فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

الواقي الثقافي في خدمة الشاعر الرمز

فراس حج محمد/ فلسطين

كتب زكريا محمّد منشوراً على صفحته في الفيسبوك بتاريخ 1/9/2020 يتحدّث فيه عن بعض كواليس عمله سكرتيراً لتحرير مجلّة الكرمل الذي كان يرأس تحريرها الشاعر الراحل محمود درويش، وكيف كان ينظر الكتّاب لرفض نشر نصوصهم في المجلّة.

هذا هو منشور زكريا محمّد أوّلاً:

"حين كنت أعمل سكرتير تحرير لمجلّة الكرمل، كان الكتّاب الذين تُرفض موادّهم، يصبّون لعناتهم على رأسي أنا لا على رأس محمود درويش. فقد كان أسهل عليهم مهاجمتي من مهاجمة درويش. فوق ذلك فقد كانت نسبة الحكم السلبي على كتاباتهم إليّ أنا أخف وطأة على قلوبهم من نسبته إلى درويش.

وما زلت أحتفظ بفاكس غاضب من واحد يدعى حلمي الريشه وصفني فيه بالجنرال لأنّ الكرمل رفضت نشر قصائده. كان المسكين يحاول أن يبعد فكرة أنّ درويش هو من حكم على شعره، وأن يلصقها بي.

وكنت أتفهم هذا، وأقول: يا الله امسحوها بها اللحية."

الشاعر زكريا محمد

عندما أرسل لي هذا المنشور أحد الأصدقاء، وهو ناقد وأكاديمي فلسطيني، كأنّه وجد ضالّته هو أيضاً في النيل من الريشة وشعره؛ إذ لم يعقّب على ردّي ولو بكلمة واحدة. وكنت كتبت ردّاً خاصّاً على رسالته منتقداً بحدّة أسلوب سكرتير تحرير الكرمل، ولم أعقّب على المنشور مباشرة، فزكريا محمّد ليس من أصدقاء الفيسبوك. كتبت لصديقي ما يأتي:

"لا أعتقد أنّ الريشة شاعر رديء إلى هذه الدرجة العنجهيّة التي تكلّم بها زكريا محمّد، وهل الكرمل هي جواز سفر لتصبح شاعراً؟ إذاً، اليوم بعد زوال الكرمل إلى غير رجعة من يعطي الشعراء شرعيّة لشعرهم؟ مسكين جدّاً زكريا محمّد هذا؛ إذ يفكّر أنّه قيّم وحارس على بوّابة الشعر، ليمنح الشعراء جوازات مرور!". كنت في الحقيقة ممتعضاً كثيراً من الطريقة التي كتب فيها زكريا محمّد منشوره غير السويّ.

ذكّرني هذا الحديث بأحد حوارات الشاعر محمود درويش، حيث ذكر أنّه أحياناً كان يوافق على نشر نصوصٍ رديئة لشعراء معروفين ومكرّسين، يبرّر ذلك بسطوة الاسم، وليس بسطوة النصّ، ولكن ألا يوجد بعض الخبث في نشر النصوص الرديئة في مجلّة وازنة كالكرمل لشعراء معروفين وقد يكونون كباراً؟ أليس في الأمر تشويه لصورة هؤلاء الشعراء في نظر القرّاء النخبويّين وتقديم صورة سيّئة لهم، ليظلّ هو وحده الشاعر الفحل الذي لا يُجارى؟ أليس في ذلك أيضاً خديعة للقارئ الذي يثق بالمجلّة فيجد فيها نصاً رديئاً فيكذّب ذائقته ويثق بذائقة درويش وسكرتير تحرير كرمله؟ المسألة هنا أكثر أخلاقيّة على ما يبدو، وتطال أكثر من طرف، وتجعل درويش مخادعاً ومجاملاً في الوقت ذاته، وتجعل من سكرتيره مجرّد اسم لإكمال هيأة التحرير ليس إلّا، فهل كان يجرؤ هذا السكرتير على رفض تلك النصوص الرديئة أم أنّه أيضاً كان مخدوع الذائقة بفعل أفعال درويش المجامِلة؟ المسألة على ما يبدو أكثر من تواطؤ وأكبر من خديعة.

