<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
العلاقة الاستراتيجية بين البحث العلمي الجامعي والصناعة
" الواقع والآفاق المستقبلية "
ورقة عمل مقدمة إلى
الندوة السابعة لقسم اصول التربية- جامعة طنطا
"التخطيط الاستراتيجي للتعليم العالي"
كلية التربية- جامعة طنطا
الثلاثاء الموافق 11مايو 2010
إعداد
ا د/ جمال على الدهشان
أستاذ أصول التربية
ووكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث
كلية التربية - جامعة المنوفية
مقدمة:
يعد التعليم الجامعي القاعدة الأساسية لترسيخ دعائم التـقدم العلمي ولدفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات المختلفة المتقدمة منها والنامية.
يعد البحث العلمي من أهم الوظائف الأساسية للجامعات ،- بل انه يحتل المرتبة الثانية في الأهمية بعد التعليم الاكاديمى - وهو عنصر مهم وحيوي في حياتها كمؤسسات علمية وفكرية ، حيث إنه من أهم المقاييس الدالة على الدور القيادي للجامعات في المجالات العلمية والمعرفية ، بل إن سمعة الجامعات ومكانتها ترتبط إلى حد كبير بالأبحاث العلمية التي تنتجها وتنشرها.
والجامعة لا يمكن أن تسهم في عملية التنمية إلا بتفعيل آليات عملها البحثي ، نحو الاهتمام بقضايا ترتبط بالتنمية ، عبر دراسات ميدانية لأنشطة المؤسسات في قطاعات الصناعة والزراعة والأسماك وقطاعات التعدين وتوليد الطاقة ، وقطاعات الصحة والتربية والخدمات ، وغيرها ، وتقديم نتائج الأبحاث العلمية للمؤسسات للاستفادة منها في تطوير أنشطتها الإنتاجية وتحسين آلية العمل والنشاط التنموي.
إن ارتباط البحث العلمي بمتطلبات التنمية في المجتمع في مجالات الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها يعد أحد المرتكزات الأساسية للتنمية والتقدم في عصرنا هذا الذي يحتل فيه البحث العلمي مكانة كبيرة في النواحي المختلفة. ويتمثل ذلك في رفع معدلات الإنتاج وتحسين نوعيته وإدخال الأساليب والتقنيات الحديثة في النشاطات الإنتاجية والإدارية للمؤسسات التنموية، بما يؤدي إلى تطويرها وزيادة مساهمتها في الدخل القومي للمجتمع.
من المعروف أن هناك ارتباطاً مباشراً بين التقدم الصناعي في أي بلد ومدى ما يتحقق فيه من تطور تكنولوجي.. ولأن القوة المحركة لهذا التطور هي البحث العلمي، فقد اكتسب البحث العلمي وما يلعبه من دور محوري في خدمة التنمية الصناعية والاقتصادية أهمية كبيرة تعاظمت في الفترة الأخيرة التي بدأت تشهد تغيرات اقتصادية كاسحة في ظل تحرير التجارة وقوانين منظمة التجارة العالمية والعولمة التي عملت على انفتاح الأسواق أمام السلع والخدمات والتقنية ، بكل ما يترتب على ذلك من بروز أجواء تنافسية حادة ، البقاء فيها للأفضل ، أو بعبارة أخرى الوجود فيها لمن يملك الميزة التنافسية العلمية والتقنية والقدرة على التطوير والإبداع وتحويل الأفكار الخلاقة إلى سلع ومنتجات متميزة سهلة التسويق. فالصناعات التي ستبقى وتتطور هي الصناعات التي تتميز بالمزايا التنافسية وليست النسبية ، وأن هذا التميز التنافسي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عمليات التحديث والتطوير التي يشكل البحث العلمي للجامعات ركيزة أساسية فيها .
لقد أصبح البحثُ العلمي التطبيقي الذي يشارك في حل المشاكل التي تصادفها المؤسسات والصناعة، ركيزة ومنطلقاً لكل تطور صناعي وتقدم اقتصادي في الدول المتقدمة. بل وأضحى نشاطاً من الأنشطة الاقتصادية، ويؤدي دوراً كبيراً هاماً في تقدم الصناعة والاقتصاد ونموهما .
