دكتور السيد إبراهيم أحمد

 

 

كتب الراحل الكبير علي أدهم في بداية كتابه "تلاقي الأكفاء": (تلاقي الرجال العظماء الأفذاذ المختلفي الطرز والمواهب في رحاب التاريخ من المشاهد الشائقة، والأحداث الكثيرة الدلالة، وقد تسفر عن نتائج غير متوقعة، وتكشف جوانب من النفس الإنسانية مجهولة).

  وقد يلتقي الأكفاء بالجسوم وقد يلتقون بالأرواح، ولكن لا يظن ظان أن المطابقة أو المغالبة أو المقارنة هي الهدف الأصيل من تلك المقالة، فلا يمكن أن يتطابق اثنان تمام المطابقة حتى في الحالة المرضية، لاختلاف عوامل الوراثة، يزاد على هذا في مجال الفكر اختلافات نوعية منها الأصيل والفرعي، ولكنها تشكل في النهاية السمات العريضة لشخص من نتعرض لهما في مقالنا وغيرهما من حيث النتاج الفكري لكليهما.

   أما الدكتور مصطفى محمود فهو الأكثر شهرة، والأسبق في الوجود، وفي التأليف من الدكتور محمد حسن كامل الذي وجب أن نقدمه ونعرِّف به؛ فالرجل ليس غُفلًا من الشهرة، ولكنها قد تكون مقصورة  على النخبة والصفوة، ساهم في هذا أبحاثه الجادة والعسيرة الفهم ــ في بعضها ــ إلا  على من ذكرنا، واغترابه بعيدًا عن الوطن لآعوامٍ تربو على الربع قرن. 

   ولد الدكتور محمد حسن كامل في عام 1956بالإسكندرية إحدى أهم وكبريات محافظات جمهورية مصرالعربية، ثم  سافر إلى فرنسا بعد حصوله على ليسانس الآداب عام1981، والتحق بجامعة السوربون في باريس ودرس الأدب المقارن، ثم أصبح أستاذًا للأدب العربي في المدرسة الدولية، ثم عمل أمينًا للقنصلية المصرية في باريس حتى أكتوبر 1996، وقد تقلد عددًا من المناصب، منها: رئيس جمعية تحيا أفريقيا في فرنسا، وسفير السلام في إتحاد السلام العالمي في الأمم المتحدة، كما أسس ورأس إتحاد الكتاب والمثقفين العرب، وهو أستاذ بارز في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية والعالمية للإعجاز العلمي فى القران الكريم والسنة، وكاتب ومفكر في العديد من وكالات الأنباء العربية والعلاقات العامة الدولية، وعضو في العالم العربي لكتاب الإنترنت، وحصل على العديد من الجوائز في الفكر والثقافة والإبداع. 


   أما على مستوى الإنتاج الفكري، فهو: مؤسس النسبة الذهبية في نصوص القرآن، وأول من استخدم علم المثلثات في تفسير القرآن الكريم في العالم، وأول من أثبت واقع الرقم الذهبي في العالم للقرآن، وأول من استخدم تطبيق النسبة الذهبية في القرآن الكريم، وهو أيضًا أول من استخدم واكتشف نظرية فيثاغورس للرياضة العلمية في العالم عام 2010، وكتب هذا الموضوع "مثلث فيثاغورس في القرآن الكريم بين الجانبين من التوحيد ووتر الوحي، هذا عدا البحوث الكثيرة في مجاليَّ القرآن والسنة التي لا يتسع لها المقام.


  يلتقي الدكتوران مصطفى محمود ومحمد حسن كامل في مزجهما وعشقهما لربط العلم بالدين، ومتابعة التطور العلمي على المستوى العالمي، ويختلفان فقط من حيث قاعدة الانطلاق؛ إذ كانت دراسة الدكتور مصطفى محمود علمية ثم اتجه إلى الأدب، في حين كانت دراسة الدكتور محمد حسن كامل أدبية ثم اتجه إلى العلم.


