الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية

تعد الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية من الاتجاهات الحديثة والمتقدمة في مهنة الخدمة الاجتماعية علي مستوي العالم ، حيث يهدف هذا الاتجاه إلي تزويد الدارسين والباحثين في الخدمة الاجتماعية بمجموعة من المهارات والمعارف والقيم التي تهدف إلي التعامل مع المشكلات الاجتماعية المعاصرة بمنظور شمولي يتضمن كافة أنساق العملاء بدءا من مستوى الوحدات الصغرى Micro Level والتي تشمل (الفرد والأسرة) ثم مستوي الوحدات الوسطي Mezzo Level والتي تشمل(الجماعة الصغيرة) وانتهاءا بالوحدات الكبرى Macro Level والتي تشمل(المنظمة والمجتمع).

ونود أن نشير في هذا الصدد أن المجتمعات العربية في حاجة ماسة إلي مثل هذه الاتجاهات الحديثة التي تتعامل مع مشكلاتنا الاجتماعية المعقدة التي تتطلب اتجاه يتعامل مع مثل هذه المشكلات بدرجة من الشمولية تتناسب مع طبيعة هذه المشكلات ،وتعدد أبعادها. ومن ثم تعد الممارسة العامة من أفضل الاتجاهات للتعامل معها نظرا لأنها تقدم منظورا بواسطته يري الأخصائي الاجتماعي موقف الممارسة بوجه عام ،ويستخدم نظريات تركز علي التفاعل بين الأنساق ،أي تفاعل بين الشخص والبيئة ،ويوفر معرفة واسعة وأساس مهاري متنوع بحيث يصبح الممارس قادر علي اختيار الأسلوب الملائم لخدمة المستفيدين.

انطلاقا مما سبق سوف نقدم سلسلة من المقالات تتناول هذا الاتجاه.

مفهوم الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية:-
هناك العديد من التعريفات المعاصرة للممارسة العامة، ولكن لا يوجد اتفاق على تعريف لها. ولقد أقر مجلس تعليم الخدمة الاجتماعية CSWE أن جميع البرامج الدراسية سوف تقدم تعريفاتها الخاصة وأسسها المنطقية، ولقد تمت الموافقة على بعض الخصائص المشتركة، ولكن هناك خلاف في الأساس المنطقي الذي يستندون إليه. وسوف نعرض فيما يلي التعريفات الخاصة بالممارسة العامة.

الممارسة العامة هي "وجهة نظر معينة لطبيعة ممارسة الخدمة الاجتماعية، تركز على إقرار العدالة الاجتماعية، وتؤكد على أن بؤرة اهتمام الأخصائي الاجتماعي ينصب على المشكلات الاجتماعية والحاجات الإنسانية، وليس على تفضيل المؤسسة لتطبيق طريقة معينة للممارسة، ويؤكد هذا المنظور على عمل ما يحتاج إلى أن يتم عمله لتحديد المشكلة، وعلى ذلك فإن الأخصائي الاجتماعي يختار النظريات والطرق مستخدماً منظور الأنساق البيئية Ecosystems Perspective وعملية حل المشكلة Problem Solving Process كموجهات لعمله.

كما تُعرف الممارسة العامة بأنها "اتجاه شامل للممارسة يركز على المسئولية المتبادلة بين نسق الأخصائي الاجتماعي ونسق العميل في التعامل مع مشكلات العملاء في البيئة حيث يتضمن نسق العميل مكونات شخصيته المتعددة وأسرته وزملاءه ومجتمعه المحلي، والمجتمع العالمي أيضاً.
وتعرف أيضا الممارسة العامة بأنها "إطار للعمل يتضمن تقدير كل من الأخصائي والعميل للموقف لتحديد النسق الذي يجب أن يوجه إليه الاهتمام، وتركيز الجهود لتحقيق التغيير المطلوب فيه؛ حيث ينصب تركيز الاهتمام على الفرد أو الأسرة أو الجماعة الصغيرة أو المنظمة أو المجتمع المحلي.

