2500 مرض تسببها المبيدات للإنسان والحيوان والأرض
الفواكه والخضروات .. قنابل كيميائية
تحقيق - مجدي سلامة:
بـ«موت في الخوخ والمانجا».. إذا سمعت أحداً يردد هذه العبارة فلا تتخيل أنه يدندن مقطعاً من أغنية شعبية، فما يقوله ليس أغنية ولا حتي موال وإنما حقيقة واقعة.. فكل الفواكه وجميع الخضراوات تقتل بـ «البطيء» من يأكلها لأنها ببساطة قنابل كيميائية.
فمصر تتعرض لنوع غريب من الحرب الكيماوية.. حرب أسلحتها الفراولة والعنب والخوخ والمشمش وباقي قائمة الفواكه.. وفي ذات الحرب يقصفنا أيضاً الخيار والطماطم والكرنب وباقي قائمة الخضراوات. وبعد أن كنا نهدى أى مريض نوعاً أو نوعين من الفاكهة لأن الفاكهة بها غذاء وشفاء، أصبحنا نمرض الأصحاء بالفواكه.
إذا كنت من محبي الفواكه، وممن يذوبون عشقاً في مذاق الفراولة، وطعم الخوخ والمشمش والعنب والمانجو والبرقوق أو حتي الموز والجوافة والبلح.. أو كان صراخ بطنك لا يهدأ إلا بعد التهام كميات من الكوسة أو البسلة أو البطاطس أو «حلة المحشي» المعتبرة أو كنت من مدمني الطماطم والفلفل والباذنجان والبطاطس.. أو كنت لا تدري ما إذا كان «الجزر» فاكهة أو خضار ومع ذلك تعشقه وتحب أكله ليلاً ونهارًا..
إذا كنت واحداً من هؤلاء فاعلم أنك قد سقطت في الفخ، وأنك تتعرض لحرب كيماوية لا تعرف الرحمة تدس في جوفك سنوياً ثلث كيلو جرام من السم الزعاف التى تسبب أمراض السرطان «الكبد الوبائى» و«الكلى» و«البهارسيا» وغيرها صف طويل فى أسواق الخضر والفاكهة، يصيبنا الدهشة للأحجام الضخمة التى أصبحت عليها، ويستوقفك ظهور خضراوات وفواكه في غير مواسمها، فإذا سألت مسئولاً بوزارة الزراعة عن هذا اللغز يبتسم، ويحدثك طويلاً، عن السياسات الزراعية الحديثة وعن نجاح الوزارة في تحقيق هذا الإنجاز الكبير..
ولكن لو سألت خبيراً زراعياً عن نفس اللغز، ستجد إجابة أخري تماماً.. إجابة بطلها المطلق كارثة اسمها المبيدات.. ووراء هذه الكارثة تتسلل مئات الأمراض القاتلة إلي المصريين.
فمع الخضراوات والفواكه التي يلتهمها المصريون كل صباح ومساء تتسلل كميات هائلة من السموم القاتلة عبر مبيدات أغلبها مهرب، ومسمم، ومسرطن، وقاتل..
الكارثة وثيقة الصلة بزيادة الإيجارات الزراعية وارتفاع تكلفة الزراعة، وجنون أسعار الأسمدة، وقد تآمرت هذه الأزمات كلها علي فلاحي مصر، وجد كل فلاح نفسه مجبراً علي استخدام كل ما من شأنه زيادة إنتاجه الزراعي وسرعة إنضاج محاصيله، ووجد فى المبيدات الزراعية، كل ما يريد.. وهنا بدأت كارثة أكبر..
فالسوق الرسمي للمبيدات بحسب بيانات وزارة الزراعة يبلغ حجمها 6 آلاف طن قيمتها 130 مليون دولار سنوياً، أي حوالي 900 مليون جنيه، ولكن الواقع يقول إن سوق المبيدات في مصر يصل إلي 5 مليارات جنيه -حسب تأكيدات الدكتور ولاء عبدالغني أستاذ متبقيات المبيدات بكلية الزراعة جامعة عين شمس- أي أن إجمالي السوق الرسمية للمبيدات لا تتجاوز 20% من المبيدات المستخدمة بالفعل أما الـ80 % الأخري فعبارة عن مبيدات مهربة من إسرائيل أو الصين في الغالب أو مصنوعة في مصانع بير السلم بعيداً عن أية رقابة.
غرامة 10 جنيهات
وهذا يعنى أن كميات المبيدات المستخدمة بالفعل تصل إلي 24 ألف طن مبيدات سنويا، وهي كمية رهيبة، تعني أن كل مواطن علي أرض مصر يبتلع مع ما يأكله من خضراوات وفاكهة سنوياً ما يقرب من ثلث كيلو جرام من المبيدات القاتلة مجهولة المصدر.
