فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

صونيا عامر وكتبها الثلاثة:

 "ديوان تيه"، "وقصص أخرى"، "ديوان عصفور الجنة"

فراس حج محمد/ فلسطين

 

هكذا توقع صونيا عامر كتبها الثلاثة، وقد أهدتني إياها دفعة واحدة، فوصلتني عبر البريد العادي، مختومة بطوابع دولة الكويت: "إهداء...إلى الصديق العزيز فراس مع التحية 27/6/2013"، وتذيل توقيعها باللغة الإنجليزية Sonia.

 

تعود صلتي بصونيا عامر، إذ تعرفت إليها على "الفيس بوك" أديبة ذات أفكار خاصة وسمات شخصية مختلفة، فأقرأ لها فأعجب بما تكتبه، وتتعرف إليّ، فتجمعنا حوارات كثيرة حول مسائل أدبية وفكرية وسياسية، فتبدو أحيانا قريبة في أفكارها ومعتقداتها السياسية مما أعتقد وأفكر به، فأتشرف بعد فترة بمراجعة روايتها الأولى "بطن الحوت" وأكتب مقدمتها، ثم أردف ذلك بكتابة مقال موسع حول الرواية بعد صدورها، وتقوم هي بكتابة مقالين تعريفيين حول كتابيّ "رسائل إلى شهرزاد" و"من طقوس القهوة المرة"، استطاعت أن تكشف بحسها الفكري الأنثوي عن بعض أسرار الكتابين وأفكارهما.

وهكذا جمعتنا صداقة حرف وفكر ووجدان، وشاركتنا هذه الصداقة الكاتبة اللبنانية مادونا عسكر، فتكتب عني وعن صونيا، وتقدم لرواية صونيا الثانية "إن وأخواتها وحروف النصب"، وبذلك يكتمل مشهد صداقتنا نحن الثلاثة بحوارات ومقالات وأخذ ورد وباتفاق كبير واختلاف أقل بل نادرا ما كنا نختلف، نعرف حدود احترام الفكرة والرأي ونقدر الحرية والكتابة وأمانة المسؤولية!!

 

فرحت بهدية صونيا فرحا غامرا، إذ إنها المرة الأولى التي أتلقى فيها بريدا من كاتب عربي معروف، فتركت طقوسي اليومية، وأعطيت نفسي فرصة للابتعاد عن الفيس بوك ومعابثاته ومكابداته، ونسيت التلفاز ومحطاته الفضائية المملة القاحلة والقاتلة، وأقبلت على قراءة الكتب الثلاثة، فالتهمتها بجلسة واحدة مستمتعا ومنتشيا بروعة ما فيها من جاذبية وسحر بيان وألق عبارة وتصوير، وصدمة وغواية واستثناء، فأتوه بتيه صونيا فأجد الحرف الأنيق والفكرة المتوهجة، وتجذبني قصائد الديوان، وتستوقفني قصيدة "أبلة صفية" المكتوبة بلهجة عامية، فبدت القصيدة سلسلة وناعمة، بسيطة في لغتها وعميقة في دلالتها:

جايين على شان نعيش

نوفي ديون ونربي عيال

دراويش

محناش بلطجية ولا حرافيش

دراويش

جايين على شان نعيش

 محناش كمان عربجية

 يرضيك يا أبلة صفية؟

بالمؤكد لا يرضينا ولا يرضي أبلة صفية، ولتصل فينا في نهاية الديوان إلى قصيدة "المراجيح" لتعلن لنا البداية من جديد، وتسلمنا إلى المحطة الكتابية الثانية "وقصص أخرى"، فنعانق أفكارها بسرد محبب وشهي وناعم مطواع، لترسم لنا بمشاهدها القصصية خواطر في الحياة العامة، وأحوال بلدها لبنان "مسكين لبنان فهو مشرد مثلي تماما،"، فلم يبق من لبنان سوى فيروز، كما أنها تشغل بما يعتمل في نفس المرأة المعاصرة من أفكار عن الحلال والحرام والقضاء والقدر والحب الواقعي والحب المستحيل، والسياسة والحصار وأهوال الحياة العربية والموت والمواطنة.

