الربح من مواقع وشبكات التواصل الإجتماعي

المصدر: 11- صلح الحديبية : وصلح الحديبية هو معروف عند كل من لديه علم شرعي ، وسنتكلم فيه عن أربع نقاط وهي :- أ- عرض حديث صلح الحديبية . ب- شروط صلح الحديبية . ت- موقف الصحابة من صلح الحديبية وشروطه . ث- من نقض صلح الحديبية ؟ وكيف انتقض ؟ . ---------- أ- عرض حديث صلح الحديبية : إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاتل قريشا تارة وصالحهم تارة أخرى، كما في صلح الحديبية المشهور. ففي صلح الحديبية من الفقه والحكم والعجائب ما يجعل الأمة على بصيرة من دينها، وبصيرة من أمرها . فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رؤيا أنه سوف يعتمر، وأخبر أصحابه، وأمر أصحابه أن يتوجهوا إلى البيت من المدينة فتوجهوا حوالي ألف وخمسمائة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن وصلوا الحديبية، فعلمت قريش، فأرسلوا سهيل بن عمرو ليصالحوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على ألا يدخل هذا العام ويدخل العام القادم، فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ، وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَطُوفَ بِهِ» ، فَقَالَ سُهَيْلٌ [ص:196]: وَاللَّهِ لاَ تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، قَالَ المُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ» ، قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَجِزْهُ لِي» ، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ» ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: «بَلَى» ، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ، قَالَ: «بَلَى» ، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي» ، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ» ، قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ» ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ. [أخرجه البخاري (3/193، رقم 2731)] . ب- شروط صلح الحديبية : كانت شروط صلح الحديبية هي :- 1- أن يرجع المسلمون ذلك العام بغير عمرة، ويقضون عمرتهم من العام المقبل، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: (فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل) . (ومعنى ضغطة : يقال : ضغطه يضغطه ضغطا: إذا عصره وضيق عليه وقهره). [انظر كتاب النهاية في غريب الحديث 3/90 ، وانظر كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد 3/181] .   وأن يقضي المسلمون بمكة ثلاثة أيام، ولا يدخلوها إلا بسلاح المسافر، كما روى الإمام مسلم في صحيحه: (وكان فيما اشترطوا أن يدخلوا مكة فيقيموا بها ثلاثًا، ولا يدخلها بسلاح إلا جُلُباَّن السلاح . (و جلبان السلاح : هو جراب من الإدم يوضع فيه السيف مغمدًا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه في الرحل، قال العلماء: إنما شرطوا هذا لوجهين، أحدهما: أن لا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين، والثاني: أنه إن عرض فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة) . [انظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 136 ، وانظر كتاب الجهاد والسير باب صلح الحديبية 3/ 1410، ح 90] .   2- أن من جاء من قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير إذن وليه يرده عليهم، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا ترده، روى الإمام البخاري رحمه الله: (قال سهيل: على أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا) . [كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد 3/ 181] .   وقد اغتم المسلمون لهذا الشرط المجحف وكرهوه، فطمأنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعند الإمام مسلم: أنهم (اشترطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله أنكتب هذا؟ قال: ((نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا و مخرجًا )) . [كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية 3/ 1411 ح 93] .   3- أن توضع الحرب بينهم عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض . [مسند الإمام أحمد 4/325، وانظر سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابن هشام 3/ 366] .   4- أن يكون بينهم موادعة ومكافَّة، وصدورًا نقيةً من الغل، كما جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله: (وأن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال) . (ومعنى العيبة المكفوفة :أي مشرجة على ما فيها مقفلة، وأنها نقية من الغل والغش، فيما اتفقوا عليه من الصلح والهدنة) . [النهاية في غريب الحديث 4/190، وانظر الفتح الرباني 21/ 103] . (ومعنى الإغلال:أي الخيانة أو السرقة الخفية، والإسلال: من سل البعير وغيره في جوف الليل: إذا انتزعه من بين الأبل) . [النهاية في غريب الحديث 3/380، والفتح الرباني 21/ 366 ، والمسند 4/ 325] .   5- أن من أراد من قبائل العرب أن يدخل في عقد أحد الفريقين وعهده، دخل فيه، قال ابن إسحاق رحمه الله: (وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده، دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم، دخل فيه)[سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم لابن هشام - 3/ 366] . ت- موقف الصحابة - رضوان الله عليهم - من صلح الحديبية وشروطه: إن هذه الشروط تبدو مجحفة في الظاهر، ويتضح فيها ظلم قريش للمسلمين، وصدها عن البيت العتيق من أراد تعظيمه، وقد ظنت قريش أنها انتصرت على المسلمين في هذا الصلح، لكن توالي الأحداث أثبت غير ذلك -كما سيأتي- وظن بعض المسلمين بأنهم الطرف الخاسر في القضية، وكانوا قد خرجوا وهم لا يشكّون في دخول المسجد الحرام للرؤيا التي رآها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسه، دخل على الناس من ذلك أمر عظيم، وهم وغم حتى كادوا يهلكوا[13]، وتذمروا من هذا الصلح، وضاقوا به، خاصة عندما ظهرت حمية المشركين الجاهلية، ولم يقروا أثناء كتابة الصلح، بسم الله الرحمن الرحيم وأنه - أي النبي - رسول الله - صلى الله عليه وسلم.   وفي رواية الإمام البخاري رحمه الله: (فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اكتب بسم الله الرحمن الرحيم)). قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اكتب باسمك اللهم))[14].   ومما رواه الإمام مسلم رحمه الله: أمره - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب[15] رضي الله عنه أن يكتب (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال له المشركون: لو نعلم أنك رسول الله تابعناك، لكن أكتب محمد بن عبدالله. فأمر عليا أن يمحاها، فقال علي: لا، والله لا أمحاها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرني مكانها))، فأراه مكانها فمحاها، وكتب ابن عبدالله)[16].   