المهندس حسين جلال رئيس هيئة السد العالى وخزان أسوان:
السد العالى.. محراب المصريين
حوار: أشرف التعلبى
٩ يناير ١٩٦٠ بدأت شرارة بناء السد العالى الذى يعد ملحمة مصرية لتحويل الحلم إلى واقع، لحظات فاصلة أعادت صياغة أوضاع الحياة من منطلق جديد مع إطلاق شرارة العمل فى تنفيذ المرحلة الأولى لبناء السد العالي.. حاجة الدولة المصرية لتخزين المياه بصفة مستمرة من أجل الزراعة دفع الزعيم جمال عبد الناصر إلى تبنى مشروع السد للحفاظ على المياه فى السنوات ذات الإيراد العالى لاستخدامها فى السنوات ذات الإيراد المنخفض.. وبعد سنوات من التحدى والصمود توجت جهود المصريين بالنجاح وافتتح السد العالى فى ١٥ يناير ١٩٧١.
الذى تزداد أهميته كل يوم بعد الآخر، خاصة بعد أن أصبحت حصة مصر من مياه النيل لا تكفى احتياجاتها وتضطر لإدارته كل قطرة بحساب دقيق.
ستون عاما بالتمام والكمال مرت على وضع حجر الأساس للسد العالي، كأكبر مشروع هندسى فى القرن العشرين من الناحية المعمارية والهندسية متفوقا على كل المشاريع العالمية العملاقة.. والسؤال هنا هل مازال السد العالى يعمل بكفاءة وقادرا على الصمود أمام الفيضانات ذات الإيراد العالي، وهل التوربينات كلها تعمل أم أن البعض منها توقف؟.
بعد ٦٠ عاما من وضع حجر الأساس نحاور المهندس حسين جلال، رئيس هيئة السد العالى وخزان أسوان، لنتعرف منه على قدره وكفاءة السد العالي.
بماذا تصف السد الذى ظل طوال أكثر من نصف قرن صامدا يحجز المياه خلفه؟
السد العالى منذ إنشائه صامد وشامخ يحمى المصريين وقت الفيضان والجفاف، لقد حمى السد مصر فى سنوات الفيضان من الغرق كما كان يحدث قبل بنائه، وحمى مصر من سنوات الجفاف، ونحن قادرون بهذا السد على إدارة والتحكم فى كل قطرة مياه تصل إلينا من منابع النيل سواء الأزرق أو الأبيض، فهو الملاذ الذى يحمينا دائما فى كل الفترات.
أعرف أن للسد العالى مكانة فى عقلك منذ الصغر.. هل كنت تحلم يوما أن تكون الرجل الأول المسئول عن تشغيل السد؟
أثناء الدراسة بكلية الهندسة كنا ندرس السد العالى كمنشأ مائى وكمية المياه التى يحتجزها، ووقتها لم نستوعب هذه الأرقام الكبيرة، وكيف أن هذا السد نظم عملية المياه واستوعب الفيضانات التى كانت تصل فى بعض الأحيان إلى مرحلة خطرة، فقبل بناء السد كانت السبب وراء غرق الكثير من القرى المصرية، حتى سنة تخرجى فى الكلية عام ٨٤ كنا نمر بمرحلة جفاف شديدة استمرت ما يقرب من عشر سنوات، وفى منتصف الثمانينيات قلت مناسيب المياه لدرجة كانت تجعل توربينات محطة الكهرباء وتكاد تتوقف، لكن يشاء الله أن تأتى موجة فيضانات، هذا يؤكد لنا قيمة وأهمية السد فى توفير الاحتياجات المائية عند الضرورة.
وبعد العمل كمهندس فى الموارد المائية عرفت اهمية قيمة الأرقام، وأهمية السد فى المحافظة على الشعب المصري.. كنت أحلم بالعمل فى وزارة الري، وهذا المحراب هيئة السد العالى كان أملا لأى مهندس شاب، وربنا أكرمنى فى بداية حياتى أننى عملت بمشروع جنوب الوادى فى توشكي، وفى هذه الفترة اقتربت أكثر من بحيرة ناصر، فعلمت كل ما يخص السد العالي، كأكبر منشأة مائية فى مصر، ودورها فى تنمية مصر، وبالفعل تحقق حلمى وأملى أن أصل إلى هذا المحراب.