وإن كان مثل هذا البحث العلمي والتعاون هاماً بالنسبة للدول المتقدمة ، فهو بالنسبة للدول النامية وللمؤسسات فيها أكثر أهمية وإلحاحاً ، إذ بواسطته يتم وضع الخطط على أسس سليمة ومتينة، ويتم تفادي الأخطاء ودفع الخسائر وتحسين الأداء ورفع المردود .
وقد وعت الدول النامية حقيقة أن نقل وتوطين التكنولوجيا لا يتأتى بشراء الجديد منها، حتى وإن أصبحت عملية الحصول على التقنية الحديثة – مؤخراً متاحة ، وأقل صعوبة بفضل ثورة الاتصالات التي جعلت انسياب المعلومات لا يتطلب الكثير من الجهد والوقت، فامتلاك التقنية أو بالأحرى ما يسمح مالكو التقنية بنقله منها، يتطلب أكثر من مجرد توفير المال، باعتبار أن الحصول عليها بالشراء ليس هدفاً بحد ذاته، فالأهم هو توطين التقنية بكل ما يعني ذلك من استيعاب وتدريب وتأهيل للكوادر الوطنية واستغلال وتطوير لها، وبما يتناسب والظروف والاحتياجات المحلية.
وهنا لابد من التنويه إلى أن مواضيع البحث العلمي في الدول النامية قد تختلف – بل تختلف بالتأكيد – عن تلك في الدول المتقدمة من حيث الموضوعات والأهداف . فبينما تتركز مواضيع البحث العلمي في الدول المتقدمة حول مواضيع تطوير تقانات متقدمة، نجد أن الدول النامية تعاني من مشكلات أخرى، تتعلق بأسلوب التعامل مع التقانات المستوردة ، أو تكييف هذه التقانات وفقاً للظروف المحلية أو تطويرها بأساليب تراعي إمكاناتها واحتياجاتها، وبذلك فإن البحث العلمي فيها يتمثل بصورة أساسية في البحث عن الحلول العلمية لهذه المشكلات المحلية .
وإذا نظرنا إلى مؤسسات البحث العلمي التي لها علاقة بمجالات الصناعة المختلفة في أي دولة من دول العالم ( بما في ذلك دول العالم الثالث ) ، نجد أنها كثيرة ومتعددة ، فمن هذه المؤسسات ما له الدور الأساسي في بيان نوع البحث وهدفه ومخططه ومجالات تطبيقه ، ومن هذه المؤسسات ما له دور ثانوي ، ويمكن أن يكون في مرحلة من مراحل البحث دوره أساسي أيضاً . ويمكن تصنيف مؤسسات البحث العلمي في مصر التي لها علاقة بالبحث العلمي الصناعي إلى ما يلي :
1 – الجامعات: توجد مجموعة من مؤسسات ووحدات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في الجامعات وتمثل 70% من أعداد هذه المؤسسات في مصر ، ويمثل عدد المشتغلين بها حوالي (77%) من القاعدة العلمية توجد في الجامعات.
2– مؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي التابعة للوزارات : توجد نحو مائة مؤسسة علمية وتكنولوجية، بلغ عدد المراكز العلمية البحثية التابعة لوزارة البحث العلمي ولأكاديمية البحث العلمي 14 مركزاً ، كما يبلغ عدد مراكز البحوث والدراسات بالوزارات المختلفة 219 مركزاً، وتحظى المراكز البحثية المتخصصة التابعة لوزارة البحث العلمي بالقسط الأكبر من الباحثون والمشتغلون بالبحث العلمي بتلك المؤسسات ، فنسبة (8%) من القاعدة العلمية في مصر توجد في المراكز البحثية المتخصصة التابعة لوزارة البحث العلمي، ونسبة (15%) في المراكز البحثية بالوزارات المختلفة الأخرى.
3 – وحدات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي التابعة لشركات قطاع الأعمال العام: بوجه عام، فإن عدد هذه الوحدات محدود جداً.
وعندما نتكلم عن البحث العلمي في الدول النامية- ومن بينها مصر- فإننا نعني بالدرجة الأولى البحث العلمي الجامعي ، فقد أشار تقرير المجلس القومي للتعليم و البحث العلمي والتكنولوجيا لعام 1999-2000 أن 70 % من الباحثين هم من الجامعيين، فالبحث العلمي في مصر، شديد الارتباط إذا بالتعليم الجامعي.