    يجمع بين الرجلين حبهما للفن بعامة والموسيقى بخاصة، ونزوعهما نحو التصوف والكتابة عنه، ويختلفان من حيث رعاية الدولة لكليهما؛ فإذا كان الرئيس عبد الناصر قد أغضبه ما كتبه الدكتور مصطفى محمود في مطالع شبابه من كتابه: "الله والإنسان" ومطالبته بتقديمه للمحاكمة بدعوى الكفر إلا أن الرئيس أنور السادات قد بسط له يد التشجيع فكان برنامجه الشهير الذي حمل عنوان: "العلم والإيمان"، وهو نفس شعار الدولة المصرية آنذاك، في حين لم ترعَ كتابات وإنجازات الدكتور محمد حسن كامل لا الدولة ولا أي مؤسسة فكرية داخل البلاد أوخارجها، ولهذا فقد اكتفى بالإبحار وحده في محيط التصنيف والتأليف والبحث والتجريب حتى التفت إليه قلة من الفاهمين العالمين، فآثر الرجل أن ينظر إلى الداخل الثقافي العربي فأنشأ وأسس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب ليكون حاضنًا لأقلام المثقفين العرب، ونافذة يطل منها عليهم أيضًا ببحوثه ودراساته.

    تفرغت مؤسسات صحفية كبرى لنشر إنتاج الدكتور مصطفى محمود الغزير والمتنوع في آن، بيد أننا لا نستطيع أن نقف على حصر وعدد كتب الدكتور محمد حسن كامل لا في اللغة الفرنسية أو في اللغة العربية، وهذا ما جناه الرجل على نفسه حين ظن أن غايته التنويرية والتثويرية في الفكر العربي سيكون لها المردود الأوسع والأسرع في الوصول إلى قلب وعقل المتلقي العربي من خلال نشر المقالات والدراسات وحسب، وأرجو أن يراجع فيها كاتبنا نفسه كثيرًا؛ إذ الكتاب هوالأهم والأبقى في مسيرة الكاتب.


   لم يقدم الدكتور مصطفى محمود في برنامجه: "العلم والإيمان" سوى التعليق على الأفلام العلمية المصنوعة في الغرب، وكان يكثر من قوله: (عملنا) وكأن العمل تم في الداخل العربي، مما أثار حفيظة الصفوة من المؤمنين، وحنق الملاحدة واليساريين من محاولته ربط العلم بالدين، ولكنه ولا شك جذب الكثرة الكاثرة من أسماع وأبصار المشاهد العربي بتعليقاته الذكية واليسيرة التي كان يفهمها المتخصص ويتجاوب معها غير المتخصص، بيد أنه يُحسب للدكتور محمد حسن كامل البعد عن المناطق العلمية المأهولة، مخترقًا الآفاق المجهولة ليدلي فيها بدلوه مستخرجًا منها الجديد والقشيب، ومجددًا ما وقر في القلوب والفهوم، ومسلطًا الضوء على مناطق فكرية كثيرة سواء في كتاب الله تعالى وحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ليلفتنا إلى لآليء المعاني التي لم يتطرق لها أحد من قبل، فيجليها بعد طول عكوف عليها وتأمل.


    بالرغم من وجود الدكتور محمد حسن كامل خارج البلاد ردحًا طويلًا من الزمان، إلا أن هذا لم يُغره بِسَل سيف الانقلاب على الدين وإشهاره في وجوه المؤمنين به بدعوى محاولة إعادة تفسير النصوص لتجديد الإسلام، أو التجرؤ على هز الثوابت والأعمدة التي يقوم عليها تحت دعوى العصرنة، مثلما فعل عدد ،ليس بالكثير، من أبناء العربية والإسلام الذين تأثروا بالفكر الغربي ومنهم من سكن باريس ومنهم من فعلها وهو يسكن المجتمع العربي جسدًا لا روحًا.

