فجَّر انفراد جريدة الوطن الذى نشرته بفرض وزارة الداخلية قبضة أمنية على شبكات التواصل الاجتماعى، أمس، جدلاً واسعاً وردود فعل متباينة وسط مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى والشباب الذين رفضوا هذا النوع من المراقبة والتجسس على الحريات الشخصية لهم من خلال متابعة حساباتهم الشخصية على تلك المواقع.
وسبَّب انفراد «الوطن» حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث دشن نشطاء على «فيس بوك» صفحات ساخرة من هذا النظام، منها «إحنا متراقبين» و«الحق امسح الرسائل».
مساعد الوزير: النظام الجديد لا علاقة له بتقييد الحريات.. واشترطنا أن يكون سبق استخدامه فى أمريكا وأوروبا
ووصف قانونيون تلك الخطوة بأنها غير دستورية، ولا يمكن تطبيقها، وإذا تم إنشاء هذا النظام الإلكترونى لمراقبة شبكات التواصل الاجتماعى فإنه يعد جريمة جنائية يرفضها القانون ومخالفة للمادة «57» من الدستور الجديد، التى تنص على صون سرية المراسلات وحماية المواقع الإلكترونية من الغلق أو المنع بشكل تعسفى.
قال اللواء عبدالفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات إن النظام الجديد الذى استحدثته وزارة الداخلية حاليا تحت مسمى «رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعى ومنظومة قياس الرأى العام» ليست له أى علاقة بتقييد الحريات أو تكميم الأفواه كما تردد، ويعمل فى إطار تطوير منظومة العمل الأمنى بالوزارة من الجانب التقنى.
وأوضح اللواء عثمان أمس لـ«الوطن» أن النظام الجديد يهدف إلى رصد المخاطر الأمنية من خلال تتبع المشكلات الأمنية المستحدثة التى تظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعى وتلقى بظلالها على الحالة الأمنية بالبلاد، خاصة فى مجال الإرهاب وشيوع كيفية تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة والحصول على المواد التى تدخل فى تصنيعها، وكذلك الدوائر الكهربائية وأساليب التفجير عن بعد وتنفيذ جرائم الاغتيالات، وكافة جرائم الإرهاب المستحدثة.
وأضاف «عثمان» أن النظام الجديد يُمكن الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية من رصد المخاطر التى تكون شبكات التواصل الاجتماعى مجالاً لتداولها، وذلك من خلال استحداث أنظمة تيسر عمليات البحث الموسعة عبر تلك الشبكات فى كل ما من شأنه مخالفة القانون، والتحريض على العنف، وإشاعة الفوضى، ونشر الفتن والإفساد فى المجتمع، والتصدى لذلك الخطر الذى يزعزع أمن المجتمع ويهدم استقرار الأسر والأبناء، مشيراً إلى أن النظام الجديد سيُجرى عمليات رصد وتحليل وإجراء مسح دورى واستطلاع للرأى للتعرف على قدر تأثر الشباب بالأفكار الهدامة التى تتناولها وتتداولها شبكات التواصل الاجتماعى.
وأوضح مساعد وزير الداخلية أن تطبيق النظام الجديد يعتمد على البحث عن مصطلحات ومفردات بعينها بعد تزويد النظام بها، وهى المصطلحات أو المفردات التى تعد مخالفة للقانون أو مجافية للآداب العامة وتخرج عن نطاق الأعراف والروابط المجتمعية، حيث جرى تجميع الإحصاءات الخاصة بالموضوعات ذات الصلة جنباً إلى جنب، بما يُمكن جهة الإدارة المختصة من اتخاذ القرار وتقديم تقارير عن موضوعات النقاش الهامة المُتداولة، لافتاً فى الوقت نفسه إلى أن النظام الجديد مركزى متكامل مع المنظومة الأمنية المنفذة فى جهات الوزارة، فى إطار من التأمين الكامل لقاعدة البيانات بما يحول دون اختراقها.
