دار الفاروق تناقش ديوان "وأنت وحدك أغنية"
تقرير: رائد محمد الحواري
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق تم يوم السبت 4-8-2018 مناقشة ديوان "وأنت وحدك أغنية" للشاعر الفلسطيني "فراس حج محمد، وقد افتتح الجلسة الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" قائلا: لا أستطيع أن أقول إن الشاعر "فراس" من الشعراء المخضرمين لأنني ما زالت أراه شابا تتدفق روحه بالعطاء وشعره بهذا التجديد والحيوية، فهذا الديوان جاء تعبيرا عن روح أصالة الشاعر، من هنا نجد فيه أكثر من شكل وأسلوب شعري.
ثم فتح باب النقاش؛ فتحدث الشاعر "جميل دويكات" الذي قال: سبق وأن ناقشنا ديوان "مزاج غزة العاصف" للشاعر "فراس حج محمد" ووجدنا فيه الكثير من الثغرات والملاحظات، ولم أشعر بأي ميل إليه، ورغم ميل المجتمع الفلسطيني للتعاطف مع أهلنا في غزة، إلا أنه لم يشفع لديوان ليأخذ مكانته في التميز، وهذا ما يؤخذ على العديد من الشعراء والأدباء الذين ينساقون وراء الحدث متجاهلين أهمية اللغة والصورة الشعرية وشكل تقديم المادة الأدبية، فالفكرة وحدها لا تكفي لنقول إن هذا العمل جيد، بل يجب أن يكون هناك لغة وأسلوب، وطريقة تقديم، وشكل يتناسب والأفكار المطروحة، لكن في هذا الديوان نجد الشاعر قد استفاد من الملاحظات التي قدمناها، فكان ديوان "وأنت وحدك أغنية" مميزا وفيه شكل وأسلوب ومضمون تجعلنا نتوقف عنده، وهذا التطور في الديوان يشير إلى أننا أمام شاعر يمكنه الاستفادة من تجاربه السابقة ويقدم ما هو جديد.
وأضاف الشاعر جميل دويكات قائلا: الشاعر يبحث عن أنثاه، لهذا نجد حضور المرأة في العديد من القصائد، فيقدمها لنا إنسانا، تعرف ما لها وما عليها، فهي ترفض أن تكون (مشاعا مباحا) لأي كان، بل تريد أن تكون ذاتها، هذه هي المرأة التي يقدمها لنا الشاعر في الديوان، وأعتقد أن هذا الأمر بحد ذاته كافيا لأن نقول إن الديوان رائع.
ثم تحدث الأستاذ "سامي مروح" الذي رحب بالشاعر "فراس" محيي اهتمام الشاعر بما يتم مناقشته في دار الفاروق، لهذا كانت هذه الجلسة الثقافية، ثم أضاف قائلا: هذا الديوان يمثل نقلة نوعية إذا ما قورن بديوان "مزاج غزة العاصف"، فهو ممتع وسلس، وهناك ما يقال عنه، فأهم عنصر في العمل الأدبي وجود المتعة التي جاءت من خلال تعدد أشكال القصائد ووجود الصورة الشعرية واللغة التي أذهلتنا، وإذا ما أضفنا حضور المرأة التي منحت الديوان لمسة ناعمة يمكننا القول إننا أمام ديوان يعد استثنائيا، من هنا يمكننا القول إن الشاعر كان رومنسيا فيه، إنْ كان من خلال الموضوع المطروح أم من خلال اللغة التي استخدمها، حتى أننا نجده أحيانا يقترب من الصوفية في تناوله للعلاقة مع المرأة، وتساءل الكاتب عن استخدام الشاعر لعبارة "الليل غول"، علما أن الشعراء يميلون لتناول الليل بطريقة ناعمة وهادئة، فالليل عند الشعراء يمثل ذروة الرومنسية والتناجي مع الحبيب، وقبل أن أختم أقول إن الشاعر كان بإمكانه أن يقدم ما هو أفضل من هذا الديوان بعد أن عرفنا حجم ونوعية الثقافة التي يمتلكها.
ثم تحدث الروائي "علي شحادة" الذي قال: الديوان جميل وممتع وسلس وعميق، التشبيهات بحد ذاتها تستوقف القارئ وتجعله يهيم فيها مفكرا، وهذا ما يجعل أي قارئ للديوان يستمع به وبما يطرحه من أفكار، وفعلا وجدت فائدة كبيرة لي من خلال مقدرة الشاعر على الصياغة العبارات بهذه اللغة الجميلة والرائعة.