   على قدر ما خدم الدكتور مصطفى محمود الإسلام في جوانب كثيرة على قدر ما كانت له كبواته القليلة والعميقة في آن، مما أوجد فجوة كبيرة بينه وبين المتعمقين في الدين لا تخلو من نظرة شك معقول ونقدٍ كثير حين يقبل على قراءة أعماله، ولم ينتفع بما فيها سوى من يقفون من الدين موقفًا وسطًا، ولا أدل على هذا من محاولة تفسيره العصري للقرآن الكريم، تلك المحاولة التي فزع منها وانبرى ضدها أكثر من عَالمٍ دين يردون فيها علي تجاوزاته أو شطحاته كما أطلقوا عليها حينذاك، وكذلك دعوته إلى علم نفس قرآني وكانت أيضًا مثارًا لجدلٍ كثير، ولم يشأ الرجل أن يختم حياته في سلام ويمضي إلى ربه في هدوء؛ فقد أثار عاصفةً هوجاء عليه حين أنكر في كتاب له "الشفاعة"، فتصدى له على الفور أكثر من عشرين كتاب يعارضه ويفند ما جاء به، إلى جانب العشرات من المقالات المنددة، والتي أحيَّت من جديد كل الجراح التي حاول أن ينكأها في جسد الإسلام، ولم يشفع له محاولاته المضنية المرئية والمكتوبة في تخفيف حدة  ما كتب أو تفسيره.
    غير أن الباحث عن مثل تلك الكبوات والهفوات في دراسات ومقالات الدكتور محمد حسن كامل سيرجع صفر اليدين لا محالة، فقد كان منهج الرجل محددًا منذ البداية في تجديد الدين من خلال الدين، وفي تثويره من خلال البحث عن النقاط التي رَكمَ عليها الجهل ركامه، وعشش فيها الفهم السقيم الذي لا يستقيم مع ما أتـى به صحيح الدين نفسه، فتلك المحاولات الانقلابية ليست من سمات الرجل، وتلك الفرقعات التي تلفت الآنظار سويعة من نهار وتمضي مخلفةً وراءها الدمار والعار والشنار لم تكن بغيته، بل دأبه خدمة الدين بزيادة اليقين فيه لا بنزعه عنه، والتمكين له فيما يفهمه من مزاوجته بالعلم الذي ليس هو بالغريب ولا الدخيل على الإسلام بل من مكوناته الأصيلة المبثوثة في الكتاب والسنة، ولذا فقارئه يمضي وراءه لا يشغل باله بكمين هنا أو سقطة هناك، ولكن يسير وهو يستحث وعيه وإدراكه إلى بلوغ أقصى الطاقات لتحسن استقبال ما سيطرحه الدكتور محمد حسن من أطروحات جديدة تتطلب الفهم العميق لذلك النسق الفكري الجديد.
   يلتقي الرجلان تلاقي الكفئان في أمور شتى، ولايثبت معها أنهما من مختلفي الطرز، كتلاقيهما في دمائة الخلق، وبث بعض المرح للتخفيف من وطأة المادة العلمية التي يعرضانها على المتلقي، وأنهما من أصحاب الأساليب الأدبية التي تشير إلى صاحبها دون غيره بما ابتكراه فيها من كلمات خاصة بهما، وأنهما يتقاربان كثيرًا في الحالة المزاجية والنفسية من حيث الأناقة في الملبس، والهدوء الشديد ذو الوتيرة الواحدة طوال حياتهما، والأدب الرفيع في الرد على المعارضين لهما في بعض ما يذهبان إليه.

     رحمَ الله المفكر المصري الكبير الدكتور مصطفى محمود جزاء ما قدم لوطنه ودينه، وغفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومدَّ الله تعالى في عمر المفكر المصري الكبير الدكتور محمد حسن كامل، ونفعنا الله بما مضى من علمه وبما سيأتي، وجزاه الله تعالى الجزاء الأوفى على ما قدم لأمته الإسلامية والعربية وسيقدم داخل البلاد وخارجها.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 63 مشاهدة
نشرت فى 8 سبتمبر 2015 بواسطة elsayedebrahim

ساحة النقاش

السيد إبراهيم أحمد

elsayedebrahim
الموقع يختص بأعمال الكاتب الشاعر / السيد إبراهيم أحمد ، من كتب ، ومقالات ، وقصائد بالفصحى عمودية ونثرية ، وكذلك بالعامية المصرية ، وخواطر وقصص و... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

70,098