الكفالة, و الضمان.

فى القانون المصرى, كما فى أغلب القوانين الجنائية المعمول بها فى معظم دول العالم, أورد القانون نصوصا تعطى للمواطن حقا فى الإفراج عنه بكفالة لحين حلول موعد محاكمته.

و لكن يبدوا أن فكرة الكفالة فى القاون المصرى تختلف فى " تطبيقها " عن غيرها فى الدول الأخرى.

و قبل شرح أوجه الخلاف, سوف أشرح معنى كلمة "كفالة", و الفرق بينها و بين كلمة " ضامن" سواء أكانت الضمانة مالية أم شخصية.

عند القبض على مُتهم, لا يظهر أمام المحكمة المختصة فورا, بل هناك خطوات تُتبع, منها فى مصر مثلا عرض المتهم على النيابة, مع حبسه لمدة معينة على ذمة التحقيق, ثم بعد ذلك يتم إستدعاء الشخص أمام المحكمة لكى تطلب النيابة إستمرار حبسه. ثم بعد ذلك يجئ دور المحاكمة.

أباح القانون للمتهم أن يطلب, فى أى من المراحل السابقة, الإفراج عنه بكفالة, إذا كان الإتهام فى جناية, أو جنحة معاقبا عليها بالحبس. و فى إنجلترا و أمريكا, لا ينظر فى طلب الكفالة إذا كانت التهمة هى القتل العمد.

كذلك أباح القانون للمتهم طلب الإفراج عنه بالضمان الشخصى, او المالى فى الجنح الخفيفة, و المخالفات.

الكفالة إذن هى مبلغ تقرره النيابة, أو المحكمة, نظير إطلاق سراح المتهم, لحين محاكمته. و يكون إستعمال الكفالة هنا, و خاصة إذا كان مبلغ الكفالة مرتفع, مقصود به ضمان أن المتهم سوف لا يتخلف عن الحضور الى المحكمة, و إلا صادرت المحكمة المبلغ, مع إصدار أمر بالقبض على المتهم, و ما يتبع ذلك من أمور يعرفها الجميع.( المفروض أن تُرد الكفالة إذا لم يتغيب المتهم عن الحضور)

و فى القضايا البسيطة, يمكن الإفراج عن المتهم, أو المشكوك فيه, بالضمان الشخصى, و كان " شيخ الحارة" فى الماضى هو الضامن الشخصى, و كان يتناول "المعلوم" نظير هذه " الخدمة".

و فى بعض الحالات , تكون الضمانة مالية, و لا يعنى ذلك دفع أى مبلغ, و لكن الضامن سوف يفقد مقدارا محددا من المال, إذا فشل المتهم فى الحضور الى النيابة أو المحكمة( فى القانون الإنجليزى).

و أحيانا يُطلب من الضامن إيداع مستندات تثبت ملكيته لممتلكات تكفى قيمتها لدفع الضمانة فى حالة التخلف.

نعود الى الفرق بين الكفالة فى الفكر القانونى المصرى, و الفكر الغربى.

من المبادئ القانونية التى تحميها جميع الدساتير, سواء بالفعل, أو بالقول, أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته, و هذا هو أساس فكرة الكفالة, فالمتهم الذى يتم القبض عليه من حقه أن يقول أنه لم تثبت إدانته بعد, و من حقه طلب الإفراج عنه.

لذا, نرى أن المحاكم الإنجليزية, و أغلب المحاكم التى تتبع القانون الإنجليزى, تجعل حق الإفراج بكفالة أو بدونها ( لحين المحاكمة ) حقا أساسيا, و جعلت سحب هذا الحق هو الإستثناء.

بمعنى أنه طالما أن المتهم معروف محل إقامته, و لم يكن له سوابق, و لم يتهم بارتكاب جريمة تهدد أمن المجتمع, و لم تكن تهمته إرتكاب عمل عنيف..... الخ, فى هذه الأحوال, يكون للماجيستيريت( قاضى أدنى درجة) أن يأمر بأحد من الأمور الآتية:

1- أن يأمر بالإفراج عن المتهم بدون كفالة, و بالضمان الشخصى.
2- أن يأمر بضمان مالى
3- أن يأمر بدفع كفالة تتناسب مع خطورة الإتهام
4- أن يأمر باستمرار حبس المتهم بدون كفالة, حيث أن المتهم معتاد الإجرام, أو أجنبى يمكنه مغادرةالبلاد, أو خطر على المجتمع, أو خطر على الشهود.

