قراءة في كاتب الرسائل .. قصة قصيرة بقلم أحمد نبيل
نشرت القصة ضمن الدوري الثقافي المصري، والمقام على موقع بتانة، http://www.battana.org/Participation_Details.aspx?index=DbcSS7ArT8Q= ؛ بدأت القصة بداية غريبة بعد الشيء، لا تفهم أهي مقدمة أم تنويه أم ملحوظة...الخ، ليس مهما تسميتها، المهم انك كقارئ تورطت في القراءة والمتابعة لباقي أحداث القصة، وهذا هو الغرض المنشود للكاتب. والمكان الذي تدور فيه أحداث القصة هي القرية والتي لها ظهير غابي، لأنها قرية في دولة كندا، وبسبب الطبيعة الجغرافية، طرحت القصة لمسألة عدم الاهتمام بالتعليم بل اتجاه أهالي القرية لفكرة امتهان المهن المرتبطة بالحياة بالغابات.
فكرة هذه القصة تذكرني ببعض المناطق المعروفة في الكثير من المحافظات المصرية، حيث تجد في بعض القرى أو المركز أو المدن التي يوجد بجوارها أو بظهرها ظهير بحري فتجد أن أهالي تلك المناطق يتركون التعليم ويتجهون مثلا للعمل في مجال الصيد وامتهان مهن الصيد والمهن المتعلقة بها كغزل الشباك وصناعة القوارب وصيانة السفن، وتجد أن تلك المناطق أقل في نسب المتعلمين والمثقفين وحملة الشهادات والمؤهلات الدراسية.
يسرد المؤلف قصته على لسان الراوي، وليس على لسان أحد شخوص القصة، ومنهم الرجل العجوز المتعلم "هانز"، والمحامي "ستيف" أحد أعضاء مجلس شيوخ القرية الأربع، فهو مجلس يدير شئون القرية في كافة جوانب الحياة. فكان هانز أكبر الأعضاء أما ستيف فكان أصغر الأعضاء.
اللغة المستخدمة بالقصة هي اللغة العربية الفصحى، حتى في الحوار الذي دار بين الشخصيتين الرئيسيتين بالقصة كان بالفصحى فلم يستخدم الكاتب اللغة العامية. ترسخ القصة لقيمة العمل وأن العمل في حد ذاته له قيمة كبيرة في حياة الإنسان، حتى ولو لم يكن الإنسان في حاجة للمال، ولكنه في حاجة للعمل الجاد، وفي أي سن، فليس معنى أنك كبرت في العمر وتقدم بك السن أنك تجلس في بيتك بلا عمل وبلا قيمة مضافة للحياة.
أيضا تطرح القصة لمسألة أن عدم إجادة القراءة والكتابة تعني فقط الاتصال والتواصل بالآخرين خارج القرية، بسبب عدم تمكن الراسل أو المستقبل منهم في قراءة ما يرد إليه أو ما يحب أن يرسله للآخرين.
يعد عنوان القصة "كاتب الرسائل"، جاء مناسب جدا، حيث توافق مع أحداث قصة القاص أحمد نبيل محمد، حيث ابتكر داخل قصته وظيفة جديدة لأكبر الشخصيات المتعلمة والمثقفة داخل القرية وداخل مجلس شيوخ أو شورى القرية، حيث جاء المقترح من المحامي ستيف عندما علم بخبر رغبة هانز في ترك القرية بحثا عن عمل بعد أن جلس لأكثر من عامين بلا عمل، حيث حول قراءته وكتابته للرسائل لأهالي القرية بمقابل مادي يحدده هانز، فحول الوقت المبذول في ذلك إلى وقت مبذول بمقابل مادي، وبالتالي تحول هانز إلى كاتم اسرار القرية وصندوقها الأسود. وكأي فكرة جديدة تجد الشاب متحمس ومتشجع لها، وتجد العجوز متحفظ وغير مرتاح لها، هذا ما حدث فعلا من قبل ستيف صاحب الفكرة وهانز الذي سيطبق عليه الفكرة.
ومع الظروف التي يعيشها أهالي القرية غير المتعلمين، ومع حاجتهم الإنسانية للتواصل مع العالم خارج قريتهم، ومع قيم الأمانة وحفظ السر المعروفة عن هانز، كان لابد من نجاح فكرة ستيف ونجاح هانز في وظيفته المبتكرة صاحب مكتب كتابة وقراءة الرسائل، وبدأ الكاتب في طرح نماذج من طبيعة عمل هذه الوظيفة الجديدة وهذا الموظف المجتهد المحب للعمل.
ونستطيع ان نقسم القصة إلى نصفين، النصف الأول وصف لجغرافية وديمغرافية المكان وطبيعة أهالي القرية، والتركيز على الشخصيتين الرئيسيتين، حتى الوصول إلى افتتاح مكتب كاتب الرسائل، وبعدها يأتي النصف الثاني وهي تجربة كاتب القرية "هانز" برسائل وأسرار أهالي القرية. ففي النصف الأول نستطيع أن نقول أن احداثها درات في وقت وجيز، بينما النصف الآخر جاء بعد تجربة وعمل هانز بعام كامل، الراوي داخل القصة أخذ عدة مستويات داخل القصة.
أننا جميعا نتعلم من بعضا، ففي العبارة "لكنه تجاهل هذا الاحساس الغير مريح"، "الغير مريح" لا تكتب هكذا بل تكتب "غير المريح" أي ألف ولام "الـ" التعريف تكتب مع الكلمة التي تأتي بعد كلمة "غير"، مثل ما نزلت في سورة الفاتحة بالقرآن الكريم "غير المغضوب".
المفاجأة .. بل والدهشة.. الموقف الذي حدث لهانز عندما ذهب لبيت الفتاة العشرينية الجميلة، لكي يكتب لها خطابا، تصور هو من خلال ما وجدته من ملامح الفتاة أنه خطاب لحبيبها سوأ أكان زوجها أو خطيبها، ولكن كان الخطاب "رسالة إلى الله"!!، هذه الرسالة كانت في حد ذاتها قصة أخرى موازية للقصة الأصلية، ولكن على لسان تلك الفتاة تمليها على مسامع هانز ليكتبها بخطه على الورق ونقرأها نحن!، وقد زيلت خطابها إلى الله باسمها (ليلينا بلانك).. وذلك يكون القاص/ أحمد نبيل، قد وضع اسامي لأبطال قصته مثلما رسم ملامحهم.
لا تقاس القصة القصيرة بالطول أو القصر، فليس المقصود بالقصيرة طولها أو عرضها، بل القصر هنا هو في تطبيق مبدأ الوحدة فيها، أي الإجابة على التساؤلات التالية، هل حققت القصة مبدأ وحدة موضوع واحد - هدف واحد - الشعور واحد - طريقة المعالجة واحدة - موقف واحد؟.
القصة مليئة بالمفارقات، بالمبدأ ثم يأتي الخبر بعده، الفكرة ممتازة، والمعالجة جاءت بأسلوب رشيق ممتع، القصة من حيث الحجم طويلة ولكنها ليست بالمملة. وتنتهي القصة بموت البطل، الذي عاش بين الحق والباطل، بين السعادة والبؤس، بين فعل الخير وفعل المنكر، خرجت روحه من جسده في لحظة توبة إلى الله بعد ان كتب رسالة إلى الله، فلم تعرف الملائكة إلى الجنة أم النار سيذهبون به، هذا والله اعلم.
قراءة وتحليل: محمود سلامة الهايشة – كاتب وباحث مصري، [email protected]
ساحة النقاش