من تراث الجماعة الإسلامية
" بقلم من مجلة كلمة حق " إصدار "الجماعة الإسلامية العدد السابع محرم 1413 هـ أغسطس 1992م
واجب الفرد فى الدعوة الفردية:
الدعوة إلى الله عز وجل مهمة الأنبياء والمرسلين وهى واجب من واجبات الشرع الحنيف وهى من أخص وأهم واجبات الجماعة المسلمة ، وهى العمل المستمر الذى لا تتوقف عنه الجماعة أبدا ، فقد يتوقف الجهاد لفترة أو فترات لعدم القدرة أو لأى سبب أخر وقد لاتستطيع الجماعة القيام بتغيير المنكرات فى مكان ما وزمن ما لأسباب شرعية أو لعدم القدرة ولكن الدعوة إلى الله لاتتوقف أبدا..
حقيق أن تقوم بها أو يحال بينها وبينه تحت الضغط أو القهر ..ولكن الدعوة تظل مستمرة بصورة أخرى مختلفة...ومن هذه الصور التى لن تتوقف أبدا ماطلعت شمس وما بزغ فجر[الدعوة الفردية ] فقد دعا بها الأنبياء من قبل ودعا بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- واستخدامها أصحابه.
وقد كان من أشهر الصحابة فى الدعوة الفردية سيدنا أبو بكرالصديق فى مكة وسيدنا مصعب بن عمير فى المدينة فقد كانت مؤهلات الصديق أبى بكر تؤهله لأن يكون فارس الدعوة الفردية فى مكة من الصحابة..أما مصعب بن عمير فقد تربع على عرشها دون منازع فى المدينة..وكان سببا فى كل الخيرات التى حلت بعد ذلك على الأوس والخزرج.
... ... ... ...
والدعوة الفردية لاتفيد المدعو فحسب ولكنها فى الوقت نفسه تفيد الداعى . فالدعوة لاتصلح المدعو فحسب ولكنها تصلح الداعيه أيضا ..
وهذا مشاهد فى الواقع العملى فمن كان سببا فى هداية الناس أثابه الله بنجاحات كبيرة....
ولعلنا هنا نطرح مشروعا أوسع وأشمل ويتلخص هذا المشروع فى قيام كل أخ فى الجماعة الإسلامية فى مصر أو كل أخ فى أى حركة إسلامية فى أى قطر إسلامى بالدعوة الفردية فى مجالات ثلاثة فى :
أولا: مجال الأسرة والأقارب.
ثانيا: مجال الزملاء والأصدقاء.
ثالثا: مجال الجيران.
ونحن هنا فى هذا المقال لن نفصل فى تفاصيل هذا المشروع ولكننا نعطى نبذة محتصرة عنه وعن مجالاته الثلاث.
أولا: مجال الأسرة والأقارب :
وهم أولى الناس بخيرك وبرك ودعوتك.. وهل هناك خير وبر تسديه إليهم أكثر من هدايتهم إلى الحق وإرشادهم إلى طريق الجنة وإنقاذهم من النار..كما أن لهم واجب شرعى عليك قال تعالى : " يا أيها الذين أمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا". فأول شئ يفعله المسلم بعد التزامه بالحق وصلاحه هو دعوة أسرته وأقاربه..
وعدم دعوتهم هو أشد العقوق لهم وأشد أنواع قطع الرحم أيضا ..وكذلك أعظم صلة للرحم هى أرشادهم إلى الحق والهدى والنور.. ولذا جاء الأمر القرآنى للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكل مسلم من بعده "وأنذر عشيرتك الأقربين".وقد نفذ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ، فلو تأملت فيمن أسلم فى البداية لوجدت منهم السيدة خديجة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ، وكذلك على بن ابى طالب إبن عمه.. ولو دققت فى السيرة لوجدت عشرات الأدلة على ذلك ويكفيك أن تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب خطبة بليغة فى أهله وأسرتة وعشيرته ، فخاطب فيها فاطمة وعمه العباس وصفية عمته ،وذكرهم واحدا واحدا ويذكر مع كل واحد منهم قولته الشهيرة"اعلموا فإنى لا أغنى عنكم من الله شيئا".
