هو نهرك الطهور الذي حررني!!
فراس حج محمد
قفوا هنا قليلا، واقرأوني وتأملوا شيئا من قصتي، تلك القصة التي بدأت دون سابق إنذار، لتأخذ بالتمدد في كل مساحاتها الممكنة الفيزيائية والميتافيزيائية في عقلي وجسدي، لتكون هي القصة الأظرف والأجمل والأقوى على ما في اللغة من مدّة وشدة وجبروت!!
من كانت مثلها تملك ذلك الجمال الذي أعرفه، وتلك الروح السامية التي عشقتني وعشقتها، ومن كانت تملك مثلها أناقة الحرف والفكر قبل أناقة المظهر والمنظر، لن يشعر معها القلب بالخواء، فإحساس المرء بالفراغ وهْم ينتج عن عدم المعرفة والتفلت من مجال الجذب العاطفي، ومحاولة التخلص من إرث وجداني نشعر بثقله، هنا تبدأ الروح بالتفتت والتشرذم وتأخذ تبحث عن أعذارها ومبرراتها القوية في نظر فلسفتها الخاصة أن ذلك لم يكن أكثر من سراب!!
هل ينبغي على المرء أن يعدل من قوانينه، ماذا عليه لو استعان ولو مرة واحدة بقوانين أنشتاين النسبية، وماذا عليه لو طبق نظرية فيثاغوريس في الرياضيات، لعلها ستكون أكثر إمتاعا من الندب بلا طائل، وماذا على المرء لو أنه ابتعد قليلا عن أي خواء يصيبه ليتمتع في مختبرات الكيمياء ليتحول بتفاعلاته القلبية والعاطفية إلى مركب رهيف من العشق العابر لأجواء الفلك، والسابح في دوائره المحلقة أعلى من النجوم، وأسطع من الشمس في رابعة نهار تموزيّ!
لعلّ هذا هو الشيء المعنيّ بالتصوير والبلاغة بعيدا عن المبالغة، إنه لأمر جدير بالاحتفاء حد الدهشة المتسلطة لتعيد صياغة المعاني على لهيب اختبار الوقوع في الأخطاء، ولماذا الوقوع في الصواب؟ لعلني اخترت عن عمد هذه الصيغة لأحاول أن أخرج عن سكة معهودة في النظم، ربما لأزيد الالتفات نحو عبارة تشتت فكرتها هنا، وتبعثرت حروفها بين الفواصل والكلمات، فغدوت أنا أبحث عنها لأعيد لملمتها والتحام أشيائها!
إن هذا الذي سبق ليس استعارة وهمية أو عقلية أو وجدانية عاطفية، إنها نوع من الكلام الذي يخرج من ذاكرة ملتهبة وقلب مصفّح بورود وعطور وأغاني كانت وستظل تزغرد بالصورة التي تتلألأ كل حين، وترقص على لحن أنّتك في ليلة عشق تماهينا فيها حتى الرمق الأخير، فهل بعد تلك المحطة من معايير المحاسبة القاسية واللوم الشديد والبحث وراء كلمات هي كسقطة في طابور من الجنون المفضي لعقل بدأ يعلن عن هلوساته في شوق ليس له أي حد!!
قفوا هناك حيث كنا في صفحة من صفحات غنائنا المرهف، ورجائنا المتقد، قفوا وتفيؤوا ظلال الرحيق في شجرة ممشوقة القوام تستبيح في ظلالها نفوسنا الحائرة، لتشملنا بعطفها وحنان ظلها، لنعيد السيطرة على ما تبقى من جروح القلب الخضراء!!
قفوا لحظة وتبينوا ولتمنحونا الفرصة أن نرى أنفسنا في عيونكم وقلوبكم وتفسيرات اللغة على مسارات تأويلاتكم، فعلى المرء أحيانا أن يُعيد اكتشاف ذاته على ضوء مصابيح الآخرين، لعله يدرك بعض سرّ، هذا ما كنت أبحثُ عنها فيه، وهذا ما كنت أرجوه منها في كل تلك الصفحات التي كتبتها أو حتى قرأتها، ففي كل مرة أعيد فيها اكتشاف روحها التي تسابقني فتترسم في كل صفحة من قصيدة ومقال وأغنية، ولمَ كل ذلك يا ترى؟
ألأنها جميلة؟ فالجميلات كثيرات. على الرغم من أنه لا شيء يشبهها إلا الجمال، فهي الجمال في رونقه وعطوره وبهجته وحلاه، ألأنها متاحة لقلبي؟ فالمنتظرات ليكون محلها كثيرات متحفزات في كل بارقة. ألانها عميقة وبسيطة مرة واحدة في معنيين، وفيها مكر حواء بأعلى مستويات الدهاء؟ فالماكرات والمتربصات كثيرات، ولكن ليس من هذا وذاك فحسب، إنها قصة القلب المنذور ليحبها بأقصى طاقاته، ولن يعرف اغتسالا من دنس الأخريات ورجسهن إلا بمياه نهرها العذب الساجي لنكون معا في طقس التعميد العشقي بوصال العناق، الذي لا فراق بعده، إنه وعدي لك، فاطمئني أيتها الفرس، فالمضمار أمامنا متسع ومفتوح على مصارعه، فلتظلي الشادية المتوردة. وصباحك حب!!