الهدر البيئي في بحيرة المنزلة
الأسباب . . الآثـــار . . التكلفة . . المعالجـة
أكد الدكتور احمد برانيه استاذ اقتصاديات تنمية الموارد السمكية بمعهد التخطيط القومي ومستشار الاتحاد في دراسته المهمة حول الهدر البيئي في بحيرة المنزلة ان سحب او منع مليارات الأمتار المكعبة من مياه الصرف الزراعي التي تصب في بحيرة المنزلة لمواجهة احتياجات الري للأراضي الجديدة المستصلحة في اطار مشروع تنمية شمال سيناء يؤدي إلي تغيرات اساسية في الجوانب الكيماوية والبيولوجية والهيدروجية للبحيرة مما يجعلها أكثر تلوثا وأكثر ملوحة .
كما أن تجفيف الحزام الساحلي للبحيرات الشمالية يؤدي إلي أنخفاض منسوب المياه بها كما حدث في منطقة الحجر في بحيرة المنزلة مما سبب اضراراً شديدة للثروة السمكية .
نشرنا في العدد الماضي من جريدة الصياد الدراسة المهمة التي أعدها الاستاذ الدكتور احمد برانيه استاذ اقتصاديات تنمية الموارد السمكية بمعهد التخطيط القومي ومستشار الاتحاد حول الهدر البيئي في بحيرة المنزلة الأسباب - الآثـــار - التكلفة - المعالجـة.
واليوم نستكمل الجزء الثاني من هذه الدراسة
المخاطر التي تهدد سلامة بيئة البحيرات
1 - نقص إمدادات البحيرة بكميات كافيه من المياه تسمح لها بأداء وظائفها البيئية
أن ضمان امداد البحيرات الشمالية بما فيها بحيرة المنزلة بكميات كافيه من المياه ذات نوعيه مناسبة تعتبر عاملاً أساسيا لتنمية البحيرات وكذلك لضمان استدامة المصايد السمكية .
أن سحب أو منع مليارات الأمتار المكعبه من مياه الصرف الزراعي التي تصب في بحيرة المنزلة لمواجهة احتياجات الري للأراضي الجديدة المستصلحة في إطار مشروع تنمية شمال سيناء يؤدي إلي تغيرات أساسيه في الجوانب الكيماوية والبيولوجيه والهيدروجيه للبحيرة مما يجعلها أكثر تلوثا وأكثر ملوحة .
كما أن تجفيف الحزام الساحلي للبحيرات الشمالية يؤدي إلي انخفاض منسوب المياه بها، كما حدث في منطقة الحجر في بحيرة المنزلة ، مما سبب أضرارا شديدة للموارد السمكية .
أن المشكلة الرئيسية في إمدادات البحيرة بالمياه تكمن في أن وزارة الري والموارد المائية لا تعترف بأهمية توفير مياه كافيه للبحيرة للقيام بوظائفها البيئية ، وأن المياه التي تستقبلها البحيرة وغيرها من البحيرات الشمالية هي المياه المتبقية بعد جميع الاستخدامات الأخرى مثل الري – الصناعة – الملاحة – التجمعات السكانية. الا انه في الفترة الأخيرة فقد سمح للبحيرات الشمالية باستقبال حوالي 12.4 مليار متر مكعب من المياه لمنع تسرب مياه البحر إلي المياه الجوفية .
أن قضية توفير مياه لبحيرة المنزلة وغيرها من البحيرات الشمالية سوف تصبح أكثر تعقيداً مع التوسع في مشروع استصلاح أراضي جديدة ، وما يتركه سد النهضة من أثار علي الموارد المائية في مصر . وحتى الآن فإن الجهات المسئولة عن إدارة البحيرات وهي وزارة الري والموارد المائية وهيئة الثروة السمكية لم تناقش هذه القضية وأسلوب معالجتها والتقليل من أثارها السلبية علي البحيرات .