أما الشاعر "عمار دويكات" فقال: الديوان ممتع وجميل وعميق، حضور المرأة كسيدة مطلقة في الديوان يعد إنجازا يحسب للشاعر، ليس لأن الموضوع مهم فحسب، بل لأن الطريقة واللغة التي استخدمها تعد حالة فريدة، ونجده يتعامل مع القصيدة ككائن حي، كإنسان، وهذه ميزة إضافية، وهذان الأمران "المرأة والقصيدة" جاءا على حساب المكان، فقد تجاوز الشاعر المكان ليكون نصه أقرب إلى العالمية، لكن هذه العالمية لم تأت لأنها هلامية بل لأن هنالك نفس إنساني.
ثم تحدثت الأستاذة "فاطمة عبد الله" فقالت: يبدو الديوان كأنه رواية، فهو يتناول المشاعر بحالات متباينة، وهناك اللغة الشعرية ولغة النثر، والقصائد الغنائية، ونجد التناص مع القرآن الكريم بشكل جديد وطريقة جديدة، وهناك صورة المرأة بأكثر من حالة ومكانة، وقد جاءت بأكثر من صورة وأكثر من قصيدة، فالديوان يعبر عن ثقافة الشاعر الواسعة وعن قدرته الفنية في التعامل مع اللغة، فهناك مفردات نادرة الاستخدام استطاع الشاعر أن يوظفها في قصائده، كما هو الحال في استخدامه "الأرجوان" الذي يأخذ بأكثر من وجه، وهذا التباين يحسب للشاعر. كما أن العنوان بحد ذاته "وأنت وحدك أغنية" له أثره على المتلقي، ويجعله يتوقف أمام الشاعرية التي فيه.
ثم تحدث الكاتب "رائد الحواري" قائلا: إن هذا الديوان يعد حالة استثنائية في الشعر الفلسطيني؛ لتعدد الأشكال وتنوع أسلوب الشاعر، كما أن حضور المرأة بهذا الحجم وهذا الشكل ينم على أننا أم شاعر يتعاطى معها بطريق حديثة عصرية، فهي ليست جسدا فحسب، وليست روحا فقط، بل هي كائن نتوحد به ومعه فيتشكل شيء جديد.
وفي نهاية اللقاء رد الشاعر "فراس حج محمد" قائلا: هذه الجلسة تعتبر تحرري وخروجي من العزلة التي مررت بها منذ عامين، فدار الفاروق صاحبة فضل علي، لأن أول قصيدة نشرتها كانت في مجلة "نوافذ" التي كانت تصدر عن دار الفاروق. وفيما يتعلق بديوان "مزاج غزة العاصف" قال حج محمد: كتبت الديوان وأنا في حالة نفسية صعبة، وهذا ما انعكس على الديوان، إن كان من خلال اللغة أو الفكرة أو الأسلوب، وهذا الأمر نجده عند العديد من الشعراء الذين بالضرورة يتأثرون بالأحداث العامة والخاصة، فهناك أربعة وخمسون قصيدة كتبت في أربعة وخمسين يوما، فقد كنت أريد أن أوصل الجحيم الذي عشته مع أهلنا في غزة إلى القارئ، بحيث يجد هذا الجحيم في اللغة والصور المؤلمة والقاسية.
ويتابع قائلا: "إن كل ما يكتبه الشاعر هو من وجه نظره جيد، ولكن يأتي دور القارئ والناقد ليقول فيه كلمته، وما يراه في العمل الأدبي، فالشاعر لا يكرر نفسه، أستذكر ما قاله الناقد إبراهيم جوهر عن ديوان "أميرة الوجد" أنه ديوان عذري، أما في هذا الديوان فإنني أحتفي بالأنوثة وليس بالمرأة كامرأة، وإن كان موضوعه امرأة معينة، لهذا فإن كل تجربة شعرية لها حالتها الخاصة، وتعبر عن حالة الشاعر النفسية، وعن تجربته الشخصية. ولذلك فإن الملاحظة حول خلو الديوان من حضور المكان هي ملاحظة ذكية، وذلك راجع للظروف التي عشتها وأنا أكتب هذه القصائد، فأنا كائن إلكتروني، فمن الطبيعي أن يختلف مفهوم الوطن ليتحول إلى وطن في اللغة، وفي المرأة ذاتها، وربما في فكرة الأنوثة المحتفى بها.
وأشار كذلك إلى الدائرية التي تحكم الديوان، فقد بدأ بالعنوان: "وأنت وحدك أغنية" وانتهى بهذه الجملة، فصار حلقة دائرية مكتملة يبقى يدور في فلكها القارئ كما يدور الصوفي حول الحقيقة. كالصوفي الذي يبحث عن التوحد مع الله من خلال الدوران وهو منتش بالغناء ومنسجم مع ذاته الهائمة في ملكوت الله، فيتحرر من مواقعه ليتوحد مع ذات الخالق نفسه. وأخيرا أقول إن الديوان هو نتيجة قصة حب حقيقية عشتها، ومنحتني كثيرا من الفيض اللغوي والشعري.