والكارثة الأكبر التي تجعل تجارة هذه السموم التى تحمل اسم المبيدات كالحبل على الغارب أن المهندسين الزراعيين المسئولين عن مراقبة المبيدات في مصر كلها يبلغ 40 مهندساً زراعياً فقط، في حين أن عدد محلات المسموح لها بالاتجار في المبيدات يصل إلي 2811 محلاً بخلاف حوالي 5 آلاف محل يمارس نشاطه دون ترخيص.
.. والكارثة أيضاً أن عقوبة تجار المبيدات المهربة والمغشوشة تبلغ 10 جنيهات فقط.
لأن كل ما يهم الفلاح هو سعر المبيد، لذلك نجد أن الإقبال شديد على المبيدات الإسرائيلية والصينية المهربة؛ لأنها تباع بأسعار أقل كثيراً من مثيلاتها، وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد، فالمرعب -كما يقول الدكتور محمد إبراهيم مدير الجمعية المصرية لحماية النبات- إن كل مبيد له فترة عمر تتراوح ما بين 3 أيام و 15 يوماً، وبعدها ينكسر ويتحلل إلى مركبات غير ضارة، إلا أن الفلاحين يسرعون في عملية الجنى قبل مرور تلك الفترة ويطرحون الفاكهة والخضراوات في الأسواق؛ رغبة في المكسب السريع، وبالتالى تبقى الآثار السامة للمبيد على المنتجات الزراعية دون أن تنتهى.
وأضاف: «لا نتجاوز إذا قلنا إن المصريون يتعرضون لحرب كيماوية من خلال موائد الطعام.. فالأرقام الدولية تؤكد أن 25% من المبيدات المنتجة عالمياً تستخدمها الدول النامية، ومنها مصر، بينما تستخدم الدول المتقدمة 75% من المبيدات، ورغم ذلك فإن 90% من حالات التسمم من المبيدات تقع في الدول النامية، بينما لا تتعدى 10% فقط من حالات التسمم بسبب المبيدات في الدول المتقدمة، والسبب أنهم هناك يستخدمون مبيدات مصنوعة تحت رقابة مشددة، وتستخدم باشتراطات صارمة، أما في مصر وغيرها من الدول النامية فلا رقابة حقيقة علي المبيدات المستخدمة ولا التزام بأي اشتراطات عند استعمالها، لدرجة كثير من الفلاحين يستخدمون تلك المبيدات ثم يحصدون محصولهم خلال 24 ساعة ويبيعونه للمستهلكين وعليها كل المبيد الذى تم استخدامه».
وواصل: «المبيدات المستخدمة في مصر تسببت فى انتشار 2500 مرض، بعضها يصيب الأرض الزراعية وبعضها يصيب الفلاح الذي يرش تلك المبيدات وبعضها يصيب كل من يستنشق الهواء المحمل برذاذ تلك المبيدات، وأغلبها يصيب مستهلكى الخضراوات والفاكهة بقائمة طويلة من الأمراض، منها السرطان والأمراض التناسلية وأمراض الجهاز الهضمي وجهاز المناعة، فضلاً عن أمراض الحساسية».
مبيدات محرمة
وكشف الدكتور كمال عبدالفتاح، خبير المبيدات والزراعة العضوية ومدير «مركز الزراعات الآمنة» عن مفاجآت مروعة، مؤكداً أن عدداً غير قليل من المبيدات المستخدمة في مصر محرمة دولياً.. فهناك مبيدات لمواجهة الآفات يجب ألا تستخدم إلا في المحاصيل غير الغذائية مثل القطن وسوس النخيل ومع ذلك يتم استخدامها في حقول الفراولة والفلفل والباذنجان وغيرها، والكارثة الأكبر أن مبيد «الملاثيون» المحرم دولياً لا يزال يستخدم في مواجهة ذبابة الفاكهة في الموالح والخوخ وغيرها من حقول الخضر والفواكه، بل تستخدمه وزارة الزراعة نفسها، وأيضاً مبيد «برومينال» الذي يستخدم في مصر رغم منع تداوله دولياً وهناك أيضا مجموعة «الجليفوسات» ولها العديد من الأسماء التجارية منها الراوندات والسان اب وغيرهما، وجميعها غير مصرح باستخدامها في بلد المنشأ إلا في حالة حشائش الجسور والمصارف، ومع ذلك يتم استخدامها في حقول الخضراوات والفاكهة لمواجهة الحشائش الغريبة والدخلية على تلك الحقول، نفس الحال في مبيد «الجرامكسون» الذي يستخدمه كثيرون في رش الخضراوات بجميع أنواعها بخلاف مبيدات روماكتيل وشفيط اللذين يتم تهريبهما من إسرائيل إلي مصر».