وفى ذلك يرى البعض أن الجامعات أصبحت – بفضل ما لديها كوادر بشرية متميزة في قدراتها وصفاتها البحثية وما لديها من امكانات مادية وعلمية حديثة – في مقدمة المؤسسات العلمية المشتغلة بالبحوث في المجتمعات المعاصرة ، بل إنها تكاد تكون المراكز البحثية الوحيدة في عدد من الدول النامية التي تفتقد وجود مؤسسات صناعية أو تسليحية ضخمة على غرار ما يوجد منها في الدول المتقدمة.
ففي تلك الدول لا توجد الشركات الصناعية الضخمة التي تستطيع تمويل مؤسسات بحث خاصة بها ، كما أن الإمكانات المادية والبشرية الكبيرة التي تتطلبها مؤسسات البحث العلمي تمثل عبئاً صعباً على كاهل الدول النامية ، وبالمقابل فإننا نجد أن الجامعات يمكن أن تضم بصورة طبيعية العناصر البشرية والفنية والخبرة الاختصاصية وأن تتوفر فيها التجهيزات المخبرية اللازمة للبحث العلمي ، لذلك فإن الدور الذي يمكن أن تؤديه الجامعات بتعاونها مع المؤسسات الصناعية يمكن أن يمثل وفراً اقتصادياً مهما لتلك المؤسسات، وذلك من خلال تقديم الحلول المثلي للمشكلات المعروضة، كما يمثل من جهة أخرى تطويراً نوعياً لهذه الجامعات في تطوير خططها التعليمية والبحوث الجارية فيها ، وربطاً للجامعة بالمجتمع بكل إيجابياته .
كما تعد الجامعات من اقدر المؤسسات البحثية على القيام ببحوث حيادية مستقلة لتطوير مشروعات التنمية في شتى جوانبها، كما أنها اقدر بكثير على القيام بالبحوث التي تجمع بين تخصصات علمية متباينة متعددة ومشتركة - والتي يطلق عليها اختصارا M.I.T. والتي تعنى بالترتيب Multidisciplinary , Inter Multidisciplinary Trans Discipline متعدد التخصص، مشترك بين أكثر من تخصص، يحتاج لأكثر من تخصص- والتي تعتبر أكثر ملاءمة لإجراء تقييم سليم للتجارب الماضية، وللتأثير بالتالي على شكل استراتيجيات التنمية الشاملة في المستقبل.
وانطلاقا من أهمية الجامعة وأهمية ما يمكن أن تقدمه للمجتمع بصفة عامة وقطاع الصناعة بصفة خاصة من خدمات، ومن أهمية وضرورة وجود علاقة وشراكة قوية بين ما يجرى في الجامعة من بحوث ودراسات(البحث العلمي الجامعي) وقطاع الصناعة ، لان هذه العلاقة هي شريان التقدم وطريق نقل التكنولوجيا والتحديث والتطوير ، وإكساب الصناعة والدولة بشكل عام القدرة على المنافسة دوليا، إضافة إلى ما لهذه العلاقة من فوائد كثيرة يمكن تعود على التعليم والبحث العلمي الجامعي ، الأمر الذي يجعل من دراسة طبيعة تلك العلاقة ومعوقاتها من الأمور الضرورية، ولذلك تحاول الورقة الحالية استعراض طبيعة تلك العلاقة ، من حيث مبرراتها وواقعها، ومستوياتها ، ومعوقاتها ، في محاولة لتقديم تصور مقترح لتطويرها خدمة لكل من الجامعة والصناعة، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:
1- ما المبررات التي تقف وراء الدعوة إلى توطيد العلاقة بين الجامعة والصناعة؟.
2- ما الواقع الحالي لعلاقة الجامعة بقطاع الصناعة في مصر؟
3- ما المستويات المختلفة لعلاقة الجامعة بقطاع الصناعة؟
4- ما المعوقات التي تحول دون وجود علاقة قوية بين الجامعة وقطاع الصناعة؟
5- ما السبل أو المقترحات التي يمكن من خلالها تطوير علاقة الجامعة بقطاع الصناعة مستقبلا؟
أولا: مبررات الدعوة إلى توطيد العلاقة بين البحث العلمي في الجامعة والصناعة:
إن الدعوة إلى توطيد العلاقة بين البحث العلمي الجامعي وقطاع الصناعة يقف ورائها فوائد متبادلة يمكن أن تعود على تطور البحث العلمي الجامعي والتطور الصناعي، وتتمثل تلك الفوائد فيما يلي:
1- فوائد تعود على التعليم والبحث العلمي في الجامعة.