ومن هذا الموقف تتجلى حكمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحنكته وعظيم سياسته للأمور، حين يتنازل لأعدائه وخصومه هذا التنازل، إضافة إلى بصره النافذ وعلمه ببواطن الأمور، حتى كـأنه يعرف ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب، من الفتح ودخول قريش في دين الله أفواجًا، ويظهر كذلك حرصه عليه الصلاة والسلام على تعظيم حرمات الله وعلى مصلحة الدعوة، وقد كان أخذ على نفسه ألا يرد على قريش خطة تهدف وتؤدي إلى ذلك، بل نجده يوافق على ما يملونه من شروط، ويلين عند تصلبهم وتعنتهم، تنفيذًا لذلك العهد.   ويشاء الله أن يبتلي المسلمين، ويظهر غضبهم لله، وحميتهم لدينه، ويمتحنهم في وفائهم بعهدهم، فبينما هم يعقدون الصلح يهرب إليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو[17] وهو مقيد، وكان قد عذب في الله عذابًا شديدًا، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبيه أن يجيزه له فرفض.   أمام هذا التحدي لمشاعر المسلمين، لم يملك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الثبات على الوفاء بالعهد، وتبشير أبي جندل رضي الله عنه بالفرج من الله، فقال له: ((يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه، وإنا لن نغدر بهم))[18].   لقد أثار هذا الموقف حفيظة المسلمين لأخيهم في الله، وامتحنوا فيه أعظم امتحان، ولكن سيطر عليه ضبط النفس والتعقل والوفاء بالعهد[19].   وقد كتم الصحابة رضوان الله عليهم ما اعتلج في صدورهم من الغيظ، وما آلمهم، وتكلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأفصح عما في نفسه، لما هو معروف عنه من الصلابة في الحق، وحب المراجعة فيما لم يستبن له فيه وجه الحق والصواب فقام يحتج ويراجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول له: (ألست نبي الله حقا؟ قال: ((بلى)). قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: ((بلى)). قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال: ((إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري)). قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: ((بلى، فأخبرتك أنَّا نأتيه العام؟)) قال: قلت: لا. قال: ((فإنك آتيه ومطوف به)) . [صحيح البخاري، كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد 3/182 ، والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لمحمد بن محمد أبو شهبة 2/334] .  وظل عمر رضي الله عنه في حالة من الكرب، لا تهدأ نفسه حتى ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه، وسأله كما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأجابه كما أجابه، روى ذلك الإمام مسلم رحمه الله، قال: (فانطلق عمر، فلم يصبر متغيظًا، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يابن الخطاب، إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا) . وبقى في نفس عمر رضي الله عنه بعض الحرج، حتى (نزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفتح، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله، أو فتح هو؟ قال: نعم. فطابت نفسه ورجع) . [صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب صلح الحديبية 3/1412 ح 94] .   وندم عمر رضي الله عنه على ما بدر منه من مراجعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعتراضه عليه، فيقول: (ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق، من الذي صنعت، مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ، حتى رجوت أن يكون خيرًا). [مسند الإمام أحمد 4/325 ، وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن هشام 3/366 ، وللاستفادة انظر مقارنة ابن تيمية رحمه الله بين موقف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، الفتاوى 15/184- 185] .   ولما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتحلل من إحرامهم، اعتراهم الوجوم والذهول، ولم يبادروا إلى تنفيذ ما أمرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كعادتهم، وقد أملوا أن يذبحوا هديهم ويحلقوا رؤوسهم في رحاب الحرم، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه حالهم، فقال: (لما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فكأنهم رضي الله عنهم كانوا يأملون العودة عن الصلح، وإتمام نسكهم ، فلما رأوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قام، وذبح بدنه، وحلق رأسه - بعد مشورة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها - قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمًا . [انظر الحديث في صحيح الإمام البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد 3/182، ومسند الإمام أحمد 4/326 ، وانظر كتاب السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية لأكرم ضياء العمري 2/ 446] .  وقد كان موقف الصحابة وغضبة عمر رضي الله عنه، حميةً لدين الله، ولمِا رأوا في شروط الصلح من ظلم ظاهر لهم، وإجحاف بحقوقهم، ولكنهم آمنوا بالله، وصدقوا وعده، وأطاعوا نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأُمضي الصلح، وكان في ذلك الخير والفلاح للإسلام والمسلمين.   وأنزل الله على نبيه سورة الفتح، في طريق عودته للمدينة المنورة، والمسلمون في هم وغم، وقد حيل بينهم وبين نسكهم، فانقلبت كآبتهم فرحا وسرورا، وأدركوا أن التسليم لأمر الله ورسوله فيه كل الخير لهم ولدعوة الإسلام . [انظر كتاب السيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري 2/449] .   ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه واصفًا حالهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -:( مرجعه من الحديبية، وهم يخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحَر الهدي بالحديبية، فقال: ((لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعًا)). [صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب صلح الحديبية 3/1413 ح 1786] .  وفرج الله بهذه السورة غم المسلمين، وأسعد قلوبهم بما حوت من البشارة بالفتح المبين وبالنصر، والثناء والرضا على المؤمنين، حتى قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنها: ((لقد أنزلت علي الليلة سورة، لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس))، ثم قرأ: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) . [صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة الفتح 6/44] . ث- من نقض صلح الحديبية ؟ وكيف انتقض ؟ :
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة
نشرت فى 28 ديسمبر 2015 بواسطة gmagm

عدد زيارات الموقع

21,153