ولا تتوقف الكارثة عند هذا الحد -والكلام لايزال للدكتور كمال عبدالفتاح- فكثير من الفلاحين يستخدمون غاز «البروميد مثيل» في تعقيم التربة وهذا الغاز يكمن في التربة وينتقل منها إلي المحاصيل وخاصة الدرنات مثل البطاطا والبطاطس وأيضاً الجزر وهذا الغاز مسرطن ومحظور استخدامه.. كما يستخدم الفلاحون مركبات للتسريع بإنضاج عدد كبير من الخضراوات والفاكهة وزيادة حجمها وأشهر هذه المركبات «الجبرالين» و«الاترازين» و«الجيسابرين» وهي مواد تسبب السرطان، وللأسف تستخدم لسرعة إنضاج وزيادة حجم قائمة كبيرة من الخضراوات والفاكهة علي رأسها الفراولة والعنب والمانجو والفلفل والطماطم والبرتقال والباذنجان والقرنبيط والكرنب، بل إن البعض يستخدم محلول اليوريا لسرعة إنضاج المحاصيل والخضر والمعروف أن اليوريا كسماد لا يستخدم في جميع دول العالم كله سوي في مصر وليبيا لخطورته علي الصحة ومع ذلك نستخدمه في مصر كسماد وكمحلول تسريع إنضاج».
وأضاف مدير مركز الزراعة الآمنة «حتي عمليات تخزين الفواكه والخضراوات لا تخلو من كوارث، فمخزنو البطاطس يضيفون إليها مادة «الدي. دي. تي» القاتلة حتي لا يصيبها العفن كما يضيفون إليها مادة «2.4.d» وهي مادة مسرطنة».
ويؤكد الدكتور محمود إبراهيم استشاري الصحة العامة أن حالات التسمم التي تسببها المبيدات الزراعية لا يقتصر على التسمم المباشر أو الأعراض المباشرة والظاهرة بل يشمل التسمم البطيء أو الإتلاف البطيء للمكونات البيولوجية وكذا يشمل الأعراض المؤجلة التي تؤدي إلى ظهور الأمراض المفاجئة بعد حين من الزمن.. وقال «لتقليل الإصابة بالتسمم بسبب الخضراوات أو الفواكه التي تعرضت لمبيدات بشكل غير آمن يجب غسلها جيداً باستخدام المياه الجارية كما يجب تقشير الفواكه والخضار قبل تناولها للمزيد من الحماية ضد المبيدات ومسببات الأمراض المنقولة عن طريق الأغذية. أما فيما يتعلّق بالخضار الورقية مثل الخس والكرنب مثلاً، فالأفضل التخلص تماماً من الأوراق التي تشكل المحيط الخارجي لها.
وليست المبيدات هى من تقتل المصريين فى الفواكه والخضراوات، بل أيضاً عمليات الرى لهذه المزروعات.. والتى تتم من خلال مياه الصرف الصحى في معظم أنحاء مصر.. وبكل ما تحمله مياه الصرف الصحى التى لم تتم معالجتها أو تنقيتها، وتنتقل عبرها الهرمونات الضارة والمخلفات والبكتيريا والميكروبات إلى الفواكه والخضراوات، وتلك الأخيرة تعد حاملة لكل الأخطار التى تحملها مخلفات الصرف الصحى، بل الأكثر مصيبة أن التجار يقومون بغسل الفاكهة والخضراوات فى الترع والمصارف لإزالة الأتربة من عليها قبل طرحها بالأسواق.. وهو ما يجعلها محملة بالديدان واليرقات والبهاريسيا ولتتنافس بذلك مياه الصرف الصحى مع المبيدات لتخريب المنتجات الزراعية، ولم يتم التوصل حتى الآن إلي أي مواد منظمة يمكن بها إزالة ما علق بالخضراوات والفاكهة من مسببات للأوبئة والأمراض، البعض ينصح «بنقع» الخضراوات في الملح والخل، وآخرون ينصحون بغسلها في ماء دافئ.. لكن لم يصدر حتي الآن أي بحث أو دراسة تؤكد أن هذه الوسائل يمكن لها حماية المستهلكين من اليرقات والجراثيم التي علقت بالفواكه والخضراوات أو التى تدخل أساساً في تركيبة أنسجتها.
غداً الموت فى قرص «طعمية» للفقراء.. والإستاكوزا ولحوم البجع للأغنياء
ساحة النقاش