<!--
<!--<!--<!--
رابطة التربية الحديثة جامعة عين شمس
المؤتمر العلمي السادس
التعليم الثانوي
الحاضر و المستقبل
6- 8 من يوليو 1991
العقاب المدرسي: دراسة لآراء معلمي التعليم الثانوي بمحافظة المنوفية
د. جمال الدهشان
مدرس أصول التربية
كلية التربية- جامعة المنوفية
مقدمة:
يحظي التعليم الثانوي باهتمام كبير في معظم المجتمعات النامية و المتقدمة علي حد سواء، نظرا لما له من دور مهم في تأهيل تلاميذه للحياة المنتجة ، أو لمواصلة الدراسة المتخصصة باعتباره ركيزة لما بعده من دراسات جامعية مختلفة، فهو مرحلة انتقالية بين المرحلة الأولي ( مرحلة التعليم الأساسي ) و المراحل الأخرى سواء كانت جامعات أم معاهد ، أم الحياة ذاتها. كما تبرز أهمية هذا التعليم في أن سنواته تقابل مرحلة مهمة و حرجة من مراحل النمو هي مرحلة المراهقة، بما يصاحبها من تغيرات جسمية و عقلية و اجتماعية و انفعالية ... و غيرها، و بما يتبعها من متطلبات أساسية لكل ناحية من هذه النواحي التي تكون شخصية المراهق، و لذلك فان المدرسة الثانوية – عادة- مطالبة بتوفير المناخ الملائم لتحقيق هذه المتطلبات، وإعداد أبنائها اجتماعيا و نفسيا للمشاركة الايجابية و الفعالة في تقدم المجتمع. (1)
وانطلاقا من هذه الأهمية تتعدد المؤتمرات و الندوات التي تعقد علي المستويات الدولية و الإقليمية و المحلية لبحث جانب أو أكثر من جوانب التعليم الثانوي، و ما يتصل بهذا التعليم من قضايا و مشكلات و ظروف و إمكانات للوصول إلي تصور واضح لماهية الصيغة التي تضمن نجاح هذا التعليم في تحقيق أهدافه و أداء رسالته.
والضبط المدرسي من الجوانب المهمة التي تحظي باهتمام القائمين علي العملية التعليمية بصفة عامة ، و التعليم الثانوي بصفة خاصة ، فالتعامل مع مجموعات كبيرة من المراهقين في المدارس الثانوية ينطوي علي تحديات مستمرة بالنسبة لمدرسي هذه المدارس و القائمين علي أمر إدارتها ، (2) نظرا لما تتميز به مرحلة المراهقة من حدة الانفعالات و كثرة الثورات، التي قد تنتج عن عجز المراهق عن التكيف مع البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ، فهو يميل ألي الخروج عن السلطة و التعبير عن ذاته و العبث بالكبار و التندر بأصحاب السلطة تسلية و لهوا، و يجد في ذلك متنفسا لما يشعر به من الم، نتيجة ما يلاقيه من العنت في بعض الأحيان، و عدم رضاه عن بعض الأوضاع في المجتمع أو المدرسة...و غيرها (3) ، فالمراهقة يمكن أن تكون مصدر قلق ة اضطراب للمدرسة و المربين علي العموم، كما يمكن أن تكون فترة نشاط و تكوين سليم للمراهق، فلو أن المدرسة استخدمت الشدة و العنف و إذلال التلاميذ، للقيت منهم كل مقاومة، و لجنح المراهق إلي أساليب شاذة من السلوك يحقق بها ذاته، و يقتص بها من المستبدين به، أما إذا عملت المدرسة علي مراعاة طبيعة المراهق و استغلالها في تنظيم مجتمع المدرسة، فإن ذلك يكون أكثر ضمانا لتحقيق صحة التلاميذ النفسية، و حسن إعدادهم للمستقبل. (4)
و إذا كان للمدرسة – كمؤسسة تربوية و اجتماعية- دورها الفعال في عملية الضبط الاجتماعي عامة و الضبط المدرسي بصفة خاصة ، و ذلك من خلال عدة أساليب من بينها الوازع الأخلاقي لدي التلاميذ ، و قدوة المعلمين و النظار، و العقوبات التي تطبق في حالات الخروج علي المعايير، و ما يقابلها من مكافآت تمنح في حالات الاستحقاق، فإن واقع ما يحدث في المدارس الثانوية يشير إلي مجموعة من الظواهر منها:
1. يشكل العقاب إجراء ممارسا في معظم المدارس الثانوية، و ذلك للتغلب علي مشكلات التلاميذ المدرسية و حفظ النظام داخل هذه المدارس، حيث يلجأ المعلمون إلي استخدام العقوبات المدرسية بصورها المختلفة و التي تتضمن التهديد أو التعنيف، أو طرد التلميذ من الفصل، و إنقاص درجاته، أو حرمانه من بعض الأنشطة المحببة أليه أو العقاب البدني و غيرها.
2. أن بعض ممارسات العقاب هذه- خاصة العقاب البدني – تبلغ درجة من التطرف يترتب عليها أثار سلبية علي الصحة النفسية و التحصيل الدراسي للتلاميذ، أو إحداث بعض العاهات الجسدية، و هو ما كان مادة إعلامية للصحف اليومية، فقد نشرت هذه الصحف العديد من الحوادث منها علي سبيل المثال "إشعال طالب للنيران في مدرسته خوفا من وصول إنذار الفصل لأسرته" (5). "قسوة معلم اللغة العربية علي الطالب حولته إلي لص" (6)، "تذمر طلاب مدرسة صناعية بأسيوط بسبب سوء معاملة ناظر المدرسة لهم" (7)، "حبس مدرس ضرب تلميذا، و أحدث إصابات بعينه اليسري أدت إلي عاهة مستديمة" (8)، "القبض علي مدرس كسر ذراع التلميذ" (9)، "محاكمة مدرس تعدي علي تلميذ بالشلوت، فأصابه بعدة كسور" (10).. و غيرها الكثير.
