يُعد الإنسان الواعي المدرك لحقائق الأمور والذي يستحسن معاني الخير والعدل ويستقبح معاني الشر والظلم في سلوكه هو الإنسان المثالي والمكرم في المفهوم ألقراني بقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } وأكدت تعاليم الشريعة السمحاء على ضرورة المحافظة على سيادة ذلك الإنسان وإرادته وحريته وحقوقه واستقراره . ولكن ومنذ فجر الخليقة والى يومنا هذا تكالبت قوة الشر والطغيان بكل ما لديها من وسائل إرهابية لسحق تلك الإنسانية ، حيث تلاعب بها الطغاة والعابثين بمقدرات الشعوب كما يشاءون . فانتهكت كرامة الإنسان وسيادته واغتصبت حقوقه . وسلبت راحته وصودرت حريته وسحقت إرادته وفجع بأعز ما يملك وهدم منزله الذي ياويه وشرد وضاقت عليه الأرض بما رحبت ! كل هذا وذاك من جراء ظلم الإنسان الأخر له ، ذلك الإنسان الذي جرد من كل قابليات الإنسانية النبيلة واكتسب بدقة طابع البهائم والوحوش الكاسرة حيث من الظلم إن نسمي هكذا مخلوق بإنسان بل هو وحش إرهابي كاسر بهيئة إنسان ، انه الإنسان المجرد من كل معاني الرحمة والقيم الأخلاقية والدينية انه إنسان الظلم والبطش والعدوان . وعلى امتداد تاريخ البشرية كانت الإنسانية في صراع مرير بين تلك الجبهتين الغير متكافئتين بالإمكانيات المادية ، جبهة الخير المتمثلة بالإنسان الواعي العاقل وجبهة الشر المتمثلة بالإنسان الإرهابي البهيمي ، فمنذ ذلك الصراع التاريخي الأول بين هابيل وقابيل والى عصرنا هذا لم تتوقف عجلة الصراعات والنزاعات بين تلك الجبهتين بل بالعكس فقد ازدادت وتفاقمت واتخذت إشكال وطرق مختلفة في صيغة النزاع فمن عصر الحجارة والسيف والرمح إلى عصر القنابل والأسلحة المدمرة ببشاعتها المهولة . ففي عالم اليوم وعلى مدار الساعة نرى ونسمع الكثير من أساليب ونتائج تلك الصراعات البشعة فنجد أعوان الشيطان يبتغون دائما من تلك الصراعات قتل إنسانية وكرامة ذلك الإنسان المثالي المكرم . وأعوان الرحمن واقفون كما وقف إسلافهم طودا شامخا وحصنا منيعا للمحافظة على القيم والمبادئ المشروعة والنبيلة التي يؤمن لها الإنسان الواعي في فهمة للعقيدة الإلهية فنرى اليوم وفي كل مكان من وجه الأرض عبر محطات البث ألتلفازي والإذاعي ووسائل الإعلام المقرؤة تلك الصور البشعة والمفزعة التي تصور لنا مدى قسوة ذلك المخلوق البهيمي اتجاه أخيه الإنسان حيث نشاهد صور الظلم والقتل والتشريد والضرب والمجازر الجماعية المروعة . ونرى .. ونرى سيول الدماء وهي تنزف من جسد ذلك الإنسان الطري ونرى .. طوابير المستضعفين المتشردة لبلاد مجاورة .. ونرى البؤس والفقر واليتم والجوع تملا نفوس المظلومين المنكوبين وهذه الصور والمشاهد المكررة كل يوم في مختلف مناطق العراق المظلوم ... إنها صور الناطقة والمعبرة عن قسوة الإنسان ووحشيته التي أخرجته من إنسانيته .إن من ابرز مشاكل الإنسان الحضارية المعاصرة هي مشكلة موت الضمير وغياب الإحساس الوجداني الذي يعبر عن القسوة . وبفقد الرحمة يفقد الإنسان الجانب الأكبر من إنسانيته . وموت الضمير وغياب الإحساس الوجداني مسالة طبيعية للإنسان المنحرف نفسيا والذي لا يؤمن بقيم الأخلاق ، لا بخالق الوجود ويوم الحساب . إذن فهذه مسيرة إنسانيتنا المتعثرة بصراعها المرير بين تلك الجبهتين ، فيجب علينا وعلى أصحاب الضمائر الحساسة إن يقفوا بكل عزم وإخلاص في خنادق المواجهة لنصرة الحق وأهله ومحاربة الباطل وأهله لكي تتهيأ الأرضية الملائمة للوصول إلى عصر مشرق يصل فيه الإنسان إلى حد الكمال المنشود ويعم السلام الدنيا وتستأصل جذور الكفر المادية على يد المخلصين من أبناء شعبنا المجاهد والنزهاء وطرد كل المفسدين وسراق المال العام والوقوف بوجههم ومحاسبتهم حسابا عسيرا لما ارتكبوه بحق الإنسانية وسلب حقوق الغير .
عدد زيارات الموقع
21,672
ساحة النقاش