كما تشير الممارسة العامة على أنها "الإطار الذي يوفر للأخصائي الاجتماعي أساساً نظرياً انتقائياً للممارسة المهنية؛ حيث أن التغيير البناء يتناول كل مستوى من مستويات الممارسة (من الفرد حتى المجتمع)، وتتمثل المسئولية الرئيسية للممارسة العامة في توجيه وتنمية التغيير المخطط Planned Change أو عملية حل المشكلة Solving Problem.

وتعد الممارسة العامة اتجاه الممارسة المهنية الذي يركز فيه الممارس العام في الخدمة الاجتماعية على استخدام الأنساق البيئية والأساليب والطرق الفنية لحل المشكلة دون تفضيل التركيز على تطبيق طريقة من طرق مهنة الخدمة الاجتماعية لمساعدة المستفيدين من خدمات المؤسسات الاجتماعية في إشباع احتياجاتهم ومواجهة مشكلاتهم، واضعاً في اعتباره كافة الأنساق (فرد، أسرة، جماعة صغيرة، منظمة، مجتمع) مستنداً على أسس معرفية ومهارية وقيمية تعكس الطبيعة المتفردة لممارسة المهنة في تعاملها مع التخصصات الأخرى لتحقيق الأهداف وفقاً لمجال الممارسة.

بينما تشير الممارسة العامة أن الأخصائي الاجتماعي "الممارس العام" هو الذي يكتسب معارف الممارسة ومهاراتها على نطاق واسع دون الارتباط بإطار نظري معين أو طريقة معينة؛ حيث يقوم بتقدير مشكلات العملاء وإيجاد الحلول المناسبة لها بصورة شمولية متكاملة تتناول جميع الأنساق التي تتضمنها هذه المشكلات.

كما يشير مفهوم الممارسة العامة أيضاً إلى قدرة الأخصائيين الاجتماعيين على العمل مع مختلف الأنساق مثل الأفراد والأسر والجماعات الصغيرة والمنظمات والمجتمعات مستخدمين إطاراً نظرياً فعالاً يتيح لهم الفرصة لاختيار ما يتناسب من أساليب واستراتيجيات للتدخل مع مشكلات ومستويات هذه الأنساق.

وتعرف الممارسة العامة بأنها تقوم على استخدام قاعدة المعارف الانتقائية، والقيم المهنية، ومجموعة عريضة من المهارات لاستهداف أنساق من أي حجم لتحقيق التغيير مع أي من هذه الأنساق من خلال أربعة عمليات أساسية هي:

- تتطلب الممارسة العامة العمل بشكل فعال من خلال البناء الهيكلي للمؤسسة وتحت الإشراف المهني.


- أنها تتطلب مجموعة متنوعة من الأدوار المهنية.

- تطبيق مهارات التفكير النقدي Critical Thinking خلال عملية التغيير المخطط.

- تؤكد الممارسة العامة على تمكين العميل Client Empowerment.

ويوضح الشكل رقم (1) طبيعة الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية من خلال عناصر ومستويات أساسية تعكس الخطوات والإجراءات العملية لعمل الخدمة الاجتماعية في كافة المجالات.


البناء الهيكلي للمؤسسة


أنت كممارس عام

1- المعارف
2- القيم

3- المهارات

الإشراف



النسق الأكبر


- مجموعة متنوعة من الأدوار المهنيةÏ
- استخدام مهارات التفكير النقديÏ
- عملية التغيير المخططÏ
- تمكين العميلÏ

النسق الأوسط

النسق الأصغر



التطبيق



النســق المستهدف



شكل رقم (1)

ويتضح من الشكل السابق أنه يمكن وصف الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية من خلال ما يلي:

1- قاعدة المعرفة الانتقائية:- An Eclectic Knowledge Base

حيث تشمل هذه القاعدة معارف مرتبطة بكل من مجالات الممارسة ونظرية الأنساق العامة والمنظور الأيكولوجي (البيئي)، إلى جانب معارف مرتبطة بالسلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية، وسياسات الرعاية الاجتماعية والخدمات، ومعارف تتصل بممارسة الخدمة الاجتماعية، ومعارف تتصل بالبحث.

2- تطبيق مجموعة عريضة من المهارات لاستهداف أنساق من أي حجم:-


Application of a Wide Range of Skills to Target System of any Size

لذا فإن منظور الممارسة العامة يشمل قاعدة من المهارات للعمل على مستوى الوحدات (الصغرى – المتوسطة – الكبرى) من الممارسة.

