جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لم يكن عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم عندما اختار لرسولنا الكريم اسم "محمد" أنه في يوم ما سيأتى أحدهم ويعتبر أن هذا الاختيار إعجازًا، كما لم يكن يعلم أيضًا أن اسم حفيده "محمد" سيكون بعد مئات من السنين هو الاسم الأكثر انتشارًا في العالم بأسره.
يقول البروفيسور عبدالأحد داود[1]:
(إنها لمعجزة فريدة حقًا في تاريخ الأديان، أن يُطلق اسم "محمد" من جميع أبناء آدم على نجل عبدالله وآمنة في مدينة مكة لأول مرة، ولايمكن أن تكون هناك حيلة زائفة أو محاولة ما أو تزوير ما في هذا المجال، لأن والديه وأقرباءه كانوا وثنيين ولم يعلموا شيئًا مطلقًا عن التنبؤات العبرية، وأن اختيارهم لاسم "محمد" أو "أحمد" لايمكن تفسيره بأنه كان على سبيل المصادفة، أو حدثًا عرضيًّا)[2].
قال البعض أن من سماه بهذا الاسم أمه آمنة، وقال بعضهم بل الله تعالى هو من سماه، وإن كان المشهور أن الذى سماه جده عبد المطلب.
يقول الدكتور محمد شيخاني [3] موفِقًا بين أنه إلهام من الله تعالى وبين أن الذى سمى الوليد بهذا الاسم جده: (ومن الموافقات الجميلة أن ُيلْهَم عبد المطلب تسمية حفيده محمدًا، وأنها تسميةٌ أُعِينَ عليها ولم يكن العرب يألفون هذه الأعلام، لذلك سألوه: لم رغبت عن أسماء آبائه وأجداده؟، فأجاب: أردتُ أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده الخلق في الأرض فكانت هذه استشفافًا لغيب، فإنه لايوجد في الآنسانية من يستحق ازجاء الشكر والثناء كما يستحق المحمَّد صلى الله عليه وسلم لِما أسدى للإنسانية من خيرٍ عميم).
ولعل من الإعجاز الكامن في الاسم أنه كان دلالة في تفرده وعدم شيوعه - آنذاك - على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال ابن قتيبة: (من أعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم أنّه لم يُسَمّ قبله أحد باسم محمد، صِيانة من الله لهذا الاسم، كما فعل مع يَحيى حيث لم يجعل له من قبل سَمِيًّا، قال تعالى: ﴿ يا زَكريَا إنا نُبشِّرُكَ بغُلامٍ اسمُه يَحْيى لَم نَجْعَل له من قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [4].
ولما قَرُبَ زمن ظهور النبي المنتظر أو الموعود الذي بشَّر أهل الكتاب بقربِه سَمَّى قوم أولادَهم بذلك رجاء أن يكون هو، وعدّهم القاضِي عياض ستة فقط بينما جمع ابن حجر أسماء من تسمّى باسمه فكانوا حوالي العشرين مع تكرير في البعض ووهْم في البعض، وانتهى منهم إلى خمسة عشر نفسًا، ذكر أسماء المشهورين منهم وقال: (لم يدرِك الإسلام منهم إلا محمد بن عدي التميمي السعدي، ومحمد بن البراء البكري؛ لأنه صحابيٌّ جزمً).
وقد ذكر ابن خلِّكان أنّه لا يعرف أحد سُمِّيَ بمحمد في الجاهليّة إلا ثلاثة: محمد بن سُفيان بن مجاشع جدّ الفرزدق، ومحمد بن أُحَيْحة بن الجُلاح أخو عبدالمطلب لأمِّه، ومحمد بن حمران بن ربيعة.
يقرر عبدالأحد داود: (أنا لا اعلم بوجود رجل تاريخي يحمل اسم أحمد ومحمد قبل ظهور النبي (الأخير الأعظم) صلى الله عليه وسلم، وبناءً على ذلك فإن اختصاص حضرة النبي الأكرم بهذا الاسم الجليل (محمد) لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة والإتفاق، ولو قال قائل أن أبوي النبي سمياه محمدًاقصدًا؛ لأنهما قرأا كتب الإنجيل، ومن هناك عَلِّمَا أنه سيأتي نبي باسم محمد، لكان من المحال أن يصغى لقوله أحد)[5].
ولا تناقض بين قول "عبدالأحد" وبين أقوال ابن حجر والقاضي عياض وابن خلكان، حيث أنه عَيِّنَ وحدد مراده ممن تسمى باسم النبي وشرطه أن يكون "رجل تاريخي" أي ليس هَملاَ أو من العوام ودهماء الناس، ولم يثبت ذلك كله في من حمل الاسم.
وقد ورد اسم "محمد" في أربع آيات من القرآن الكريم:
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [6].
﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾[7].
﴿ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [8].
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾[9].
أما اسم أحمد، فقد ورد مرة واحدة في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾[10]، فلم يتسم أحد به قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم أبدًا.
وإذا كان هناك من بادر وقنص اسم "محمد" لأولاده إلا أنه من المؤكد أن اسم "أحمد" لم يتسمَ أحد به قبل الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا، أو أثناء حياته، إذ ظل موقوفًا عليه ليتسمى به صلى الله عليه وسلم بطريقة معجزة، علامة خاصة على صدق نبوّته، وحتى لا يدخل لبس أو مجرد شك حول أو في الشخص المبشَّر بهذا الاسم؛ فقد قال الحافظ العراقي: (وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لي خمس أسماء: أنا محمد وأنا أحمد..." الحديث. ولم يتسم بأحمد قبله صلى الله عليه وسلم أحد ولا في زمنه ولا في زمن أصحابه، حماية لهذا الاسم الذي بشر به الآنبياء، وأول من سُميَ أحمد في الإسلام أحمد بن عمر بن تميم والد الخليل بن أحمد العروضي. قاله أبو بكر بن أبي خيثمة وأبو العباس المبرد).
حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا عبدالله حدثني أبي ثنا عبدالرحمن ثنا زهير عن عبدالله يعنى بن محمد بن عقيل عن محمد بن على أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الآنبِيَاءِ" فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ"[11].
يتجلى التواضع المعجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لم يأمر المسلمين بالتسمي باسمه ولم يرغبهم في ذلك، ولو أراد لفعل فقد كانوا يحبون التأسي به في كل شأن، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل.
وأما الحديث الذي رواه أبو هريرة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي"، فله واقعة مخصوصة وهي النهي عن اتخاذ كنيته "أبا القاسم" في حياته وجواز التسمي باسمه، يؤيد هذا الأحاديث الواردة في صحيح مسلم[12]، ومنها:
حدّثني أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدّثَنَا وَاللّفْظُ لَهُ، قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيّ) عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: نَادَىَ رَجُلٌ رَجُلاً بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي لَمْ أَعْنِكَ، إنّمَا دَعَوْتُ فُلاَناً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَسَمّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنّوْا بِكُنْيَتِي".
وعلى هذا فقد وجب التنبيه على أن الأحاديث التي شاعت بين الناس عن ترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في التسمي باسمه لا أصل لها بل عدها العلماء من الموضوعات، مثل ماورد عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن وُلد له مولود فسماه محمدًا تبركًا به، كان هو ومولوده في الجنة" [13].
وكذلك ما أشاعوه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خير الأسماء ما عبِّد وما حـمِّد"، فهذا القول مشهور على الألسنة، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح ولا أصل له، وليس في فضلالتسمية بأحمد ولا محمد شيء له أصل. قال عنه العجلونى في كشف الخفاء:(موضوع)، وذكره الشيخ الألباني في [السلسلة الضعيفة (411)]، وقال السيوطي:(لم أقف عليه)، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (فلا ينبغي أن يجزم الآنسان على رسول الله بما لا يعلم صحته، وهو القول بلا علم)[14].
وقد أجمع العلماء على جواز التسمية بأسماء أنبياء الله ورسله - عليهم السلام - [15]،وأفضل أسماء الآنبياء هيّ أسماء رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم-.
أما ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في فضل التعبد لله، فهو التسمي بعبدالله وعبدالرحمن: حدثني إبراهيم بن زياد وهو الملقب بسبلان أخبرنا عباد بن عباد عن عبيدالله بن عمر وأخيه عبدالله سمعه منهما سنة أربع أربعين ومائة يحدثان عن نافع عن بن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى اللّه عبدالله، وَعبدالرحمن"[16].
وقد خص الله تعالى الاسمين "عبدالله وعبدالرحمن" في القرآن الكريم بإضافة العبودية إليهما دون سائر أسمائه الحسنى، الأول في قوله: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عبدالله يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾[17]، والثاني في قوله سبحانه: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ [18]، والثالث حين جمع بينهما في قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسماء الْحُسْنَى ﴾[19].