3. كثرة شكاوى التلاميذ و أولياء الأمور من إسراف بعض المعلمين في استخدام العقوبات المدرسية بصورها المختلفة دون مراعاة لشروط فاعليتها و أهدافها، مما قد يترتب عليه توتر العلاقة بين التلاميذ و مدرسيهم و ما يصاحبها من مشكلات للتلاميذ و كذلك للمعلمين، و في المقابل يشكو المعلمون من أشكال السلوك المنحرفة و المعطلة لعملية التدريس، التي تصدر عن بعض التلاميذ مثل سوء المعاملة مع المعلم أو الأقران، و استخدام لغة بذيئة في التواصل، و الإخلال بنظام الفصل، و رفض سلطة المعلم، وقد تصل إلي حد الإساءة اللفظية إلي المعلم، و تهديده، بل و الاعتداء الجسمي عليه أو علي الأقران، و التي إن كانت تصدر عن قلة من التلاميذ، إلا أن المعلمين يعتبرونها معطلة لأداء واجباتهم كما أنها معطلة لتعلم باقي التلاميذ داخل الفصل، وقد يمتد أثرها إلي باقي الفصول، و لذلك يشكو المعلمون من أنهم يقضون وقتا في ضبط سلوك التلاميذ أطول من الوقت الذي يقضونه في تعليمهم. (11)
4. إن بعض هذه الممارسات العقابية لا تستند إلي تشريعات مكتوبة تعطي للمعلمين الحق في استخدامها بل أن هذه التشريعات و القوانين تحرم استخدامها علي الإطلاق- العقوبات البدنية- مبررة هذا التحريم من منطلق أن هذه الممارسات العقابية، تنطوي علي نوع من الاعتداء علي شخصية التلميذ، و قد تثير في قلبه الحنق و العداوة و الشعور بالظلم، و تفسد العلاقة بين المعلم و التلميذ، و لا سيما أن مثل هذه الممارسات تحدث بشئ من الانفعال. (12)
وإذا كان نجاح المدرسة في تحقيق الضبط المدرسي علي مدي وعي القائمين علي العملية التعليمية بأهميته و حرصهم علي تحقيقه، و مراعاة شروطه خلال أدوارهم المتكاملة (13)، و إذا كانت بعض الدراسات قد أرجعت تغالي المعلمين في استخدام العقاب و عدم مراعاة شروطه، إلي عدم درايتهم بالأساليب الأخرى لمعالجة السلوك السلبي، و شروط استخدام هذه الأساليب، فإن الباحث يتسأل عما إذا كانت آراء المعلمين حول ما ينبغي أن يكون عليه العقاب المدرسي (أهدافه، أساليبه، القائمون به، شروطه) تتفق أو تختلف عن آرائهم عن واقع ما يحدث في مدارسهم و إذا كانت هذه الآراء مختلفة فما أسباب ذلك ؟ و هل ما يحدث في المدارس الثانوية من ممارسات عقابية يرجع إلي عدم وعي المعلمين بأهداف العقاب و القائمين به و أساليبه و شروطه ؟ أم إلي ظروف مجتمعية تحيط بالمدارس و مفروضة عليها، أم أن للظروف الاجتماعية و الاقتصادية و ضغوط العمل التي يعيشها المعلمون دورا هاما في ذلك.
وإذا كانت هناك عدة دراسات علمية- علي حد علم الباحث- قد تناولت موضوع العقاب المدرسي، فإن هذه الدراسات قد ركزت علي اتجاهات المعلمين و الطلاب نحو استخدام العقاب المدرسي، و علاقة ذلك ببعض المتغيرات نذكر منها دراسة رسل Russel (1978) (15)، جلين Glenn (1980) (16)، سليمان الخضري و محمد سلامة ( 1982) (17)، محمد ثابت، و الجمال ( 1988) (18)، و عبد الراضي إبراهيم (1988) (19) – و غيرها.
و تناولت دراسات أخري دور العقاب المدرسي في العملية التعليمية نذكر منها محمد إبراهيم كاظم ( 1963) (20)، ما كيلان ( 1980) (21)، باك (1980) (22) و مصطفي كامل (1988) (23)، أميرة شاهين (1990) (24)، البحيري و خضراوي (1990) (25) و غيرها.
أما الدراسة الحالية فتسعي إلي التعرف علي آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول ما ينبغي أن يكون عليه العقاب المدرسي (أهدافه- أساليبه- القائمون به- شروطه) و أرائهم حول واقع ما يحدث قي مدارسهم و أوجه الاختلاف و الاتفاق بين هذه الآراء.