لماذا تطلق على السد العالى محرابا؟
كل إنسان يعمل فى هذا السد أرى أنه يعمل فى محراب، لأن هذا السد بمثابة حياة للمصريين، والكل يتمنى المشاركة فى إدارة هذه المنشأ الذى يوفر لمصر أمنها المائي، ونقدر جهود كل الذين عملوا منذ بناء السد حتى الآن، لدورهم فى الحفاظ على كل قطرة مياه، ونعمل الآن على استكمال مسيرة العطاء ليكمل السد دوره فى التنمية.
تدير سدا تم بناؤه منذ ٦٠ سنة.. هل اختلفت طرق إدارة الموارد المائية والعمليات الحسابية فى ظل التكنولوجيا والزيادة السكانية لنصل مائة مليون مواطن؟
الإدارة حاليا تختلف عن السابق، ولأننا دولة مصب مع التحدى الأكبر وهو الزيادة السكانية المستمرة، نحاول بقدر الإمكان الحفاظ على كل قطرة مياه مع التحكم والإدارة فى هذه المياه لتغطية كافة الأنشطة سواء للشرب أو الزراعة والصناعة وغيرها، وضبط عملية الترشيد مع توفير كل الاحتياجات إنها معادلة صعبة تقوم بها وزارة الرى لأن مصر تحتاج كل قطرة مياه ولا تتحمل أى نقص لأن حصتها من مياه النيل لاتكفى احتياجاتها أصلاً، لذلك نتبع أساليب حديثة للمراقبة ومتابعة المياه.. نحن نتابع حركة المياه منذ مراقبة الأمطار إلى أن تتحرك هذه المياه من إثيوبيا فى مجرى النيل مرورا بالسودان حتى تصل السد العالي، ثم نقوم بعملية تخزينها، وبعدها يأتى دور التحكم فى التصرفات طوال العام لتلبية احتياجات الشعب المصرى فى مختلف القطاعات، وهناك دور كبير نقوم به وهو المحافظة ومراقبة نوعية وجودة المياه الموجودة فى البنك المركزى المائى المصرى وهو بحيرة ناصر، ونختبر هذه المياه بشكل دوري، وهل بها ملوثات، كما نقوم بحساب كل التغييرات لمعرفة كل المؤثرات التى تعكر هذه المياه.. ومن هنا نستطيع أن نقوم ان عملية إدارة ومراقبة السد العالى تطورت مع توافر الأساليب الحديثة.
الفيضان هذا العام كان عاليا.. هل يستطيع السد الصمود أمام أى فيضان مهما كان ارتفاعه أم أن هناك مخاطر تهدد السد؟
السد العالى مصمم ومخطط لمجابهة كل التصرفات والفيضانات العالية التى يمكن أن تصل مصر، وهناك سيناريوهات كثيرة ومتعددة بحيث تستوعب كل الفيضانات بما لا يخل بأمان وسلامة السد العالي، والفيضانات التى تصل نقوم بتخزينها فى درجات محددة بما لا يخل بالسلامة، وهناك إستراتيجية نتبعها فى الإدارة نحافظ على كل قطرة مياه من الإهدار وأيضا ألا تمثل خطرا على جسم السد العالي.
بناة السد أو المصممون المصريون مع الخبراء الروس عندما خططوا لبناء السد وضعوا فى الاعتبار أن الفيضان قد يصل لمناسيب مرتفعة، وبالتالى وضعوا سيناريوهات لهذه المواقف كلها، وأن يكون السد قادرا ويعمل بكفاءة لمدة ٥٠٠ سنة مقبلة، لتلبية احتياجات الأجيال المقبلة.
هل توربينات السد تعمل بنفس الكفاءة التى صممت عليها أم أن هناك توربينات خرجت من الخدمة.. أقصد هل منشآت السد تعمل كلها بنفس الكفاءة بعد ٦٠ سنة خدمة؟
نقوم بالتعاون مع الزملاء بوزارة الكهرباء بإدارة الطاقة المولدة من السد، حيث بدأ تشغيل السد بكامل التوربينات فى يناير ١٩٧١، والطاقة المولدة حاليا تزيد عن الطاقة المولدة عند افتتاح السد فى عام ٧١، هذا يرجع للتطوير المستمر للمحولات والتوربينات والوحدات الجديدة سواء محطة أسوان ١و٢ وغيرهما، وهناك متابعة مستمرة للقيام بالتحديث للحصول على أكبر قدرة أو طاقة بما يفيد الشبكة القومية للكهرباء.
