فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللهِ وَقَامَ وَخَرَجَ، وَإِذَا جَيْشٌ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلٌ وَمَرْكَبَاتٌ. فَقَالَ غُلاَمُهُ لَهُ: «آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟ (ملوك الثاني 6: 15)
اختفت الحراسة عن الكنائس، و عندما أرادت هايدي زوجتي أن تتفقد أحوال جيراننا أثناء الثورة، بالذات في الأيام الأولى حيث كان الغياب الأمني كاملاً حينما كانت الثورة في أشدها، تساءلت واحدة من الجارات المسلمات بإشفاق:-
– من يحرس كنائسكم في الوقت الحالي؟
لقد اختفت الحراسة بالكامل عن الكنائس، و هذا جعل أصدقاءنا المسلمين يخافون على سلامتنا، و يتساءلون بخوف حقيقي علينا من الإرهاب الذي بات يهدد الكنائس منذ فترة طويلة، و كان الرد التلقائي لهايدي هو:
<!--ربنا هو من يحرسنا.
و هذه هي الحقيقة، الله هو من يحرس شعبه و ليس الحكومة، لذلك نحن في واقع الأمر لم نحتج لحراسة بشرية، و لكن الحراسة جاءت من النظام السابق لاستكمال الصورة– صورة الخوف من إرهابيين يدسهم النظام نفسه، أو على أقل تقدير ينتقي من لديهم الاستعداد للإرهاب و يدفعهم و يشجعهم على عمل الإرهاب بنشر شائعات و أكاذيب عن المسيحيين، بحيث يهيج هؤلاء الإرهابيين ضد الكنائس فيحدث التهديد، و بعد التهديد يحدث التدخل، ثم بعد ذلك تأتي الحراسة، التي لها أكثر من فائدة مزعومة للشعب، و أكثر من فائدة للنظام السابق، منها:
<!--إذا تغير النظام سيصل الإرهابيون إلى سُدة الحكم و سترون أيامًا سوداء.
<!--إذا تركناكم لن تحصلوا على حقوق، فارضوا بالفتات الساقط من نظامنا.
<!--بالأمر لابد أن تنتخب النظام، فهو الذي يحميكم و يدافع عنكم.
<!--الحراسة عين النظام داخل الكنيسة، فهي التي تنقل الأخبار من داخل الكنيسة إلى أمن الدولة.
لذلك نستطيع أن نقول أنه ليس كل ما نراه حقيقة، فهناك أشياء تراها لكي يصلك من خلالها مفهوم معين و ليس من الضروري أن يكون ذلك حقيقيًا ...فإذا رأيت حراسة على الكنائس، الحقيقة الأولى التي تصلك هي أن هذه الكنائس تحتاج إلى حراسة، و لكن ربما كان الأمر يختلف في مفهومه كثيرًا، الأمر يحتاج إلى تفكير، ثم بعد ذلك الاستنتاج.
و سقط النظام، و سقطت الحراسة فماذا حدث؟ ... حقائق تكشفت، و عرفنا أن الخطر كان وهمًا، و يمكن وجود بدائل كثيرة للمعيشة، منها بناء جسر من التفاهم مع الآخر، الأمر الذي رأينا أنه غير مستحيل!
و لكن هل هذه النظرة التي رأيتها أنا و كتبتها في السطور السابقة هي نفس النظرة التي رآها الجميع؟!!
لا... بل تباينت ردود الأفعال بشدة تجاه هذا الأمر، و شعر الكثير بالخوف و القلق و عدم الأمان. ليس بسبب اختفاء الحراسة عن الكنائس فقط، و لكن تساقط الحراسة بصفة عامة.
***
و في عمق المشكلة التي يمكننا أن نواجهها تختلف ردود أفعالنا تجاهها باختلاف النظرة التي نراها من خلالها... هل نرى يد الله في هذا الوضع الذي نحياه ونجتازه؟...هل نرى الخير؟...هل نرى أنه وقت سينقضي سريعًا و نحن خلال ذلك تحيطنا قوة علوية وعدت بالحماية وهي قوة الله؟
في القديم واجه أليشع، أحد أنبياء الله، مشكلة مشابهة، عندما تعرضت بلدته لخطر كبير، إذ حاول ملك مدينة آرام أن يقتله، فأرسل إلى مدينة دوثان، حيث يعيش أليشع، خيلاً و مركبات و جيشًا ثقيلاً, و جاءوا ليلاً بكل العتاد و أحاطوا بالمدينة. و هنا نجد رد فعل متبايناً بين خادم أليشع و بين أليشع نفسه. فيقول الخادم:
<!--"آه يا سيدي! كيف نعمل؟!
بينما رجل الله نفسه يقول:
<!--"لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم".
فنرى المشكلة واحدة، و لكن رجلاً واجهها بالخوف لأنه نظر إلى المشكلة ذاتها، و الآخر واجه المشكلة بأنه رفع عينيه إلى السماء فكان الفارق واضحًا في طريقة تعاملهما مع الأزمة.
