غادة هيكل

جميع موضوعات غادة هيكل من مقال وقصة وقراءات هو ملك لغادة هيكل

سبيل ، وسلسبيل 
*************
مياه الزير باردة برغم حر الصيف الشديد ، وهى تقبع تحت عشة سقفها من الجريد الناشف الذى تدلى خوصه حتى وقع أرضا ، السيدة التى وهبته للطريق عقيم لا تلد ، وضعته كى يشرب منه الشارد والوارد وعلى حمالته التى بنيت من الطوب ودهنت ببعض الطين حتى يبس ، لونتها ببعض الجير الأبيض وجعلت أحد المارة يكتب عليها ، ندعوكم لقراءة الفاتحة لصاحبة هذا السبيل ، بنية الحمل والولادة ، مر عليه صبى صغير متشرد ، وعندما قرأها وقف امامها طويلا وقال: لو تركت عنوانها لذهبت إليها وقلت لها أنا الولد الذى أرسله لك الرب دون عناء الحمل والولادة ، ثم انصرف يطرق الأبواب يطلب صدقة تشبع جوعه ، ثم مر رجل على السبيل ، وعندما اغترف منه شربة ماء وشعر بالإرتواء ، جلس بجوار الزير يطلب من رطوبة جسمه بعض الهواء البارد من الحر ، وعندما قرأ المكتوب ، انتشى و شرد لحظات يفكر ثم همس لنفسه لو كان زوجها فحلا لروى أرضها بالأطفال ، آه لو أعرف عنوانها فأذهب لها كى أروي أرضها بما تريد ، واخذته سنة من نوم وغاب فى انتشائه حتى ابتلت ثيابه بماء الزير الذى يتساقط من الشاربين ، وعندما استيقظ كان ماؤه قد احتلط بماء الزير والوحل على ألارض فنبتت حشيشة خضراء بجوار الزير ، نظر إليها ومضى وعلى وجهه ابتسامة رضا .
ثم مرت امرأة تحمل طفلا وتجّر اثنين ، تنهر الكبير ليتقدم ، وتمسك بيدالصغير حتى لا يتأخر ، ، عندما رأت الزير وكأن النجاة قد اتتها فكم بكى الصغار فى هذا الحر رغبة فى شربة ماء والطريق طويل من البيت وحتى بيت أهلها الذى تقصده غاضبة من زوجها ، جلست المرأة تحت العشه ، وأمسكت بالماء تسقى أولادها وتروى عطشها وتمسح بقايا الدمع على وجهها ، انتعشت لبرودة الماء وصمت الأطفال ، ونسمة الهواء التى لفحت وجهها ، تذكرت أيامها ألاولى فى بيت زوجها والسعادة التى كانت تملؤها والجسد الممشوق الذى تتخايل به ، ويترك زوجها يلهث وراءها ، ثم نظرت إلى أطفالها ، الذين كبلوها بقيودهم وطلباتهم وجعلوا من ايامها جحيما مع زوجها فلا هى تستطيع ارضاءه ولا هو يتحمل ما آلت إليه ، ثم لمحت ما دوّن على حاملة الزير وخطر لها أن لو كان هناك عنوان لذهبت إلى تلك المرأة ووهبت لها أحد أطفالها وتركته عندها هبة من الله لها دون عناء ، لعلها ترضى ، ولعل زوجها يرضى ، وتعود لها السعادة التى فقدتها ، وبعد أن ارتاحت وشعرت بقوتها تعود لها ، وابتسامة أطفالها تجعل منهم أقمارا يشع ضوؤها بالنهار ، ضمتهم لحضنها وشعرت بحركة غريبة فى بطنها تنقبض وتنبسط فرحة بتلك الضمة وكانهم مازالوا فى الرحم ، ثم خطر لها سؤال توجهت به إلى السماء ، لماذا جعلتنى أرنبة ألد كلما ضاجعنى زوجى ، وحرمتها هى ، ثم انتبهت إلى ضحكات أطفالها ، وعرفت لماذا سميت سلسبيل .

ghadahekal

غادة هيكل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 55 مشاهدة
نشرت فى 29 إبريل 2016 بواسطة ghadahekal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

23,620