ولا غرابة في نهيه صلى الله عليه وسلم عن التسمي باسمه الكريم والحض على التسمي بعبدالله، إذ كان صلى الله عليه وسلم أكمل البشر في كافة الجوانب البشرية، كما كان أكملهم عبودية لربه وقيامًا بحقه، وكماله يكمن في عبوديته التامة لربه عز وجل؛ فمنزلة العبودية لله هي أرقى درجات الكمال البشري، لأن الله إنما خلق الخلق لعبادته، وأكمل الخلق قيامًا بهذا الأمر وأتمهم لله عبودية هو رسولنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي قام بحق هذه العبودية ودعا الناس إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، وأخرجهم من عبودية العباد إلى عبودية الواحد القهار، فكانت العبودية أشرف صفاته - صلى الله عليه وسلم - والبشرية هى عين إعجازه، فهو بشر من جنس البشر لكنه متميز عنهم بما لا يلحقه به أحد منهم أو يساويه، فمن حرصه على التعبد لله، كان حبه حتى في التسمي بما يُذَكِر بتلك العبودية الحبيبة إلى قلبه، والتي لا تخرجه من البشرية حتى ولو بالتسمي باسمه مخافة مما آلت إليه الأمم السابقة من تأليه أنبيائها، فكان يقطع صلى الله عليه وسلم على أمته كل ما يؤدي إلى ذلك، حرصًا عليها وشفقةً بها[20].
ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه ومؤثرًا فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه؛ كعبدالله، وعبدالرحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرها كالقاهر والقادر، فعبدالرحمن أحب إليه من عبد القادر، وعبدالله أحب إليه من عبد ربه، وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة، والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبة وخوفًا ورجاءً وإجلالاً وتعظيمًا، فيكون عبدا لله، وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره، ولما غلبت رحمته غضبه، ولما كانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبدالرحمن أحب إليه من عبد القاهر[21].
بالغ بعض العلماء في الاحتفاء بأسماء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حتى أوصلها أحدهم إلى ثلاثمائة وبضع وأربعين اسمًا، ومنهم من زادها إلى أربعمائة وثلاثين اسمًا، ومنهم من قصرها على تسعة وتسعين اسمًا، على أن المعيار المعتمد والذي يعول العلماء عليه هو أن تكون مرجعية تلك الأسماء ما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، دون غلو أو إفراط أو شطط، وإن تسربلت تلك الدعوى بغاية الحب النبيلة للرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد أمرنا الله تعالى بعبادته، شريطة أن نعبده بما شرّع لا بما نهوى.
أما اسما الرسول "محمد و أحمد" فمشتقان من معين الحمد، وقد اجتهد ثلة من الأقمين في البحث عن الفرق بينهما، فمن رأى أن محمدًا: جمع للفضائل، وجميع الصفات الطيبة والحسنة المحمودة. وأما أحمد فمعناه: الذي بلغ الغاية في كل صفة من الصفات، وفي كل خصلة من خصال الخير على وجه الآنفراد.. وهو صيغة "أفعل" التفضيل، من المبالغة في الحمد. وهو متعلق باسم محمد ومعناه؛ إذ لم يكن محمدًا حتى كان أحمد، أو كما قال القاضي عياض [22]: (فهو - صلى الله عليه وسلم - أجل من حمد، وأفضل من حمد، وأكثر الناس حمدًا، فهو أحمد المحمودين، وأحمد الحامدين، ومعه لواء الحمد يوم القيامة ليتم له كمال الحمد، ويتشهر في تلك العرصات بصفة الحمد، ويبعثه ربه هناك مقامًا محمودًا كما وعده، يحمده فيه الأولون، والآخرون بشفاعته لهم، ويفتح عليه فيه من المحامد كما قال - صلى الله عليه وسلم - ما لم يعط غيره، وسمى أمته في كتب أنبيائه بالحمادين، فحقيق أن يسمى محمدًا، وأحمد).
ارتبط اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ارتباطًا وثيقًا أبديًا بمعجزة الإسلام الكبرى وهو "القرآن الكريم، حين أثبت الله تعالى آية بشارة عيسى بن مريم - عليه السلام - بقدوم زمن "أحمد": ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾.
ولايهمنا في كثير أو قليل أن تتضمن الكتب السماوية السابقة المتداولة هذه البشارة أم لا، فكتاب الله وحده هو الفيصل والمصدق فيما أورد من بشارات ونذارات، ومادام الله تعالى قد قال فقد صدّق، وهذه البشارات موجودة مبثوثة في أصل تلك الكتب قبل أن تمتد أيدي التحريف فيها عبر العصور، وهناك من الآيات الموجودة والظاهرة حتى في تلك الكتب مما فاتها العبث بها لتؤكد تلك البشارات التي أكدها أكابر علماء القوم ممن تحولوا إلى الإسلام، وأثبتوا صحة ومطابقة البشارات بما جاءت به آيات القرآن الكريم، رغم لجاجة وعناد من يعاند. ويبقى كتاب الله هو الفيصل والحق المبين، فقد قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [23]؛ أي: إن القرآن العظيم، أفضل الكتب وأجلها، إنزالًا بالحق، ومشتملاً على الحق، في أخباره، وأوامره، ونواهيه، لأنه شهد للكتب السالفة، ووافقها، وطابقت أخباره أخبارها، وشرائعه الكبار شرائعها، وأخبرت به، فصار وجودها مصداقًا لخبرها. مشتملاً على ما اشتملت عليه الكتب السابقة، وزيادة في المطالب الإلهية، والأخلاق النفسية. فهو الكتاب الذي يتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه. وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم، والحكمة، والأحكام، الذي عرضت عليه الكتب السابقة. فما شهد له بالصدق، فهو المقبول، وما شهد له بالرد، فهو مردود، قد دخله التحريف والتبديل. وإلا، فلو كان من عند الله، لم يخالفه[24].
