ما إن تقابل أديبًا أو شاعرًا أو إعلاميًا ويعلم إنك من السويس إلا ويسرد عدة أسماء من فناني وشعراء من السوايسة اتفق الجميع على شهرته لا على إنتاجهم أو جودته وذلك دلالة منه على عمق صلاته بتلك البلدة ونجومها.
أُختُزلِت المدينة بتاريخها الفكري ولا مزيد في أولئك الذين لا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة، بينما أسقطوا اسماء لها من القيمة والإبداع ما كان يستوجب على من يكتبون تاريخ السويس الأدبي أن يشيروا إليهم ويبرزوهم، ولكن تواطأ الجميع على هذا الفعل الشنيع، وأسقطوا من ذاكرة الوطن أدباء وشعراء أخلصوا لهذا الوطن؛ فدافعوا عنه بالروح والبدن والفكر والقلم، ولكنهم لأنهم يؤثرون العطاء، ويلتحفون بالصمت، تاهوا في منخفض الوطن، ومن هؤلاء الشاعر والعروضي والقاص فوزي محمود الذي أصدر ديوانه الأول بالفصحى "تائهٌ فى المنخفض" عام 1998، ثم في العام التالي أصدر ثاني دواوينه بالفصحى "عاشق البحر"، أما ثالث دواوينه بالفصحى "عندما يأتى الربيع" فقد صدر عن طريق النشر الإقليمي للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2003. ويتربع على عرش أعماله كتاب: "الدائرة الرقمية في الإيقاعات الشعرية" والذي أفنى فيه ست سنوات من عمره من 1993 إلى 1999 ثم أصدره فى عام 2005، وفى العام الذي يليه أصدر أول دواوينه الزجلية "كفاح شعب القناة" ثم اختتم انتاجه الأدبي في عام 2014 بإصدار مجموعته القصصية "رحلة عبر ضوء القمر" والرجل عضو عامل في اتحاد كتاب مصر.
إن دور الناقد الحق هو البحث عن هذه القامات وإزاحة ركام النسيان المتعمد عنها، وتسليط الضوء عليها، ولهذا فقد سعيت إليه، والتقيته، وحاورته:
** للقاريء الذي يريد أن يتعرف على الأديب فوزي محمود.. ماذا تقول عنه؟
ـ ولدتُ بمدينة السويس عام 1944، وأنهيت دراستى بحصولى على دبلوم فني متوسط، كانت بداياتي مع الشعر منذ عام 1958 أثناء المرحلة الإعدادية، وبعد حصولى على المؤهل الفنى تم تعيينى بإحدى الشركات برأس غارب بمحافظة البحر الأحمر عام 1966 ثم قامت حرب 1967 فالتحقت بالقوات المسلحة مجندًا، وأثناء تجنيدي كنت أواصل كتابة الشعر الوطنى وأنشر قصائدى على صفحات "جريدة الوعى" وكانت آنذاك الجريدة المحلية الوحيدة والشهيرة بالسويس، ولذا فقد كان السوايسة يحرصون على اقتنائها فكانت تصلهم كل أسبوعين بانتظام في مناطق تهجيرهم فى شتى أنحاء مصر. مرت السنوات وانهيت فترة تجنيدي ثم تزوجت فى القاهرة عام 1974 حيث كانت تقيم أسرتى أثناء فترة التهجير. رزقنى الله بالمولود الأول فعدت إلى السويس لأقيم فيها مع زوجتى القاهرية وابنتنا هدى القاهرية أيضّا، وخلال كل هذه الأحداث لم انقطع عن كتابة الشعر الفصيح والعامية، ولظروف عملي لم أكن أشارك في الندوات إلى أن حضرت أول ندوة أدبية فى حياتى عام 1984 وأنا فى الأربعين من عمري، وكانت "ندوة الكلمة الجديدة" والتي كان يديرها الروائى محمد الراوي، ولذا فقد واظبت على حضورها.