2- فوائد تعود على قطاع الصناعة.
أولا : الفوائد تعود على التعليم والبحث العلمي في الجامعة ، انعكاسُا لتعاونِه مع قطاع الصناعة :
إن لتوجه القطاع الصناعي إلى التعاون مع الجامعات دوراً هاماً وإيجابياً ً في دفع عجلة البحث العلمي والتعليم الجامعي ووضعها على المسار الصحيح ، ويتمثل ذلك فيما يلي:
آ- تقدم الصناعة للبحث العلمي الجامعي موضوعات جديدة مستمدة من الواقع العلمي القائم:
فانفتاح الجامعة على القطاع الصناعي يفتح آفاق جديدة أمام البحث العلمي الواقعي المتطور بها ، إذ لا يمكن لبحث علمي متطور أن يبحث في مشكلات بعيدة عن واقعه ، كأن يبحث مثلاً في مواضيع مأخوذة من مشكلات تعاني منها دول أو صناعات أخرى ، ولا تمت إلى احتياجات وطنه بصلة . ففي هذا تبذير في العلم وتوجه خاطئ . والبحث العلمي الأصيل هو الذي يبحث في مواضيع نابعة من صميم الواقع مهما بلغت هذه المشكلات – في نظر البعض من البساطة .
كما أن البحث في مثل هذه المواضيع سيفتح أفاقاً من الرغبة والجدية والدأب، التي هي من أهم سمات البحث العلمي ، وذلك لأن الباحث يعيش هذه المشكلة بواقعه وإحساسه ، ويعيش انعكاس نتائج بحثه خُطُواتٍ عملية وعلمية يراها في محيطه و مجتمعه وبلده .
ب – يساعد التعاون بين الجامعة والصناعة على تطوير الخطط التعليمية والتأهيلية والدراسات العليا بالجامعة:
إن توظيف البحث الجامعي لخدمة القطاعات الصناعية في مراحل التنمية كافة، يساعد في إثراء عمليتي التعليم والتعلم بالجامعة ، من خلال تطوير الخطط التعليمية والمناهج وفق الاحتياجات العملية و العلمية القائمة والواقع الصناعي السائد في المجتمع ، إن كان من حيث النوعية أو التخصص أو العدد المطلوب . كما يعمل على تأهيل جيل من الخريجين على إطلاع ودراية بواقع العمل المستقبلي ومشكلاته .
ج – يساعد على توظيف الإمكانات العلمية البشرية والمخبرية بالجامعة التوظيف الصحيح :
تمتلك الجامعة العديد من الإمكانات المادية والبشرية التي لا يحسن استغلالها ، ويقتصر استغلالها على دراسة مشكلات نظرية مطروحة في الكتب أو الأبحاث المنشورة، أو مما كان قد تعرض لها الباحث أثناء دراسته العليا في الخارج ، ولذلك فإن التعاون مع المؤسسات والشركات الصناعية، لحل مشاكلها وتحسين أدائها، سيؤدي إلى استغلال هذه الإمكانات الاستغلال الصحيح والسليم في خدمة التنمية الوطنية .
د – يؤدى التعاون بين الجامعة والصناعة إلى تنمية الكوادر والخبرات في كل منهما :
إن التعاون بين الجامعات والمؤسسات الصناعية ، وتطوير البحث العلمي الجامعي لحل المشكلات القائمة لدى تلك المؤسسات ، يجعل الخبرات الفنية (الأكاديمية) الجامعية، على احتكاك بالخبرات العملية في هذه المؤسسات والشركات ، كما يحقق للمهندس العامل في الصناعة، الذي انغمس في واقع الاستثمار العملي وسيلة للاتصال بالواقع الأكاديمي، والتطور العلمي، واكتساب أحدث المعلومات، فتتكامل هذه الخبرات لتعطي النتائج المثلي ، ويؤدى إلى تحقيق الفائدة المزدوجة للطرفين لتنمية الكوادر البشرية في الجامعة وفي الصناعة ، على أسس سليمة وصحيحة وواقعية.
