو عادل وأمين، لا يتبرأ فيه من الثوابت الإسلامية، ولا ينكر فيه حتمية بناء مجتمع مدنى ليبرالى بأسس عصرية.

لكل ذلك.. أرجو من النشطاء الليبراليين إعادة النظر فى دلالات هذا الاختيار، وقيمته من الناحية الفكرية، ومن زاوية المرونة السلفية التى قد تقود لاحقا إلى تفاهمات أكبر من الجانبين.

ملحوظة قبل تعليقات القراء على موقع «اليوم السابع»:
◄أولا: لا أقول لك الآن اذهب لتنتخب «أبو الفتوح» فهذا ليس هدف هذه الكلمات.. لا سرا ولا علنا، ولكننى أضع بين يديك تحليلا أظنه صحيحا، ولا أرجو منه سوى بناء جسور بين الأفكار المتخاصمة فى هذا البلد.

◄ثانيا: تذكر أن الفرق كبير جدا بين السياسى الليبرالى، وبين الصحفى أو المثقف الليبرالى، فالأول يقول لك ما يخدم مصلحته الحزبية والتنظيمية، والثانى إن صدقت نواياه يقول لك ما يتصور أنه لله ثم للوطن، بصرف النظر عما إذا كان ذلك يخدم مصالحه المباشرة أم لا..
وأولا وأخيرا.. مصر هى من وراء القصد.

المصدر: خالد صلاح اليوم السابع
hamada33

عزيزى الزائر لا تحرمنى من التعليق برأيك

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
4 تصويتات / 188 مشاهدة
نشرت فى 30 إبريل 2012 بواسطة hamada33

ساحة النقاش

naghamesaam

احنا كلنا قولنا سلفيين بس مفيش حد عمل حاجه يعني نعمل ايه معاهم بس في النهايه نقول اللي ميعملش بحق ربنا حسلي الله ونعم الوكيل ونقول الله ايه ولكل ظالم نهايه

حماده عبد الله عبد العال

hamada33
مـوقـع خــاص وشـامـل ويهتـم بكـثـيـر مـن الموضوعـات السـيـاسـيـة والاجـتـمـاعيـة والادبـيـة والتعليميـة وهـذا الموقـع لا يمثـل مؤسسـة أو شـركة أو منظمة أو نشاطا تجاريا أو غيره بـل هـو موقـع شخصـى ونتـاج جـهـد شـخـصـي وتـم إنشـاء هـذا الموقع يوم الأربعاء 8 ديسمبر 2010 »

ابحث داخل الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,276,270

مــرحـبــاً بــكــم مـعـنـا

هذا الموقع ملك لكم ولجميع الزوار ونرحب بجميع مقترحاتكم لتطوير الموقع صححوا لنا خبرا . أرسلوا لنا معلومة . اكتبوا لنا فكرة . لا تحرمونا من أرائكم بالتعليق على المقالات

---------------

 

 

 
Google

*
*


*

*