شاهدت مسلسلات رمضان التي تناولت صعيدينا فوجدتها علي غير الحقيقة، وانتابني الغضب و الاشمئزاز.. لا احجر علي رأي الآخرين الذين يرون الصعيد من وجهه نظرهم، لكن نحن ليس بمعزل عن الوطن.. والعجيب أن الفنانة وفاء عامر دافعت عن مسلسل نسر الصعيد بقولها أن المواطنين ليس لديهم ثقافة المشاهدة، فالسؤال الذي اطرحه علي القارئ النبيه.. أين هي ثقافة العمل الدرامي.. أين الهدف من العمل، أليس العمل الدرامي يعبر عن واقع ويحاول تجسيده.. من الواضح أن هذا ليس مهما!
هناك عدد من المسلسلات منها نسر الصعيد وسك علي اخواتك وطايع وسلسال الدم .. التي تناولوا الصعيد في قالب واحد جامع متحجر متعجرف بلهجة ليس لها علاقة بأهل الصعيد، كما أن الثقافة ليس هي، وتحدثوا عن ثقافة انتهت منذ عقود مضت.
أن مؤلفي هذه الأعمال كتبوها من مكاتبهم المكيفة من اجل السبوبة!
نعم السبوبة هناك في الصعيد الجواني، فكل من تناول الصعيد ربح وزادت إيراداته، كل هذا علي حساب جزء مهم من الوطن، علي حساب الثقافة التي تتناثر من جراء هذه الأعمال التي ليس لها صلة بصعيدينا من قريب أو بعيد، فالصعيدي ليس كائنا مختلفا أو مواطنا من الدرجة الثانية.
منذ عقود ونحن نحلم بان نري هموم الصعيد من الثأر الذي يهدد حياتنا وامن وسلمنا ليل نهار، لكن من تناول قضية الثأر ليس بدافع القضاء علي الظاهرة أنما بدافع الإثارة والمشاهدة.
هل عرضت الدراما بنوع من الجدية قضية العنوسة التي ازدادت معدلاتها في محافظات وجه قبلي بسبب الصراع القبلي بين العرب والاشراف والهواره، والمغالاة في تكاليف الزواج.. بالطبع الإجابة لا!
أين مؤلفي هذه المسلسلات من قضية الغربة التي تأخذ أجمل السنوات من عمر الأبناء بحثا عن فرصة عمل، متحملين قهر الكفيل بدول الخليج.
متي تتحدثوا عن الفقر وعدم وجود مشروعات تنموية رغم وجود الكثير من الموارد والخيرات الكفيلة بان تقود عجلة اقتصاد الوطن.
أين انتم من قضايا المرأة الجنوبية التي تتحمل غربة زوجها وأبناءها وتشقي منذ طلوع الفجر حتي النوم من اجل أرضها وصغارها.
أين انتم من تدني المستوي الصحي وسفر المرضي من محافظات الصعيد إلي القاهر بحثا عن دواء وسرير في معهد الأورام بالقاهرة، والكثير منهم يودعون قبل أن يصلوا.
أين انتم من مبدعي الصعيد، فهناك ألاف من المخترعين والشعراء والأدباء ومواهب مدفونة بين مقابر الجبال، ولا احد يسمع عنهم، و يرحلون قبل أن تأتي الفرصة لهم ليعبروا عن أنفسهم.
كم من مهندس ومحاسب يعمل عامل اجري بحثا عن لقمة عيش، لماذا لا تنظرون إلي خلف و أبوالفضل ودهشان والشاذلي ومحمود تحت كوبري السيدة عائشة ينتظرون مقاول أنفار يتهافتون عليه.
أين انتم من الفقر الذي زادت معدلاته ووصلت إلي أكثر من 60 في المائة في أسيوط وقنا وسوهاج... أسف، تحدثتم عن الفقر في الإعلانات من اجل جمع تبرعات، ليس من اجل بناء مشروعات...!
سنوات مرت ونحن كشباب صعيدي نحلم ونطمح في تغيير حقيقي لكل قضايانا التي نعاني منها، لكن للأسف، حتي أعضاء مجلس النواب ممثلي محافظات الصعيد غابوا كما غاب الذين سبقوهم.
متي نري دراما تعرض التنوع الثقافي لمصر، وتتناول الثقافة الصعيدية والنوبية و السيناوية لإبرازها واستغلالها لتوعية الأجيال بان مصر حاضنة للتنوع الثقافي، لماذا تفرغون هذه الثقافات من مضمونها وامتلاكها إلي ارث ثقافي وحضاري عظيم.
الكلام كثير للغاية.. ويبقي الحلم كما هو داخل ضلوعنا.. ننتظر مشروعات تنموية تنقذنا من الفقر الذي أكل من العظم واللحم، ننتظر صعيد جديد مختلف عن الحالي.. بلا ثأر بلا فقر بلا أمية بلا مرض.