و السبب فى جعل الإفراج هو الأساس, و الحبس هو الإستثناء هو أن المواطن فى هذه البلاد هو سلعة نفيسة.

فله أسرة يعولها, و له عمل يسترزق منه, و له الحق فى الإستمتاع بحريتة و صحبة أصدقائه, طالما أن التهمة لم تثبت عليه بعد, و طالما أنه لم يكن هناك داع جدى ملح لحبسه.

و الحكمةالإقتصادية واضحة هنا, فالحكومة لن تصرف مليما واحدا على المتهم, الذى يُكلف وجوده فى داخل السجن مبالغ طائلة.

كذلك يسمح باستمرار المواطن فى عمله, و هذه هى خير وسيلة لتفادى حرمان أبرياء من عقوبة ليس لهم بها دخل, و أقصد بذلك أعضاء أسرة المتهم.

و يبدوا أن المواطن المصرى هو سلعة رخيصة, لذا نرى فلسفة الكفالة كما تطبقها المحاكم هى عكس المقصود بها طبقا للقانون, فالمتهم محبوس لأن المحكمة أو النيابة ترى أنه يعتبر مذنبا إلى أن تثيت براءته.

و عل المتهم أن يلتمس الإفراج عنه بكفالة, و فى أغلب الأحيان, ترفض المحكمة الطلب, و تودع أفرادا لا خطر منهم فى السجون لسنوات, حتى تثبت براءتهم. و ليس من حقهم المطالبة بأى تعويض عن ذلك, بل من المطلوب منهم أن يهتفوا فور حكم البراءة بكلمة.......... يحيا العدل.

فضلا عن هذا, فإن أنكار حق الكفالة لمن يثبت براءته فى النهاية يفقد المواطن الأيمان بالعدل, و بالنظام الإجتماعى كله.

ليس معنى ذلك أن كل متهم يجب أن يتم الإفراج عنه, و لكن من المطلوب مراعاة ظروف كل حالة على حدة, و تقدير مدى الضرر المادى و الإقتصادى الذى سيترتب عليه حبس أفراد لم تتسم تهمهم بالعنف ( مثل إالتهم الموجهة الى كثير من مديرى البنوك و الذين يمكن منعهم من مغادرة البلاد الى أن تنتهى المحاكمة )

ما ذنب أسرة المتهم؟ و لماذا يعاقبهم القانون, بحرمان عائلهم من حق إعالتهم, قبل ثبوت التهمة؟

و لماذا تحشد الدولة هذا العدد الغفير فى سجون مكتظة, غير صالحة للإستعمال الآدمى؟

"نظريا ", المفروض أن تقوم الدولة بتوفير المأكل و المشرب, و الرعاية الصحية مجانا. أعيد القول...." نظريا", فإذا كان ذلك كذلك, لماذ تنفق الدولة هذه الأموال لحجز قوم ليس منهم خطر, و لن يمكنهم ترك البلاد؟

نجئ الآن الى الجانب العملى: الحكومة لا تصرف مليما واحدا عليهم, فقد زرت السجون, ووجدت أن كل متهم محبوس إحتياطيا يقوم بدفع رشاوى طائلة لكى يتمتع ببعض الهواء, و بمكان نظيف يلقى نفسه فيه.

أما الأكل, فكل أسرة تحضر طعام لعائلها, و أغلب هذا الطعام لن يصل لصاحبه بدون دفع إكرامية. و يتقاسم ضباط السجن هذه الرشاوى مع سجانى و سجانات السجن , علنا, و بدون حياء.

إذن, مهما نظرنا الى فلسفة الكفالة طبقا للتطبيق المصرى لها, سنجد أنها تُطلع لنا لسانها, و تقول بإصرار شديد:

المتهـــــــــــــــم مذنب, حتى لــــــــــــو ثبتت براءته

elgendiart

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 252 مشاهدة
نشرت فى 22 فبراير 2011 بواسطة elgendiart

ساحة النقاش

elgendiart

elgendiart
المدير العام ورئيس أدارة هيئة تحرير المجلة محمد نجيب الجندى ايطاليا »

السيرة الذاتية

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

113,688

اعلان اليوم

اعلان اليوم


للاعلان على مجلة أراء وافكار
رجاء الاتصال على العنوان التالى



[email protected]

[email protected]



Free Image Hosting at www.ImageShack.us
Free Image Hosting at www.ImageShack.us
Free Image Hosting at www.ImageShack.us