ولما جاء داود ورجاله إلى صقلغ في اليوم الثالث، كان العمالقة قد غزوا الجنوب وسقلغ، وضربوا صقلغ وأحرقوها بالنار. وسبوا النساء اللواتي فيها. لم يقتلوا أحدا لا صغيرا ولا كبيرا. بل ساقوهم ومضوا في طريقهم. فدخل داود ورجاله المدينة وإذا هي محرقة بالنار، ونساؤهم وبنوهم وبناتهم قد سبوا. فرفع داود والشعب الذين معه أصواتهم وبكوا حتى لم تبق لهم قوة على البكاء. وسبيت امرأتا داود... فتضايق داود جدا لأن الشعب قالوا برجمه. لأن أنفس جميع الشعب كانت مرة كل واحد على بنيه وبناته، أما داود فتشدد بالرب الهه.(ا1صموئيل 1: 6)
بصورة مفاجئة، كثيرًا ما تقتحم حياتنا أزمة صعبة لا نكون مستعدين لها أو تكون خارج تخطيط حياتنا..و قد تكون هذه المشكلة من العنف بحيث تغير من مسار حياتنا بالكامل..و قد تنتهي المشكلة و تغادر حياتنا مثلما دخلت.
و في ثورتنا هذه، قام (المجهول) بفتح أبواب السجن للمساجين، و بعض هؤلاء المساجين (غلابة) رجعوا إلى السجن من جديد، و لكن هناك مِن المساجين مَن كانوا (عماليق) و هؤلاء تم تكليفهم بأعمال البلطجة. و هذا الترويع كان بمثابة أسلوب ضغط لكي تتخلى عن الرغبة في التغيير، فأنت سوف تواجه الموت والتدمير، فيكفي هذا، و ارجع إلى رشدك و توقف عن عمل تلك الثورة.
هذا ما حدث في ثورتنا هذه، فما هي ردود أفعالنا تجاه مشاكل من هذا النوع؟
لنعود و نقرأ مشهد مماثل في الكتاب المقدس.
لقد واجه نبي الله داود هذا النوع من الأزمات و( التي لم تكن على البال ولا على الخاطر)، فعند عودته إلى تلك البلدة التي كان يعيش فيها قبل أن يتولى حكم إسرائيل، وجد جماعة أسماهم الكتاب المقدس بالعمالقة، قد غزوا بلدته و سرقوها و نهبوها و أخذوا النساء سبايا .. أليست هذه هي المشكلة التي يريدنا أن نواجهها أعداء التغيير؟ ... لنرَ تأثير تلك المشكلة على داود و رجاله.
تأثير المشكلة على داود و رجاله:
تأثير أوَّلي: رفع داود و الشعب الذين معه أصواتهم و بكوا حتى لم تبق لهم قوة للبكاء.
من حق الإنسان أن يخرج مكنونات قلبه و مشاعره تجاه أي مشكلة، لا بل إن هذا صحي تمامًا. و لكن هذه المشاعر لا يجب أن توقف الرجل عن التفكير في مخارج لهذه المشكلة. و هناك نوعان من المشاكل يواجهها الإنسان: نوع يمكن أن نجد له حلاً، و نوع لا حل له و لكن علينا أن نتكيف معه حتى يتم حله من تلقاء ذاته. و لذلك نجد أن النبي داود لم يخجل من إظهار مشاعره ليبكي هو و رجاله على النساء و الأطفال، و أيضًا على الخسارة المالية. لقد كانت النفوس مرة جدًا..لقد تساوى النبي داود و رجاله في إظهار تلك المشاعر. و لكن عندما جاء وقت البحث عن حل للمشكلة نجد أن سلوك النبي داود اختلف عن رجاله. و قد أوضح الكتاب المقدس رد فعل رجال النبي داود قبل أن يوضح رد فعل النبي نفسه. لنرى ماذا فعل رجال نبي الله.
رد فعل رجال داود تجاه المشكلة:
<!--كانت نفوسهم مرة جدًا.
و هذا سلوك طبيعي جدًا... فمن منا يرى تلك المصائب و ينشرح صدره و يفرح!... لابد أن النفس تشعر بالمرارة. إننا عندما نرى إخوتنا في العراق يعانون تلك المعاناة النفسية الفظيعة بالإضافة لمواجهة الأخطار الشديدة الفتاكة نشعر بالمرارة, فما بالك بالذين تحت الحصار و المعاناة فعلاً.. و لكن هل يبقى الوضع على هذا فقط، أم يعقبه سلوك آخر؟ ... لنر سلوك رجال النبي داود.
<!--حمّلوا داود مسؤولية الكارثة و طالبوا برجمه!