2 - تلوث الميــاه
يعتبر تلوث المياه من أهم المشاكل والتحديات التي تواجه بحيرة المنزلة ، وقد اكتسبت بحيرة المنزلة سمعه كونها الأكثر تلوثاً ، وتعتبر المصارف الخمسه التي تصب في البحيرة أهم مصادر التلوث ، حيث تنقل هذه المصارف مياه الصرف الصناعي والزراعي والصحي إلي البحيرة مباشرة ، وهي في معظم الحالات غير معالجة أو نصف معالجة .
المخلفات الصلبه
تشغيل بعض الاجزاء المجففه من البحيرة المخلفات الصلبه من مدينتي بور سعيد ودمياط . أن مشكلة المخلفات الصلبة تظهر بشكل أكبر في مدينة دمياط ، خاصة بالقرب من مدينة شطا حيث تمتد المخلفات الصلبه علي امتداد شاطيء البحيرة .
ويؤدي تلوث مياه البحيرة الي تغير في جودة المياه مثل انخفاض الاكسوجين الذائب ، وارتفاع تركيز المواد الصلبه العالقة ، وارتفاع تركيز الاكسوجين الكميائي المستهلك مما يؤثر بشكل مباشر علي جودة الأسماك المنتجة وغيرها من الكائنات المائية .
3 - تجفيف اجزاء من البحيرة
علي مدي العقود الماضية تعرضت بحيرة المنزلة والبحيرات الشمالية الاخري الي عمليات تجفيف مكثفة لأغراض التوسع الزراعي والعمراني والصناعي ، وهناك تقديرات بأن البحيرات الشمالية فقدت حوالي 56% من مساحتها التي كانت عليها .
وبالنسبة لبحيرة المنزلة فقد انخفضت مساحتها من 407 ألف فدان لتصبح أقل من 130ألف فدان في الوقت الحاضر ، أي أنها فقدت حوالي 68% من مساحتها.
ويعتبر التوسع في استصلاح الأراضي للاغراض الزراعية من أهم أسباب تجفيف مساحات واسعة عن سطح البحيرة . وترجع اسباب استصلاح اراضي البحيرات خاصة بحيرة المنزلة إلي ما يلي : -
- البحيرات تمتلك تربة طينيه خصبه جيدة للزراعة .
- انخفاض مستوي العمق فيها يجعل تكلفة سحب المياه منها أقل بالمقارنة بالمناطق بالأخري .
- تقع في مناطق سكانية كثيفة مع معدلات زيادة سكانيه مستمره والذي يتطلب توفير مناطق جديدة للتوسع .
ومن المعروف أن نسبه غير قليله من المساحات المستصلحه قد تمت في اطار مشروع تنمية شمال سيناء ، حيث تم تجفيف واستصلاح منطقة الحجر في القطاع الجنوبي الشرقي .
كذلك فإن مدينة بور سعيد قد توسعت علي مساحة 300 فدان للاسكان ، بالاضافة إلي 1000 فدان أخري قد تم تجفيفها لاقامة الطريق الدولي ، والذي يفصل حوالي ثلث البحيرة عن باقي المساحة . كما توجد عدة طرق أخري قد تم انشاؤها والتي تعوق عملية تبادل المياه بين أجزاء البحيرة .
وبجانب هذه المشروعات الحكوميه ، توجد مشروعات خاصة أخري تم اقامتها علي مساحات من البحيرة مثل المزارع السمكية ومشروعات الاسكان وبعض المشروعات الصناعية .
وقد ادي تجفيف هذه المساحات من سطح البحيرة الي انكماش المساحه المتاحة للصيد ، وهذا يعني زيادة كثافة الصيد وظهور ما يعرف بالصيد الجائر والذي يؤدي إلي أضعاف قدره المخزونات السمكية في البحيرة علي استعاضة عناصرها والذي يؤثر سلبا علي استدامتها .