من كرامة اسم النبي "محمد" أن الله لم يذكره في كتابه الكريم إلا مقرونًا بلفظتي "رسول" أو "نبي"، في حين خاطب عز وجل غيره من الآنبياء بأسمائهم مجردة، فقال عز وجل:﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول ﴾[25]، وقال: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ [26]، وقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [27]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ [28]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾ [29].
ولمَّا انصرف ذهن القارئ إلى أن المنادى بـ"النبي" في القرآن هو محمدٍ صلى الله عليه وسلم جاء قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [30]، ليكون إعلان من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ببلوغه الكمال، ونواله المنزلة العالية، وتشريف منه سبحانه لرسوله، فرفع ذكره، وجعل هذا الذكر متصلاً بين أهل السماء من الملائكة، وأهل الأرض من المؤمنين، اقتداءً بالملائكة، فكان من الله تعالى مغفرة ورحمة، ومن الملائكة دعاءٍ واستغفار، والمقصود من هذه الاَية: أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين, وأن الملائكة تصلي عليه, ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه, ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعًا[31].
وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه،وكيفية الصلاة عليه، ومواطن الصلاة عليه: في التشهد الأول والأخير، عند الآذان والإقامة، يوم الجمعة وليلتها، في الصباح والمساء، في المجالس وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم، عند ذكر اسْمه صلى الله عليه وسلم، في كل وقت وحين أول النهار وآخره، عند الدعاء، عند دُخُول المسجد وعند الخروج منه، عند الصفا والمروة، بعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة، عند الوُقُوف على قبره الشريف، عندَ القُنُوت، أثناء صلاة العيد، عند القيام من المجلس.
وعجيب أن يجهلَ المسلمون حكمةَ ذكر النبي العظيم خمسَ مرات في الأذان كل يوم، يُنادَى باسمه الشريف ملءَ الجو، ثم حكمةَ ذكره في كل صلاة من الفريضة والسنة والنافلة، يُهْمس باسمه الكريم ملء النفس! وهل الحكمة من ذلك إلا الفرضُ عليهم ألا ينقطعوا من نبيهم ولا يومًا واحدًا من التاريخ، ولا جزءًا واحدًا من اليوم؛ فيمتدُّ الزمن مهما امتدَّ والإسلام كأنه على أوَّله، وكأنه في يومه لا في دهرٍ بعيد، والمسلم كأنه مع نبيِّه بين يديه تبعثه روحُ الرسالة، ويسطع في نفسه إشراقُ النبوَّة...... أيها المسلم: لا تنقطعْ من نبيك العظيم، وعشْ فيه أبدًا، واجعله مثلك الأعلى، وحين تذكره في كل وقت فكن كأنك بين يديه، كن دائمًا كالمسلم الأول، كن دائمًا ابنَ المعجزة [32].
من إعجاز اسم نبينا صلى الله عليه وسلم أن عصمه الله تعالى من أن يٌذم أو يُذكر بسوء؛ إذ أن ذكر"محمدٍ" بشينٍ أو عيبٍ لا يستقيم به البيان، بل يقبح في العربية، أو بأي لسان ما دام معنى الاسم معروفًا، وباعتبار أن معنى "محمد" هو الذي يُحمد ويُمدح ويُثنى عليه المرة بعد المرة، وبكل أحواله وصفاته وسجاياه.
فلا يحتمل معنى اسمه أن يتخلف عن الثناء والحمد في أي شيء من سجاياه وخُلُقه. وأما إن أُلحق لفظ مُعيب أو مُشين باسم "محمد"، فإن المعنى يتناقض بأدنى قدح، والبيان يقبح واللسان يتساقط والفصاحة تتهافت. فإن أدنى قدح أو عيب يخل بمعنى "محمد" وهو الممدوح والمثنى عليه المرة بعد المرة. فلا يتحمل اللسان شينًا أو ذما في هذا الاسم، ولا تتقبله الفصاحة. فمن هذا الوجه، اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- يذب ويدافع عنه ويصونه، واللسان يعجز عن القدح فيه، واللغة تتساقط وتتهافت إن ارادت أن تنال منه. وهذا من تجليات العناية الإلهية، ومن خفايا دلائل النبوة في اسمه[33].