** أنت رجل صاحب موهبة في المجمل، ولكنك ظلمتها بقلة الانتشار، فلماذا إذن تطبع أعمالك وتنثرها على المقربين منك، ولا تطرحها في السوق؟
ــ بعد أن انهيت فترة تجنيدي، عملت بإجدى الشركات وكانت طبيعة عملي تتطلب مني أن أظل متنقلًا ما بين الصحراء الشرقية والغربية وفى البحر الأحمر، ولم أستقر فى السويس منذ حرب 1967 سوى عام 1984. وبعد الاستقرار، داومت على الانتظام فى المنتديات الأدبية، وكان أبنائي الأربعة فى مراحل التعليم، وأردت أن أترك لأسرتى مؤلفاتى مطبوعة في كتب مسجلة ومحفوظة تحت أرقام إيداع فى دار الكتب والوثائق القومية كتراث يحمل اسمىي، وهذا أقصى ما كنت أتمناه، لأن ما نشرته فى الجرائد والمجلات أصبح غير ذى قيمة، عدا مانشر فى مجلة الشعر الفصلية. غير أنني إن شاء الله تعالى سوف أجمع أعمالى الشعرية "بعد تنقيتها" واطبعها تحت عنوان "الأعمال الكاملة لفوزى محمود"، وحينها تأخذ مؤلفاتى نصيبها من النشر والتوزيع ولا تقتصر على المقربين فقط .
** هل كرمتك المدينة التي تسكنها؟ أو الدولة التي تعيش فيها؟
ــ لم يتعد التكريم حد منحى شهادات تقدير من أندية الأدب بالسويس والقاهرة ورابطة الزجالين وكتاب الاغاني، بل أهدروا حقي فى النشر الإقليمي مرارًا.
** لماذا لم تدرِّس العروض سواء بالتفاعيل أو الرقمي لأبناء محافظتك عبر قصر الثقافة مثلما فعل الشاعر السكندري محجوب موسى؟
ــ فعلت هذا فى قصر ثقافة السويس مرارًا ولا ينكر هذا إلا جاحد، وفعلته أكثر فى رابطة الزجالين وكتاب الأغاني بالسويس .وفعلته مرات لاتحصى مع شعراء السويس فى جلسات خاصة بالإضافة إلى مراجعة وتصحيح أعمالهم قبل نشرها ولم أذع هذا بين الزملاء.
** عبر قصيدة "جارتنا" التي ضمتها مجموعتكم الشعرية "تائه في المنخفض" .. أظهرت معرفتكم بالنساء، وأسقطت الحارة على المجتمع الإنساني، وتلاعبت بالألفاظ بجدارة، وخرجت عن المألوف في نسقكم الشعري والقيمي..فلماذا؟
ــ أردت أن أسقط الحارة فى أسوأ صورها على الجارة التى حلت محل جارتنا الأصيلة بالقوة والتجاوزات إلى أن أصبحت واقعًا على الأرض وتحميها اتفاقيات دولية ومعاهدات إقليمية ودولية .
** ألا توجد علاقة ما بين قصيدة "السباحة في الممكنات" وقصة " رحلة عبر ضوء القمر".. كأنها كانت الإرهاصة أو النبتة لها؟
ــ المسافة الزمنية بين القصة والقصيدة تعد بالعقود، وكانت القصة أسبق، ولم انتبه لتلك العلاقة سوى من خلال ربطك بينهما فى سؤالك. لقد لاحظت ما لم ألحظه، وهو علاقة التحليق .
** تأخركم في نشر كتابكم: "الدائرة الرقمية للإيقاعات الشعرية" سلب حقكم في الريادة، خاصة بعد أن تقدم العروض الرقمي وطوى صفحة ما أنجزتم؟
ــ لم أكن دارسًا أكاديميًا. زد على ذلك أننى تعلمت العروض بعد أن تجاوزت الأربعين من عمرى وذلك ببحثى بطريقة بدائية بين أمهات الكتب، وأنا الآن أهيء نفسى للاطلاع على ما فاتنى من العروض الرقمي. حين وضعت الدائرة الرقمية لم يخطر على بالى أن يكون لى سبق أو أن أكون منافسًا فى هذا المجال.