وتتداعى هواجس شتى في الحياة وأوجاعها، فتعبر عن قلقها في تفكيرها الإنساني لتشرح في خطوة ما قبل نهاية الكتاب على لسان مريم التسعينية الثرية التي قررت العودة إلى الوطن لتموت فيه، وليس لتعيش فيه عن رغبتها في "إنشاء مأوى للعجزة، أو مشغل للأرامل، أو حتى حضانة للأطفال".  

 وبذلك يحتل التفكير بقضايا الآخرين مساحة واسعة من هذا الكتاب، فلا تبدو الكاتبة وحيدة ومنعزلة بل ابنة عصرها وقضاياه، تفكر بما يفكر به الآخرون، ولا تكتفي بالتعريف والتصوير ولكنها تقترح الحلول، وهذه هي مهمة الأديب العضوي الذي يعيش همّ الناس، لا لينقل أوجاعهم فقط، بل ليساعدهم، وليكون لهم عونا وسندا في إشعال فتيل الأمل في النفوس.

وتعلن الكاتبة في النهاية أنها هي السارد والبطل الحقيقي والمحرك للأحداث، فتفاجئ القارئ بقولها في أنها تقرر نشر ديوانها الشعري الأول بعنوان "تيه"، وستثابر من أجل إنهاء روايتها "بطن الحوت"، "كما أنها ستحتاج لعمرين تسكعا بين توتير والفيس، إلى أن يأتي الأجل ويطوى البوك".

 وأما "ديوان عصفور الجنة" فهو ذو نكهة خاصة، فقد جاء بأسلوب سردي مكثف، بمشاهد متلاحقة تشرح اللغة من خلالها مواقف وقضايا إنسانية كثيرة، ذاتية وعامة، ومن بين قصائد هذا الديوان تسترعي التفكير والنظر قصيدة بعنوان "مكالمات"، تبين فيها الشاعرة موقفا ربما عاشته أو عايشتها، فكيف يتصرف إنسان وقد تلقى مكالمتين في ذات اللحظة من هاتفيه، مكالمة تسعده، وأخرى نقيضة للفرح والسعادة؟ وكيف لذلك الإنسان أن يعيش الشعورين بلحظة واحدة:

 يوم طرتُ سعادةً، ووقعتُ

مغمىً عليّ جراء الصدمة

وتأخذ الكاتبة برسم تفاصيل المشهد العاصف، مرة تعبر عن فرحها، ومرة عن وهلتها، تحيا وتموت، وتصرخ وتصمت، تخصص عينا للضحك، وأخرى للبكاء، فتتساءل ربما بسخرية مرة:

 ماذا أفعل أولا؟

 أفرحُ؟

 أحزنُ؟

 ماذا أفعلُ؟

وتحتار في أمر لحظتها تلك، فأنّى لها أن تتخلص من هذا الذي يتأرجح بها يمنة ويسرة؟ فنتترك هاتفيها النقالين يتهامسان عن سرّ ما بها:

 لم تبدو حزينة؟

 لم تبدو سعيدة؟ فكلاهما لا يعرف سر الآخر

 واتفقا هاتفاي النقالان

 اتفقا ألا ينبساا بحرف شفة

 "ما شأننا بلغناها الرسالة"

 وأخيرا تصل إلى ما يشبه التصالح مع نفسها لتختم هذه اللحظة بقولها:

 وتساءلتُ،

 هل حقا تلقيتُ المكالمات؟

فهل نسيت صونيا عامر أمر الخبرين معا؟ أم نسيت أنها فرحت أو حزنت في ذات اللحظة؟ ربما كان فرحها كفيلا بإنهاء كَبة الحزن اللاهبة، أو ربما كان الحزن كفيلا بتقليم أظافر الفرح الطارئ لتعود الحياة عادية حيادية، فهل ستظل حيادية؟ أما أنا فلن أكون حياديا، وسأتوه بتيه الشعر لعلني أصادق عصافير الجنة لأصوغ قصصا أخرى على وقع هدية صونيا الفاخرة التي لن تنسى بتوقيع أناملها التي خطت بكل عمق هذا الشعر الحياتي الخالد خلود الحياة وروحها، فلك الشكر صديقتي!!  

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 210 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2013 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

718,140

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.