صار اسم الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة على انتشار الإسلام، وذلك حين دخل حواسيب وأوراق مراكز الإحصاء في العالم والتي كانت معنية بدراسة واستقصاء أكثر الأسماء انتشارًا، وهذه سمة تسمح لهذه الدراسة التي نحن بصددها، أن تكون متجددةً في كل عام، والتي قمت برصدها في العامين الأخيرين من 2012 حتى 2014، وقد تبين أن اسم "محمد" قد حقق أعلى معدل للتسمى به بين البشر, حيث بلغ عدد الذين يحملون هذا الاسم المبارك 70 مليون شخص على مستوى العالم ليصبح أكثر اسم في الوجود. بحسب ما أوردته موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
وإذا بدأنا بدول الغرب الأوروبي عن العام 2012- 2014، فسنجد أن:
• اسم "محمد" قد دخل قائمة الأسماء الأكثر استخدامًا مع زيادة أعداد المسلمين في "السويد" في الأعوام الأخيرة، ودخلت الأسماء التي يفضل المسلمون تسميتها قائمة الأسماء الأكثر انتشارا في "السويد". فهناك 35 ألف و433 شخصًا يُدعى "محمد" في "السويد"، وفقًا لتقرير لجنة الإحصاء السويدية، وبخلاف ذلك يستخدم البعض اسم "محمد" كلقب للعائلة، ووصل عدد هؤلاء إلى 3363 شخصًا. واحتل اسم "محمد" المرتبة الـسادسة والستين في قائمة أكثر مائة اسم انتشارًا [34].
• وأن من بين العشرة أسماء الأكثر انتشارًا في "ميلانو"اليوم نجد ثلاثة منها تنبيء عن أصولها الأجنبية الشرقية بسبب الأجانب، مما يرسم خريطة "إيطاليا" المستقبلية.واحتل اسم "محمد" المرتبة الـ 34 في الآنتشار بواقع 944 شخصًا يحملونه، واسم "أحمد" حصل على الترتيب الـ 63، أما اسم"إبراهيم"فهو في المرتبة الـ75 [35].
• كشفت صحيفة ايه بي سي الاسبانية في آخر تقاريرها أن اسم محمد هو الأكثر انتشارًا في العالم وعددت الدول التي ينتشر فيها اسم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرها، وذكرت الصحيفة أن ما يناهز 150 مليون عبر العالم يحملون اسم محمد وقد أصبح هذا الاسم الأكثر شعبية في فرنسا بينما يحل في المرتبة السادسة في إسبانيا، وكانت دراسة بلجيكية أكدت أن هذا الاسم ينتشر في بروكسيل أكثر من كل العواصم والمدن الأوروبية، بينما كشفت دراسة سابقة في بريطانية أن اسم محمد أصبح الأول بين الذكور حديثي الولادة متقدما على اسمي "جاك وهاري"، وكان اسم محمد صنف كرقم 87 في بريطانيا سنة 1944 ليقفز إلى الصدارة بعد أكثر من نصف قرن [36].
• كشف "المكتب الوطني للإحصاءات" في "بريطانيا" أن اسم" محمد"كان الأكثر اختيارًا للأطفال المولودين حديثًا بالعاصمة البريطانية"لندن" خلال العام الماضي. ومن جانب آخر، يعد هذا الاسم هو الأكثر انتشارًا في العالم بأكمله؛ حيث يحمله أكثر من 150 مليون شخص، فعلاوةً على أنه الاسم المفضل لدى المجتمع الإسلامي، إلا أنه أيضًا من أحد الأسماء الأكثر اختيارًا في الدول الأوروبية، وهو الاسم الأكثر شهرةً بين المواليد في ولايات "فرنسا"، وترتيبه السادس في "بريطانيا" و"إسبانيا"[37].
• صرح المعهد الإحصائي القومي 2013 في" بلغاريا " أن أكثر الأسماء انتشارًا بين المسلمين في البلاد هي "محمد "و"أحمد" و"مصطفى"، فبالترتيب يدعى 16 ألف و14 ألف و12 ألف شخص بهذه الأسماء[38].
• في "غزوة الأسماء" هذا العام انتصر "محمد" أيضًا، وللمرة الخامسة منذ 2009 بلا توقف.. انتصر بالاستخدام والآنتشار على كل اسم تم إطلاقه على 28 ألف مولود ذكر جديد في إنجلترا، وهو ما اتضح من بيانات صدرت عن "مكتب الإحصاء الوطني البريطاني" أمس الاثنين، وفيها أن "محمد" لا يزال الأكثر شعبية [39].