صورة قاتمة:
فماذا تستطيع أن ترى خلال هذه الصورة ؟ في الوضع الطبيعي ستجد جنوداً يحاصرون موقع النبي أليشع يريدون قتله... و هل في قلب الثورة كانت هذه الصورة بعيدة عنا؟! و نحن في بيوتنا و منازلنا , مهددين في أي لحظة بدخول أعداء من كل نوع بعد أن اختلط الحابل بالنابل ... و لم يستطع الشعب تمييز عدوه من صديقه.
الأعداء قوة بغيضة تواجهنا و تتمركز في تعبير واحد هو الشعور بعدم الأمان ... هل تشعر به؟ في هذا الوقت بالتأكيد نعم!... و هذا الشعور شعر به بقوة خادم رجل الله، فنجده يصرخ في يأس: "آه يا سيد ماذا نفعل؟.
و كانت كلمات الطمأنينة التي لدى أليشع هي فقَالَ: «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ»" (2ملوك 6: 16) و لكن يبدو أن مجرد الكلمات لم تكن كافية لطمأنة الغلام عديم الخبرة في تعاملات الله، فقد كان الأمر يحتاج إلى أكثر من معلومة يعطيها، لذلك "َصَلَّى أَلِيشَعُ وَ قَالَ: «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَ مَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ" (2ملوك6: 17) في الواقع هذه الصلاة لم تكن مغيرة للأوضاع القائمة بل هي مغيرة للانطباع الداخلي ... لقد صلى رجل الله أن يكشف الله لخادمه الأبعاد الروحية فتنفتح عيناه و يرى، ليس الأمور المادية بل الروحية....ليكتشف تواجد جيوش للحماية... أرسلها الله ... بهدف الدفاع عن رجل الله.
عزيزي:
و أنت تشعر بعدم الأمان و المخاوف بسبب كل تلك التفاصيل التي تهدد حياتك و حياة أولادك ... لا تكتفِ بتلك الصورة الظاهرة أمامك ... فقد تكون تلك الصورة قاتمة...و لكنها بالتأكيد غير مكتملة, لأنك لم ترَ من وراء الأحداث، لذلك لا ينبغي أن ترعبك هذه الصورة...بل صلِّ كما صلى نبي الله أليشع... قل له اكشف عن عيني لأرى الصورة كاملة... هذه الصورة تتمثل في جنود دفاع غير مرئي تحميك أنت و عائلتك ...
عزيزي:
تتمثل رسالة الله في الكتاب المقدس في فكرة واحدة يعد بها الله خائفيه, و قد كررها 366 مرة على مدار الكتاب المقدس كله، فنجده يوجه كلامه إلى يشوع في العهد القديم، و لك حاليًا:- "أما أمرتك تشدد و تشجع! لا ترهب و لا ترتعب لأني أنا الرب إلهك حيثما تذهب." (يشوع 1: 9).
ترافق هذه الوعود حياتك بالكامل, و تشمل أحلك لحظات الحياة... فقط ارفع عينيك بإيمان و رجاء إلى الله و قل له:"أنت وعدت بأن تحميني...لذا فأنا أضع رجائي و ثقتي فيك"... و ستجد الحماية... و ستجد الرفقة و العناية... و سيكشف الله عن خططه لحياتك و مستقبلك...و ستكتشف أنها هي الأفضل.
كلنا رأينا الكثير من الشرور في هذه الثورة ... و لكن الله قادر على تحويل هذا الشر إلى خير... و الخطر إلى بركة ... فقط إذا وضعنا رجاءنا عليه ... و هذا ينقلنا إلى الفكرة الأخيرة و التي تقول:-
القائم خلف الصورة:
تذكر دائما أن هناك من هو قائم خلف الصورة، لا بل المُخرج المنفذ, و هو المسؤول الأساسي عن حمايتك... و هو قادر على صنع هذه الحماية، لذلك لا ينبغي أن تخاف لأن الله هو المحبة الكاملة، و المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارجٍ، و كلمة تطرح جميلة مأخوذة من المصارعة عندما يطرح المصارع خصمه أرضًا فيفقده قدرته على الصمود... بل ارفع عينيك وقل:- افتح عينيّ يا إلهي لأراك سيدي، فأنا أعرف أنك خلف الصورة، تحيك كل الخيوط لتنسج لي في النهاية رداءً من الخير و الصلاح. و كما هو مكتوب: " و نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده". (رومية 28:8)
تمسك بالوعود الإلهية فهي القادرة أن تعطيك ذلك الإحساس بالأمان ... لأن القائم خلف الصورة أيام نبي الله أليشع قتل آلافًا من أعدائه في ليلة واحدة... ألا يستطيع ذلك القدير أن يهزم مخاوفك و كل من يهددك في ذلك الوقت العصيب, بالتأكيد يستطيع... و قد تعهد بأنه سيفعل. فقد وعد: "لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون ... و مع التجربة يعطي المنفذ ." هل تثق في هذا؟ ليتك تعلن له ثقتك الآن.
تابعني
ساحة النقاش