وأشار اللواء عثمان إلى أن كراسة الشروط الخاصة بالنظام والتى جرى طرحها فى ممارسة عامة علنية فى 11 مايو الماضى اشترطت أن يكون النظام الذى يجرى استخدامه سبق تجربته واستخدامه فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وأن يكون شارك رسمياً فى المعارض والمؤتمرات الأمنية الدولية، وقادراً على التعامل مع اللغة العربية العامية والفصحى ولغة (الفرانكو آراب) بكل مفرداتها، إضافة إلى اللغة الإنجليزية، وأن يكون قابلاً لإضافة أى لغات أو كلمات أو مفردات أو مشتقات غير معتادة أو غريبة يمكن البحث عنها من خلاله.
وشدد اللواء «عثمان» على أن النظام الجديد يعد أحد محاور تطوير الأداء الأمنى تقنياً بما يتواءم ويتواكب مع الجرائم المستحدثة التى تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعى أسلوباً لتنفيذها وتمثل اعتداءً على حرية الأفراد والمجتمع وتسعى إلى إشاعة ونشر الأفكار الهدامة، مثل تصنيع المتفجرات، ونشر وسائل وقوائم الاغتيال، وازدراء الأديان، وإثارة الإشاعات، وتحريف الحقائق، والتشهير والإساءة لسمعة الأسر، والسب والقذف، وتشجيع التطرف والعنف ومخالفة القانون من خلال الدعوة للحشد وتنظيم مظاهرات غير قانونية، إضافة إلى التأثر فى القيم الثابتة فى وجدان المجتمع من خلال نشر الإباحية والفسق والفجور والانحلال، وكل ما من شأنه أن يخالف القيم والأعراف المستقرة فى المجتمع.
من ناحية أخرى فقد انتقد حقوقيون، سعى وزارة الداخلية، لإقرار مشروع لرصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعى، تحت اسم «قبضة الداخلية».
وقال الدكتور مجدى عبدالحميد، رئيس جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية، لـ«الوطن»، إن مثل هذه الإجراءات مخالفة للدستور، وتمثل تقييداً للحريات وقتلاً للخصوصية، كما تعتبر خطوة غير مسبوقة فى اتجاه القمع والاستبداد، مضيفاً: «عندما كانت بعض السلطات والدول فى الخارج، تستخدم مثل هذه الإجراء، كان الأمر يثير سخريتنا، ومن العجيب، أن تتجه مصر إلى فرض هذا النوع من الرقابة، بعد ثورات طالبت بحرية الرأى والفكر ورفضت القمع».
وأكد «عبدالحميد»، أنه وفقاً لمواد الدستور، فإن هذا الإجراء غير قانونى، وحتى فى أشد المراحل خطورة، وأثناء محاربة الإرهاب، يجب أن تلتزم الأجهزة الأمنية بالقانون والدستور، وألا تتعدى على الحقوق الشخصية للمواطن، التى كفلتها كذلك القوانين والمواثيق الدولية.
وقال حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن فرض الداخلية رقابة أمنية على وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة، مخالفة للدستور، تحجب حقاً للمواطن، وتقيد حريته الفكرية، وفى التعبير عن الرأى، كما تمثل انتهاكاً لمبدأ الخصوصية.