• قام موقعا "ريديت" و "إكزوكسير" الإخباريان الأمريكيان، برسم خريطة معلوماتية تتضمن أسماء الذكور الأوسع إنتشارًا في العالم. وظهرت النتائج كالتالي: " ناثان" في فرنسا، "ألكسندر" في روسيا، "ليام وأيثان" في أمريكا الشمالية و"محمد" في شمال أفريقيا. وأشار كلاهما إلى أن القائمة تم تجميعها وفق السمات الثقافية والنقاط المشتركة لدى سكان كل منطقة. وأشارا أيضا الى اهمية الثقافة الإسلامية والأسم "محمد "، تحديدًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحسب ماقاله محرر الموقع أن "محمد" أيضًا الاسم الأوسع انتشارًا في طاجكستان وفي ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة، إضافة إلى الإشتقاق " مامادو" هو الأوسع انتشارًا في مالي وغرب أفريقيا.وأوضحا أن الخريطة لا تغطي كل البلدان بالطبع، ونوها على أن المعلومات أخذت من دراسات محلية، تم جمعها وتحليلها في أوقات مختلفة[40].
وإذا كانت الأسماء تعكس قيم من يقومون باختيارها، وتعبر بصورة مختزلة ومركزة عن القيم الشائعة في ثقافة المجتمع، فلا نستطبع أن نتفق مع الدكتورة سامية حسن الساعاتي[41] أن شيوع الأسماء الدينية بصفة خاصة في الثقافة المصرية ليدلل على قيمة التدين في هذا المجتمع، والاعتراض ليس منصبًا على تغلغل قيمة الدين وإنما في اختصاص المجتمع المصري بهذا؛ إذ بعد دراسة مسحية فاحصة تبين أن المجتمعات العربية والإسلامية تتشابه في شيوع الأسماء الدينية بصفة عامة وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، وستقصر رصدنا عن المدة من 2012 حتى 2014، وسنتبين ما يأتي:
• أظهرت بيانات لإحصاء أُجريَ في تركيا مؤخرًا انتشارًا كبيرًا للأسماء المحمدية (اسم "محمد" والأسماء المشتقة منه) في تركيا. وأوضحت البيانات أن 15 مليون شخص يحملون الأسماء المحمدية في تركيا؛ حيث يندر أن تخلو عائلة تركية من فرد يحمل اسم النبي محمد - عليه الصلاة والسلام -، أو الأسماء التي عُرفَ بها، أو كُنَّيَ بها، أو أسماء أحد أفراد أهل بيته. يأتي ذلك مع انتشار الصحوة الإسلامية بقوة في البلاد عقب سنوات طويلة من سيطرة العلمانية المتطرفة[42].
• ويفضل الأردنيون إطلاق اسم (محمد) على مواليدهم الجدد الذكور تيمنًا باسم الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد حاز اسم (محمد) على الترتيب الأول ضمن أسماء المواليد الجدد الأكثر تكرارا بين الأسماء المرغوبة لدى المواطنين إذ بلغ عدد المواليد الذكور الذين حملوا هذا الاسم (11196) مولودا للعام 2012 بحسب آخر الأرقام الحيوية المعلنة لدائرة الإحصاءات العامة [43].
• كما أظهرت إحصائيات عام 2012 التي كشفت عنها وزارة الداخلية أن عدد الذين يحملون اسم "محمد" في قطاع غزة بلغ 145 ألفا من إجمالي سكان القطاع الذين يبلغ عددهم مليونا وثمانمائة ألف نسمة. واحتل اسم "محمد" المرتبة الأولى كأكثر الأسماء شيوعا للمواليد الذكور.وجاء اسم "أحمد" في المرتبة الثانية من حيث التسمية، إذ أطلق على نحو 70 ألف شخص فيما سمي نحو 40 ألف شخص أسماء أولادهم بـ"محمود"[44].
• أما على الجانب الآخر من فلسطين ونقصد به دولة المحتل الصهيوني فيُشار إلى أنه وفق معطيات دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية لعام 2004 تبين أن أكثر الأسماء انتشارًا لدى المسلمين كانت: محمد وأحمد[45]، ويستقر الآنتشار هكذا حتى عام 2013، فقد ظل اسم “محمد” من أكثر الأسماء العربية انتشارًا في دولة الصهاينة للعام 2013، وهم عنوان الآنتماء للعقيدة الإسلامية، ويليه اسم أحمد، ثم يوسف، آدم، عبد، عُمر، علي، محمود، وأمير، وجميعها تحمل بصمة العقيدة الإسلامية.
إن الأسماء الأكثر انتشارًا بين الناس تحاكي مخزون الوعي لديهم، وهي تعبير دقيق عن الفكر الذي يأخذ بألباب المجتمع، والأسماء تحاكي القناعة السياسية[46].
