إيجاز كتاب التفكر من كتاب: "إحياء علوم الدين"..
هو الكتاب التاسع من ربع المنجيات في كتاب إحياء علوم الدين، ولا يحتوي هذا الكتاب إلا على موضوعه بدون سرد لأبواب، وذكر المصنف أن الله تعالى قد حض على التفكير في كتابه الكريم، وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لما في التفكير من خير عميم، لا يعلمه إلا من جربه.
ــ فضيلة التفكر:
ما ذكره الله من فضله في كتابه الكريم في مواضع كثيرة، وثناؤه سبحانه على من يتفكرون من عباده.
ــ بيان حقيقة الفكر وثمرته:
وهو أن الفكر إذا تحدد مساره فيما يخص الدين، وذلك في الطاعات وأنواعها، والمعاصي وما يؤدي إليها، وكل النعوت المهلكة، والنعوت المنجية من المهالك، وقد يكون التفكير في أمور تتعلق بغير الدين.
يرى الإمام أبي حامد الغزالي أن اجتماع المعارف في القلب وتثنيتها بازدواج، تنتج معارف، ومن عرف التفكر ومارسه، نال فائدته، والتي منها، إكثار العلم واستحضاره على القلب بحيث لا يجد طريقه إلى المحو، وهذا هو الفرق بين من يتفكر ومن يتذكر، واستمداد المعارف لا تنتهي لأنها من أقباس نور الألوهية، ولا تعرف التوقف إلا بتوقف خروج النفس من الصدر، وعلم أن الآخرة خير من الدنيا التي خلقت لينظر الإنسان منها لما بعدها لا لها.
ــ مجاري الفكر وثمراته:
أما ثمرة الفكر فتكون كما سبق قوله بالتذكر، وبالتفكر، ونوال القلب المعرفة المقصودة، وتغير حال القلب بما زاد عليه من معارف أظهرت الفرق بين ما كان عليه قبلها وبعدها، ومن هنا تتحول جوارح الإنسان إلى خدم للقلب بتجدد الأحوال.
أما مجاري الفكر فلن نذكر منها المذموم ويفوق العشرين، ونكتفي بمجاري الصالحين التي تتحقق بترك الشبهات، والالتزام بالطاعات، بتكثير النوافل وتحريك اللسان بالاستغفارات، والتوسل لله تعالى أن يبعدهم عما يدنس القلوب من كل الأرجاس، بطلب الجنة والفرار من النار، والخوف من العزيز القهار، ومجاري الصالحين في التفكر في رب العالمين، والتنعم به سبحانه بنور القلوب.
ختام الإيجاز:
التزم الإمام أبي حامد الغزالي منهجًا وضحه في كتابه، وهو التزامه بما ألف فيه سابقوه من الموضوعات الواردة في كتابه، والتي ألفوا فيها كتبًا، غير أنه يتميز عنهم بأنه، يسر ما عقدوه وطلسموه، وفصَّل الكثير مما أجملوه، وعمل على ترتيب وتبويب ما نثروه وتنظيم وتنسيق ما شتتوه، ثم أتى على المكرمات التي يغرم بها المغرمون فاستبعدها بالحذف، وإذا ما وجد فيما حرروه ما يفيد وافق عليه وثبته.
أما عن أسلوب الإمام الغزالي، فالذي يشهد بانتشار كتابه، ومازالت عجلات المطابع حتى الأن تتفنن في طباعته مجلدًا واحدًا، أو أربعة مجلدات بحسب تقسيمه الرباعي له، فإنما يعود بالأساس في سهولة أسلوبه، وجزالة عباراته، وأن فهمه لا يستعصي على العادي من الناس، كما يفهم أسراره العلماء المتخصصون، وهو ما يشهد من تبحره في العلوم، ما حواه كتابه من فنون.
إن المطالع لكل ربع ضمه الكتاب، ليشهد بما حواه من أفكار جيدة، تناولت قواعد العقيدة، وفقه العبادات وأسرارها أتقن الغزالي صبغها بالعلم والمحبة حيث لم يجعلها مادة جافة، ولذا فقد نفذت في يسر إلى قلب المؤمن قبل أن تمر على جوارحه فأعانته على الفهم والتدبر والخشوع في أداء عباداته، ويكفي تحذير العباد من المهلكات بعشرة كتب، فيخالفونها بعشرة كتب من المنجيات تعينهم على النجاة والفوز والسبق شوقًا إلى الله، وطلبًا للجنة.
وعلى الرغم من انتقاد الإمام لبعض المتشبهين بالتصوف، غير أنه كان منهم مما أوقعه هذا في أمور أحصاها عليه من نقدوه من بعض ألفاظ الصوفية الشهيرة، مثل: المكاشفات، المشاهدات، وما يذكره من لقائهم بالملائكة وأرواح الأنبياء، وألفاظ من قبيل الشراب، والشرب، وذكره لغرائب من طواف الكعبة حول بعض الأولياء، أو أن صلاة الرجل منفردًا تفضل صلاة الجماعة إذا كانت تزيده خشوعًا.
والحقيقة أن العلماء من أهل الحديث، كانوا يعلمون قلة علمه رحمة الله عليه بعلم الحديث وهذا الذي جعل كتاب الإحياء يجمع من الأحاديث الضعيفة الكثير، وقد عدها ابن الجوزي من الأحاديث الباطلة، ولكنهم عذروه لأنه لم يتعمد وضعها، وقد مدحه الإمام ابن تيمية لكنه لم يرحمه من المآخذ التي وقع فيها، ويقول أهل العلم عن الغزالي ملتمسين له العذر: أنه كتبها كما اقتراها لا أنه افتراها. وقد عالج ضعف الأحاديث وتبيينها الحافظ العراقي، وكل طبعات الإحياء الحديثة تخرج مقرونة به في الهوامش، مما عظم فائدته، وداوى سقطته في قلة علم الحديث.
مع نهاية حلقتنا مع الربع الأخير مع التفكر نكون قد وصلنا مع الحلقة الأخيرة من رحلتنا مع كتاب "إحياء علوم الدين" ... ألقاكم مع إيجاز كتاب جديد، وحلقة جديدة قادمة.. وإلى ذلك الحين أترككم في خير..
ساحة النقاش