جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بكل أسف مازال الشعب المصري هو الضحية من قبل ثورة يوليو المجيدة في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، وحتى بعد ثورة يناير المباركة في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مرورًا بعهود الزعماء نجيب وناصر والسادات وآخرهم مبارك المخلوع، وانتهاءً بالحكم العسكري الانتقالي، فالرئيس المدني المعزول "مرسي"، ثم المؤقت "عدلي".
مازال الشعب المصري من الطبقتين المتوسطة والفقيرة هو الذي يقدم أبناءَه وقودًا سهلاً و رخيصًا وتحت الطلب لأتون المعارك الضارية مع أعداء الوطن من خارجه، وسدًا منيعًا في المظاهرات وعند إعلان الأحكام العرفية والطواريء وحظر التجوال لحماية الملكية أو الجمهورية، ثم يعيد دفعهم تارةً أخرى من خلال الثورات لإسقاط الملكية والجمهورية.
وبكل نجاح لامثيل له، يتقاتل المجندون مع شرذمة المتظاهرين ويقع الضحايا من الجانبين .. ومن أسفٍ كلهم أبناء الطبقة المهضومة، بينما تكتفي النخب والأصابع والعقول التي تحرك وتتحكم في المشهد بالجلوس والمتابعة في القصور وعلى الهواتف، وبرامج التوك شو، ثم الانغماس في الحوارات الداخلية مع أعضاء جبهتهم، أو مع من هو في سدة الحكم.
الشعب هو الضحية للفقر وقطع العيش ووقف الحال؛ فأصحاب رؤوس الأموال أغلقوا المصانع، وسرحوا العمال، والسياحة توقفت والنتيجة تكديس الرجال في البيوت. مع حلم بات صعب المنال بالاستقرار والسلام والأمان والهدوء.
هرع الشعب/الضحية إلى صناديق الإنتخابات والاستفتاء، وقال: (نعم) .. لكل إعلان دستوري، وانتخابات مجلس الشعب والشورى والرئاسة، طمعًا في هدوء الأحوال, ولكن الحال يزداد سوءًا: الأسعار في زيادة، وكذلك سعر الدولار.. وانخفضت قيمة الجنيه المصري، والاحتياطي النقدي للدولة، وكذلك انخفضت الكميات التي يشتريها المستهلك المصري.
ما الذي فعلته الثورة للشعب حررته من عنف الشرطة وسطوة الحاكم المستبد، لتسلمه إلى فحش وقسوة البلطجية وألف ألف مستبد، بل كانت الشرطة لهم أرحم؛ إذ كان معظم تعاملها مع قطاعات معينة من الشعب، أما اليوم فكل مصري تحت رحمة بلطجة كل من يحمل سلاح ويستأسد بالكثرة من أتباعه الذين لا يرحمون مسنًا أو امرأة أو فتاة أو طفل، والشرطة تشاهد .. وإن أدت دورها بشكل غير كامل عقابًا منها للشعب الذي استأسد عليها، وهيَ الآن تتكاسل في تلبية استغاثاته بها، ليذوق وحده الأمريْن من الجانبين في قهرٍ وصمت.
مازال الشعب يقف في طوابير كل شيء..أمام المخابز، ومحطات الوقود، وشبابيك صرف المعاشات،وأنابيب البوتاجاز، لقد أصبحت الطوابير الدلالة الوحيدة على أن شيئًا في مصر لم يتحرك.. أو كما أسميتها في إحدى أعمالي الشعرية "مصري.. محلك سر".
الشعب هو الضحية في أحداث ثورة يناير 2011، وهو الضحية أيضًا حين احتفل بذكراها في يناير2013 وبينهما عاني من غياب الأمن والأمان والعدالة، وحوادث قطع الطرق البرية والنهرية، والكباري وقضبان السكك الحديدية والمترو، وحوادث القطارات والسيارات، والخطف والسلب والنهب والاغتصاب والسرقة. لينعم بحرية وحيدة وهي أن يسب أبو أكبر مسئول، أو يلعن من يريد أن يلعن، وافتقد الكبار احترام الصغار،وانطلق الصغار إلى الميادين والأحزاب والتربيطات، والكبار إلى المساجد يسألون ربهم النجاة، ومن ضعف إيمانه منهم بتلك الثورة يلعنها ويتمنى عودة النظام السابق، لتشهد المقاهي والندوات والبيوت المعارك بين كافة القطاعات حين يجرون المقارنات وينحاز كل جانب إلى رأيه.
ويثبت مقولة أن الشعب مازال هو "الضحية" لذلك التطاحن غير المسبوق بين حركتي تمرد وتجرد قبيل ثورة يونيه؛ فهما وإن كانتا تمثلان رهصًا من إرهاصات الديمقراطية الوافدة علينا بغزارة أكبر وأكثر من طاقتنا، إلا أنها في النهاية تبقى دليل صحة من حيث تغير المشهد الكمي الواحد الذي يصب بكثافة في تيار رئيس، بينما يتبقى لكافة القوى الوطنية الشذرات..
ومازالت النخب تتلاعب بأحلام الشعب وصولاً إلى أحلامهم هم الذاتية عبر نفخ سعار التجزئة والوقيعة أكثر في الجموع الغاضبة/الضحية التي ربما لن تجني شيئًا ذا بال من ذلك الزعيم المنتظر أو ذاك، غير التندم والتحسر على زمن الزعيم الذي مضى.. وتمضي الجدلية المصرية في صراع لا نهاية له لا يدفع ثمنه إلا الشعب الذي مازال يسير في نفق مظلم طويل أصبح عنوانه المفاضلة بين: "عودة الشرعية أو التسليم بالثورية" ورمزهما "مرسي والسيسي".
ساحة النقاش