فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي» فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ» فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ» وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. (تكوين32: 21-29)
الاعتصام! لن نخرج من هذا المكان إلا عند تلبية طلباتنا، "أنا أرفض الواقع الذي أعيش فيه، كفاية"...كل هذه الكلمات كانت تعبيرات مهدت للثورة، فالثورة لم تبدأ يوم 25 يناير، و لكنها ظهرت من قبل في حركة كفاية التي كانت قبلها بعامين، وبعدها ظهرت في حركة 6 ابريل، ثم الكثير و الكثير من التعبير بالرفض، والإعلان عنه.
المسيحيون أيضًا كان لهم دور وهم يعبرون عن رفضهم للاضطهاد وبالذات بعد حادثتي نجع حمادي في محافظة قنا و تفجيرات كنيسة القديسين في الإسكندرية. فخرجوا في مظاهرات واحتجاجات تعبر عن رفضهم وغضبهم من الواقع والمطالبة بالتعديل.
في الواقع الخطوة الأساسية هي التغيير من وضع مرفوض لآخر، هي الإعلان عن الرفض لذلك الواقع الحالي، وهذه ظاهرة صحية، و اكتشاف الخطأ هو الخطوة الأولى في محاولة العلاج.
في البداية كان المجتمع المصري يشعر بالكآبة و عدم الثقة وعدم الرغبة في الإنتاج، بسبب الشعور الشديد باليأس، وكان لسان حالهم يقول: "لا فائدة، لماذا أعمل وأكافح و لن أصل لأبعد مما أنا عليه الآن!!".
أيضا الفرحة مفقودة، حتى مع إعلانات زيادة المرتبات لا تجد هناك فرحة، بل في الآونة الأخيرة لم يعد الناس يريدون ذلك، لأنهم يعرفون أن المصاريف ستزداد بنسبة أكبر بكثير، حيث ستزداد سعر السلع و المواصلات ...وكل الاحتياجات الاستهلاكية سيقفز إلى الضعف.
ولكن بدأت حركة التغيير عندما بدأت أصوات خافتة تقول: "نحن في طريق خطأ..هناك من يسيطر علينا و يمتص قدراتنا وأموالنا ويسيطر على مقدراتنا و يسرقها، لن نسمح بهذا...نريد التغيير، نريد أن نعلن رفضنا لهذا الواقع".
ولكن أين مكمن الفساد؟ هل تستطيع أن تضع يدك عليه؟ بعد أيام من سقوط الحكومة عرفنا الكثير عن أخبار الفساد، وأرقام منهوبة بالمليارات، جيل كامل من الحكام و الوزراء ينهبون البلد، ومع الوقت بدأنا نكتشف الجيل الذي يليه من الفاسدين، وهو الذي كان يأخذ أوامره من قيادته الفاسدة. و لكنه يأخذ لنفسه قطعة صغيرة من الغنيمة، وأخشى ما أخشاه أنه باستمرار التحقيق ينفرط العقد لنكتشف أن المجتمع المصري انضم بكامله إلى معسكر الفساد.
فسارق العشرة جنيهات يتساوى مع سارق المليارات، لأن اتجاه السرقة واحد، والذي يمد يده بالرشوة لموظف صغير، يتساوي مع من يقدم رشاوي ليحصل على قطعة أرض ليست من حقه، أو ملك الدولة بأبخس الأثمان.
الاعتصام جعل الحكومة تسقط، والحكومة عندما سقطت انكشف المستور، لنرى سلسلة من الأخطاء والفساد لا يمكن التغاضي عنه.
ولكن هذا أسعدنا، لأننا نسير في طريقنا للعلاج، بعد الحساب، لقد وضعنا أيدينا على الداء، لنجد الدواء.
***
هذا درس نريد أن نتأمل فيه، وقفة مع النفس جعلتنا كمجتمع نتفاجأ بحالتنا و وضعنا، لقد تعرى المجتمع، فوجد أباطرة المجتمع أنفسهم في السجن، تخيل نفسك أيها العزيز القارئ في حالة اعتصام لإصلاح نفسك، فمن هو الجدير أن تقف أمامه؟!
