أكتوبر2820151:38:14 مـمحرّم141437جريدة شباب مصرحامد الأطير

الدولة المصرية تعتنق إدارة الفشل في تسيير وإدارة كل وزاراتها ومؤسساتها وشئونها ، وهذا ليس بالشئ الجديد عليها ، بل توارثته منذ حقب سبقت ، وحتى هذه اللحظة وبعد ثورتين فإن الدولة لم تفلح في تبني منظومة إصلاحية أو فكر خلاق ينتشلها من مستنقع التخلف الذى تقبع فيه ، وحتى الآن فشلت في تحفيز الشعب لتغيير قيمه السلبية القاتلة ، والتي من أهمها كره العمل والميل إلى الكسل والراحة ، وعشق الكلام والجدل ، واستحلال سرقة واستلاب وتدمير المال العام ، والتفنن في مخالفة القانون والخروج عليه . لقد بقى العفن المتوارث على حاله ، من سوء إدارة وسوء تخطيط وتراخي في تطبيق القانون وفساد ورشوة وتراجع للخلف ، وحتى الآن لا أحد يرى أن الدولة قد غيرت الدفة واتبعت سياسات اقتصادية واجتماعية تعمل لصالح الفقراء والبسطاء ، والمُشاهد أن الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير 2011 سائرة في نفس طريق من سبقوها ، ولذا فالإحساس بتغير الأحوال والظروف عما كانت عليه فى الماضي يكاد يكون معدوما.
ويخطئ من يظن أن الشعب المصري وبعد مرور عامين و أربعة أشهر على ثورة 30 يونيه 2013 ، سيظل واقفا على أعتابها مكبرا ومهللا ومنتشيا ، سيكون مخطئاً وأحمقا ، لأن 30 يونيه كانت محطة في حياة الشعب المصري ، الشعب شكر جيشه ورئيسه بعد أن خلصهم من براثن وأنياب تنظيم إرهابي فاشي خائن ، واعترف لهم بالجميل ، ثم كباقي الشعوب أكمل المسير لتحقيق طموحاته ، وما لبث أن أمعن النظر فيما حوله وبدأ يتساءل: وماذا بعد ؟ ما الذي تحقق بعد 25 يناير وبعد 30 يونيه؟
ولا مكان هنا ولا وقت للمزايدين ، أنصار التأليه وعاشقي النفاق والتملق والتزلف من السلطة والسلطان والمدافعين عن الإخفاق والفشل بشتى صوره ، ولا وقت لشعاراتهم البليدة المكررة: بأن التركة ثقيلة والميراث مسمم ، وهم لا يدرون أنهم بكلامهم هذا يطعنون فيمن جاء للحكم ، ويقرون بعجزه وعدم كفاءته ، ويقرون بأنه لا يفرق عمن سبقوه ، وأنه لن يفعل أفضل مما فعلوه ، ومن باب التبرير قد يرددون أيضاً: بأن الدولة منشغلة عن المواطن بمكافحة الإرهاب ، لأن هذه سقطة كبرى ، فكل دول العالم صغيرها وكبيرها تواجه تحديات وأطماع وتواجه الإرهاب وتكافحه ، ولا توقف خططها التنموية ولا تعطل مؤسسات الدولة من أجل هذا الغرض ، ناهيك عن أن التحجج الدائم بمكافحة الإرهاب ، يدمغ الدولة بالفشل الذريع ، فرغم أن مكافحة الإرهاب تحتاج الى وقت وجهد ، إلا أنه لا يُعقل أن تحشد الدولة جهودها وعدتها وعتادها وجيشها وشرطتها ومخابراتها كل هذا الوقت دون القضاء على الإرهاب قضاءً مبرما.
