مسعود صبري* - موقع القرضاوي / 22-2-2007
يعد الشيخ القرضاوي من أبرز الشخصيات الإسلامية التي اهتمت مبكرا بموضوع حقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم، وتأتي أهمية قراءة هذه الحقوق في فكر الشيخ القرضاوي من كونه فقيها أصيلا؛ ففكره متصل بالفقه المبني على الأدلة الشرعية.
ومن أهم هذه الحقوق التي استقرأها القرضاوي من خلال النصوص الشرعية وأقوال الفقهاء ما يلي:
وصايا نبوية بأقباط مصر خاصة ويرى القرضاوي أنه إن كانت لأهل الذمة حقوق فإن أقباط مصر لهم شأن خاص ومنزلة خاصة، وذلك انطلاقا من الأحاديث النبوية الداعية إلى هذا، من ذلك ما روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى عند وفاته فقال: "الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله" (الطبراني). وفي حديث آخر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "... فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" يعني قبط مصر (رواه ابن حبان). وقد صدَّقَ الواقع التاريخي ما نبأ به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد رحب الأقباط بالمسلمين الفاتحين، وفتحوا لهم صدورهم، رغم أن الروم الذين كانوا يحكمونهم كانوا نصارى مثلهم، ودخل الأقباط في دين الله أفواجًا، حتى إن بعض ولاة بني أمية فرض الجزية على مَن أسلم منهم، لكثرة من اعتنق الإسلام. بل يجعل الرسول لأقباط مصر حقوقا أكثر من غيرها، وذلك فيما ورد عن كعب بن مالك الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا فُتِحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم دمًا ورحمًا". وفي رواية: "إن لهم ذمة ورحمًا" يعني أن أم إسماعيل منهم. (الطبراني والحاكم). ضمانات الوفاء ولم يكتف الإسلام بإقرار هذه الحقوق، بل وضع ضمانات للوفاء بهذه الحقوق، من أهمها ضمان العقيدة، فتلك الحقوق مسطرة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي محفوظة في عقيدة الإسلام، وتنفيذها جزء من تنفيذ العقيدة الصحيحة. وهي أيضا محفوظة بضمان المجتمع المسلم القائم على تنفيذ الشريعة وتطبيق أحكامها، وحقوق أهل الكتاب جزء من تلك الشريعة، ولكل مظلوم من أهل الذمة أن يرفع أمره إلى الحاكم لينصفه ممن ظلمه من المسلمين أو غير المسلمين، وضمان آخر عند الفقهاء، الذين هم حماة الشريعة، وموجهو الرأي العام. وضمان أعم وأشمل يتمثل في "الضمير الإسلامي" العام، الذي صنعته عقيدة الإسلام وتربية الإسلام، وتقاليد الإسلام". والتاريخ الإسلامي مليء بالوقائع التي تدل على التزام المجتمع الإسلامي بحماية أهل الذمة من كل ظلم يمس حقوقهم المقررة، أو حرماتهم المصونة، أو حرياتهم المكفولة. والذي يتصفح التاريخ الإسلامي يجد هذه الضمانات، من ذلك شكوى راهب أحد قواد ابن طولون أنه أخذ منه مالا، فرده إليه والي مصر، بل يصل الأمر أن للذمي أن يشكو والي البلاد، كما في قصة القبطي مع عمرو بن العاص وشكواه إياه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أنصفه. ومن أمثلة ضمان الفقهاء موقف الإمام الأوزاعي من الوالي العباسي في زمنه، عندما أجلى قومًا من أهل الذمة من جبل لبنان؛ لخروج فريق منهم على عامل الخراج، فكتب الأوزاعي إلى الخليفة يستنكر فعله، ويذكره أن أهل الذمة أحرار وليسوا عبيدا، وحين أخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة "يوحنا" من النصارى، وأدخلها في المسجد. واسْتُخْلِفَ عمر بن عبد العزيز شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم، فكتب إلى عامله برد ما زاده في المسجد عليهم، لولا أنهم تراضوا مع الوالي على أساس أن يُعوَّضوا بما يرضيهم، وتاريخ القضاء الإسلامي يشهد بذلك، كما حدث مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره؛ مما يدل بوضوح على أن الإسلام يعتبر أهل الذمة جزءا من مجتمعه، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.
ساحة النقاش