«عبدالحميد»: الدستور والمواثيق الدولية كفلت حرية الرأى والفكر
وأضاف «أبوسعدة»: «وفقاً للدستور لا يجوز اختراق خصوصية أى شخص أو متابعته، إلا بقرار من النيابة العامة أو المحكمة، ومن حق الدولة أن تحمى المجتمع من الإرهاب والأفكار الخاصة بتصنيع القنابل وما شابه، دون اختراق الحياة الخاصة للأفراد، لأن المفترض أننا فى دولة قانون، تحتم رقابة السلطة القضائية على السلطة التنفيذية». وأوضح أنه فى حال مخالفة ذلك، يجوز الطعن على قرار «الداخلية» بعدم دستوريته، وسيكون الحكم فيها مضموناً، كما يمكن مخاطبة رئيس الجمهورية لإلغائه باعتباره الحكم بين السلطات، خصوصاً أنه يمثل مخالفة للدستور الذى حلف اليمين على اتباعه وتنفيذه. وقالت داليا زيادة، مديرة مركز ابن خلدون، للدراسات الإنمائية، إن «الداخلية»، تسعى لإحكام سيطرتها الأمنية بعد تزايد العمليات الإرهابية فى الفترة الأخيرة، من خلال كافة الوسائل الممكنة التى قد تساعدها فى الوصول إلى مختلف الأطراف التى تقف وراء العنف والتطرف، وهذا لا يعنى بالضرورة المساس بخصوصية المواطنين العاديين وحريتهم.
وأوضحت «زيادة»، أن أمريكا، لديها رقابة على كافة وسائل الاتصال، لكن دون أن تتعرض لخصوصيات المواطنين، أو تنتهك حقوقهم، لكن فى ظل الأجواء التى تشهدها البلاد، وإذاعة بعض الإعلاميين لتسجيلات مسربة للبعض، على شاشات الفضائيات، أمر يدق نقوس الخطر، ويثير القلق حول ما يمكن أن تقوم به «الداخلية» الفترة المقبلة.
كما أثار مانشرته «الوطن»، فى عددها أمس، حول كراسة الشروط والمواصفات، التى وضعتها وزارة الداخلية لمشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعى، وحملت اسم «قبضة الداخلية»، ردود فعل غاضبة، بين القوى الثورية، التى أبدت رفضها للمشروع، واعتبرته من قبيل «الكوميديا السوداء»، ومحاولة للقضاء على مكتسبات ثورة 25 يناير، وتقويض الحريات بما يخالف الدستور.
وقالت حركة «تمرد» إن المشروع يجب أن يكون موجهاً فقط للمحرضين ضد الجيش والشرطة، دون تقييد حرية المواطنين، وحقهم فى التعبير عن رأيهم، وأكد محمد عبدالهادى، القيادى فى الحركة، أن «تمرد» ترفض أى قانون أو إجراء من شأنه تقييد حرية المواطنين، لكنها فى الوقت نفسه تساند أى قرارات من شأنها مواجهة التحريض ضد أفراد الجيش والشرطة، الذين يحمون أمن الوطن ويواجهون الإرهاب، مطالباً الداخلية بأن يكون مشروعها موجهاً فقط ضد نشر صور الضباط والجنود وأماكن سكنهم، وعمليات التحريض على العنف.
وقال محمد كمال، عضو المكتب السياسى والإعلامى لحركة «6 أبريل»، إن مشروع الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى يمثل تقويضاً لحريات المواطنين، ومحاولة للقضاء على مكاسب ثورة 25 يناير، وحرية الرأى فى مصر، مضيفاً: «سنعمل على مواجهة هذا المشروع الذى يخالف الدستور والقانون وجميع المواثيق الدولية، خصوصاً أن ظهوره مع تولى المشير عبدالفتاح السيسى رئاسة البلاد، يؤكد أن القبضة الأمنية وسياسة تكميم الأفواه ستكون السياسة المقبلة فى التعامل مع أفراد الشعب».
وقال على غنيم، المتحدث باسم «جبهة طريق الثورة»، إن مشروع الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى، من قبيل الكوميديا السوداء، التى يمر بها المجتمع فى الوقت الحالى، ومنها إلقاء القبض على المواطنين بتهم غريبة ومضحكة، مشدداً على أن هذا المشروع سيهدر الكثير من الأموال، فيما يأتى استكمالاً لشكل الدولة القمعية فى النظام الجديد للدولة.
وأضاف «غنيم»: «سنواجه أى مشروع أو قانون يحاول تكميم الأفواه والقضاء على الحريات مثل قانون التظاهر الذى ما زلنا نقف فى مواجهته حتى الآن