مشكلة الدراسة:
تحددت مشكلة الدراسة الراهنة في محاولة الإجابة علي التساؤل الرئيسي التالي:
إلي أي حد تتفق أو تختف آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول ما ينبغي أن يكون عليه العقاب المدرسي، و آراءهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم؟
و للإجابة عن هذا التساؤل استلزم الأمر الإجابة عن التساؤلات الفرعية التالية:
1. إلي أي حد تختلف آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول ما ينبغي أن تكون عليه أهداف العقاب المدرسي، وآراؤهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم؟
2. إلي أي حد تختلف آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول ما ينبغي أن تكون عليه أساليب العقاب المدرسي، وآراؤهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم؟
3. إلي أي حد تختلف آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول من ينبغي أن يقوم بالعقاب المدرسي، وآراؤهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم؟
4. إلي أي حد تختلف آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول ما ينبغي أن تكون عليه شروط استخدام العقاب المدرسي، وآراؤهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم؟
هدف الدراسة:
استهدفت الدراسة الراهنة الكشف عن آراء معلمي التعليم الثانوي العام حول ما ينبغي أن يكون عليه العقاب المدرسي، و آراءهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم، و أوجه الاختلاف و الاتفاق بين هذه الآراء، بما قد يعين علي تقديم بعض المقترحات عم بعض السبل التي يمكن من خلالها مساعدة المعلمين علي ترشيد استخدام العقاب في المواقف المدرسية.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة فيما يلي:
1. أنها تتناول أحد الموضوعات الجدلية الحساسة، التي ما زال يكتنفها الغموض- سواء علي المستوي النظري أم في مجال الممارسات الفعلية داخل حجرة الدراسة- و يحاط بعلامات استفهام كثيرة لدي المعلمين و الطلاب و أولياء الأمور.
2. أنها تتناول مرحلة من أهم المراحل التعليمية –المرحلة الثانوية لما لها من آثار عميقة في نفوس طلابها، و في تكوينهم و إعدادهم للحياة و شق طريقهم في المستقبل، بالإضافة إلي ما يشكله المراهقين من مصدر قلق و اضطراب و تمرد علي السلطة العائلية و المدرسية، و ميل دائم إلي تحدي الآراء و الأوضاع القائمة (26)، الأمر الذي يتطلب فهما جادا لقضية ضبطهم و عقابهم.
3. أن الكشف عن آراء المعلمين حول قضايا العقاب المدرسي، يمكن أن يعين علي توضيح كثير من المفاهيم الغامضة لديهم –عن العقاب المدرسي- و التي يمكن طرحها علي بساط البحث و المناقشة في برامج إعداد المعلمين و تدريبهم(27)، بالإضافة إلي اشتراك المعلم نفسه في بحث عن العقاب المدرسي، يتيح له الفرصة للتعبير عن خبراته الخاصة إزاءه، كما قد تتيح له الفرصة لتعديل اتجاهه نحو العقاب و شروطه.(28)
4. أنه مما يزيد من أهمية الدراسة أنها لا تقف عند حد التعرف علي آراء المعلمين حول ما ينبغي أن يكون العقاب المدرسي، بل تتجاوز ذلك –أيضا- إلي الكشف عن آرائهم حول واقع ما يحدث في مدارسهم بما قد يسهم في تفسير بعض الظواهر الخاطئة عن استخدام العقاب في مدارسنا.
حدود الدراسة:
اقتصرت هذه الدراسة علي عينة من معلمي و معلمات التعليم الثانوي العام بمحافظة المنوفية قي العام الدراسي 90/1991، كما اقتصرت علي دراسة آرائهم حول أربع قضايا خاصة بالعقاب المدرسي و هي أهداف العقاب، و أساليبه، و القائمون به، و شروط استخدامه.
منهج الدراسة و أدواتها:
اعتمد الباحث في دراسته علي المنهج الوصفي التحليلي لملاءمته لطبيعة و هدف الدراسة، كما اعتمد في الحصول علي البيانات اللازمة علي استبانه أعدت خصيصا لهذا الغرض تمت صياغة بنودها من الإطار النظري و بعض الدراسات السابقة، و أيضا من خلال توجيه سؤال مفتوح إلي بعض معلمي التعليم الثانوي العام/ طلب منهم فيه تحديد تصوراتهم عن أهداف العقاب ووسائله و شروطه، و قد تم عرض الاستبانة في صورتها الأولية علي عدد من أعضاء هيئة التدريس بكلية التربية جامعة المنوفية لإبداء آرائهم في مدي شمولها لجوانب الدراسة، كما تم تطبيقها بعد ذلك علي (12) معلما و معلمه بالتعليم الثانوي العام، للتأكد من فهمهم التام لعباراتها و تعليماتها فتم نتيجة لكل ذلك حذف بعض العبارات و تعديل بعضها، و إضافة عبارات أخري لم يرد ذكرها في الاستبانة، و بذلك وضعت الاستبانة في صورتها النهائية.
و تتكون الاستبانة في صورتها النهائية من عدد من العبارات، وزعت علي جوانب الدراسة فخصصت (8) عبارات لأهداف العقاب، (10) عبارات لأساليب العقاب، (5) عبارات للقائمين بالعقاب، (19) عبارة لشروط العقاب، و تقتضي الإجابة علي الاستبانة أن يقرأ المستجيب كل عبارة ثم يرتبها وفقا لدرجة اتفاقها مع ما يحدث في مدرسته، و لدرجة اتفاقها مع ما يحدث في مدرسته، ولدرجة موافقته علي ما ينبغي أن تكون عليه الأحوال، و ذلك بوضع علامة ( ) –أيضا- في احدي خانات الفئة الثانية ( ما ينبغي أن يكون)، و قد تضمنت كل فئة خمس درجات (د-1) من حيث مدي حدوثها في الواقع، و مدي الموافقة عليها.