ولو تحدثنا بالتفصيل عن كيفية دعوة الأقارب لما كفتنا مساحة المقال كله ولكننا نشير ها هنا إلى دعوة الأقارب والأسرة تختلف من شخص لأخر فدعوة الأب تختلف عن دعوة الأم ودعوة الزوجة تختلف عن دعوة الأخت ودعوة الإبن تختلف عن دعوة البنت..
وهكذا.. ولا ننسى فى سياق دعوة الأسرة والأقارب الإهتمام باالأطفال والغلمان فقد تكون دعوتهم وهدايتهم سببا فى هداية ودعوة آبائهم وأمهاتهم الذين قد تستعصى دعوتهم بطريقة مباشرة..وكم رأينا فى الواقع العملى أن دعوة الإبن الصغير تعتبر مدخلا جيدا لدعوة والديه اللذين رفضا من قبل الدعوة وقابلاها بالصدود.. وننبه هنا بصوره خاصة كل أخ إلى أن يراعى جيدا حقوق والديه وأن يبرهما ويحسن اليهما ويترك كل صور الإغلاظ عليهما ولوبكلمة أف حتى وإن كانواعصاة..
ونذكر بأنه لايجوز تغير المنكر مع الوالدين الا بالقول اللطيف كما أفتى العلماء.
................... .....................
ثانيا: دعوة الزملاء والأصدقاء:
أكثر من يؤثر فى صديق هو صديقه وأكثر من يؤثر فى زميل الدراسة أو العمل هو زميله.. وكلنا يشاهد أن الصديق يطيع صديقه ويسمع له ويتأثر به أكثر من تأثره وسماعه لوالديه فى كثير من الأحيان..فإذا وضع كل أخ على عاتقه دعوة زملاء الفصل الدراسى فى العام الدراسى أو دعوة دفعة الكلية لخرجت الحركة الإسلامية بنصيب عظيم من أولئك الذين طلقوا الجاهلية وانطووا تحت راية الإسلام وهدايته ، وإذا قام كل موظف بدعوة زملائه فى العمل ووضع لذلك توقيتا معينا فيستكمل دعوة من معه فى المكتب فى شهرين مثلا ثم يكرر ذلك فى المكتب المجاور فى نفس المدة وهكذا حتى تصل دعوتة إلى كافة زملائه من الموظفين فى هذه الهيئة الحكومية ، لوصلنا إلى نتائج باهرة.
إن هذه الطريقة سهلة ميسوره وليس فيها أى خطر أو أدنى مشكلة من أى نوع فهى لاتحتاج إلى إمكانيات مادية كثيرة وليست فيها مشكلات أمنيه نهائيا كما أنها تتم بطريقة هادئة تدريجية ليس فيها نوع صخب أو ضجيج. وفى نفس الوقت مضمونة النتيجة كثيرة الثمار عظيمة العطاء مع الحصول على نوعية ممتازة من الإخوة الذين نالوا قسطا من التربية والتوصية قبل الدخول فى غمار الابتلاءات والمصادمات .
كما أنها لا تحتاج إلى مجهود خاص فأنت تجلس مع زملائك فى اليوم قرابة الست ساعات للطالب والثمانى ساعات للموظف.. وهناك حديث وكلام سيتم بين الزملاء والأصدقاء لامحالة ، فإما أن يكون هذا الحديث فى أمر الدنيا -وهو الغالب عليهم-وإما أن يكون الحديث فى أمر الآخرة وفى الدعوة إلى الله وهذه مهمتك... أنك تأخذ من كلامهم مهما كان بعيدا عن الإسلام تأخذ منه خيطا رفيعا لتدخل منه وتدخلهم إلى دائرة أخرى... دائرة ربط هذه القضية التى يتحدثون فيها بدعوتك. وهذا كله يحتاج منك إلى حكمة وفهم ووعى وقبل ذلك كله يحتاج إلى إخلاص وحسن خلق.