** ألا ارى أن ترتيبكم وتقديمكم في كتاب "شرارة الثورات" كان ملائمًا لكم وبمكانتكم الأدبية؟ بل هل اشتراككم فيه كان مفيدًا أو إضافة لكم؟
لم أكن أود المشاركة في هذا الكتاب، ولكن إلحاح صديق لى فى المشاركة واعتبار أن عدم مشاركتى يعد نوعًا من الكِبر، جعلنى أوافق على مضض، والسيء فى هذا الكتاب أن أشعارا لغيرى ممن يكتبون على خلاف كتابتى للشعر نسبت أشعارهم لى، وهذا أغضبنى جدَا بالإضافة إلى أنهم أهدروا حقهم بانتساب قصائدهم لى. ولم يكن هذا الكتاب مفيدًا لى، كما أنه لا يشكل أي إضافة لى .
** تجاهل النقاد أعمالك الأدبية ــ ما عدا الدكتور مدحت الجيار في عمل واحد ــمرجعه كونك لم تسعَ إليهم؟ أو أنها لم تصل إليهم؟ أو وصلتهم ثم ضربوا صفحًا عنها؟
ــ لم يكن هناك تجاهلًا متعمدًا، ولكن كان التقصير منى بعدم السعي إليهم لأسباب تتعلق بانضباطى في عملي المهني الذى لم يكن يسمح لي بالسفر إلى القاهرة، ومسؤليتي تجاه أسرتى والتى كانت أحق برعايتي لها أكثر من الأدب، ولأن أعمالى لم تصلهم، فكيف لهم أن يتناولوها بالنقد؟!
** أصدرت عددًا من الدواوين الشعرية بالفصحى والعامية.. هل ترى مع من يروْن أن العامية تشكل خطرًا على الفصحى؟
ــ لا أرى خطورة للعامية على الفصحى. فالعامية لهجة، والفصحى لغة عربية أصيلة وباقية ولا خطر عليها.
** في أي الميدانين تكمن طاقتكم الشعرية من حيث القوة، في الفصحى أم في العامية؟
ـ الاثنان معًا.. غير أن العامية تعفيني من قيود الفصحى .
** هل لجوئكم إلى الكتابة بالعامية اتهام للفصحى بعدم احتواء التجربة الشعرية، أو العجز عن احتوائها؟
ــ الحالة المزاجية والموضوعية هي التى تفرض على الشاعر نوعية الكتابة فصحى كانت أم عامية .
**هل أثرت العامية ببساطتها وموسيقيتها بالسلب على حساب اللغة في قصائدك الفصيحة سواء العمودية أو التفعيلة؟
ــ أدرك هذا الدكتور مدحت الجيار وتحدث عنه في مقدمة ديواني الأول "تائه فى المنخفض"، تحت عنوان: "بساطة النص".
** لو أرشدنا القاريء عن أعمالكم التي أذيعت بإذاعة البرنامج العام، وإذاعة وتليفزيون القناة؟
ــ لم أقدم دراما، ولكنها كانت لقاءات وحوارات أدبية مع الإعلامي الشاعر السيد حسن وغيره من الإعلاميين والإعلاميات في برامج ثقافية مختلفة بالبرنامج العام أما إذاعة وتلفزيون القناة فكان لى معهما لقاءات عديدة في برامج مسجلة أو على الهواء مباشرة على مدي أكثر من عشرين عامًا .
** عبر دواوينك ومجموعتك القصصية لم تتخل ّ عن الوطن، حيث ظللت مرهونًا به، أسيرًا له؛ فكتبته، وغنيته، وأرخت له.. فعلت كل هذا للوطن.. فماذا قدم لك الوطن؟
ــ قضيت المرحلة الابتدائية والإعدادية وأنا اهتف أمام العلم: "عاشت مصر حرة" فى طابور الصباح وكان يخرج من القلب كالدعاء، ثم تدرجت فى الأنشطة من الأشبال إلى كشاف، وعاصرت ثورة يوليو 1952، وعاصرت حرب 1956 وتأميم القناة وبناء السد العالي وشاركت في حرب الاستنزاف بعد نكسة 1967 وفرحت بانتصار أكتوبر، 1973، وازداد حبى لوطنى مصر .. فأنا معجون بحب مصر، ولا أنتظر من الوطن أن يقدم لى ولكن أسأل نفسى: ماذا قدمت أنا لمصر؟ وأتمنى أن يعود بي الزمان لأقدم لها، وأدفع عنها الخطر الذى يحيط بها، حفظ الله مصر .
ساحة النقاش