في حلقتنا الثانية عشر من دراسات يسيرة في رحاب السيرة نعود لنستكمل ما كنا قد بدأناه من الرسالة التي أرسلتها للرسام الدنيماركي المسيء لنفسه أولًا قبل أن يسيء لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فأقول:
أيها الرسام النابه دعني أسألك:
كيف غابت حرية التعبير تلك التي تتشدقون بها وتشهرونها في وجوهنا في عدم منح جائزة أوسكار لفيلم فلسطيني وعنوانه “الجنة الآن” والذي لم تعرضه ولا دار عرض أمريكية؟!
لماذا صفقتم لسلمان رشدي الذي كتب رواية تقدح في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحاربتـم رجاء جارودي لأنه انتقد الهولوكست، مع كون منطلقهما واحدًا وهو حرية الفكر كما تزعمون، ويستظلان بمظلة حرية التعبير؟!
لماذا طردتـم الصحفية التي هاجمت رامسيفلد ـ وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ـ من القاعة التي كان يخطب فيها حينما أعلن الحرب على الإرهاب لمدة أربعين عامًا قادمة، وبحسب قوله: (على من يدينون بعقيدة الانتحار) ـ ويعنينا نحن المسلمين؟!
لماذا ولماذا وألف لماذا تؤكد كلها إنما هى حرب على الإسلام، وحرية تعبير فقط على ما ندين به نحن، ولو تأملت لوجدت أن نظام القاعدة وطالبان وغيرهما إنما هما رد فعل للظلم الأمريكى والغربي، فحرية التعبير تلك الواهية المزعومة والتي حرمتني مـن نشر قصائد نقدية في السيد بوش في صحف بلادي خوفًا مـن الغضب الأمريكي.
أرأيتَ إلى أى مدى الوجه الآخر لعدم حرية التعبير الذي ألقى بظلاله الثقيلة للحَجرِ على حرية الآخرين في بلادهم، وللأسف تم نشر هذه القصائد في جريدة عربية بدولة فلسطين المحتلة التي تنعم بالديمقراطية والمنح الأمريكية.
لم تكن بلادكم وخاصة الدنمارك بالدولة الكريهة لنا، بل من أكثر الدول التي نعجب بنموذجها الاقتصادي، ومستوى رفاهية الفرد فيها، وكنا نعجب كذلك بفريقكم في الدوري الأوربـي وكأس العالم ونشجعه، خاصة ومن لعب أقدام جنودكم برأس القائد الانجليزي المقطوع وهم يتقاذفونها حينما احتلت بلدكم إنجلترا، أخذ العالم عنكم لعبة كرة القدم، وتحول إعجابنا إلى احترام مما لمسناه من مواقفكم الشجاعة تجاه قضايانا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، ومصاحبتكم للسيد ياسر عرفات فى رحلة علاجه الأخيرة حتى وفاته رحمة الله عليه، ومقاطعتكم للبضائع الإسرائيلية تضامنًا مع عدالة القضية الفلسطينية، ولتلك الـ 75% من المعونة التي ترسلونها لبلدي مصر عن طريق هيئة المعونة الدانماركية “الدانيرا” والتي تصل إلى مائتي مليون دولار سنويًا، كل هذا وغيره نقدره لكم، لكن اللعب على وتر العقيدة بالتحقيـر والازدراء دون داعٍ هو ما أسكب الزيت المغلي فوق الجروح، وأعاد لذاكرتنا محاكـم التفتيش الأسبانية البغيضة، وكل قصص الاحتلال لبلادنا، والمدافن الجماعية لشهدائنا، والحروب الصليبية من فلسطين حتى حرب البوسنة والهرسك مرورًا بالعراق وأفغانستان، وما يجرى على أرضكم من التعرض للمحجبات، وازدراء وتدنيـس مقابر المسلمين، وغيره مما لايجدر ذكره.
لعله روعك أن نرد منتجاتكم، ونقاطعها، ونحرق سفاراتكم ونرد سفرائكم، ونضرب بعرض الحائط معوناتكم، ولا نأبه لمواقفكم تجاه قضايانا الوطنية، ذلك أنك لم تدرك أيها اليمينى المتطرف على من صوَّبت رصاصاتك الطائشة، فلقد صـور لك جهلك وأعماك حقدك أن فعلك لن يقابله رد فعل بمثل هذا الحجم، ولأنك لم تدرك أن من صورته فى هذه الصور المهينة بحسب خيالك المريض، يعيش في قلب ألف مليون وخمسمائة مليون مسلم، تدق نبضاتهم فــي كل صلاة بالصلاة والسلام عليه، ومنتهى أمانيهم أن يقابلوه في الجنة، وأقصى أمانيهم في الحياة أن يروه صلى الله عليه وسلم ولو مناما، والذين يقرأون سيرته، ويحفظون أقواله، ويخافون من الكذب عليه، ويخشون من أفعالهم السيئة في الدنيا حين يلقاهم في الآخرة، ويعلمون كم تعذَّب وأوذي في حياته لينشر دين الله تعالى في العالمين، والذي لم يكن سبابًا ولا فظًا ولا عيــــابًا ولا فحاشًا ولا صخابًا في الأسواق، وكان متوحدًا فـي أخلاقه قبل البعثة وبعد البعثة، سواء بسواء.
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لـو قرأته بعين الإنصاف من مصادر صحيحة لأحببته إن لم تؤمن به، ولأنصفته من نفسك وبَشَّرت به بين قومك، ولصوبت خطأك الجسيم في حقه وحق تابعيه بأن تنشر فـي صحيفتك الصـدق عن رجل صادق مقالًا عنوانه: “كيف عرفتُ رسول المسلمين”، بنفس المساحـة فـى نفس الصفحة والصحيفة التي رسمت فيها رسوماتك الشائنة، ولو فعلت ذلك، وأظنك لن تفعل، فستعيد فينا الصدق بكل ما هو جميل ومثالى في حضارة الغرب، وأن تنصح من يريدون أن يعلنوا الحرب على الإرهاب أن يكفوا هم أولاَ عن إرهاب الشعوب، وأن يشيعوا روح العدالة والتسامح بين الناس، ويعجبنـى قـول من قال: (إن لم يعلم أهل الأديان الحب للناس فمن يعلمهم، وإن لم يجمعنا دين الله فما الذى يجمعنا؟!)، وليس علينا نحن المسلمين إلا حسن الظن كما علمنا ديننا، وهاأنذا سأصبر وسأنتظر، وأحسن الظن بـك، لعل وعـسى.
ساحة النقاش