عينة الدراسة:
طبقت الاستبانه علي عينة من معلمي التعليم الثانوي العام بلغت (250) فردا، بواقع (15%) تقريبا من المجتمع الأصلي الذي استمدت منه هذه العينة، و هم كل معلمي التعليم الثانوي العام بمحافظة المنوفية، و قد بلغت عدد المسترجع منها (245) استبانه، و تم استبعاد خمسة منها لعدم استيفائها للإجابة و بذلك أصبح العدد الكلي لأفراد العينة (240) فردا (171) معلما، (69) معلمة.
أساليب المعالجة الإحصائية:
استخدم الباحث في تحليل نتائج دراسته الطرق الإحصائية الآتية:
- حساب المتوسطات و الانحرافات المعيارية لكل عبارة في الواقع و ما ينبغي أن يكون، بالنسبة للجوانب المتعلقة بأهداف العقاب و أساليبه و القائمين به.
- استخدم معامل ارتباط الرتب لسبيرمان، لإيجاد الارتباط القائم بين ترتيب عبارات كل جانب من الجوانب الثلاثة في الواقع و ما ينبغي أن يكون و ذلك من خلال ترتيبها حسب المتوسطات.
- أما بالنسبة لشروط العقاب، بالإضافة إلي الحصول علي درجة كل عبارة علي حدة في الواقع و ما ينبغي أن يكون، ثم استخرج المتوسط العام لجميع العبارات (19 عبارة) في هذا الجانب، و ذلك عن طريق استخراج درجة كل فرد و ما ينبغي أن يكون، و فد تم استخدام اختبار الدلالة (ت) t- test لدراسة دلالة الفروق بين آراء المعلمين حول شروط العقاب في الواقع و ما ينبغي أن يكون.
مصطلحات الدراسة:
العقاب المدرسي:
العقاب في اللغة يعني أن يجئ الشئ أي متأخر عنه كما تعني أيضا الجزاء علي الفعل السيئ، فقد قال صاحب المختار "العقاب العقوبة، و عاقبه بذنب، و عاقبه جاء فهو معاقب و عقيب أيضا و تعقبه عاقبه بذنب" (29) و جاء في لسان العرب " العقاب و المعاقبة أن تجزي الرجل بما فعل سواء، و الاسم العقوبة، و عاقبه بذنب معاقبة و عقابا و عقب، هذا هدا إذا جاء بعده، و عقب الليل و النهار جاء بعده، و عاقبه أي جاء يعقبه فهو معاقب و عقيب أيضا، و ذهب فلان و عقبه فلان بعده.(30)
فالعقاب هو كل ما يلحق بالإنسان بعد الذنب، و يترتب عليه الإحساس باللم أو الفقد و المعاناة بطريقة قد تكون قاسية و عنيفة.
و قد يفرق البعض بين العقاب و العقوبة فيقررون أن ما يوقع علي الإنسان إن كان في الدنيا يقال له عقوبة أما ما يلحق في الآخرة فهو العقاب (31)، كنا يفرقون بين العذاب و العقاب، فالعقاب جزاء الشر علي حين أن العذاب هو الألم الشديد جزاء كان أم لا، فكل ما شق علي النفس فهو عذاب أي شعور بالألم (32).
فالعقاب يعرف باعتباره من طرق التأديب تتضمن إنزال الألم علي شخص ما بسبب خرفه لنظام ( مخالفته قانونا كان حتما عليه أن يؤائم و بين أفعاله) أو إتباعه لمسلك لا يرضي عنه من ينزل به العقاب. (33)
و في ضوء ذلك بمكن تعريف العقاب المدرسي بأنه طريقة أو أسلوب يتبعه المعلم أو ادارة المدرسة لضبط سلوك التلاميذ، حينما يعتبر هذا السلوك غير ملائم أو غير مقبول أو معطلا لعملية التدريس و التعلم و عادة ما تسفر هذه الطريقة عن إحداث الألم و الكدر لدي من يتعرضون له. (34)
خطة الدراسة:
في ضوء ما سبق الدراسة الراهنة من قسمين هما:
1) القسم النظري و يتضمن النظريات و الآراء بشأن القضايا التي تتناولها الدراسة و هي أهداف العقاب و أساليبه و شروطه و القائمون به.
2) القسم المدني و يتضمن ما أفضت إليه الدراسة الميدانية من نتائج فيما يتعلق بآراء المعلمين حول العقاب المدرسي ( أهدافه، أساليبه، القائمون به، شروطه) في الواقع و ما ينبغي أن يكون.