ولو تأملنا فىى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته لوجدنا إن الرسول توجه بدعوته أول ما توجه إلى صديقه الحميم أبى بكر الذى كان نعم الصديق ونعم الرفيق...ولو تفحصنا سيرة أبى بكر الصديق أستاذ الدعوة الفردية فى مكة والذى كان سببا فى إسلام كبار الصحابه لوجدنا أنه دعا إلى الإسلام جميع أصدقائه المقربين مثل عبد الرحمن بن عوف,وسعد بن أبى وقاص, والزبير بن العوام,وعثمان بن عفان, وغيرهم فأسلموا وصاروا من كبار الصحابة.
ثالثا:دعوة الجيران:
فهناك علاقة وثيقة بين الجار وجاره...وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصانا بالجار فإن معنى هذه الوصية قاصر عند المسلمين عامة والإخوة خاصة...اذ يقتصر المعنى عندهم على الموضوعات الماديه فقط مثل التصدق عليه إذا كان فقيرا...أو إعطائه الطعام... وعدم منع الماعون...إلخ. وينسى الإخوة أهم شىء ، إذ ما قيمة أن تسد جوعته لمدة أيام فى الدنيا ثم يبقى آلاف السنين ملقى فى النار جوعان ظمأن يوم القيامه... إن لقيمات الدنيا وأموالها لا قيمة لها إذا ماقورنت بادخاله الجنة و إنقاذه من النار...فعليك أن تصنع الإثنين معا وكلاهما يساعد الآخر فى مهمته ... ومن تأمل سيرة أبى بكر الصديق تعلم أنه كان له أثر كبيرعلى جيرانه حتى أنه كان إذا صلى فى مصلاه الخاص بالليل بجوار بيته خرج جيرانه جميعا نساءا وأطفالا وشبابا وكهولا وعبيدا ينظرون إليه ويسمعون قراءته وبكاءه فيتأثرون ويدخلون فى الإسلام أفواجا حتى ضجت قريش من ذلك وشكت إلى من أجاره.. فإذا كان سماع صوته وهو يقرأ القرآن ويبكى فى صلاته فعل بهم ذلك فماذا يكون أثر دعوته المباشرة فيهم..
........ .......... ............ ..........
قد يقول قائل إن هذه المجالات كثيرة على الأخ ،فأقول : أن الأخ المسلم لن يبذل جهدا إضافيا فى الدعوة فى هذا المشروع الجديد والدعوة فى هذه المجالات الثلاث، حيث أنه بطبيعته..بل وطبيعه كل إنسان .. سيقضى وقتا طويلا بين أسرته وزملائه وأصدقائه وجيرانه. سواء دعاهم أو لم يدعهم.
ولكن الفارق الوحيد هو توجيه حديثه ومواقفه وأخلاقياته وتعاملاته معهم نحو وجهة أخرى، هى وجهة دعوتهم إلى الحق والحرص على هدايتهم.. فكل واحد لا يمكن أن ينفك عن أسرة يعيش معها وأصدقاء وزملاء يقضى بينهم وقت عمله وفراغه وجيران يحوطونه فى كل مكان وله تعامل معهم فى الشدة والرخاء والعسر واليسر والمولد والموت.........و
فيا أخوة الإسلام :
هيا توكل على الله وليضع كل واحد منكم على عاتقه مسئولية إنجاح هذا المشروع والعمل به بإخلاص وجد وإجتهاد وليبذل كل واحد منكم جهده وليستفرغ وسعه لهداية أكبرعدد فى هذه المجالات الثلاث وفى ذلك فليتنافس المتنافسون .
وأخيرا ينبغى أن ننبه إلى أن هذه الصورة من صور الدعوة لا تحتاج إلى إذن أمير فلا يصح أن نتركها بحجه انتظار أمر أمير أو القائد ,بل هى واجب إيمانى لا يصح تركه بحال فكما لايحتاج الإيمان أو الصلاه إلى أذن فهكذا لا يحتاج ما ذكرناه إلى إذن.
من مجلة " كلمة حق " إصدار "الجماعة الإسلامية العدد السابع محرم 1413 هـ أغسطس 1992م