لا شكّ في أنّ زكريا محمّد ذكر نصف الحقيقة، ولم يذكرها كاملة، فثمة شعراء جيّدون لم ينشر لهم درويش نصوصهم، ونشروا تلك النصوص في منابر أعلى شأناً من الكرمل وأخواتها من المجلّات الفلسطينيّة (مشارف، والشعراء، والكرمل الجديد) على سبيل المثال، إذ كانت تشكّل كلّ مجلّة من تلك المجلّات حتّى آخر عدد من كلّ منها عقداً لثلّة من الكتّاب، ينشرون لأنفسهم ليقرأ لهم آخرون على شاكلتهم.

إنّ ما تحدّث به سكرتير درويش كان وما زال ضمن تلك الجوقة التي تطبّل للشاعر الكبير وتحمي صورته من التشويه، لكنّ ما أراد زكريا قوله هو أنّ درويش نفسه من كان يرفض شعر محمّد حلمي الريشة وغيره، لكنْ لا أحد يلوم الشاعر الكبير، ورضي السكرتير الذي هو في العادة أقلّ شأناً في كلّ شيء، لاسيّما في هذه الحالة، أن يتحمّل أوزار رئيس التحرير والمسؤول عن المجلّة، وهو هنا درويش نفسه، ويومئ كلام زكريا محمّد أيضاً إلى نوع من الدكتاتوريّة الثقافيّة التي كان يعاني منها درويش ويوظفها بقوّته الناعمة ويمرّرها بسلاسة بتواطؤٍ مع سكرتير التحرير، فقد أظهره من طرف خفيّ أنّه هو وحده المتحكّم بالنصوص ونشرها، وهذه حقيقة تؤكّدها طبيعة الأشياء، وموجودة لدى كلّ مسؤولي المجلّات ورؤساء تحريرها النحارير، فلا رادّ لقرارهم، ولا أحد يستطيع تغييره، والكلّ موجود لإكمال الديكور الإعلامي، فدرويش هو الكرمل ذاتها، والكلّ في الكلّ. وغيره مثله من أصحاب المجلّات سواء بسواء.

إنّ منشور زكريا محمّد بحقّ الريشة هو تعدٍّ، ليس على الريشة فقط، بل تعدٍّ على الحياة الثقافيّة برمّتها، ويؤشّر إلى واحد من أمراضها المستعصية التي لا شفاء لها أو منها، فهي بالإضافة إلى كونها مرضاً عضالاً هي حماقة ثقافيّة أصابت الوسط الثقافي العربي والفلسطيني ولها تجلّياتها المتعدّدة، وهذه هي إحدى تلك التجلّيات غير الحميدة وصفاً وكينونة.

زكريا محمّد وغيره من مثقّفي العرب وشعرائهم وكتّابهم الموصوفين بالتنويريّين يعادون فكرة الإله والوصاية الدينيّة، إلّا أن يكونوا هم أولياء الشعر وأوصياءه وآلهته المبجّلين المتحالفين مع شياطينه في المجلّات والجرائد التي يطلق عليها أنّها وازنة، لتكتشف أنّها ليست إلّا مخزناً معبّأ بالأمراض والتفاهات والأحقاد والتعاليات المسفّة، والفايروسات التي يحبّون أن يطلقوها بين الفترة والفترة، ليؤكّدوا العلاقة ما بينهم وبين الشاعر الرمز حتّى وإن كانت علاقة ذيليّة ليس لها أيّ أثر، ولا يلتفتُ إليها.

أيـــــلول 2020

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 351 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

743,478

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.