على الرغم من أن العمل التشريعي في مصر قد شهد في العقود الثلاثة الأخيرة إقرار وتعديل عدد من القوانين، فقانون اجراءات الأحوال الشخصية رقم (1) لسنة 2000م، أثار ومازال يثير جدلا شديدا في مختلف الأوساط.
وقد تركز هذه الجدل تقريباً في المادة التي تنظم حق الزوجة في مخالفة زوجها حتى ان هذه التعديلات صارت تعرف في وسائل الإعلام والصحافة بقانون الخلع.
والحقيقة ان المشرع حاول بهذه التعديلات التدخل من أجل الحفاظ على الأسرة المصرية بعد سنوات طويلة من المعاناة الإنسانية بسبب الواقع التشريعي والقضائي الذي بات يفرز من الألم وعوامل التفكك الأسري ما يفوق احتمال البشر.
لقد كان واضحاً لدى الجميع أن السبب في هذا التعثر الاجتماعي "هو عدم قدرة التشريعات على مواجهة الموروث الثقافي الذي أتاح لأحد طرفي العلاقة الزوجية ان يمارس تسلطا بغير حدود على الطرف الآخر مذيقا إياه أصنافاً من الاستبداد يستعصي تقبلها أو التجاوز عنها سواء في ساحات القضاء أو في أوراقة ومجالات العمل الاجتماعي.
لذلك فقد تبنى المشرع هذا القانون من أجل تحقيق غايتين أولهما تبسيط الإجراءات وتقصير أجلها، أما الغاية الثانية فكانت جمع أحكام هذه الإجراءات في قانون واحد يتسم بالوضوح والبساطة معاً.
ولا بد من الاعتراف أن القانون قد نجح في تحقيق هاتين الغايتين إلى حد بعيد، فعوضا عن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في عام 1931 وعن "الباب الرابع" من قانون المرافعات بمواده التي تتجاوز الأربعمائة مادة وعن أحكام إجرائية أخرى موزعة بين عدد من القوانين المتفرقة، جاء هذا القانون ليجمل هذه الإجراءات في ثمانين مادة هي في احكام صياغتها غاية في الوضوح والتناسق.
ولم يكتف المشرع بتبسيط الإجراءات في صعيد واحد، وإنما عمد أيضاً إلى اقرار حق الزوجة في أن تخالع زوجها وأمر من حقوقها في الشريعة الغراء، حصلت عليه النساء من أجل تحرير أنفسهن من اسار العلاقة الزوجية اذا ما صار الغضب والكراهية هما رباطها الوحيد بعد فقدان رباطها المنطقي من المودة والرحمة. وذلك من دون إخلال بالتوازن العادل الذي يعطي في المقابل الزوج الحق في ان يطلق زوجته بإرادته المنفردة.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى القانون رقم (1) لسنة 2000م قد فتح بإصداره بابا واسعا من أجل تصفية ظاهرة الزواج غير الرسمي (الزواج العرفي) وما تشكله من تهديدات اجتماعية.
ومع ذلك فقد انقسم المجتمع المصري بكل فئاته وقواه الاجتماعية وتباينت مواقف الجميع من هذا القانون سواء من اتخذ موقف المؤيد له باعتبار انه يوفر للنساء سبيلاً للتخفيف من معاناتهن في حياتهم أو في ساحات المحاكم او من رفض هذا القانو بزعم أنه ينحاز لجانب النساء اللاتي حصلن في رأي قوم على كل حقوقهن وزيادة بل كان هناك في الصف من يرى أن المرأة غير مؤهلة للحصول على حق الخلع واستخدامه.
ثم جاء صدور قانون محكمة الأسرة رقم 10 لسنة 2004 الذي استهدف العديد من الغايات النبيلة نحو تحقيق حماية فعالة للأسرة إلا أن ذلك السعي قد اخفق في بعض جوانبه.
وقد كان استهداف المشرع الأساسي إيجاد نظام فعال لحل مشاكل الأسرة المصرية التي تعاني الأمرين أمام المحاكم باختلاف أنواعها فاستهدف القانون حصر المنازعات الأسرية في نطاق محكمة واحدة أطلق عليها محكمة الأسرة.
كما سعى القانون إلى تشكيل هذه المحكمة بصورة تضمن كفاءة القضاة فنص على تشكيلها من ثلاثة قضاة يكون أحدهم على الأقل بدرجة رئيس بالمحكمة الابتدائية، كما أضاف القانون الى تشكيل المحكمة خبيرين أحدهما اجتماعي والآخر نفسي في محاولة علاج الجوانب النفسية والاجتماعية في المنازعة وبيان أثر هذه الجوانب في النزاع القانوني بين الخصوم وجعل حضورهم وجوبياً في بعض القضايا.
كما استهدف القانون الحفاظ على السرية والخصوصية في محكمة الاسرة فنص على انعقادها في أماكن منفصلة عن أماكن انعقاد جلسات المحاكم الأخرى وتزويدها بما يلزم من الوسائل التي تتناسب مع طبيعة المنازعات وأطرافها وكذلك حضور الأطفال.
كما سعى القانون إلى محاولة توحيد جميع المنازعات التي قد تنشأ بين الزوجين فنص على اختصاص محكمة الأسرة التي ترفع إليها أول دعوى من أحد الزوجين محليا وتنشأ بها ملف للأسرة تودع فيه أوراق جميع الدعاوى المتعلقة بذات الأسرة.
كما استهدف المشرع التعجيل في نظر الدعاوى وسرعة الفصل فيها فاستثنى الأحكام الصادر في منازعات الأسرة من الطعن بطريق النقض. وقد حاول قانون محكمة الأسرة ايجاد حلول لمعظم الإشكاليات التي كان يعاني منها المتقاضون في مسائل الأحوال الشخصية، إلا أن تلك الحاولة قد أحاط بها العديد من المخاطر والصعوبات فظهر القانون - قانون محكمة الأسرة - في ثوبه النظري رائعا ولكن ما إن بدأ يدخل حيز النفاذ حتى اصطدم بصعوبات عملية عديدة جعلته مفرغا من محتواه النظري.