شاءت إرادة الله تعالى أن يأتي هذا الكتاب في مبتداه فصلًا في كتابي الثاني "محمد صلى الله عليه وسلم كما لم تعرفوه" الذي أصدرته دار دوِّن للنشر منذ سنوات، ثم انتُزِع َ هذا الفصل من الكتاب ليكون كتيبًا بذاته بعنوان: "كل ما فيه معجزة صلى الله عليه وسلم"، ثم قدَّمْتُه في حلقات تليفزيونية عبر قناة النيل التعليمية المصرية بلغت التسعة عشر حلقة لمدة نصف الساعة من إعداد وتقديم الإعلامية ندى أحمد وإخراج المخرج خالد جمال، فلاقت نجاحًا كبيرًا، وكان أن اتسعت المادة العلمية حتى صار الفصل فصولًا نشرتها "شبكة الألوكة" ثم "شبكة المختار الإسلامي"، وأيضًا زادت شهرتها واتسعت، ثم دعت الحاجة لإخراجه في كتاب، نظرًا لإذاعة الحلقات من غير تسلسل أو نشرها وقراءتها على غير ترتيب، والترتيب فيها أمر مهم لاتصال بعض الفصول ببعضها من حيث البناء الفكري مع استقلال كل فصل بذاته، فعكفتُ على ذلك الكتاب بالزيادة والتنقيح ليخرج لأول مرة عبر دار حروف منثورة للنشر، ولعل هناك من سيسأل عن سر هذا الاهتمام الكبير بهذا الكتاب وما فيه؟!
سر هذا الكتاب هو فكرته غير المسبوقة، ومادته العلمية الغزيرة؛ فعبر عدة دراسات عميقة تناولتُ فيها الإعجاز البشري لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته ورسالته، التزمتُ فيها منهجًا علميًا صارمًا وشاقًا، حيث أثبتُ فيه أقوال العلماء والأدباء والمفكرين من المسلمين وغيرهم، ومن العرب وغيرهم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتصل به من سلوك بشري، أعلنوا خلالها صراحة وكتابة بحسب لغاتهم كلمة "معجزة" في كل المواقف التي استلفتتهم ومذكورة في ثنايا تلك الدراسات، ولم أكتفِ بهذا بل أوردت أقوال غيرهم من العلماء الذين استوقفتهم نفس المواقف النبوية بانبهار أقل من وصفها بـ "المعجزة" ولكن بألفاظ مغايرة قد تماثلها أو تقترب منها، وكان المقصد من وراء كل هذا هو التأكيد على الاستحقاق البشري للنبي صلى الله عليه وسلم ممن يدينون بدينه ويتبعونه، وممن هم على غير ملته ويدرسونه ويتابعونه.
والإعجاز في حياته صلى الله عليه وسلم إنما أعني به ما حققه هو ببشريته في وقت وجيز عجز ويعجز عنه غيره من البشر سواء كانوا أنبياء أو قادة أو زعماء أو غيرهم من المصلحين، كما أعني به أخلاقه وخلاله البشرية التي اختص بها صلى الله عليه وسلم تلك التي تصل إلى كونها معجزة، وهو ما يشير بجلاء إلى تفضله على غيره، وأنه الأولى بالتقليد والاتباع ممن سواه صلى الله عليه وسلم.
وقد تناولت هذه الدراسات معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في أخلاقه على الإجمال، فكانت الأخلاق معجزته صلى الله عليه وسلم، ثم تعرضت لكل مفردة على حدة من أخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم عبر فصول الكتاب، فكانت كالتالي: الرحمة معجزته صلى الله عليه وسلم، الصدق معجزته صلى الله عليه وسلم، والوفاء معجزته صلى الله عليه وسلم، والثبات معجزته صلى الله عليه وسلم، مرورًا بإثبات أن الأمية معجزته صلى الله عليه وسلم على عكس من يحاول نفيها باعتبارها نقيصة في حقه بزعمهم، حاشاه صلى الله عليه وسلم، ثم عرجتُ على من لهم صلة مباشرة به فكان الصحابة معجزته صلى الله عليه وسلم ، وصولًا إلى أن اسمه معجزته صلى الله عليه وسلم، ويأتي بعده فصل: الصعود والانقطاع معجزته صلى الله عليه وسلم، ثم يليه فصل: انتشار الإسلام كان معجزته صلى الله عليه وسلم في حياته وبعدها، لتنتهي السلسلة بفصل "سر انتشار الإسلام" وهو الذي يأتي تتميمًا للفصل السابق عليه، ثم نختم الكتاب بتتويج تلك السلسلة الذهبية من الفصول بالفصل الجامع "تكامل المعجزات في شخص خاتم الرسالات صلى الله عليه وسلم" وأذكر فيه بعض المعجزات المتعلقة بخلقه الكريم صلى الله عليه وسلم، والتي لم أخصها بفصول منفصلة.
ساحة النقاش