ه- توفير الدعم المالي التمويل الملائم لتطوير الإمكانات البشرية والمخبرية
إن عملية البحث العلمي تتطلب أموالاً باهظة لشراء التجهيزات والمواد اللازمة ، ولتطوير الإمكانات الفنية والمخبرية والبشرية ، ولتوظيف الباحثين الضروريين . وتعجز الجامعة في كثير من الأحيان عن تحقيق ذلك إضافة لوظيفتها العلمية . لذلك تعد عملية التمويل للبحوث العلمية من المؤسسات الاقتصادية المصدر الأساسي لاستمرار عملية البحث العلمي وتطوره ، كما هو الحال في جميع جامعات الدول المتقدمة ، وإن هذه الأموال التي تقدم للبحث العلمي ليست بأموال مهدورة كما يعتقد كثيرون في الدول النامية بل هي رأس مال رابح أرباحه المباشرة كبيرة وأرباحه غير المباشرة أكبر بكثير .
و – يؤدى التعاون بين الجامعة والصناعة إلى التخفيف أو الحد من هجرة العقول وبقائها في الخارج :
يتيح تعاون وارتباط البحث العلمي الجامعي بقطاع الصناعة الاستفادة وتوظيف الخبرات الوطنية في مجالها وتخصصها الصحيح ، من خلال توفير مُناخ البحث العلمي الملائم ، الذي يتيح للباحث تقديم ما اكتسبه من خبرة خلال سنين دراسته وبحثه إلى بلده ضمن ظروف علمية ملائمة و معاشية كريمة ، يمثل أقصى ما يتمناه الباحث ليشعر بجدوى عمله ووجوده . ويعد ذلك حافزاً للخبرة الوطنية على الاستمرار في العمل وتمتين جذورها ببلدها ، الأمر الذي يقلل ويحد من هجرة العقول والكوادر العلمية الوطنية وبقائها في الخارج، والتي تعد من ابرز المشكلات التي تعانى منها معظم الدول النامية.
ز- زيادة مكانة الجامعة وزيادة الشعور بأهميتها في المجتمع:
فقيام الجامعة بدورها في خدمة مجتمعها بصفة عامة وقطاع الصناعة خاصة من خلال التعاون معها ومساعدتها في تقديم حلول لما يواجهها من مشكلات ، يزيد من وعى أفراد المجتمع بأهميتها ورسالتها ودورها في تنمية المجتمع وتقدمه ، ويشعرون بأهمية وضرورة توفير الدعم المادي والمعنوي لها وللعاملين بها، ويحرصون على طلب استشارتها وطلب مساعدتها والآخذ برأيها ونتائج بحوثها ودراستها في إيجاد حلول لما يواجهها من مشكلات ، الأمر الذي يجعلهم يحرصون على توفير كل المتطلبات والتمويل اللازمة لها حتى تتمكن من أداء أنشطتها بالصورة الصحيحة ، يزيد من تقدير أفراد المجتمع لأعضاء هيئة التدريس والباحثين وغيرهم من العاملين بالجامعة.
ثانيا: - الفوائد التي يمكن أن تعود على قطاع الصناعة إذا ما وطدت علاقتها بالجامعة:
وإذا كان لتعاون البحث العلمي الجامعي مع الصناعة دوره الإيجابي الهام في دفع عجلة البحث العلمي والتعليم الجامعي على المسار الصحيح وتطويره كما سبق أن ذكرنا ، فان ذلك التعاون يمكن يخدم مجال الصناعة في ذات الوقت ، حيث يمكن للبحث العلمي الجامعي أن يقوم بدور هام وحيوي في خدمة وتوطين وتطوير الصناعة، وفي بحث المشكلات التي تعترض سير وتطور الصناعة في كافة مرافقها ، للوصول إلى حلول مثلي وموثوقة ، ومبنية على أسس علمية موضوعية، مما سيؤدي إلى تحسين عمل المؤسسات الصناعية ، ورفع مردودها موثوقيتها .
ويمكن لهذا التعاون العلمي أن يلبي احتياجات الصناعة، والشركات التابعة لها في جميع مراحل العمل المختلفة على الوجه التالي :
آ- في مرحلة التخطيط:
في هذه المرحلة يمكن أن يسهم البحث العلمي الجامعي في تطوير الصناعة من خلال ما يلي:
• بناء خطط التنمية الصناعية على أسس موضوعية وواقعية ، من خلال الاعتماد على دراسات علمية وبحوث ميدانية تمهيدية ، يمكن إن توفره البحوث العلمية الجامعية.
• تحدد الإمكانات المتوافرة.
• وتبين الجدوى الفنية والاقتصادية من المشاريع المقترحة .
