همسة حب صباحية
أنتِ الكتابُ والفكرةُ والأنثى!
فراس حج محمد
أنا وأنتِ نحبّ الكتبَ ونعدها الغذاء الروحي والعقلي، ليس لأننا نحمل مؤهلات علمية، ولكن لأننا نجد أرواحنا وأسرارنا قد سبقتنا، فنكون نحن ما فيها من مضامين وغواية وهداية وضلال وجنون واتزان، جمعنا المتناقضات ككل كتاب نقرأه، ليس المتناقض النافر، ولكن المتناقض المؤتلف مع ما نحن فيه من وصال واتحاد وغياب وحضور وغربة وارتحال وسفر وبحث دائم عن الغائب المأمول بين سطور الحاضر الذي نتصالح معه مكرهين لا حيلة لنا في ذلك غير أن نظل نصوغ فصولنا على هدى ووحي من أرواحنا، فصار للكتب معنى خاص ووجود خاص، فكيف سأكون الآن وقد أصبحتِ ذلك الكتاب؟!
كنتُ أنظر للكتاب على أنه سلعة أفكار تشترى، فتستوعب، لتزرع الأفكار في العقل، ليكون لها أثر، وكنتُ أرى الكتاب فكرة مجبولة بواقعية التأليف والتصميم لتكون فكرة ممكنة في الواقع، وعندما جئت قلبت مفاهيم الفكرة، فأصبحتُ صانعا كتابك الأبدي وسفرك الشعري، وأصوغ الجمل على هدي من واقع ليس له مكان إلا بصفحات روحك المضاءة بضياء جسدك الناعم البرونزي المشع كفكرة عبقرية!
أنت الكتابُ والفكرة والسر، تجمعتِ بالمطلق الرحب، كالمدى المفتوح على الممتد من روحي وعقلي، كنتُ على علاقة طيبة بالكتاب، إذ كان صديقي المفضل وجليسي المحبب وصديقي الذي ليس لي غيره من الأصدقاء والأحباب، كان معي في حلي وترحالي، كنتُ أرغب في امتلاكه، وقراءته والاستمتاع به، حتى جئتِ وحللت محل الأصدقاء من الكتب والأنام، فكنت الكتابَ الذي أقرأه وأتأمله وأتحسس حروفه، وأفتش بين سطوره، لأجدك أنثى الفكرة المتسربة بين كل حرف وسطر ومعنى!!
معك تفيأتُ ظلالك بفكرة الكتاب، فكنتِ الكتابُ الذي تكاملت فكرته وتشعبت وتشابكت معانيه وتبحلت حروف ضيائك فيه، أنت الكتاب المفتوح على بصري وبصيرتي أتأمله عنوانا عنوانا، وفقرة فقرة، بل أتشربه جملة جملة، فتتسريين إلي كلمة كلمة وحرفا حرفا، لأغدو أنا كتابك المصوغ برقة نور وجهك الملائكي وقامتك الشامخة المتحدية، وعينيك المتأملتين واقعا ومستقبلا يزهر في ربى خديك الطافحين نعومة وألقا وبهاء من قُبْلة تأتي في موعدها لتكون أشبه بنقطة الحرف التي تعطيه نوعا من تحقق في وجود الكلام!!
أنتِ الكتابُ الذي سيظل بلا نهاية، سأظل أكتب فيه ما شاءت لها اللغة أن تكون، وما شاءت لها الأفكار أن تتناسل، وما شاءت لها الجمل والتراكيب والألفاظ أن تتكاثر، فأنت الكتاب الذي لن تنتهي الأفكار فيه، ففي كل ليلة كما في انبلاج الصباح الوردي النادي بطيفك لن ينبه الحواس والفكرة من عميق النوم غير فكرة وجودك الفكري بقربي، وكأنني أصحو على عناق الروح في فكرة من كتابٍ بدأت تكتبينه وتستحكمين بين أفكاره!!
كنتُ قبلك باحثا عن الكتاب، ومعك صرتُ أنا الكتاب، وصرتِ أنت سطور الكتاب وأفكاره ومعانيه، ولذلك لن يسبب لك الكتاب غيرة أو شهوة الإبعاد، فأنا وأنت والكتاب شيء واحد؛ فكرة كانت، فكنت الأنثى التي تغني عن كل كتاب!!