سؤال صعب، أليس كذلك؟ لأننا عندما وقفنا لنحاكم المسؤولين لم نتهاون مع أخطائهم وطالبنا بإعدامهم ومحاسبتهم، و لنا كل الحق في ذلك، فهم سارقون للمجتمع، ولكن ماذا عنا نحن؟ ماذا عن فسادنا؟!!... هل سنتهاون معه؟! أم أن الإصلاح سيشمل كل شخص فينا!!
إذا أردنا أن نعالج أنفسنا و عرّضنا أنفسنا لهذه الوقفة، لكانت مشكلة لا يعرف عاقبتها إلا الله.
الله ..هو المناسب لكي نقف أمامه، نعتصم أمامه، لنقل له: "يا رب، لن أتركك إلا إذا كشفت عيوبي، لتعالجني و تغيّرني، أقف أمامك فيحدث التغيير".
في الواقع يوجد أكثر من حادث اعتصام في الكتاب المقدس، أول حادثة كانت ليعقوب، و استمرت طوال الليل، و قد صوّرها الكتاب المقدس بصورة جميلة، إذ صوّره كرجل يتصارع طوال الليل سعيًا وراء ذلك التغيير المنشود، حيث أعلنها يعقوب صراحة، لن أطلقك إن لم تباركني.
أليس هذا اعتصام و صراع شديد طوال الليل؟ لقد كان واضح على يعقوب أنه لن يغادر المكان بدون هذا التغيير المنشود، و بالفعل تغير يعقوب تغيرًا كبيرًاً ، إذ أصبح اسمه "إسرائيل"، و معنى الكلمة "أمير الله" أليست هذه الثورة ناجحة بكل المقاييس؟ لقد حصل يعقوب على تغيير جذري في حياته.
الحالة الثانية التي يذكرها الكتاب المقدس للاعتصام، حدثت بناء على وصية أوصاها السيد المسيح له كل المجد لتلاميذه، إذ أوصاهم ألا يغادروا أورشليم حتى يرسل لهم الروح القدس، "..وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي».(لوقا24: 49). و في الواقع هذه الوصية مرتبطة ارتباط وثيق بالنجاح، لأنه عندما حصل الرسول بطرس على قوة الروح القدس تحوّل من شخص ناكر للمسيح أمام جارية، إلى رجل يشرح الإيمان، و يعلن عن المسيح أمام جمهور من الناس، لقد أتى الاعتصام بثماره في الحال بعد الحصول على قوة من الأعالي.
الاعتصام في انتظار أن يُحدث الله تغييرًا في حياتك كفيل بأن يجعل الله يغيّر حياتك بالكامل، ليس ذلك فقط، و لكنه يدعمك من خلال الروح القدس فتستطيع أن تغيّر كل أخطائك، و هذه هي البداية.
إذا كانت ثورة الشباب بالاعتصام حصلت على هذا النجاح بسقوط عناصر الفساد، فإن ثورتنا على عناصر الفساد في حياتنا لا تأتي إلا بالاعتصام أمام عرش النعمة، فإذا تعلمنا هذا و اعتصمنا أمام الله، و رفضنا أي تنازل و أي تهاون مع أخطائنا، و في نفس الوقت نعترف أن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا من خلاله هو، و ليس من خلالنا نحن، سنحصل على التغيير المنشود.
إذا حاولنا الإصلاح بجهودنا الذاتية سنفشل، لأن طبيعتنا فاسدة من حيث المبدأ، إذ يقول الكتاب المقدس: "إن الجميع أخطأوا و أعوزهم مجد الله"، فإذا طلبت مجد الله في اعتصامك، و قلت: "إني لن أغادر هذا المكان – مكان الصلاة و السجود و الصراع مع الله – إلا إذا تغيرت و حصلت على ما أصبو إليه"، فستكون النتيجة تغيير حقيقي في حياتك. لأنه بكل بساطة هو الذي سيغير، فهل تجرّب؟
تابعني
ساحة النقاش