• توضح مدى صلاحية إقامتها في موقع معين ، وفي مرحلة معينة .
• وتحدد أفضل التقنيات الملائمة في هذا المجال، وفقا للظروف والإمكانات المحلية .
والجامعة تستطيع القيام بتلك الأدوار من خلال ما يتوفر لديها من خبرات علمية محلية عالية التأهيل وبخبرة عملية متمرسة ، يمكن أن تشارك في إيجاد الحلول الموضوعية المثلي، بدأب وتفرغ علمي وإخلاص دون تبعية لمورد أو صانع أجنبي، وما يتوفر
المرجعيات والوسائل العلمية الحديثة والتوثيق العلمي ، والإمكانات البحثية المخبرية والميدانية.
ب – مرحلة التنفيذ :
في هذه المرحلة يمكن للبحث العلمي ومن خلال إجراء الدراسات النظرية المستفيضة و البحوث الميدانية والقياسات المخبرية الدقيقة ، أن يساعد رجال الصناعة في اختيار الحلول المثلي ، والمنتجات الأفضل ، والتجهيزات والأساليب الأكثر ملاءمة لواقعنا وظروف الاستثمار لدينا، بدلا من الاعتماد على الشركات والمكاتب الاستشارية الأجنبية ، الأمر الذي سيوفر الربح المباشر في النوعية والثمن ، والرِبحَ غير المباشر في دفع الخسائر التي يمكن أن تنجم عن الاختيار الخاطئ ، وما يرافق ذلك من تكاليف صيانة وإصلاح وتوقف وضياع للوقت.
ج – في مرحلة الاستثمار :
لا يَقل دور التعاون العلمي الذي يمكن أن تقدمه الجامعات في مرحلة الاستثمار والإنتاج عن أهميته في مرحلتي التخطيط والتنفيذ، سواء في مجال تحليل الأعطال وإصلاحها
، أو تذليل العوائق ، أو في مجال البحث عن وسائل وطرائق تحسين الإنتاج وتنمية المهارات.
فتقديم الخدمات في كل من هذه المجالات سيوفر أموالاً طائلة تهدر، ويرفع مردود الإنتاج أضعافاً مضاعفة ، وقائمة المسائل التي تعترض العاملين في المؤسسات والشركات الصناعية الوطنية أكثر من أن تسرد ، و يمكن للجامعات أن تسهم في دراسة وتقديم الحلول لهذه المشكلات على الوجه الصحيح والأكمل . بينما لا يمكن للشركات الأجنبية أن تقدم ذلك، لان همها الرئيسي الأول هو جني الأرباح وتصريف منتجاتها، وتقديم الحلول التي تحقق هذا الهدف.
ثانيا: الوضع الراهن لعلاقة الجامعة بالصناعة:
على الرغم من الاختلاف الواضح في الثقافة والتقاليد بين الجامعة والقطاع الصناعي ، فقد أصبح واضحاً ضرورة وجود آلية مناسـبة لتحقيق درجة عالية من التفاعل ، من أجل تعاون أوسع وأوثق بينهما، فالعلاقة بين الجامعة والمجتمع بصفة عامة والقطاع الصناعي علاقة متبادلة ، علاقة اخذ وعطاء ، وكذلك علاقة تأثير وتأثر، أو على حد تعبير احد الباحثين فالعلاقة بين البحث العلمي والصناعة علاقة دالية ومتصلة بمعنى انه إذا كانت الصناعة دالة في البحث العلمي، فان البحث العلمي يكون هو ذاته دالة في الصناعة ، العلاقة بين الطرفين تكاملية، تبادلية وفي نفس الوقت وثيقة الصلة وطويلة الأمد ،ويضح المخطط التالي) ا ، ب (ابرز مرتكزات تلك العلاقة.