الإطار النظري للدراسة
شغل موضوع العقاب –و ما يزال- كثيرا من الفلاسفة و علماء الاجتماع و الانثربولوجيا و رجال القانون و علماء النفس بالإضافة الي المربين، و قد تناول كل دراسة العقاب من زاويته الخاصة، و عالجها بما يتمشي مع أسس كل علم و مبادئه، فقد تناول الفلاسفة بالتحليل و الدراسة كافة المسائل الجدلية المتعلقة بالعقاب مثل البحث عن مصدر العقوبة، و هل هو الفرد أو المجتمع، و الغاية من العقاب و أساليب العقاب ومبرراته، و السلطات التي تملكه و مشروعية ذلك....و غيرها
كما اهتم علماء الاجتماع بدراسة ظاهرة العقاب وفقا للمنهج الاجتماعي الذي يهتم بتحليل الظاهرة و الرجوع إلي أصولها التاريخية و تتبع تطورها في الزمان و المكان في مختلف الشرائع و العصور و المجتمعات (35) و قد أسهم هؤلاء – بدراساتهم عن العقاب – في الدعوة إلي ضرورة الاهتمام بتحليل النظم القانونية التي تسود في كل مجتمع من المجتمعات في ضوء البناء الاجتماعي الخاص بهذا المجتمع، ففكرة العقاب ترتبط في تلك المجتمعات ارتباطا قويا بالتنظيم الاجتماعي الكلي و تعكس خصائصه و مقوماته بل أن نفس الهيئة التي تتولي النظر في القضايا، و تقوم بتكييف الجريمة و تحديد الجزاء و كذلك نوع العقوبة التي تحكم بها هذه الهيئة في كل حالة تتأثر بذلك التنظيم الاجتماعي (36)، فالعقاب من وجهة علماء الاجتماع نوع من رد الفعل الذي يصدر عن المجتمع لتأكيد تماسكه و للمحافظة علي قيمة و أنماط سلوكه و الأوضاع الاجتماعية السائدة فيه، و هو ما أكده دوركايم في مقالته عن الوظيفة الاجتماعية للعقوبة. (37)
أما بالنسبة لرجال القانون فإن دراسة العقاب قد احتلت مكانا مهما بين الموضوعات التي يتعرضون لها بالبحث و الدراسة، حيث يدرسه علم خاص به بين فروع القانون ا الجنائي يسمي علم العقاب –عدا ما ينبغي أن يرد منه للتقديم بين يدي دارسي هذا القانون في شرح قانون العقوبات القسم العام – يبحث في أغراض الجزاء الجنائي، و يحدد أفضل أساليب المعاملة العقابية للجاني بصورة تحقق هذه الأغراض. (38)
و يدرس علم النفس التربوي العقاب في باب دوافع التعلم و الاكتساب، و ذلك من خلال دراسة أثر العقاب علي الصحة النفسية للتلاميذ، و تحصيلهم الدراسي، و يميز علماء النفس بين نوعين العقاب، يحدث الأول عندما يقلل تقديم حدث ما، بعد فعل إجرائي معين من تكرار هذا الفعل في مواقف مشابهة، و يسمي بالعقاب الموجب، و يحدث الثاني عند إزالة معزز ما يلي فعل إجرائي معين، فيختزل تكرار السلوك في مواقف مشابهة، و يسمي بالعقاب السالب.(39)
و في مجال التربية لا يزال العقاب المدرسي موضع خلاف بين التربويين من حيث أهدافه و أساليبه و شروطه و فاعليته في توجيه سلوك التلاميذ و حفظ النظام داخل الفصل الدراسي، بل لا يكاد يثير أي جانب من جوانب التربية خلافات في الرأي و في التطبيق أكثر مما يثير موضوع العقاب المدرسي، فمن جهة يحبذ العقاب كباعث للتعلم و يشجب من جهة أخري باعتباره شيئا بغيضا (40). و يهتم المربون في دراستهم للعقاب، بالكشف عن أنواع العقوبات المتبعة في المدارس و أسباب توقيعها علي التلاميذ، و آراء المعلمين و النظار و أولياء الأمور في مدي فاعلية هذه العقوبات، كما يهتمون بدراسة الاتجاهات نحو استخدام العقاب المدرسي، و علاقة ذلك ببعض المتغيرات من جهة، و التحصيل الدراسي للطلاب من جهة أخري، بالإضافة إلي استعراض أراء المعلمين حول قضايا العقاب المدرسي سواء في الواقع أم في ما يرجي أن يكون، و هو ما تتناوله الدراسة الراهنة، و لعل الحديث عن العقاب المدرسي و قضاياه يقتضينا أن نستعرض الآراء و النظريات التي تناولت القضايا الأربعة التالية:
أولا: أهداف العقاب:
كانت أهداف العقاب مجالا لاجتهادات المربين و الفلاسفة و رجال القانون و علماء الاجتماع و قد أفرزت هذه الاجتهادات ثلاث نظريات تؤكد كل نظرية علي هدف ينبغي أن يحققه العقاب و هي:
1) نظرية الجزاء:
يري أصحاب نظرية الجزاء أن العقاب جزاء عادل للذنب، فلابد للجاني أن ينال ما اقترفت يده بال يعد تعبيرا عن الاستنكار الذي يضمره المجتمع لمن يرتكب الذنب، فهم يرون أن التغاضي عن هذا الاعتبار الاجتماعي قد يؤدي إلي تسامح غير مرغوب فيه مع ظاهرة الجريمة نفسها، و لقد عبر القرآن الكريم عن فكرة الجزاء المقابل للجريمة في جرائم الحداد بلفظ الجزاء، بل صرح بأنها الجزاء المقابل للجريمة (41) حيث قال تعالي "إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا، أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف (42)، و قوله أيضا "و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، و اله عزيز حكيم" (43).
و علي الرغم من الانتقاد الشديد الذي لقته هذه النظرة إلي العقاب، لارتباطها بفكرة الانتقام و التكفير التي اقترنت في العصور القديمة فقد اتجه الي تأييدها بعض علماء التحليل النفسي الذين يرون أنه من الأهمية بمكان حين يرتكب شخص جريمة ما أن يوقع عليه جزاء عادل لها، للمحافظة علي هدوء النفس و تخليص الجاني من مشاعر الذنب، كما يؤديها بعض الباحثين في علم العقاب، باعتبارها تؤدي إلي احترام القانون و منع حوادث الانتقام التي قد يرتكبها المجني عليه، إذا لم تناسب العقوبة الجاني (44).