يشكل انتشار أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم في لبنان حالة فريدة لايتشابه معها بلد عربي آخر؛ إذ من إعجاز هذه الأسماء أنها كانت الرابطة الكبرى بين السنة والشيعة من حيث مناطق الالتقاء بين المذهبين، وأن هناك من تسمى بتلك الأسماء ممن لا يدينون بدين الإسلام:
• أظهرت دراسة متخصصة أحصت الأسماء الرسمية المسجلة للبنانيين، أن محمد هو الأكثر شيوعا بين أسماء العلم في البلاد.
ويفيد الإحصاء الذي أجرته مطبوعة إنفورميشن إنترناشونال، واعتمدت فيه على السجلات الآنتخابية لعام 2004 للذكور اللبنانيين الذين يحق لهم الاقتراع، أن هناك 80644 رجلا يحملون اسم محمد.ويفيد نفس الإحصاء أن الذين يحملون يسمون بمحمد أو أحمد أو محمود يبلغ عددهم 142254 رجلا بينهم عدد قليل من المسيحيين.وأضافت المطبوعة المتخصصة في الدراسة التي نشرتها بالآنجليزية أن اسم محمد يعد أكثر شيوعا بمحافظتي الشمال والبقاع.ووفقا للتوزيع على أساس المذاهب الإسلامية، فهناك في لبنان 40251 مسلمًا شيعيًا يحملون اسم محمد و38660 سُنيا يحملون هذا الاسم، وتتوزع الأسماء الباقية ما بين دروز وعلويين.وهناك كذلك تسعة مسيحيين يحملون اسم محمد في لبنان، وهم خمسة مسيحيين موارنة وثلاثة مسيحيين من الروم الأرثوذكس وواحد من طائفة الروم الكاثوليك[47].
ولا أستطيع أن استقصي كافة الإحصائيات في الدول الغربية والإسلامية الباقية لضيق المساحة، غير أني سأذكر واقعة عالمية منذ سنوات مضت، وذلك حين احتلت مدينة "الزاوية" الليبية مكانة مرموقة على مسرح الاخبار العالمية أثناء محاولة تسجيل رقم قياسي في موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية من خلال جمع اكبر عدد من الاشخاص الذين يحملون اسم "محمد" في مكان واحد، وتجمع ما قدر بنحو 20 ألف طفل وشاب وكهل وشيخ يحملون الاسم في استاد النادي الاولمبي بالمدينة في محاولة لكسر الرقم القياسي لعام 2005 الذي سجلته دولة الامارات العربية المتحدة التي تجمع فيها 1096 شخصًا يحملون اسم محمد أثناء مهرجان دبي للتسوق[48].
واكبت أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم أحداث الإسلاموفوبيا، والعنصرية الغربية تجاه الإسلام والمسلمين خاصةً أولئك الذين يعيشون في تلك الدول أو ينوون العيش فيها، مما ترك تأثيره السلبي على انتشار تلك الأسماء، فقل التسمي بها من قبل المسلمين، غير أن هذا لم يقلل انتشار الإسلام والمسلمين:
• أكد "قيصر تراد" رئيس" جمعية الصداقة الإسلامية"، وأحد رموز العمل الإسلامي بـ"أستراليا" أن المسلمين يضطرون بسبب ظروفهم إلى تغيير أسمائهم أو اتخاذ أسماء جديدة للحصول على الوظائف وتجنب التعرض للتمييز والعنصرية أثناء العمل.فقد أشار إلى أن بعضهم يحول اسمه من "محمد" إلى "مايكل"، وآخر من"أحمد" إلى "الآن"، خاصةً بعد أحداث الشغب والمصادمات التي شهدتها مدينة "سيدني" في أعقاب المظاهرات والمظاهرات المضادة المتعلقة بالفيلم الأمريكي المسيء [49].
• رفضت إحدى محاكم مدينة "جوتنجن" الألمانية السماح لأسرة أذربيجانية طلبت اللجوء لـ"ألمانيا" بالحصول على أسماء ذات طابع ألماني والتخلي عن أسمائهم الأجنبية؛ وقد طلبت الأسرة ذلك للحيلولة دون تعرضهم للتمييز والممارسات العنصرية، ولمساعدتهم على التآلف مع المجتمع. وقد عرضت المحكمة على الأسرة الحصول على صورة ألمانية الطابع من الأسماء الأصلية، إلا أن الأسرة رفضت[50].
واللافت أن اسم "محمد" الذي كان ثاني أكثر الأسماء انتشارًا وشيوعًا في انكلترا وويلز عام 2012 إذا أخذنا في الحسبان جميع الأسماء المشتقة منه، مثل: أحمد ومحمود، لم يرد في دليل هذا العام بين الأسماء العشرين الأولى في فرنسا، رغم أن عدد مسلميها يزيد مرتين على عدد مسلمي بريطانيا. وترى "رابوبور"[51] أن السبب قد يكمن في اختلاف موقف الدولتين من الهجرة، بتشديد فرنسا على ضرورة الأندماج بطريقة الحياة "الفرنسية" وأنصار المهاجرين في المجتمع. ودفع هذا عائلات كثيرة مسلمة في أصولها إلى اختيار أسماء مستخدمة في الثقافتين: الإسلامية والغربية، مثل:"أنس أو آدم أو ناديا" [52].