مخطط يوضح العلاقة المتبادلة بين الجامعة والصناعة
|
والبدائل المختلفة لحل المشكلات
|
|||||
مصدر للمواضيع التطبيقية
طرق نقل الخبرة بين الطرفين
- إجراء عقود واتفاقيات بحوث علمية محددة
- خدمات استشارية
- محاضرات تخصصية لشركة من الشركات
- إنشاء مكاتب خاصة في الجامعات والشركات لتبادل الخبرات
العلاقة المتبادلة بين الجامعة والصناعة
مخطط ب يوضح العلاقة بين البحث العلمي والصناعة ومرتكزات هذه العلاقة
تطوير مناهج -------------- باحثين ----------------- متطلبات
نتائج البحث وحل المشكلات
علاقة البحث العلمي والجامعة والصناعة
على الرغم من إن العلاقة الثنائية بين البحث العلمي الذي يتم في الجامعة والصناعة هي علاقة تبادلية – كما سبق أن أوضحنا- فالتطوير الصناعي هو مصدر للمواضيع التطبيقية التي من الممكن أن تستفيد منها الجامعة، وفى نفس الوقت من الممكن أن تستفيد الجهة الصناعية من الخبرة العلمية ومن التجهيزات المخبرية الموجودة في الجامعات، وعلى الرغم من تأكيد العديد من الدراسات والبحوث القديمة والمعاصرة على أهمية وضرورة وجود تلك العلاقة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
دراسة بعنوان : " البحث العلمي في خدمة المجتمع " لمصطفى كمال طلبة ، وكان هدف الدراسة توضيح أن رسالة الجامعة تتضمن تنشيط حركة البحث العلمي لخدمة المجالات الصناعية ، ولقد توصل الباحث إلى أن نشاط البحث العلمي في المجال التقني يؤدي إلى الفهم الأعمق للظواهر الطبيعية ، واكتشاف الجديد منها والإدراك الأوعى بالظروف المثلي للتطبيق والاستغلال الأمثل لهذه الظروف ، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق التنمية الصناعية .
كما أكد عبد الفتاح إسماعيل في دراسته عن " الجامعات ودورها في البحث العلمي والتقدم التكنولوجي " بأنه يجب أن تكون هناك صلة بين الجامعة والصناعة ، بحيث يتم تبادل الآراء والأفكـار وأن يكون حل المشكلات التكنولوجية عن طريق البحوث العلمية الجامعية.
أما دراسة محمود كسناوي التي أجراها بعنوان "توجيه البحث العلمي في الدراسات العليا في الجامعات السعودية لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية" ، فناقشت سبل النهوض بالبحث العلمي في الدراسات العليا في الجامعات لتلبية متطلبات التنمية ، وتوضيح معوقات البحث العلمي في الدراسات العليا ، وتحديد العراقيل التي تحول دون نسج روابط مثمرة وهادفة بين أبحاث الدراسات العليا وقطاعات التنمية الحكومية والخاصة ، وإبراز سبل التخلص من معوقات البحث العلمي في الدراسات العليا لتحقيق التنمية ، وتحديد السبل الكفيلة بربط البحث العلمي في الدراسات العليا في الجامعات بمتطلبات التنمية ، واقتراح استراتيجيات فاعلة لكيفية التنسيق بين أقسام الدراسات العليا في الجامعات وقطاعات التنمية المختلفة.
وكذلك سعت دراسة احمد اللحلح إلى البحث عن كيفية تفعيل الدور الذي تلعبه الجامعات لخدمة أهداف التنمية في القطاعات المختلفة، حيث توصلت إلى ان هناك العديد من نتائج البحوث والدراسات في الجامعة يمكن الاستفادة منها في القطاعات المختلفة خدمة لأهداف التنمية، وان هناك- أيضا- العديد من المشكلات في القطاعات المختلفة التي تحتاج الى الجهد العلمي الذي يمكن ان تقدمه الجامعة، الأمر الذي يتطلب ضرورة البحث عن السبل المناسبة لتفعيل العلاقة بين الجامعة وقطاعات الأعمال والصناعة في المجتمع.
على الرغم من كل ذلك إلا أن الواقع يشير إلى وجود بعض الثغرات في تلك العلاقة ويتمثل ذلك فيما يلي:
أ- العلاقة بين الصناعة والجامعات علاقة مؤقتة ومتذبذبة ويشوبها كثير من جوانب الخلل مثل عدم الثقة وعدم المعرفة باحتياجات الآخر وعدم المشاركة وعدم المصارحة ووجود توقعات غير واقعية لدى الطرفين.
فالعلاقة بين الجامعات والمصانع خلال الفترة الماضية اتسمت بعدم الثقة ، الأمر الذي دفع أصحاب المصانع إلى استيراد التكنولوجيا من الخارج حرصا على رؤوس أموالهم خشية أن تتبدد في أبحاث لا قيمة لها.
ب- النظرة إلى الخبرة الصناعية بنظرة اقل من الخبرة الأكاديمية، وقلة التعاون مع المتميزين من الصناعيين في إعطاء المحاضرات والمساقات في الجامعة والإشراف على الأبحاث والمشاريع ولو بالتشارك.