إن الضغوط المتوقعة التي تفرضها الحاجه إلي الأراضي قد تؤدي إلي التوسع في عمليات الاستصلاح ، وعليه يجب اتخاذ خطوات جاده وواضحه لوقف عمليات التجفيف .
4 - الصيد الجائر
كما سبق أن ذكرنا فإن تقلص مساحة المناطق المستغله في الصيد وكذلك تناقص امدادات المياه والتلوث ـ مع تزايد جهد الصيد والمتمثل في اعداد الصيادين ووحدات الصيد المرخصه والغير مرخصه واستخدام حرف صيد غير قانونية وكذلك صيد وتهريب الزريعه . وهي أنشطة غير قانونية وتعتبر من العوامل المدمره للموارد السمكية في البحيرة ، وترجع هذه الظاهرة إلي انتشار المزارع السمكية في العديد من المناطق المطله علي البحيرة خاصة المزارع الغير مرخصه والتي تحصل علي احتياجاتها من الزريعه من المناطق القريبه من البواغيز المطله علي بحيرة المنزله وكل هذه العوامل ادت إلي ظهور الصيد الجائر والذي يعني تخطي حجم الانتاج الذي يضمن استدامة المخزونات السمكية وقدرتها علي التجدد والعطاء .
وقد تركت كل هذه الاسباب أثاراً اقتصاديه واجتماعية علي الصيادين ومجتمعاتهم تمثلت في انخفاض امتدادات الاسماك وانخفاض دخل الصيادين ، وزيادة معدلات البطاله بين الصيادين .
5 - تقليص اعداد الطيور المهاجرة
أدت العوامل السابقة إلي فقد العديد من الموائل الطبيعية سواء للاسماك أوعناصر الحياه البحريه بصفة عامه والذي أثر علي أنواع نادره من الطيور المهاجره والقادمه من أوربا وحوض البحر المتوسط والتي كانت تزور البحيرة في مواسم التشتيه.
رابعا : تكلفة التدهور البيئي في بحيرة المنزلة
كما سبق أن ذكرنا فإن البحيرات الشمالية توفر العديد من الوظائف الاقتصادية والبيئيه والاجتماعية سواء لمصر أو لدول البحر المتوسط . وبعض هذه الوظائف والخدمات يمكن قياسها كميا والتعبير عنها بشكل نقدي حيث يكون للخدمة أو الوظيفة قيمة سوقية مثل قيمة الانتاج السمكي التي توفره البحيرات بأسعار السوق . كذلك فإن البحيرات توفر معالجه أولويه وثانونيه لمياه الصرف التي تستقبلها والتي يمكن تقديرها عن طريق حساب تكلفة انشاء وحدات معالجة تقوم بنفس المهام .
أما بالنسبة للوظائف والخدمات الأخري الهامه فقد يكون من الصعب تقديرها كميا ونقديا ، مثال ذلك فإنه من الصعب تقدير تكلفة الأضرار في الممتلكات والخسائر الاقتصادية الأخري التي وفرتها البحيرات من خلال حماية المجتمعات والمنشأت الاقتصادية ومكونات البيئه الاساسيه في المناطق الساحليه من العواصف البحريه وما تحدثه من فيضانات وتدمير . والمثال الواضح علي ذلك هو الدور الذي قامت به بحيرة مريوط في عام 1992 عندما تعرضت منطقة الاسكندرية لعمليات غمر شديده والحمايه التي وفرتها لتقليل حجم التدمير والخسائر الاقتصادية والتي كان من الصعب تقديرها .
كذلك من الصعب تقدير مساهمة البحيرات في حماية الأراضي الزراعية في الدلتا من تسرب مياه البحر إلي المياه الجوفيه .
تقدير حجم الخسائرنتيجة تناقص الانتاج السمكي
تم تقدير حجم الخسائر نتيجة تناقص الانتاج السمكي بناءا على المعطيات الاتية :-
- حساب القيمة السوقية للطن طبقا لاسعار الجملة لاسماك البلطي الذي يمثل معظم الانتاج من البحيرة والمقدر بحوالي 7000 جنيه / طن في عام 2012 .