وهكذا فقد أصبح اسم الطفل محمدًا، وتسمى به ملايين الأطفال الذين ولدوا بعد الدين الجديد الذى قُدِّرَ لابن آمنة من عبدالله أن ينشره على العالمين[53].
وهكذا أصبح لا يذكر اسم الله تعالى إلا واسم نبيه وحبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم مقرونًا به، يعطر أجواء الدنيا خمس مرات في كل يوم، تتكرر مئات المرات بحسب فروق التوقيت، ليكون هو النبي الوحيد الأكثر ذكرًا في الدنيا، جهرًا وسرًا،ويكون ترديد اسمه صلى الله عليه وسلم وانتشاره، معجزة فريدة في تاريخ الأديان كافة.
[1] البروفيسور عبدالأحد داود وُلِدَ 1867 في أرومية حاليًّا في إيران مَات 1940 اسمه السابق دِيفِيد بِنْجَامِينْ كِلْدَانِي كان أستاذًا في علماللاهوت، وقسيسًا لطائفة الكِلدان الكاثوليك، ومطلعًا على عدة لغات، وبعد دراسة عميقة للكتاب المقدس لم تقنعه، اعتنقالإسلام في مدينة أسطنبول.
[2] البروفيسور عبدالأحد داود: محمد في الكتاب المقدس ص 163.
[3] الدكتور محمد شيخاني: محمد عبقرىُ مصلح أم نبى مرسل ص 39 .
[4] سورة مريم:(7).
[5] البروفيسور عبدالأحد داود: الإنجيل والصليب، ص36،37. مكتبةقصيمي نت لروائع الكتب.
[6] سورة آل عمران: (144).
[7] سورة الأحزاب: (40).
[8] سورة محمد: (2).
[9] سورة الفتح: (29).
[10] سورة الصف: (6).
[11] [( في مسند أحمد بن حنبل - (ج 1 / ص 98 ترقيم الشاملة، وفي السلسلة الصحيحة 3939. تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن)].
[12] صحيح مسلم: كتاب الاَداب: باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء، من الحديث رقم (2131) إلى الحديث رقم: (2135)، ص 1083 - 1085، مكتبة الإيمان، المنصورة.
[13] ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/157 واللآليء المصنوعة للسيوطي، 1/55 والأسرار المرفوعة لعلي القاري 435، والسلسة الضعيفة 171، وتذكرة الموضوعات لمحمد طاهر الهندي 89 وقال الهندي: في إسناده مَن تكلم فيه).
[14] انظر: " المقاصد الحسنة " ( 39 و 205 )، "الدرر المنتثرة" ( 217 ).
[15] "شرح مسلم " للنووي ( 8/437)، وانظر: " مراتب الإجماع " ( ص 154 –155).
[16] (أخرجه مسلم وغيره).
[17] سورة الجن: (19).
[18] سورة الفرقان: (63).
[19] سورة الإسراء: (110).
[20] انظر: السيد إبراهيم أحمد: "محمد صلى الله عليه وسلم كما لم تعرفوه"، ص 5، دار دوِّن للنشر، القاهرة، 2010.
[21] زاد المعاد في هدي خير العباد (2/307). الناشر: مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، الكويت. ط(14)، (عام (1407هـ).
[22] القاضي عياض: الشفا في معرفة أحوال المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم - جـ1، ص444.
[23] سورة المائدة: (48).
[24] عبدالرحمن بن ناصر السعدي: تفسير السعدي ص 219. مكتبة الإيمان، المنصورة.
[25] سورة آل عمران: (144).
[26] سورة الأحزاب: (40).
[27] سورة الفتح: (29).
[28] سورة الأنفال: (64)
[29] سورة المائدة: (41).
[30] سورة الأحزاب: (56).
[31] عن عطاء بن أبي رباح. تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير الدمشقي، ص596،ج3، دار التقوى للتراث، القاهرة.
[32] مصطفى صادق الرافعي: وحى القلم 2/ 5.
[33] عوني عمر لطفي أوغلو :اسم الرسول يدافع عنه، مجلة حراء، ديسمبر 2013.
[34] شبكة الألوكة: 22/3/2012.
[35] شبكة الألوكة: 24/4/2012.
[36] الشاهد: 29/10/2013.
[37] شبكة الألوكة: 7/11/2013 .
ساحة النقاش