لم يكن الشهيد رمضان عرعار هو الشهيد الأول أو الأخير في تاريخ الجزائر الحافل بالبطولات والشهداء، ومن المؤكد أن ذاكرة المواطن العربي لن تتسع لكل تاريخ الشهداء الجزائريين الذين ضحوا بدمائهم من أجل جلاء الغاصب الفرنسي المحتل عن أراضيها، غير أن الشاعر الجزائري ياسين عرعار قد أحسن صنعًا حين تناول سيرة هذا الشهيد البطل في كتاب عنه، بعنوان: "الشهيد رمضان عرعار .. رجل من ذاكرة الجزاير"، من بحثه وتحقيقه والذي أصدره عام 2013م في طبعته الأولى عن دَار الكتاب الرقمي للبرمجيات والنشر، سوريا.
أحسن الشاعر عرعار صنعًا أيضًا حين عرَّفَ المواطن العربي في سطور يسيرة جاءت في مقدمة كتابه عن تاريخ الثورات الجزائرية، ليحدد له أي ثورة تلك التي شارك فيها الشهيد عرعار ونال فيها ثواب الشهادة، وليقدم بجلاء أن كِتَاب الشهداء الجزائريين من الكثرة والاتساع حين يضم أسماء شهداء كثر غير رمضان عرعار.
ومن هذه الكتب "سلسلة جهاد شعب الجزائر" لمؤلفه بسام العسلي الذي يقع في خمسة عشر مجلدًا، وكتاب "الثورة الجزائرية في عامها الأول" للدكتور محمد العربي الزبيري، وغيرها من الكتب التي لا يتسع المقام لذكرها.
كما أحسن الشاعر صنعًا حين صدَّرَ الكتاب بإهداء منه تمثل في قصيدة له كتب في تقديمها: إلى شهداء الوطن ورواد ثورة نوفمبر الخالدة بعد خمسين سنة من عمر الحرية البيضاء أُصلِّي، وعنوانها: "صَلاةٌ فِي مِحرَابِ الوَطَن"، قال في نهايتها:
وإلْيَاذةُ الفَخرِ فِينا تضِيءُ تسابِيحها مِن عمِيقِ الحنَايَا
فَرُوحِي فِداءٌ لِأرضِ الشهِيدِ لتحيا بِلادِ بِرغمِ البلايَا
لأنَّكِ أنتِ الجزائرُ قلبي أحِبُكِ حبًا .. عدِيمَ الخطايَا
استعرض الشاعر عرعار حياة الشهيد رمضان عرعار من خلال الوثائق، والوصف الجسماني، والسيرة الحياتية المتعلقة بالنشأة، والتربية، ونوع التعليم، والحياة الاجتماعية، والبيئة المحيطةبه، ثم انتقل إلى حياته السياسية التي بدأها بالانضمام إلى حزب "أحباب البيان والحرية" عام 1945م.
كما ربط الكاتب بين إجادة الشهيد لمهنة القنص والصيد في حياته العملية وبين الحركات الجهادية الأولى له من خلال عدة عمليات صغيرة قام بها منفردًا، ولم تنجح في اصطياد الهدف، بقدر ما كان لها تأثيرها في ردود الأفعال الفرنسية وما أصابها من فزع بين صفوفها، غير أن العملية الناجحة التي أكدت سعي سلطة الاحتلال الفرنسي في طلبه فهي ذبح الإيطالي "نياطسو" صاحب الطاحونة التي كان من خلالها يتجسس لصالح الفرنسيين باستقصاء وجمع المعلومات عن المجاهدين الجزائريين من خلال بعض المواطنين الجزائريين الذين يترددون على الطاحونة، وقد كان هذا العمل بحق عملًا استراتيجيًا هامًا من قبل الثوار.
يقدم الكتاب توثيقًا حول اتصال الشهيد رمضان عرعار بقادة الثورة الجزائرية في الشرق الجزائري، وعددًا من الشخصيات المعروفة، وعددًا من المجاهدين في سوق أهراس موطنه، كما قدم الشهيد ليس نفسه فقط بل منزله أيضًا ليكون مستودعًا للمؤن والسلاح للمجاهدين يلجأون إليه للتزود منه، كما يسجل الكتاب المعارك التي شارك فيها الشهيد عرعار.
لم يفت الشاعر عرعار أن يذكر المواقف الإنسانية من الأبوة الحانية للشهيد عرعار أنه كان يحمل الحلوى والملابس لأطفاله، وهو يأتي بالسلاح من الحدود الجزائرية التونسية، ولقد كان وصفًا صعبًا قاسيًا تهتز له النفوس، وتدمي له القلوب بحق، ذلك حين وصفت "أم الخير" ابنة الشهيد الأحداث الدرامية التي صاحبت استشهاد والدها منذ اللحظة الأولى التي رصدها عساكر الفرنسيين من عبوره للحدود ودخوله بيته بعد غيابٍ دام شهرين.
وكم كان اجتماعًا لم يغب عنه ضوء القمر المتسلل إلى غرفة الشهيد وهو في لباسه العربي وأولاده حوله فرحين بمقدمه وبما جلب لهم، ليباغته جنود الاحتلال بوشاية من بعض الجزائريين بعد محاصرتهم للبيت فترة ثم اقتحامهم لغرفته بكلابهم وجنودهم الكثيرة وبكامل أسلحتهم فيخرجوه أمام أطفاله وهم يودعون خمس رصاصات في صدره الطاهر الجسور، ولم يكن قد فارق الحياة بعد، فقد كان ــ رحمه الله ـ قوي البنية، ليجرونه خارج المنزل بعشرة أمتار ليتقدم القائد الفرنسي بكل خسة ونذالة وحقارة ليودع رأسه بخمس رصاصات أخرى في 23 نوفمبر عام 1956م، ثم يتكلمون عن حقوق الإنسان، وهم يتفاخرون بذبح العرب والمسلمين في كل الأزمنة والأمكنة بطول بلاد العرب والمسلمين دون أن يطرف لهم جفن.
كل ما أستطيع قوله أن الكتاب يستحق القراءة من كل عربي لأنه يلقي بعض الضوء على بعض التاريخ الجزائري الطويل، خاصة خلال الحقبة الفرنسية السوداء في تاريخ الجزائر، ويقف شاهدًا على أن المدنية التي يفاخرون بها قامت على جماجم وعظام ورؤوس العرب من الأطفال والكبار، وكنت أتمنى أن يواصل الشاعر ياسين عرعار مشواره هذا وأن يكون له عودة مع شهداء قدمتهم منطقته، على الأقل، لا كل الجزائر.
وأقول مع الزبيري أن ثورة 1954م كانت ثورة عملاقة بحق تستحق الدراسة حيث تعرضت للإهمال حتى من جيل الإستقلال نفسه، وليس في هذا وفاء للشهداء ومنهم الشهيد رمضان عرعار.
ساحة النقاش