ما كلُّ ما يلمعُ ذهبٍ
عشنا زمانًا نرى الأحبابَ في صُوَرِ
من الوفاءِ، ولكنْ خدعنا البَصَرُ
وكان قلبي إذا نادوه من شغفٍ
يمضي إليهم، وما في حُبِّهم حَذَرُ
واليومَ أبصرتُ ما قد كان يُخفيهِ
سِترُ الودادِ، وجاء الصدقُ والخَبَرُ
تبدَّلتْ قلوبُنا أم أنَّ أعينَنا
أبصرتْ وجوهَ مَنِ الهوى سَتَروا؟
قد كنتُ أهوى لِقاهم في مَسافةِ حُلْمٍ
حتى إذا اقتربوا، ذابَ الصَّفا وانكَسَرُ
يا ليتَ شعري أكان الحُبُّ يَخدَعُنا
أم نحن في غفلةٍ عمَّا به غَرَروا؟
إنَّ الكريمَ وإن جارَ الزمانُ بهِ
يبقى على العهدِ إن ضاقتْ به السُّبُلُ
لكن قليلُ الوفا في الناسِ نعرفُهُ
حتى إذا انكشفوا قلَّ الصَّفا وقَلُلُ
كم من صديقٍ غدا في البُعدِ مبتسمًا
حتى إذا اقتربتْ أيامُه غَضِروا
كم من وجوهٍ بدتْ مثلَ البدورِ لنا
لكنَّها حينَ لاحتْ ظلَّها حَصَرُ
ما كلُّ ما يلمعُ الأعيانَ من ذهبٍ
بل بعضُه زَيفُه يغوي به البَصَرُ
قد يَسكنُ القلبَ من نهوى، ونجهلُهُ
حتى نراهُ، فيمضي الحُبُّ والذِّكرُ
والنفسُ تأنسُ بالأحلامِ ما بَقِيَتْ
فإذا اصطدمتْ بواقعِها غدَا صَخَرُ
قد يزرعُ الوصلُ في الأرواحِ أُنسَةَ مَن
ظنناهُ صِدقًا، وفي الأقدارِ ما غَدَروا
إنَّ الأمانةَ تاجُ المرءِ إن لبِسَتْ
والغدرُ نزعٌ له، والوجهُ مُستَتِرُ
فلا تلم من رأى أيامَهُ انقلبتْ
وصارَ حلمُ المنى في قلبِهِ كَسَرُ
يا صاحِ إنَّ الزمانَ المَرءَ يُغربِلُهُ
حتى يَصِفُو له من صحبِهِ خِيَرُ
والدهرُ يمضي، ويُبقي في القلوبِ صَفًا
من أهلِ ودٍّ إذا جاروا فما فَتَروا
صائغ القوافي الشاعر
فهد بن عبدالله فهد الصويغ
وزن القصيدة بحر الطويل



ساحة النقاش