على من يدير الدولة المصرية أن يعمل جاهدا وفورا على منح المصريين الأمل بشكل محسوس وملموس بعيد عن الأرقام والنسب والمؤشرات الاقتصادية ، التي لا تشبع بطنا ولا تعالج مرضا ولا تسر نفسا ، وأن يعمل لصالح عامة الشعب لا خاصتهم ، وأن يقلب كفة الميزان لصالحهم ، لضمان مسكنهم وطعامهم ودوائهم وتعليمهم ، وهذه أبسط حقوقهم ، كما يتوجب عليه اتباع القاعدة التي تتلمسها كل الدول الناجحة ، وهي الأخذ من الغني لإعانة وإعالة الفقير ، ، وللخروج من دائرة الفشل المتكرر والمتوالي ، يجب عليه أن يغير مفاهيم الإدارة العشوائية تغييرا كليا واعتناق أسلوب الإدارة بالأهداف ووضع مؤشرات أداء ، لقياس عمل وأداء الوزارات والهيئات والمؤسسات ، وتطبيق النظم الإليكترونية وميكنة العمل الحكومي كاملا ، للقضاء على العراقيل والأخطاء التي يرتكبها العنصر البشري عامدا متعمدا لتعطيل مصالح الخلق من أجل الحصول على الرشى والمنافع الشخصية دون وجه حق ، كما يجب عليه تحفيز الشعب وشحذ همته لبذل أقصى جهده لبناء وطنه وحمايته ، وعلينا أن نتصرف كدولة فقيرة ، وأن نحسن استغلال الموارد والإمكانات المتاحة ، وأن نرشد وارداتنا من الخارج ، وأن نكتفي باستيراد الضروري والهام من احتياجاتنا ، كالمعدات والآلات والمواد اللازمة للتصنيع والإنتاج وأن نلغي استيراد السلع الاستفزازية غير الضرورية أو نفرض عليها رسوم أضعاف أضعاف سعرها ، وأن نعمل على تشجيع الاستثمارات ، خاصة المحلية قبل الأجنبية ، بمنح مزيد من الحوافز والميزات .
كما يجب دمج الوزارات المصرية وإلغاء بعضها فورا لنصل بها إلى (10) أو (15) وزارة على أقصى تقدير ، فلا يمكن أن يكون في دولة لها مثل ظروفنا (33) وزارة ، فهذه الكثرة تؤدي لتضارب السلطات و الاختصاصات وتعطيل القرارات وفشل تحقيق الاستراتيجيات ، ناهيك عن العبء المالي الذي تتحمله خزانة الدولة ، ويمكن مثلا دمج وزارتي التعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة ، على أن يكون داخل الوزارة هيئة أو إدارة للتعليم العالي وإدارة للتعليم العام وإدارة للتعليم الفني ، كدمج وزارة الثقافة والإعلام والآثار في وزارة واحدة ويكون لكل واحدة هيئة داخل الوزارة ، ، وهذا النموذج من الدمج ينطبق على وزارات عدة ، ويجب العمل فورا على تخفيض السفارات والقنصليات المصرية الى النصف بشكل مبدئي ، وتخفيض عدد العاملين في السفارات لأن معظمها لا لزوم له ولا فائدة منه ، ولنا عبرة في الملحقين الثقافيين والتجاريين الذين لا لزوم لهم في 80% من سفاراتنا ، لا يُعقل أن يكون لمصر وهي دولة نامية وفقيرة 170 سفارة ، فنحن لسنا دولة عظمى أو غنية لننفق على هذا العدد المهول من السفارات والقنصليات .
كما يجب ضغط الإنفاق الحكومي السفهي والترفي ومحاربة الإسراف والتبذير والتسيب المالي ووقف الصرف في وجوه غير مجدية كالتأثيث الفاخر والديكورات والسيارات والبدلات والمكافآت والحوافز لمسئولين لا يستحقون حتى راتبهم الأساسي ، ويجب تسريح المستشارين من الوزارات والمصالح الحكومية ، لأنهم يستنزفون أموالنا بلا أي فائدة منهم . ويجب توحيد وتفعيل الأجهزة الرقابية على اختلاف مستوياتها ، كما يجب تطبيق القانون على رقاب الجميع بلا استثناء ، وعدم التمييز الطبقي أو الطائفي أو الديني أو المهني ، لتتساوى المراكز القانونية لكل المصريين ويكونوا سواسية حسبما نص الدستور .
