فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

هل يبس الربيع العربي قبل أن يزهر؟

محاولة استكشاف لــ "دولة وارفة"/ للقاصّ عباس طمبل عبد الله الملك

فراس حج محمد/ فلسطين

يختصر النص "منذ سنوات يِسْتَظَلَّ بِظلها ويخصبها بالجثث"، بعنوانه "دولة وارفة" تاريخا سياسيا مليئا بالعفن السياسي المفتوح على الآفاق الأخرى الاجتماعية والاقتصادية، فهل كانت الدولة العربية المعاصرة ورافة الخيرات؟ وكيف كانت وارفة الظلال؟

تبدأ هذه القصة القصيرة جدا بظرف زمني ممتد غير محدد، وهي إشارة إلى أمرين على الأقل، أولهما هو تطاول عمر الزعيم الجاثم على الكرسي مدة طويلة، بحيث أصبح لا يدري عدد السنوات التي مكثها ذلك الحاكم، والثاني لفت الانتباه إلى الدكتاتورية والتفرد ونمط الحكم في تلك "الدولة الوارفة"، إنها حكاية كل قطر عربي مبتلى بحاكم يعرش في عرش الحكم، ليغدو ظل الله على الأرض، لن ينتهي أمره إلا بالموت!!

وبعد الظرف الزمنيّ، يبدأ السرد بالفعل المضارع "يستظلّ"، والفعل مسند إلى ضمير غائب نصيّا حاضر في الفكر والضمير، ويشير الفعل إلى تلك الممارسات التي يمارسها الحاكم العربي، فقد غدا سيّد الوقت والأرض لا أحد يستظلّ بظلالها، ولا يستفيد من خيراتها غيره وحده، وما يجود به على أتباعه هو النزر اليسير، وأما على الشعب المسكين فالقليل القليل، وكأن البلد مزرعة له ورثها عن أجداده، والكلّ يعمل عنده بالسخرة، أيّ مسخرة هذه أيها الحاكم؟ أي فقر مدقع هو ذلك الذي أغدقت بنعمته الشعوب؟ أي دلال هو دلالك لنفسك لتستظل بالظلال وحدك؟ كما وأن لفظ الظلال تشير إلى معاني أخرى متقابلة، فإذا كان هو يستظل بالظلال فالآخرون، يشقيهم الحرّ والتعب؛ فلا مسكن ولا ماء ولا راحة، إن هذا اللفظ يلخص التناقض الحاصل في الدولة العربية بين الحاكم والمحكوم، والتي نشاهده ونعيشه كلّ يوم.

إن هذا الحاكم الذي يعيش تلك الرفاهية على أنات الغلابى والمحرمين والمسحوقين، لا يكتفي بحرمان الناس من مقومات العيش الكريم، بل إنه يخصّب دولته وأرضها بالجثث، والجملة تفتح الأفق لمعاناة الشعوب ليس في تعامل الحاكم مع الشعب بوحشية بكل ألوان التنكيل، كالقتل والنفي والسجن والتعذيب، بل أيضا مصّ دمائه ونزف عرقه لتصبّ كلها في خزينة القائد الملهم!

هذا النصّ الجميل المتماسك القوام، بظرفه الزمني وجملتيه الفعليتين، شكّل دالّة حكائية مكثفة، تنفرد حروفها لترى فيها التاريخ والسياسة والفكر، كما ترى المعاناة أيضاً، وهذا ملمح مهم من ملامح القصة القصيرة جدا على مستوى بناء النص متناً بألفاظ تتدرج فيها الظلال وتصيح بها المعاني، غير منغلقة على نفسها.

بالإضافة إلى ما سبق فإن اعتماد النصّ على الفعل المضارع له دلالة كبرى في فكرة النص، فالفعل المضارع يدلّ على الاستمرار والتجدد، وكأنّ كل الربيع الذي نما في لحظة على ضفاف الشارع العربي يبس قبل أن تزهر وروده، فلم يسعد بها الشعب المقهور!

وعلى الرغم من أن النص يخلو من عنصر الدهشة في اجتراح موقف قصصيّ بارز ومؤثر، إلا أنه كامل في مشهديته المعروفه، وقد نجح الكاتب في تكثيف المشهد بصورة تجعل القارئ يستبطن المعنى، وتدفعه ربما للتفكير بروية، ومع أنه كذلك لا يحمل موقفا محددا من الكاتب واضحا، إلا أنه اكتفى بالسرد القصصي، كأنه يريد أن يجعل القارئ بينه وبين قناعته، بعد أن بيّن له المشهد مكثفا وجارحا، بعيدا عن سلطة النص والكاتب في التأثير والتثوير المباشر، وهي نقطة مهمة في صالح النصّ وليست ضده!! 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 15 يناير 2014 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

743,092

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.