ت- قلة عدد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الذين لهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع القطاعات أو المؤسسات الصناعية، وعدم اهتمام الكثيرين بعمل أبحاث تخدم تلك المؤسسات ، وتساعدها لحل ما يواجهها من مشكلات.
ث- قلة اهتمام أعضاء هيئة التدريس بالجامعة بالتطورات والمشاكل التي تحدث في الصناعة، وعدم معرفتهم بها في كثير من الأحيان، مما يخلق جفاء بين الطرفين، ولا يؤدى إلى الثقة المتبادلة.
ج- عمومية التخصصات الأكاديمية بالجامعة ، وعدم وجود تخصصات دقيقة في الأقسام بالكليات والجامعة ، مما يعيق استفادة الصناعة منها ، ويقلل فرص العمق اللازم لخدمة الاحتياجات البحثية الصناعية. إضافة إلى صعوبة التطوير المستمر للمناهج والموضوعات الدراسية بما يتناسب واحتياجات رجال الصناعة، وعدم إشراك رجال الصناعة في بيان وجهة النظر التي تخدمها عند تصميم أو تعديل تلك البرامج إلا في حالات فردية قليلة.
ح- قلة الاهتمام بالمشروعات البحثية ودراسات التطوير ذات الصلة بمشروعات التنمية ، والتي تتطلب تكوين فرق بحثية متعددة التخصصات من أقسام وكليات متعددة داخل كل جامعة.
خ- ضعف التنسيق لاستغلال الموارد المشتركة المتوافرة لدى الصناعة والجامعة ، حيث تتوفر امكانات لدى الصناعة تحتاج إليها الجامعة ،كما أن لدى الجامعة امكانات عديدة يمكن إن تحتاجها وتستفيد منها الصناعة.
د- تدنى مستوى الإبداع فالبحوث العلمية التي تقوم بها الجامعات لصالح قطاع الصناعات ، والتي يقوم بإعدادها أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات ، محدودة جداً ، لدرجة أنها تصل إلى حد الهامشية بالنسبة لبعض الجامعات، أما البحوث التي يجريها طلاب الدراسات العليا فهي تتناول نقاط قتلت بحثا، كما أن المشرفين على الرسائل العلمية يحددون للباحثين الموضوعات التي يجب عليهم تناولها ، وبالتالي يقتلون فيهم روح الإبداع، ومن ثم أصبحت الأبحاث العلمية التي ينتظر أن تساهم في تطوير المجتمع موجهة للحصول على شهادات فقط.
ذ- عدم وجود مكاتب أو مراكز وسيطة لربط الصناعة بالجامعة معا ، وإيجاد المشاريع المشتركة بينهم.
ر- عدم وجود استراتيجية لتسويق البحث العلمي في الجامعات ، فاغلب المؤسسات العلمية والجامعات تفتقر إلى وجود خطة تسويقية واضحة لتسويق نتائج ما تجريه من بحوث علمية إلى الجهات يمكن ان تستفيد منها .
ثالثا: مستويات العلاقة بين الجامعات والصناعة:
تتخذ العلاقة بين الجامعة إشكالا ومستويات متنوعة وهذه المستويات تختلف باختلاف حجم تلك العلاقة ومدى أو حجم التعاون بين الجامعة والصناعة ، ويمكن تصنيف تلك المستويات وفقا لذلك على النحو التالي:
المستوى الأول: وهو يعد من اقل مستويات ذلك التعاون ويطلق عليه المستوى التقليدي حيث تهتم الجامعة بالتدريس والبحث العلمي بشكل روتيني بعيدا عن بحوث التطوير و البحوث التطبيقية ، ويمكن أن تقوم الجامعة فيه بعمل بحوث مع قطاع الصناعة أو تقديم خدمات استشارية ، ولكنها تكون بشكل مؤقت ، ولا يتولد عنها علاقات أو أنماط تعاون طويلة الأمد بين الجامعة والصناعة ، ولا تعتمد الجامعة في تمويلها على الصناعة.
المستوى الثاني: ويمثل هذا المستوى مستوى متقدم من مستويات تلك العلاقة إذ لا تقف تلك العلاقة عند حد الاهتمام فقط بل تتجاوز ذلك حيث تتولى احد الشر�
ساحة النقاش