نجد أن رجال النبي داود، بسهولة و ببساطة، بحثوا عن مسؤول عن مصابهم..و طالبوا برجم هذا المسؤول.. و السؤال الآن... هل كانوا على حق في تحميل داود المسؤولية؟.. و هل بعقابهم لداود يسترجعون الغنائم المسلوبة منهم؟
و في ثورتنا كثيرًا ما ارتفعت أيدي الإدانة للثورة التي كانت مشرفة على تغيير عاصف في حياتنا في الواقع إننا كثيرًا ما نواجه مصائبنا و مشاكلنا بهذه الطريقة. نبحث عن الشماعة التي نرمي عليها هذه المشكلة. و نتفرغ للبكاء. لا نبحث عن حل جدي لتلك المشكلة. و لكن نبحث عن كيفيه إلقائها بعيدًا عنا... فتتعالى و ترتفع الكثير من الأصوات واضعة المشكلة في مسؤولية كثيرين (و بالتأكيد نحن لسنا من هؤلاء الكثيرين). هذا يريحنا نحن, و لكنه لا يساهم في نزع المرارة من القلوب... و لا يعيد الفرحة أو البسمة.
وأما النبي داود سلك بطريقة مختلفة
رد فعل داود نفسه:
<!--أما داود فتشدد بالرب إلهه:
لقد نظر داود إلى العلاء, و أول ما فعل هو أنه لجأ إلى الله... و طلب القوة منه. فأعطاه الله أن يتشدد في مواجهة المصيبة.
إننا في البداية قد نفاجأ بذلك الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه. و لكن لنسرع و نرفع قلوبنا إلى العلاء لنطلب من إله السموات و الأرض أن يهبنا الشدة و القوة في مواجهة المشكلة التي نعاني منها أشد معاناة. و سنجد راحة من خلال وضع ثقتنا بالرب إلهنا. هو الوحيد الذي فيه النصرة و الغلبة. حياة الهزيمة قبل أن تكون بسبب أمور خارجية، نحن نصنعها في دواخلنا. و لذلك لنطلب من الله أن يعطينا حياة الراحة و الطمأنينة، لأنه وحده فيه الراحة. يقول السيد المسيح: " تعالوا إلى يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال و أنا أريحكم" . و الراحة لن تجدها إلا في الله وحده. ثبت نظرك إلى العلاء وضع ثقتك فيه...عندها سيتشدد قلبك بالله.
<!--طلب مشيئة الله.
الأمر الثاني الذي فعله داود هو طلب مشيئة الله ... أراد أن يعرف ماذا يريد الله منه. و لا أقول أن الله سيعطينا نفس الرد الذي أعطاه لنبي الله داود. لقد عرف داود أنه عليه أن يذهب و يطارد المغتصبين و يسترد حقوقه. و لكن كان هناك رجال لا يملكون القوة للحرب فبقوا في بلدتهم. ليس كل شخص مثل الآخر و الله يوزع الواجبات على الجميع. فإذا طلبت مشورة الله سيحدد لك الله واجبك الذي عليك أن تفعله لتواجه محنتك... ستتخذ قرارًا و ستشعر بالراحة و أنت تنفذه لأنك طلبت توجيهاً من الله و هو سيرشدك.
إذاً، في البداية تضع ثقتك في الله.
و ثانيا،ً تطلب مشيئة الله و مشورته.
وسيأتي الوقت الذي فيه ستحقق الانتصار... سواء كان مكانك أرض المعركة أو مكانك البيت ... أو أياً كان دورك ستدرك الانتصار و ستحصل على غنيمة هذا الانتصار!
<!--حوِّل المشكلة إلى غنيمة و وزعها على الآخرين فكان الفرح.
نبي الله داود واجه بعد الانتصار رجالاً وصفهم كتاب الله المقدس بأنهم أشرار. أشاروا على داود بأن الأشخاص الذين حاربوا فقط هم الذين من حقهم الاستمتاع بغنيمة الحرب. فكانت كلمة داود الشهيرة " فَقَالَ دَاوُدُ: «لاَ تَفْعَلُوا هكَذَا يَا إِخْوَتِي، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَانَا وَحَفِظَنَا وَدَفَعَ لِيَدِنَا الْغُزَاةَ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَيْنَا ، وَمَنْ يَسْمَعُ لَكُمْ فِي هذَا الأَمْرِ؟ لأَنَّهُ كَنَصِيبِ النَّازِلِ إِلَى الْحَرْبِ نَصِيبُ الَّذِي يُقِيمُ عِنْدَ الأَمْتِعَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ " (1صم30: 23، 24).
كل شخص وضع ثقته في الله و صنع مشيئته في حياته سيحصل على بركة خاصة و متعة خاصة و تعويض عن تلك الأيام العصيبة التي واجهها.
هذه هي ثلاثية داود الخاصة بالمشاكل الفجائية التي يمكن أن تواجهها.
1-أن تتشدد بالرب.
2- أن تطلب مشيئة الرب.
3- أن تشارك الجميع ببركات حل هذه المشكلة... ليفرح الجميع معك.
في عمق مشكلة البلطجة التي يمكن أن تعاني منها..ماذا تفعل تجاه تلك المشكلة؟
...هل تواجهها بالصلاة و طلب مشيئة الرب فتنتهي المشكلة بالنصرة و الفرح... أم تعيش المشكلة و تتحول النفس إلى المرارة و تظل تتباكى و تبحث عمن تحمله هذه المشكلة و تحاول رجمه داخلك؟... حان الوقت لكي تجيب أنت.
تابعني
ساحة النقاش