3- مجموعة متنوعة من الأدوار المهنية A Wide Range of Roles.


4- مهارات التفكير النقدي:- Critical Thinking Skills


حيث يمكننا أن نلخص عمل الأخصائي الاجتماعي "الممارس العام" في قدرته على الإلمام بمجموعة من المعارف الانتقائية، والتزامه بالقيم المهنية، وتطبيقه لمجموعة عريضة من المهارات المهنية مع عدد من أنساق العميل ذات الأحجام المختلفة، وكفاءته في تبني مجموعة عريضة من الأدوار، ولكن من المهم أن يكون لدى الممارس العام القدرة على تطبيق التفكير النقدي عند استخدامه لعملية التغيير المخطط. ويوضح "Lindsay" 1995 أن التفكير النقدي هو القدرة على استخدام عمليات تفكيرية (عقلية) لتقييم العبارات والمناقشات والتجارب (وذلك بعيداً عن التحيز والانفعال). وبعبارة أخرى إن التفكير النقدي يمثل القدرة على اختبار مصداقية الفروض، وأيضاً اختبار مصداقية بعض الأشياء التي قد يؤمن بها الآخرون ويعتبرونها حقائق، إذن كل شىء قابل للاختبار والتمحيص بناء على التفكير النقدي باستخدام أسلوب منهجي وعلمي.

5- التغيير المخطط Planned Change.

6- التمكين Empowerment

وفي ضوء ما سبق يمكن تحديد أهم خصائص الممارسة العامة على النحو التالي:

1- الممارسة العامة تتكون من معارف ومهارات وقيم مهنية منتقاة والتي تعتمد على:


- فن المعرفة الحرة.


- الإطار النظري الكلي (الشمولي) لأسس ممارسة الخدمة الاجتماعية.

- الإلمام بمجالات الممارسة ومؤسسات الممارسة والمشكلات الاجتماعية للأشخاص – في – البيئة.

- قابلية التطبيق مع مختلف أنساق العميل (فرد – أسرة – جماعة – منظمة – مجتمع) من خلال مستويات متعددة للممارسة (صغرى – متوسطة – كبرى).

2- الممارسة العامة تتكون من إطار مفاهيمي ذو أبعاد متعددة والذي يعكس:

- الانتقاء الحر لنظريات التدخل المهني.

- التركيز على المشكلة.

- التركيز على الشخص – في – البيئة، والذي يعكس العلاقات بين المشكلات الإنسانية، ومواقف الحياة، والظروف الاجتماعية.

3- التقدير متعدد الجوانب والذي يعتمد على:

- فردية واختلاف أنساق العميل والبيئات.

- منظور الأنساق الأيكولوجية (البيئية)، والقوى / الحاجات.


- لا يتقيد بإطار نظري أو نموذج أو نسق عميل محدد للتدخل.

4- قواعد واستراتيجيات التدخل ترتكز على:

- المشكلة المتفردة لنسق العميل / حاجاته، وموارده، وأهدافه، وظروفه البيئية.

- العوامل البيئية لنسق العميل المستهدف للتغيير.

- حجم ومستوى نسق العميل المستهدف للتغيير.

5- الممارسة العامة اتجاه تطبقي يحدد خطوات التدخل المهني للأخصائي الاجتماعي ويمنحه الفرصة لاختيار ما يتناسب من أساليب علاجية مع مشكلات العملاء بغض النظر عن النظرية أو الاتجاه الذي تنتمي إليه هذه الأساليب.

6- تعتمد الممارسة العامة على مفاهيم العديد من النظريات منها النظرية العامة للأنساق General System Theory، والمنظور الأيكولوجي Ecological Perspective وخاصة فيما يتعلق بتفسير مشكلات العملاء في ضوء العلاقة التبادلية والتكاملية بين الأنساق وبعضها وبينها وبين البيئة التي تعيش فيها.


