أتذكر ذلك اليوم الذي عدت فيه من زيارة لإحدى محطات معالجة مياه المجاري في مدينة كارلسروها إلى شقتي التي كنت أسكن فيها مع صديق لي، وكنت مبهوراً بما رأيت حتى أن صديقي هذا تعجب وقال لي بالحرف الواحد "أمال لو كنت راجع من محطة نووية كنت عملت إيه؟!!!! دا انت راجع من محطة مجاري"
أيها السادة لقد قرأت في كتاب أهدته لي أستاذة أمريكية في جامعة كورنيل، ما نصه "هناك دول في الشرق الأوسط مثل مصر أنفقت مليارات الدولارات على مشاريع معالجة مياه المجاري ولكن الحقيقة أن هذه الدول ليس لديها معالجة لمياه المجاري بالمعنى الصحيح وإنما في أحسن الحالات هي عمليات تجميع لمياه المجاري ثم صرفها إلى المصادر الطبيعية.
نعود إلى ألمانيا لنقول لكم إن الألمان يجعلون مياه المجاري صالحة للشرب كشرط أساسي لصرفها في الأنهار!!!! أكرر مرة أخرى "لكي تصرف مياه المجاري في الترع والأنهار لابد أن تتم معالجتها بحيث تصبح صالحة للشرب!!!
أهم شيئ من الناحية العلمية في معالجة مياه المجاري هو توفير الهواء للميكروبات الموجودة بمليارات المليارات في مياه المجاري وذلك حتى تتمكن هذه الميكروبات من أكسدة وتحليل المواد العضوية الموجودة في مياه المجاري. لقد أدرك ألألمان ذلك منذ زمن طويل ومعظم التطوير الذي يتم في محطات معالجة مياه المجاري يهدف بشكل أساسي إلى كيفية إدخال أكبر كمية ممكنة من الهواء إلى مياه المجاري، لقد برع الألمان في ذلك، إنهم يصممون شبكة من الأنابيب التي تنتهي بثقوب ، ثم أجهزة عملاقة لضخ الهواء بشكل مكثف، حتى أنك لو ألقيت في الماء بقطعة خشب صغيرة فإنها تغوص لأسفل مع أنه من المفروض أن تطفوا ولكن شدة اختلاط الهواء بالماء جعلت الماء غير قادر على حمل هذه القطعة الخشبية، لقد أصبح الماء هواءً تقريباً. لم يكتفي الأمان بذلك ولكن بدأوا منذ فترة زمنية قصيرة في إدخال أكسجين نقي إلى محطات المجاري بهدف الوصول إلى تحليل كامل للمادة العضوية. في مصر يعلمون جيداً أن ضخ أكبر كمية ممكنة من الهواء هو أساس عملية المعالجة الصحيحة، ولكنهم يستخدمون مراوح تبدوا مضحكة في بعض المحطات التي رأيتها.
إمداد محطة المعالجة بالهواء
هذه فكرة بسيطة عن المعالجة الهوائية للمخلفات المائية، ولكن بالنسبة للمعالجة غير الهوائية فدعوني أوضح لكم في مقال قادم كيف استطاع الألمان توليد الكهرباء من المخلفات المائية وشبه المائية
ساحة النقاش