و في ضوء هذه النظرية يصرح دوركايم بأن وظيفة العقاب المدرسي أن تعيد ألي ضمائر التلاميذ الذين خرق القاعدة الخلقية، و لذلك فهو يؤكد علي ضرورة أن يستخدم المعلم كل ما من شأنه أن يعمق احترام التلميذ للقاعدة حتى لو اضطروا إلي استخدام العقاب، فتهاون المعلم في عقاب المخالفين للقاعدة يؤدى إلي شعور التلميذ بأن القاعدة لم تعد أهلا للاحترام كما أكد علي ضرورة أن يكون المعلم قدوة، فيفرض علي نفسه كنا يفرضها علي التلاميذ، و أن يجعلهم يشعرون بأنه لا يستطيع تعديل القاعدة و أنه مجبر علي تطبيقها و أنها تلزمه كما تلزمهم (45).
كما أكد الغزالي علي ضرورة إقناع الصبي بأن العقوبة جزاء له علي ذنب، و لذلك يمنع من العوامل و البكاء و الاستشفاع " و ينبغي إذا ضربه المعلم أن لا يكثر من الصراخ و الشغب، و لا يستشفع بأحد بل يصبر و يذكر له أن ذلك دأب الشجعان و الرجال، و أن كثرة الصراخ دأب المماليك و النسوان" (46).
2) نظرية الردع أو المنع:
يري أصحاب نظرية الردع أن هدف العقاب إعطاء المخطئ درسا لا ينساه، أو يظهر للآخرين ما يمكن أن يحدث لهم لو ارتكبوا الخطأ مثله، فإذا كانت نظرية الجزاء تنظر إلي الماضي باعتبار العقاب مقابلا يتحمله المخطئ من جراء مخالفته قد صدرت بالفعل عنه، فان نظرية المنع تضع المستقبل في اعتبارها أكثر مما تضع الماضي إذ ترمي إلي منع وقوع مخالفات جديدة عم طريق توقيع العقاب بسبب مخالفة وقعت فعلا (47).
و المنع الذي يمكن أن يحققه توقيع العقاب قد يقتصر أثره علي المخطئ الذي وقع عليه العقاب فعلا، يصده العقاب و ألمه عن العودة مرة أخري إلي ارتكاب الخطأ، و قد يمتد أثره إلي الأفراد في المجتمع كله، بحيث يمتنع المجرمون المحتملون أو عدد منهم عن ارتكاب الخطأ خوفا من أن يلحقهم مثل العقاب الذي أصاب المخطئ فعلا نتيجة لارتكابه خطئه، و لا يأتي ذلك إلا بالإعلان عن العقوبة و جعلها معلومة للكافة لا عند تقريرها فحسب ب عند تنفيذها كذلك. (48)
و تحتل نظرية الردع مكانة مهمة لدي الفقهاء المسلمين، حيث ينظرون إلي العقوبات علي أنها زواجر وضعها الله تعالي للردع عن ارتكاب ما حظر و ترك ما أمر، فالعقوبة التي توقع علي المخطئ تكون عظة و عبرة لغيره، إلي جانب ما فيها من زجر للمخطئ، و لذلك فإن تنفيذ العقوبات علانية أصل مقرر في الفقه الإسلامي فالإسلام يحيط الذنب بالستر أو بالوصف الموجز، علي حين يحيط العقوبة بالإعلان الواسع، و يطلب عند إيقاعها حضور جمع من المؤمنين (49)، و هو ما قرر في قوله تعالي "و ليشهد عذابها طائفة من المؤمنين" (50)
و إذا كان الردع كهدف للعقاب يبدو وجيها في منطقه، فإن البعض يشك من الناحية العملية في كفايته و قيمته في منع الجريمة، ففكرة الردع تفترض أن الشخص يفكر قبل أن يفعل، و أنه يتدبر عواقب الفعل قبل أن يقدم عليه، و لكن الواقع أن الأشخاص يسلكون ويتصرفون علي النحو الذي تميله ظروفهم، و ينخرطون في وجوه يشاط عادية دون ما خوف من العقاب، أو تقدير لوقوعه، و حني إذا صاحب هذا التفكير ارتكاب الجريمة فانه يكون حينئذ أدعي للاحتياط و إخفاء معالم الفعل الإجرامي حني لا يقع تحت طائلة القانون، و لعل هذا هو ما حدا بالقانون إلي أن يعتبر سبق الإصرار ظرفا من الظروف المشددة في العقاب كما أن المبالغة في عليتنه و قسوة العقوبات يمكن ألا تردع الجماهير بقدر ما تستثير فيهم الشفقة و الرثاء للمعاقب و السخط علي قسوة العقوبة أيا كانت طبيعة الخطأ الذي نعاقب من أجله، ثم أن توقيع العقوبة بهذه الصورة العلنية يصبح لتكرره أمر مألوفا، إن لم يكن منظرا بشعا لا يثير الفضول و لا يسترعي أي نوع من الاهتمام كما يؤخذ علي نظرية الردع أنها تتخذ الإنسان المخطئ وسيلة لمنع غيره من الخطأ. (51)
