فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

 

لم يقل درويش يوما قدسوني!!

فراس حج محمد

لاحظت في الفترة الأخيرة تناول بعض الكتاب لشعر درويش واصطناع قضايا للنقاش حول شعره، واللافت للانتباه حول ما كتب بعض هؤلاء أنهم مفترضون أن درويشا قد مد لهم يده راجيا مستعطفا أن يقدسوه، لترى أحدهم كاتبا "لا قداسة لمبدع"، إن المسألة كلها تقوم في وعيها على أن في العقل الباطن شيئا من حتى تجاه درويش الشاعر، ولا أريد أن أصفه بأي صفة أخرى، فما أنتجه من كتب ومنجزات ثقافية هي من سيدافع عن درويش وليس بعض سطور مكتوبة هنا أو هناك، وحسبه أنه كما المتنبي كثر حاسدوه، وكل ذي نعمة محسود.

لقد تتبعت ما كتب مؤخرا حول درويش، واستفاض القول وامتد حتى وصل إلى درجة الخطل والخطر، حتى أن بعضهم كتب عن درويش وهو يفتقر لمعرفة حقيقية بدرويش أولا، وبإدراك عميق لطبيعة الأدب والعملية الإبداعية ثانيا، فجاء بما لم يستطعه الأواخر والأوائل، واجتهد في تتبع ألفاظ درويش وتراكيبه ليقول عنه بأنه قد لملم لغته من بطون الكتب التراثية والتاريخية وكتب المعاصرين مجايلين له وغير مجايلين، ولم يكن في الأمر سابقة إبداعية لهذا المطعون في الظهر المكتوب في غرة الشعر المعاصر درويش الشاعر.

لم أكن أدري لماذا كل هذا، لقد تناسى هؤلاء أن درويش الرافض فكرة التقديس حيا وميتا، قد قدم ما لديه، ونثر ما بجعبته، وكان هؤلاء يتسابقون على شراء كتبه والكتابة عنها ومدحها والإشادة بها، فإذا ما مات الرجل وارتحل، تبدلت الألحان وصار العزف جنائزيا!! لقد نسي هؤلاء أن درويش هو من قال يوما عندما كان الكل يتسابق للشهرة والظهور، قال: "أنقذونا من هذا الحب القاسي"، والآن من سيقول يا درويش أنقذوني من هذه الحرب الثقافية الباردة؟!!

يذكرني هذا الموقف من درويش بموقف الناقد اللبناني جهاد فاضل، حيث كتب كتابا عن الشاعر المرحوم نزار قباني بعنوان "الوجه الآخر"، وقال الناقد في الشاعر ما لم يقله مالك في الخمر، وجمع له من السيئات ما جمع على المستويين الخُلقي والفني، ولم يقصر في شيء، هذا الناقد الذي لم يبح بأي من آرائه تلك ونزار الشاعر حيّ، ولا أظن أن نزارا سيقطع لسان ذلك الناقد لو سمع منه حيا ما قاله!!

ولعلني لو تتبعت أكثر أو تتبعتم مزيدا من القضايا حول المبدعين لرأيتم العجب العجاب، فأنا لا أقدس درويشا ولا نزارا، ولكنّ هؤلاء المنتقدين كانوا على علم بشعر درويش قبل أن يموت، وتناولوا من أشعاره ما تجاوز عمره العقد أو العقدين، لماذا صمتوا كل تلك المدة ولم يبحوا بأسرار العقول، أم أنه على رأي المثل الشعبي "غاب القط، العب يا فار"!!

يا ليتهم أتعبوه وأشبعوه نقدا وانتقادا وهو حي، ويا ليتهم قدموا فيه الدراسات الرصينة العلمية المحكمة، وليس مجرد تقولات يُتاح لها أن تنشر، لأنهم فقط من يملكون مفاتيح النشر في صحف ومواقع تملكوها وحجبوا حروفا وأسماء لا شك بأنها ستضيف جديدا لو سمح لها بأن تبرز، ولكن الضعيف إذا استقوى خاف من كل ضعيف، فكيف إذا كان الطارق بابهم قويا! سيصدونه ويشبعونه إهمالا، إنها مصيبة الثقافة العربية المعاصرة والعقلية العربية التي لا تحيا إلا رجعا عقيما لصدى الدكتاتوريات السياسية!!

لن أدافع عنك يا درويش، بل سأترك ما قلته يدافع عنك فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما يشعّ من أصيل الشعر سيظل خالدا أبد الدهر، فالشمس لم ولن تحْجب بالغربال، ولو حاول الواهمون ذلك، فارقد بسلام... وعلى روحك من أرواحنا وأمانينا ألف تحية وسلام!!         

جريدة العراق اليوم

 

 

المصدر: خاص بالكاتب فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 228 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2012 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

717,949

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.