أطلق لنا ... باراباس

          ليس لنا ملك إلا قيصر

 

          فارتفعت الصرخات، اتركوه اتركوه!

          اتركوا رئيسنا الذي حكم طوال هذه الأعوام الثلاثين

هذه صيحات حدثت أثناء المطالبة بإقالة الرئيس، وكان السؤال المهم، هل هذه المطالبة لأن الرئيس و أعوانه صالحين، و الإجابة دائمًا تكون:

<!--لا

<!--إذا لماذا؟

<!--لأن الذي تعرفه أفضل بالتأكيد من الذي لا تعرفه!

و لكي يعطي لآرائه صبغة دينية يقول أنه علينا الخضوع للسلطات القائمة بالفعل كما أوصانا الكتاب المقدس.

 

في الواقع موضوع الخضوع للسلطات ظاهره طاعة و باطنه خوف و خنوع و تردد، فالكتاب لم يأمرنا أن نقبل الذل و المهانة، و نترك الآخرين يسرقوننا بدعوى أننا نخضع للسلطات.

و لكننا خنعنا، استسلمنا للرشوة و غيّرنا اسمها إلى إكرامية وأسكتنا رغبات مكبوتة في الصراخ ... أننا نُسلب و نُسرق في وضح النهار و تضيع كل حقوقنا و لكن مع هذا لا نريد التغيير.

          لماذا؟

          لأن البديل هو المجهول وبالتالي مخيف ... ربما يحولنا لإيران أو أفغانستان ... أو عراق آخر أو ربما صومال. هذا الخوف هو صنيعة النظام القديم، بل هو استخدم هذا الأسلوب للسيطرة علينا...و بعد أن يتملكنا الخوف يفعل ما يحلو له فينا. يمرح و يسلب و ينهب و يظلم و يهدر حقوق و يأخذها في جيبه كأنها حق من حقوقه، و علينا أن نصمت و نصمت و نصمت.

          الدستور يعطي الحق لكل إنسان أن يقول لا للظلم لا للرشوة لا للسرقة ... و كلمة (لا) لا تتنافي مع الخضوع الذي يأمرنا به الكتاب المقدس

بل أن الكتاب المقدس سنن قوانين في شريعته لكل سارق و ناهب و مرتشي ... إلخ، فلماذا لا نطالب كل الناس بالخضوع لهذه الأمور، لماذا نضفي سمات روحية على الأمور فنخضع للفاسد، الله يرفض أن نخضع للفاسد.

فإذا رأينا حكامنا يسلبوننا لماذا لا نحاكمهم؟ عدم محاكمتهم يتنافى مع القانون الإلهي و القانون الإنساني الطبيعي.

و لكن ما معنى الخضوع للسلطات؟!

معناه أن أكون ملتزمًا بالقوانين، ألا أكسر أي قانون، ألا أسرق و لا أرتشي تحت أي مبرر، و أؤدي العمل المطلوب مني بكل أمانة و شرف. هذا هو الخضوع الذي يطلبه الكتاب المقدس.

أما الخنوع فهو أن أرى غيري يفعل الشر و أخضع له، و أكون ضمن منظومة الفساد العامة، غير مختلف عنهم ... و هذا ما كان يحدث في مجتمعنا، فنجد المؤسسات مكتظة بالفاسدين، و بها المؤمنون صامتون، معادلة صعبة. و لا ترضي الله.

أشهر أمثلة الكتاب المقدس للخضوع للسلطات مع عدم الخنوع لها هو ما سلكه دانيال، الذي كان خاضعًا للملك، و لكنه وضع في قلبه ألا يتنجس بأطايب الملك و ليس هو فقط بل الفتية الثلاثة أيضًا، لقد خضع، و لم يشارك أو يخنع، و واجه الأسود وكذا واجه أصدقاؤه ألسنة اللهب، و لكنه كان خضوعًا بلا خنوع.

 

كثيرون منا غاضب، و صامت، لأن أصحاب المصلحة أقنعونا إن المجهول سيء و الذي تعرفه أفضل من ذاك الذي لا تعرفه.

ماذا نسمي هذا؟ هو نقص في معرفتنا لله، و نقص في ثقتنا به، لأننا إذا وثقنا بإلهنا و أن بين يديه كل مقاليد الأمور لهرب الخوف و عرفنا أننا نستطيع أن نتمرد على الفساد و الله يعطي الصالح الذي يريده لنا، و ينتظر منا أن نطلبه.

هو يرينا الظلم لكي نصرخ و نطالب الإطاحة به، و التمرد عليه بشتى الطرق، و لكننا لا نفعل.

لا أقول أن الأمر سهل ... أذكر أختي التي تعمل طبيبة عيون، وقفت أمام مديرها منذ عامين لتقاوم فساده، و قامت بتصعيد شكواها أمام الرؤساء و الصحافة، فهي ترى الفساد واضح أمامها، و لم يقف معها أحد، رغم أن مديرها كان كالعنكبوت الذي تشعبت شبكة فساده لتشمل مساحة كبيرة من المسؤولين، و خاف الجميع وبالرغم من أن فساده شمل الكثير من زملاء و زميلات تلك الطبيبة الشابة، إلا أنه لم  يتكلم أحد غيرها، هي التي دفعت الثمن في البداية، على حسابها و حساب أسرتها، و لكن بعد الثورة، صار صوتها الوحيد اعتصام أطاح بذلك الفاسد فحصدت أخيرًا ثمارًا كانت قد تأجلت بعض الوقت.