وفي ضوء نظرية الردع يكون العقاب المدرسي وسيلة تحول دون خروج التلاميذ علي قواعد النظام، و من ثم يجب أن يعاقب التلميذ حني لا يعود إلي الفعل الخاطئ، و حني يمتنع غيره عن تقليده، و بهذا ينحصر هدف العقاب في إيجاد ارتباط وثيق في أذهان الأطفال بين فكرة الخطأ و فكرة الألم بما يؤدي إلي منعه من العودة –هو أو غيره- إلي الفعل الخاطئ. (52)
3) نظرية الإصلاح:
يري أصحاب نظرية الإصلاح أن الهدف الذي يجب أن توجه إليه العقوبة هو إصلاح المخطئ نفسه و تقويم سلوكه بحيث يعود بعد ذلك إلي الحياة الاجتماعية عضوا صالحا "فأي عقوبة تنزل بالمذنب لا تحقق فيه إصلاحا أو إعادة بناء في تربيته لا يصح أن تقر فللعقوبة هدف إصلاحي و من أجل هذا سنها المجتمع" (53)، و تري هذه النظرية أن النشاط الإنساني نتيجة لعوامل سابقة عليه هي المقدمات التي أدت إليه، و هذه العوامل من الممكن تحديدها، و من ثم يمكن اتخاذ الوسائل العلاجية لإحداث تغيير في سلوك الشخص المخطئ، فبعض حالات انحراف السلوك الاجتماعي ترجع ألي علل بدنية أو عقلية أو عصبية أو نفسية، فيكون في علاجها ما يكفل بذاته التهذيب. (54)
و إذا كانت هذه النظرية تجعل من الإصلاح هدفا للعقاب، فإنها تؤكد علي انه ليس هو الهدف الوحيد، فهي تبقي علي العقوبة دون أن تدعو إلي إبدالها بالعلاج و لكنها تطالب بتعديل أساليب تنفيذها و تدعو إلي التروي في اختيارها، و الربط بين العقوبة التي نوقعها و الظروف الشخصية للمذنب، بحيث يتحقق الهدف الإصلاحي منها إلي جانب أهدافها الأخرى. (55)
و في ضوء هذه النظرية وجه جان روسو و بستالوتزي و جون ديوي اهتمامهم لدراسة العوامل النفسية و الاجتماعية التي تدفع التلاميذ إلي الخطأ و الاهتمام بتنمية الانضباط الذاتي لديهم حفاظا علي القوانين و القواعد الخلقية كما نصح ابن سينا المربي بإبعاد المغريات عن الطفل حني لا يقع في خطيئة نضطر من أجلها لعقوبة "فينبغي لقيمه أن يجنبه مقابح الأخلاق و ينكب عنه معايب العادات" (56) كما نصح الغزالي بضرورة إبعاد الصبي عن قرناء السوء كوسيلة للتهذيب و امتداح الفصائل و دم النقائص باستمرار في حضرة الصبي و شغل أوقات فراغهم يمكن أن يتم ذلك من خلال تعويد الصبي القراءة و خصوصا قراءة القرآن الكريم و أحاديث الأخيار و حكايات الأبرار و أحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين. (57)
كما يجب علي المعلم أن ينظر إلي مشكلات النظام علي أنها تعني أن درسه و طريقته و أسلوبه لا يبعث إثارة اهتمام التلاميذ للتعلم، و عليه أن يجتهد دائما في ان يكون درسه مشوقا و مثيرا للرغبة و الفضول ألي التعلم عند التلاميذ و أن يدرس دائما الأسباب التي تؤدي إلي ظهور مشكلة النظام. (58)
في ضوء ما سبق يتضح أن هذه النظريات الثلاث ليست بالضرورة متناقضة أو متضادة بمعني انه ليس ضروريا أن تهدف العقوبة إلي احد الأهداف الثلاثة فقط فليس ضروريا إن يكون الاصطلاح منعزلا عن الردع أو الجزاء بل قد يتحقق الإصلاح في عقوبة الردع أو الجزاء فالعقوبة يمكن أن ترمي إلي تحقق الأهداف الثلاثة معا و انما قد يثور الخلاف حول أي هذه الأهداف أرجح بحيث يلاحظ في المرتبة الأولي و قد يختلف الترجيح من حالة إلي أخري بحيث الظروف الموضوعية و الشخصية فالمعلم قد يعاقب التلميذ المخطئ لينال جزاء ما اقترفت يداه و لمنعه و منع غيره من العودة إلي ارتكاب الخطأ و لإصلاح سلوكه و تعديله و حثه علي الاستذكار.
ثانيا: أساليب العقاب و صوره:
تتعدد صور العقاب المدرسي و أساليه بشكل يصعب معه وضع تحديد شامل لهذا المصطلح خاصة و أن ما يعد عقابا بالنسبة لتلميذ ما يعتبره البعض شكلا من إشكال جذب الانتباه (59)، حيث تتراوح هذه الصور غالبا بين التحذير بالنظرة و الإيماءة و العقاب البدني و ما يوجد بينهما من التوبيخ سرا، اللوم العام أمام تلاميذ الفصل، طرد التلميذ من الفصل، أخبار الوالدين بأخطاء التلميذ، حرمانه من اللعب في وقت اللعب، تكليف التلميذ بأعمال إضافية، و تحويله للإدارة لتوقيع العقاب المناسب عليه و توقيع الجزاء المالي في حالة إتلاف ممتلكات المدرسة و غيرها.