ماذا عن الخطة الاستثمارية لهيئة السد العالي؟
هناك خطة استثمارية نقوم بتنفيذها فى كل منشآت السد العالي، والتى تبلغ بإجمالى استثمارات تزيد على ٢٤٠ مليون جنيه لتطوير وتنمية السد العالي.
حيث تقوم الهيئة حاليا بتنفيذ عملية إعادة تأهيل خزان أسوان القديم فى ضوء نتائج وتوصيات دراسة الجدوى التى تم إجراؤها للخزان عام ٢٠٠٩ من خلال اتحاد مكاتب استشارية عالمية بقيادة مكتب (ساليزجيتر) الألمانى ليعمل لمدة ٥٠-٧٠ سنة قادمة مع إنشاء كوبرى مرورى جديد بديلا عن المرور أعلى جسم خزان أسوان؛ حيث إن زيادة عمر خزان أسوان يساعد على زيادة عمر عمل السد العالى وذلك باستثمارات إجمالية تصل إلى ٧٦.١٨٧ مليون جنيه، فى حين بلغت قيمة المنفذ خلال ٢٠١٩ مبلغ ١٥.٢ مليون جنيه وبنسبة قدرها ٢٠ فى المائة، وكذلك أعمال رفع خطوط المياه العكرة المارة على المساطيح والميول الخلفية لجسم السد العالى بإجمالى تكلفة ١١٩.٨٢ مليون جنيه، فى حين بلغت قيمة المنفذ خلال ٢٠١٩ مبلغ ١١٧.٤ مليون جنيه وبنسبة قدرها ٩٨ فى المائة، وأيضا عملية تطوير منظومة التهوية والإنارة داخل الأنفاق وممرات التفتيش بالسد العالى، بتكلفة إجمالية ١٧.٤٢ مليون جنيه، بالإضافة إلى عملية تطوير ورفع كفاءة منظومة الحقن وملحقاتها بجسم السد العالي.
وتنفيذ عملية الفتح والتجهيز لقفل السد الترابى بفم قناة مفيض توشكى، بتكلفة إجمالية ٩.٨ مليون جنيه، وقيمة المنفذ خلال العام ٥.٠٠ ملايين جنيه وبنسبة قدرها ٥٠ فى المائة، وذلك بهدف تصريف المياه الزائدة من بحيرة ناصر إلى قناة مفيض توشكى ومنها إلى منخفضات توشكى لضمان عدم ارتفاع منسوب المياه ببحيرة ناصر عن ١٨٢.٠٠ م وللحفاظ على أمان وسلامة السد العالى، وكذلك عملية تطوير منطقة رمز الصداقة المصرية السوفييتية ومنصة المشاهدة على جسم السد العالى بهدف تطوير المنطقة المحيطة برمز الصداقة المصرية السوفييتية.
كما نقوم بتنفيذ أعمال إنتاج خرائط رقمية لأملاك الهيئة بالسد العالى غرب وشرق والخزان وأبو سمبل وتوشكى بتكلفة إجمالية ١١,٤٠ مليون جنيه وقيمة المنفذ خلال العام ٢,٣٠ مليون جنيه وبنسبة قدرها ٤٠ فى المائة، فضلا عن عملية توسيع قناة مفيض توشكى المسافة من ك (٣.٢٦٥) حتى ك (٦.٠٠) بر أيمن وأيسر لإمرار تصرفات إضافية فى حالة الطوارئ والفيضانات العالية لأمان وسلامة السد العالي، بتكلفة إجمالية ٢٢.٢٨٠ مليون جنيه وقيمة المنفذ خلال العام ٢١.٢٠ مليون جنيه وبنسبة قدرها ٩٥ فى المائة، إضافة إلى عملية تعميق توسيع خور توشكى.