خلال هذه الفترة ما بين وقوفها أمامه بمفردها و ما بين اندلاع الثورة التي جرّأت باقي المظلومين كانت مشاعرها منهارة، بدا لها أن يد الظلم أقوى و أكبر، و أيضًا بدا لها أن الفشل هو رفيقها على الرغم من نبل قضيتها. لم تسمع كلمة ثناء واحدة بل سمعت تعبيرات مقيتة.

<!--خليكِ بجوار الحائط.

<!--أنتِ المتضررة الوحيدة.

<!--كل الدولة معه، لا يوجد لك مكان.

<!--المسيح علمنا الحكمة في التصرف، فلا يجب أن نرمي أنفسنا في التهلكة.

اتهموها بالاندفاع و المثالية الزائدة، و بشروها أن الشرير سيثبت و سيأخذ المزيد من حقها، و لن تستطع ممارسة عملها كطبيبة بعد الآن. و لكنها كانت مصرة على الوقوف ضد التيار. لذلك أكرمها الله بالتغيير. ليقول لها إنه حي و قادر على كل شيء.

هذا مجرد نموذج، نموذج لشخص يريد أن يقف ضد الفساد فيواجه الفاسدين و معهم أيضاً الخائفين و الشكاكين.

***

كل هذه التحليلات في وضعنا الحالي الذي نعيشه ذكرني كثيرًا بالسيد المسيح و حملته الانتخابية للسيطرة على الحياة.

عندما بدأ دعوته كانت القلوب قد امتلأت بخدع إبليس، بكل ما فيها من فساد، و لكن يسوع كان يقول:"تعالوا إليّ يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال و أنا أريحكم ... تعلموا مني فتجدوا راحة لنفوسكم" المسيح يطلب السلطان على الحياة ليكون الملك الجديد فيقول:

<!--اتبعني!

و يقرع على باب القلب منتظرًا الدخول، و لكنه أيضا يقول أن من يتبعه لابد من أن يحمل الصليب.

حمل الصليب؟ ما هو هذا الصليب؟ ...هو المجهول الذي نخاف منه، هو الخطة التي وضعها لنا الله لنسلك فيها. و على الرغم من كل وعود المسيح لنا بالراحة و السلام القلبي و التصالح مع الله و الناس و لكننا نخاف من دفع الثمن.

الملك المسيطر الآن يسلب حياتنا و صحتنا و حريتنا سنين هذه عددها، و لكننا نرضى بالذل و الإهانة، لأن الذي نعرفه أفضل بكثير من الذي لا نعرفه مثلما يقول المثل الشعبي!!!

اليهود في القديم كانوا ينتظرون المسيا الآتي و لازالوا منتظرين، و لكن عندما جاء المسيح بخطة أخرى ليملك على عرش القلب قبل أن يملك على كرسي داود لم يعجبهم الحال، لأنهم يريدون كرسي داود كأولوية. هو قال أنا ملككم و لكن خطته الانتخابية لم تشبعهم، فمَن اختاروا؟

اختاروا باراباس، الرجل الذي أحدث فتنة، و قتل كثيرين، لماذا اختاروه؟ لأن هذا الرجل خطته الانتخابية تتناسب مع تطلعاتهم، هم يريدون كرسي داود ... بغض النظر أن يكون إله داود هو إلههم و مليكهم ... لذلك رفضوا الصالح ليبحثوا عن الفاسد!! أرادوا الرجل الذي قال سأسلبكم و أثير الفتنة في وسطكم وأحقق أيضاً أحلامكم بأن أريحكم من الرومان!!

فقالوا نريد باراباس!!<!--

وأما يسوع اصلبه.

من وحي هذه الثورة أقول أننا كثيرًا ما رحبنا بشخص مثل باراباس الذي يثير الضغينة و لا يعطي السلام، و صلبنا يسوع مليكنا المحبوب الذي له كل المجد.

المسيح له كل الكرامة يريد أن يغير القلب، و يسيطر عليه بالكامل. عوضًا عن ذلك الفاسد الذي يسيطر على القلب الآن فهل تطيح بالملك الفاسد من حياتك؟

الثورة المصرية تشجعت و نزعت عنها الفساد..رفضته .. فهل تجرب أن تعطي الملكوت لذاك الذي يغير حياتك بالكامل، حتى لو حملت الصليب

ستكون أنت المنتصر مع الله و إلى الأبد. هللويا آمين

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

<!--  راجع تاريخ الفكر المسيحي لحنا الخضري – الجزء الأول لتتعرف على تاريخ باراباس الذي حرره اليهود ليصلب مكانه السيد المسيح

المصدر: تأليف: عمادحنا
  • Currently 39/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 321 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,383