مصائب سورية عند إسرائيل فوائد أم مصائب؟
مصائب سورية عند إسرائيل فوائد أم مصائب؟
التزمت إسرائيل الصمت ولم تتدخل في الأزمة السورية في شكل مباشر لفترة طويلة. وأثارت الضربة على موقع البحث العلمي في جمرايا، أو استهداف قافلة لنقل السلاح إلى حزب الله، جدلا في إسرائيل حول صوابية الخطوة، وتعدتها إلى قياس الربح والخسارة تبعا لتطور الأحداث في سورية وفق سيناريوات مختلفة.
تصريحات القيادة الإسرائيلية الضبابية حول الأزمة السورية تصعّب التعرف على حقيقة مواقفهم. وفي المقابل فإن إسرائيل لا تخفي فرحتها لتدمير سورية على يد أبنائها، وتراجع قدرة الجيش السوري على الردع، لكنها تخشى من حالة الفوضى واستغلالها من قبل المجموعات المسلحة والمقاتلين الجهاديين لتوجيه ضربات لها تحرك الجبهة الساكنة منذ نحو أربعين عاما. كما بات مؤكدا أن تل أبيب تتحضر لليوم الثاني بعد سقوط نظام الرئيس الأسد رغم عدم اتفاق المراكز البحثية على تحديد موعد دقيق لذلك.
شطب التهديد العسكري التقليدي الأخطر
صحيفة هآرتس في 5 فبراير/شباط نقلت تقديرات متفائلة عن رئيس معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب اللواء عاموس ياديلين. وفي التقدير الاستراتيجي للمعهد للعام 2013 يقول يادلين، إن "الحرب الأهلية في سورية شطبت عن جدول الاعمال التهديد العسكري التقليدي الأخطر الذي يحدق باسرائيل، فالجيش السوري لم يتبق منه سوى ظل قدرته الأصلية؛ يوجد ميل للمبالغة في شدة الخطر المحدق من مناطق الجبهة التي نشأت مؤخرا على حدودنا مع سورية ومصر" . ويتابع رئيس الاستخبارات السابق في هيئة الأركان إن "الجيش السوري "يسحق نفسه.... قدرته العملياتية للعمل ضد اسرائيل تهبط في كل اسبوع يمر... هذا تطور ايجابي في الجانب العسكري". ويرى ياديلين أن هناك تطورات سياسية "فالمحور الراديكالي ضد اسرائيل – من طهران، إلى دمشق، إلى بيروت وإلى غزة – آخذ في التحطم". واعتبر الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي أن سورية في اليوم التالي لسقوط نظام الاسد ستكون منشغلة باعادة بنائها، ولهذا فان القوة العسكرية للدولة، بعد ان تآكلت في الحرب الأهلية، "ستوجه الى الداخل وليس الى الخارج. يوجد هنا تحسن في الوضع الاستراتيجي لاسرائيل".
الدراسات الإسرائيلية الأولية حول ثورات الربيع العربي بينت مدى التخبط في القيادة حول النتائج التي ستفرزها هذه الثورات، وخصوصا في حال تطورت في شكل ديمقراطي يفضح مزاعم إسرائيل في أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وتسمح ببناء مشروع عربي يعبر عن تطلعات الشعوب. وفي الموضوع السورية فإن الخبراء الإسرائيليين يؤكدون أن لإسرائيل مصلحة إستراتيجية في مواصلة المراهنة على الحسم العسكري للأزمة. فالجانب الإسرائيلي سيكون فرحا بالتأكيد لتدمير قدرات الجيش السوري، وتدمير السلم المجتمعي، وتطور السيناريوات باتجاه تقسيم سورية إلى دويلات، وضعف الحكم المركزي، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية، وإنشغال السوريين بإعادة ترميم البنية التحتية، وبناء الإقتصاد مما يشغلهم لسنوات عن حتى مجرد التفكير بالعدو الذي يحتل الجولان من العام 1967، كما أن احتمال تقسيم سورية على أساس طائفي أو إثني يمنح مشروعية لدولة إسرائيل اليهودية.
تخبط وارتباك...
وفي المقابل فإن التعامل المباشر مع الأزمة، يكشف عن تخبط وارتباك فبعدما صمت الرسميون الإسرائيليون طويلا، انتقلوا في مرحلة لاحقة إلى انتقاد "وحشية" الرئيس الأسد مع المتظاهرين، وركزوا على الجانب الطائفي للصراع، وبعد صعود الحركات الجهادية ركزوا على جرائمها، ومن الطبيعي أن تستخدم إسرائيل قسوة الحرب الأهلية والجرائم الفظيعة من الطرفين من أجل التغطية على جرائمها المتواصلة في فلسطين.
وبعد الغارة الأخيرة على مركز البحوث العلمية، أو قافلة لنقل الأسلحة، برزت آراء مختلفة فالرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، شلومو غزيت، اعتبر أن نقل مخازن الأسلحة من سورية الى لبنان أفضل لمصلحة اسرائيل والحفاظ على أمنها، باعتبار أن الحدود مع لبنان، وعلى مدار سبع سنوات منذ انتهاء حرب تموز، تعتبر الأكثر هدوءاً واستقراراً.