7- تعتبر الممارسة العامة نموذجاً وحدوياً Unitary متكاملاً Integrated شاملاً Holistic يتضمن العمل مع الأفراد والجماعات والمجتمعات؛ حيث لا يركز على طريقة معينة للتدخل المهني بل يعتبر أسلوباً عاماً وشاملاً لوصف وتفسير المشكلات على أي مستوى؛ حيث يرتكز التدخل المهني على أنساق مؤثرة Affected Systems تؤدي إلى سهولة اختيار الأخصائي الاجتماعي للأساليب المناسبة التي تتلائم مع الموقف أو المشكلة التي يواجهها العميل في أي مجال من مجالات الخدمة الاجتماعية.

وبعد استعراض العديد من تعريفات الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية، والخصائص المميزة لها، فإنه يتضح لنا أن الممارسة العامة تستهدف تحقيق مجموعة من الأغراض أشار إليها "بينكس وميناهان" Pincus & Minahan فيما يلي:

1- تعزيز قدرات حل المشكلة لدى الناس الذين نتعامل معهم.


2- ربط الناس بالأنساق التي تمدهم بالموارد والخدمات التي يحتاجونها.


3- الارتقاء بفعالية وقدرات الأنساق المختلفة في المجتمع.


4- المشاركة في تنمية وتحسين السياسات الاجتماعية في المجتمع.

وبمعنى آخر فإن الغرض من الخدمة الاجتماعية هو مساعدة الناس المحتاجين من خلال مختلف الوسائل والأساليب الأخلاقية المتاحة أمام المهنة.

ومن ثم فإن الخدمة الاجتماعية في إطار الممارسة العامة تتميز بأربعة أبعاد رئيسية تجعلها فريدة Unique وهي:

البعد الأول: يركز الأخصائي الاجتماعي اهتمامه على مشكلة أو مجموعة من المشكلات مهما كانت درجة تعقيدها أو صعوبتها، والممارسة العامة لا تعني هنا أن كل مشكلة يتعامل معها الأخصائي يمكن حلها نهائياً، ولكن تعني أنه يمكن على الأقل التخفيف من حدة بعض هذه المشكلات. إن الأخصائي الاجتماعي "الممارس العام" يتسلح بحقيبة من المهارات لمساعدة العملاء على تحديد مشكلاتهم بدقة، وكذلك توجيه الجهود المناسبة للتعامل مع هذه المشكلات.
البعد الثاني: إن ما يجعل الخدمة الاجتماعية أكثر تفرداً هو استهدافها تغيير البيئة.
البعد الثالث: ويرتبط هذا البعد أيضاً بالبيئة المستهدفة، فغالباً ما يحتاج الأخصائي الاجتماعي إلى مساندة عملائه عن طريق التدخل الفعال الذي يساعد العميل على إشباع احتياجاته.

البعد الرابع: التمسك باتباع وتنفيذ القيم المهنية الأساسية للخدمة الاجتماعية.

المراجع المستخدمة
1) David S. Derezotes: Advanced Generalist Social Work Practice, (California, Thousand Oasks, Sage Publications, 2000)

2) Elizabeth March Timberlake & et al.: The Generalist Method of Social Work practice MC Mahon’s Generalist Perspective (Boston, Allyn and Bacon, 4th ed., 2002) PP: 3-4.

3) Karen K. Kirst – Ashman & Grafton H. Hull, Jr.: Understanding Generalist Practice, (U.S.A., Brooks/Cole, Thomson Learning, 3rd ed., 2002) PP: 6-27.
4) Louis C. Johnson & Stephen J. Yanca: Social Work Practice A Generalist Approach, (Boston, Allyn and Bacon, 7th ed., 2001)

5) Pamela S. Landon: Generalist and Advanced Generalist Practice, In: Richard L. Edwards, ed-in-Chief, Encyclopedia of Social Work, 19th ed., Vol. (2), (Washington, DC, NASW Press, 1995).

6) Robert L. Barker: The Social Work Dictionary, (Washington, DC, NASW Press, 1999)

(7) حسين حسن سليمان وآخرون: الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية مع الفرد والأسرة ،(بيروت، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2005)
( ماهر أبو المعا طي علي: مقدمة في الخدمة الاجتماعية مع نماذج تعليم وممارسة المهنة في الدول العربية، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 2002) ص: 359.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1180 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2012 بواسطة elmasrawy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

51,569