إن العقل والجسد المصري لا زالا أسيرين للجهل والمرض ، العقل مأسور بتعليم فاشل وصل للحضيض بعد أن ضربته الفوضى على مر السنين ، وتحول إلى تجارة أشد ربحا من تجارة المخدرات يسيطر عليها مرتزقة شديدو البأس داخل الوزارة وخارجها . ولغياب الرؤية الوطنية لما يجب أن تكون عليه مصر اليوم ولمائة عام قادمة ، غابت الأهداف والخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل المراد تحقيقها ، وبالتالي تخبط التعليم حسب الرؤى الشخصية لكل وزير ، ولم يعد قادرا على توفير المنتج البشري والعلمي بجودة عالية ، رغم وجود أكثر من نوع وصنف من التعليم ، تعليم عام وتعليم ديني وتعليم أجنبي ، ورغم تعدد المدارس ما بين حكومية وخاصة وتجريبية ودولية وشبه دولية ، ورغم تعدد المناهج ما بين مناهج حكومية ومناهج دولية ومناهج مختلطة ، ورغم وجود تعليم جامعي حكومي وأمريكي وألماني وياباني وفرنسي وبريطاني وكندي وقريبا الإيطالي .
ومن نافلة القول أنه إذا أردت التخلف والانحطاط لدولة ، فما عليك إلا بتخريب عقلها وتجهيل أبنائها ، وليس أقدر على التخريب والتجهيل من نظامنا التعليمي ومنظومتنا الثقافية والإعلامية العفنة البليدة ، التي تفتقر إلى القواعد والأسس والاستراتيجيات الوطنية ، فأصبح تأثيرها مدمرا وخطرا على العقل والوجدان المصري .
أما الجسد المصري فأنه يئن ويصرخ من شدة الفقر والجوع والمرض ، فمصر وللأسف هي بلد الواحد أو الإثنين في المائة ، هذا الواحد أو الإثنين في المائة يمثلون النخبة والصفوة والسطوة بكل اشكالها ، وتحتكر وتسيطر على ثروة ومقدرات البلد وتتحكم فيها ، وتصدر التشريعات والقوانين التي تحميها وتحمي احتكارها وانحرافها واستغلالها وانتهازيتها .
يولد المصري لاهثا ولا يتوقف لهاثه طوال حياته ، سعياً وراء خبزه ودوائه وسكنه ، والدولة فشلت فيما مضى والآن في توفير منظومة صحية توفر العلاج لمواطنيها فقرائهم وأغنيائهم ، الأغنياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فهم يتطببون فى المستشفيات الخاصة في الداخل والخارج ، أما الفقراء فيعانون حتى يموتون ، المستشفيات في غالبها أماكن بلا أجهزة وبلا أدوية وبلا كوادر طبية تنفع الناس ، يُقدم فيها الذل والإهانة والموت والشقاء للمريض بدلا من العناية والرعاية والشفاء ، والميزانية تضيع هباءً على دواء يُسرق ومرتبات تنهب من إناس لا يعملون .
الأزمات الاقتصادية دائما وأبدا سببا رئيسيا في انهيار القيم والأخلاق ، والصبر على الجوع والفاقة أمر صعب بل يكاد يكون مستحيل ، وقديما قال علي: لو كان الفقر رجلا لقتلته ، ولعل معاناة أكثرية المصريين من الفقر والعوز والاحتياج المستمر لسنين عدة هي التي أدت إلى تسارع القيم العليا والمبادئ الأخلاقية نحو الانهيار والسقوط ، وجميعنا يرى هذا ماثلا ومجسدا أمام عينيه ، ولا أمل في الخلاص والفكاك إلا بتحقيق الكفاية للمصريين.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 20 مشاهدة
نشرت فى 31 مارس 2016 بواسطة elatiar

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,372