المسؤول الأمني السابق أوضح أن الجهات التي تتواجد وراء الحدود في سورية ليست أقل عداءاً لاسرائيل من حزب الله، وأنه "لن تكون في سورية سيطرة مركزية على مستودعات السلاح". وقال غزيت إنه حال لم تتوفر الطريقة للسيطرة على الاسلحة وضمان نقلها الى جهات مسؤولة فعلى القادة الاسرائيليين الاختيار بين " ان يبقى السلاح على أرض سورية ويقع في أيدي العصابات المسلحة، وهي معادية لاسرائيل وستكون قريبة جداً من الجولان، وإما ان تترك الشاحنات التي تنقل الاسلحة من سورية الى لبنان من دون اعتراض او اعتداء واتاحة المجال للرئيس بشار الاسد بتحقيق خطته في إبعاد السلاح عن سورية".
منطقة عازلة جوية وأخرى على الأرض...
لكن سلاح الطيران الإسرائيلي يواصل تحليقه في سماء لبنان في شكل شبه يومي بعد الغارة، وكشفت مصادر استخبارية منذ أيام أن سلاح الجو الإسرائيلي سوف يواصل تحليقه في الأجواء الحدودية الفاصلة بين لبنان وسورية ليمنع نقل الأسلحة إلى حزب الله. وأنه يقيم "منطقة عازلة" على الحدود. وتوقع خبراء أن تنشب "حروب صغيرة" على هذه الجبهة.
غزيت دعا إلى التعامل مع الوقائع الجديدة وهي أن "النظام القوي المستقر لعائلة الاسد الذي حكم دمشق وهو نظام عرفناه جيداً واعتمدناً على تصميمه على الوفاء باتفاق فصل القوات الذي وقع عليه في سنة 1974، إن هذا النظام قد اختفى ولم يعد موجوداً. وليس من المهم اليوم هل يختفي الرئيس الاسد في الاسابيع القريبة أم في غضون بضعة اشهر أو في السنة التالية – فسورية اليوم في وضع اضطراب حكم ويتوقع ان تمر فترة طويلة حتى ينشأ استقرار وهدوء مرة اخرى".
تقديرات غزيت في هذه المرة تطابقت مع ما تنفذه إسرائيل على الأرض، فقد قررت الحكومة مواصلة بناء الجزء المتبقي من الجدار الفاصل مع سورية والمحاذي لخط فصل القوات بطول يصل إلى 60 كيلومترا من جنوب الجولان حتى جبل الشيخ. وتزويده بمجسات وأجهزة إلكترونية متطورة. كما كشفت "صاندي تايمز" منذ أيام أن إسرائيل تدرس إنشاء منطقة عازلة بعمق يصل إلى 17 كيلومترا داخل الأراضي السورية خوفا من هجمات من المتمردين الأصوليين على الجانب الآخر من الحدود.
ومما رشح عن المخططات الإسرائيلية فإن المنطقة العازلة "ستحاكي المنطقة الأمنية العازلة التي أنشأتها إسرائيل في لبنان بين عامي 1985 و2000". وأن العسكريين عرضوا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "خطة شاملة للدفاع عن حدود إسرائيل بعد أو ربما قبل سقوط النظا، ويمكن أن نبقى فيها لسنوات في حال ظلت سورية غير مستقرة". وبعد الغارة الأخيرة نصبت إسرائيل مزيدا من أنظمة الدفاع الصاروخي ضمن "القبة الحديدية" في المناطق الشمالية تحسبا لرد من سورية أو حزب الله، أي أنها تستعد للأسوأ.
قالت العرب قديما مصائب قوم عن قوم فوائد. ورغم أن الفوائد تزيد في حال العداوة، فإن الوضع لا يمكن تعنيمه على حالة إسرائيل مع سورية. فمما لا شك فيه أن إسرائيل حققت فوائد استراتيجية مهمة بتدمير معظم قدرات الجيش السوري، بعدما أنهت قدرات العراق العسكرية. كما أن رحيل الأسد وإنهاء التحالف مع حزب الله وإيران يشكل خبرا سارا لإسرائيل، لكن صعود التيارات الجهادية قرب حدودها في الجولان المحتل، وفوضى السلاح تهدد مصالحها بكل تأكيد، وهو ما دفعها إلى زيادة تحصيناتها، ودراسة منطقة عازلة في الجولان، وتزداد المخاوف الإسرائيلية مع صعود الجهاديين في شبه جزيرة سيناء. مما يجعل حدودها الشمالية والجنوبية في حال خطر بعد سنوات من الهدوء. وأخيرا فإن إسرائيل اعتبرت أنها خسرت "كنزها الإستراتيجي" بعد الاطاحة بحسني مبارك. لكن تقويم الآثار المترتبة على سقوط الأسد مازالت محط أخذ ورد بين الخبراء الذين يجمعون فقط على أن السيناريو الحالي بتحطيم قوة سورية وإعادتها إلى القرون الوسطى هو أكثر ما كان القادة الإسرائيليون يطمحون إليه وقد تم بدون بأيدي السوريين أنفسهم.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)