و لقد أشارت احدي الدراسات الميدانية التي أجريت للتعرف علي واقع العقوبات المدرسية إلي تعدد هذه العقوبات حيث اشتملت علي التأنيب و التعنيف إمام تلاميذ الفصل، و الفصل المؤقت من المدرسة، و مواجهة التلميذ للحائط، و إبلاغ الوالدين بسلوك التلميذ، و طرد التلميذ خارج الفصل، و الحرمان من النشاط الاجتماعي و الرياضي و الفصل النهائي من المدرسة و الضرب (60)، أما القانون رقم 1127 بتاريخ 17/11/1959 الخاص بالنظام التأديبي لتلاميذ المدارس الثانوية و ما في مستواها، فقد أشار إلي عدة صور للعقاب المدرسي منها، لفت نظر التلميذ إلي معني مخالفته و ما يترتب عليه من نتائج، و مطالبة التلميذ الاعتذار شفويا أو كتابة أو التعهد بعدم العودة لمثل ما بدر منه، و التأنيب العلني في الفصل أو في الطابور، و الحرمان لفترة معينة من بعض الامتيازات أو أنواع النشاط التي يمارسها التلميذ الذي وقعت منه المخالفة، و الإنذار بالإبعاد عن المدرسة، و استدعاء ولي أمر التلميذ إلي المدرسة، و فصل التلميذ من المدرسة فترة محددة، و الفصل النهائي من المدرسة. (61)
وواضح مما سبق أن صور العقاب و أساليبه تتمثل في صورتين (كما يري علماء النفس) تتعلق الأولي بخضوع التلميذ المخطئ لمثير مؤلم أو منفر كما هو الحال في العقاب البدني أو العقاب المعنوي مثل الطرد من الفصل، و الفصل المؤقت من المدرسة، و التوبيخ علي انفراد، أو أمام الزملاء في الفصل، و التهديد بضربه، و تكليفه بأعمال و مسئوليات إضافية.. و غيرها، أما الثانية فتتعلق بحرمان التلميذ المخطئ من مثير محبب أو سار له مثل الحرمان من عطف المعلم و تقديره، أو حرمانه من الاشتراك في الأنشطة المحببة إليه و حرمانه من بعض الدرجات... و غيرها
ثالثا: القائمون بالعقاب:
اختلف المربون حول من يتولي عقاب التلاميذ و يزاوله كحق قانوني أو شرعي، و إذا كان هناك اتفاق علي أن للدولة و لمن تعترف له من الهيئات و الأفراد الحق في توقيع العقاب في حدود مرسومة و شروط محددة مقررة بمقتضي القانون و الشريعة و العرف و التقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع (62)، فإن المدرسة كأحد هذه الهيئات التي تعترف لها الدولة بالشخصية المعنوية –ممثلة في مجلس إدارتها- هي التي لها الحق في توقيع العقاب علي تلاميذها، و يتولي الناظر أو المدير توقيعه.
كما أن حق التأديب مقرر بمقتضي الشريعة و العرف للوالدين أو من في حكمهما، و هو مقرر كذلك للمعلم في مواجهة الصغار –أي الأبناء أو القصر أو التلاميذ- و ذلك للأولين من الحق و السلطة في تعليمهم و تربيتهم و تهذيبهم، و هذا الحق يبيح لأصحابه اللجوء إلي العقاب –و أحيانا الضرب- دون أن يكونوا عرضه للمسئولية الجنائية للمسئولية الجنائية عن هذا الفعل، علي أن الإباحة الممنوحة هنا لأصحاب هذا الحق مشروطة بعدم إساءة استعماله أو تجاوز الحدود المرسومة له، و ألا يخرجوا عن الغاية التي أبيح من أجلها، فالضرب الذي لا تكون غايته التهذيب أو التعليم بل التعذيب و الانتقام يسقط به هذه الإباحة و يستوجب العقاب، و لذلك نري المشرع ينص أحيانا علي حرمان بعض أصحاب هذا الحق من الإباحة المقررة لهم بالشريعة أو العرف، كما في قانون تنظيم المدارس الابتدائية و الثانوية الذي ينص علي منع العقوبات البدنية منعا باتا، و هنا لا يكون لهذا الحق وجود ما دام محظورا من الشارع بنص صريح. (63)
و إذا كان البعض يري أن الجماعة أكثر قدرة علي فرض الضبط علي سلوك أعضائها من فرد يناط به سلطة و يوكل إليه هذا الضبط، فإن بعض المدارس تعمل علي المحافظة علي النظام عن طريق إعطاء بعض وسائل الضبط لعدد من التلاميذ ليراقبوا سلوك زملائهم، انطلاقا من أن التلاميذ يكونون أكثر استجابة لهذه القيادة الجماعية من زملائهم إذا قورنت باستجاباتهم للسلطة المركزية التي يمارسها ناظر المدرسة. (64)
وواضح مما سبق أن القوانين و الأعراف قد أعطت لناظر المدرسة و معلم الفصل الحق في عقاب التلاميذ، كما يمكن أن تستدعي إدارة المدرسة ولي أمر التلميذ المخطئ إعقابه، و يمكن –أيضا- أن يشترك الفصل في اقتراح العقوبة المناسبة لزميلهم المخطئ.
رابعا: شروط استخدام العقاب:
إذا كان العقاب كوسيلة للتأديب و التهذيب قد عرف في الممارسات التربوية منذ العصور القديمة، و شرعته الأديان و القوانين الوضعية، فإن المربين قد وضعوا عدة شروط منظمة و مقيدة لاستخدام العقاب لابد مراعاتها، حتي يصبح للعقاب دور "فعال" في توجيه المخطئ و اصلاح سلوكه.
فقد اشترط المربون ضرورة ألا يلجأ المعلم إلي العقاب إلا إذا فشلت طرق الإصلاح
ساحة النقاش