1 - المساحة الاصلية للبحيرة 407 ألف طن .
2 - المساحة الحالية 130 الف فدان .
3 - المساحة المستقطعة ( التى تم تجفيفها ) تقدر بحوالي 277 ألف فدان .
4 - أن متوسط انتاج الفدان طبقا لاحصاءات عام 2012 تقدر بحوالي 480 كجم / فدان .
5 - أن اجمالي كمية الفاقد من الاسماك نتيجة عمليات التجفيف تقدر بحوالي 277 الف فدان x 480 كجم تعادل تقريبا 133 ألف طن .
- ان اجمالي قيمة الفاقد من الاسماك نتيجة التجفيف 133 الف طن x 7000 جنيه = 931 مليون جنيه .
تكاليف معالجة مياه الصرف
لم تتوافر بيانات كاملة عن الاحتياجات الفعلية من محطات معالجة مياه الصرف ، ولكن يمكن هنا ذكر بعض الحالات التى توفرت عنها بيانات وهي :-
• انشاء محطة معالجة لصرف محطة رفع القابوطي بتمويل قدره 16 مليون يورو .
• محطة معالجة الصرف الصناعي بمنطقة جنوب بور سعيد بتكلفة 17 مليون جنيه .
• محطة معالجة مجمعة للمنطقة الحرة ببور سعيد التكلفة غير محددة .
• مشروع المعالجة البيولوجية لمياه الصرف الملوثة من مصرف بحر البقر بتمويل من البرنامج الانمائي للامم المتحدة بتكلفة قدرها 5 مليون دولار .
• وطبقا لبيانات جهاز شئون البيئة فانه توجد حوالي 14 محطة صرف صحي تحتاج الى وحدات معالجة لم تتوفر بيانات عن تكلفتها .
تكاليف تطهير وتعميق البواغيز والفتحات التي تربط البحيرة بالبحر المتوسط وتتضمن تكاليف شراء شفاطات بملحقاتها والمعدات المساعدة ويقدر تكلفتها بحوالي 8 مليون يورو .
- احلال وتجديد الحفارات القديمة بتكلفة قدرها 4 مليون يورو .
مشروع المعالجة البيولوجيه لمياه بحر البقر
- قامت وزارة الدولة لشئون البيئة بالتعاون مع مرفق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتنفيذ هذا المشروع بتكلفة 4.9 مليون دولار . وتبلغ مساحة المشروع 200 فدان ويهدف إلي معالجة 25 ألف م3/ يوم من مياه مصرف بحر البقر قبل أن تصب ببحيرة المنزلة باستخدام تكنولوجيا اقتصادية وصديقة للبيئة حيث تتم المراحل الآتية :
- يتم ضخ المياه القادمة من المصرف إلي أحواض عملاقة بمساحة 70 فدان تترسب فيها العوائق والملوثات .
- تدفع المياه بعد ذلك إلي أحواض المعالجة البيولوجية حيث يتم تنقية المياه من 75% من الملوثات بواسطة نباتات محلية مختارة .
- توجه المياه بعد معالجتها إلي احواض استزراع سمكي بمساحة 60 فدان.
- تتولي وزارة الري حاليا إدارة المشروع .
وعلي هذا فإن عناصر تكاليف التدهور البيئي التي أمكن حصرها وتقديرها هي :
1 - قيمة الفاقد من الانتاج السمكي 931 مليون جنيه.
2 - تكاليف معالجة مياه الصرف(المشروعات التي أمكن حصرها)180مليون جنيه
3 - تكاليف معدات فتح البواغيز 96 مليون جنيه.
4 - تكلفة مشروع المعالجة البيولوجيه لمياه بحر البقر 35مليون جنيه.
اجمالي التكاليف التي أمكن حصرها 1.242مليون جنيه.
بقلم أ . د . أحمد برانية