حامد الأطير

جريدة شباب مصر 18/5/2014

الدولة المصرية لن تقوم لها قائمة ، ولن تتقدم خطوة واحدة للأمام ، أو حتى قيد أُنملة ، طالما ظل حكامها ينهجون نهج من سبقوهم ، ويعتنقون نفس الفكر الفقير و يستخدمون نفس الطرق العشوائية والآليات الإدارية البليدة العقيمة فى إدارة شئون البلاد والعباد ، فتلك الآليات تدمر ولا تعمر ، تؤخر ولا تقدم ، تبذر ولا تقتصد ، تهدم ولا تبني .
الدولة المصرية تفتقد الاستراتيجية والرؤى والحلم ، ولو توجهت الى أي إنسان فى مصر وسألته عن استراتيجية الدولة وطموحها فى المدى القصير والمتوسط والطويل ودوره فيها ، فستجده يكرر على أسماعك -بمن فيهم كبار المسئولين –أقوال عامة لا معنى لها ، وشعارات جوفاء تلوكها الألسنة ليل نهار ، وستجده يتكلم عن حقوق المواطن البسيطة -التى من البداهة أن توفرها أى دولة كسيحة لرعاياها- على أنها أحلام وطموحات واستراتيجيات ، سيتحدث عن حق المواطن فى كوب ماء نظيف ورغيف خبز جيد ومقعد للطفل فى المدرسة و سرير بالمستشفيات للعلاج ، وهو لا يعلم أن هذه الضروريات والحقوق واجبة ومتوجبة على الدولة ، وليست باستراتيجيات لدولة تعيش عصر تقاس فيه سرعة الانطلاق بالثانية وأجزائها ، ولا تقاس بالأعوام وعشراتها ، كما نفعل نحن منذ زمن وإلى الآن .
إن مصر تبدو كالمرأة البلهاء التى لا عقل لها ولا فكر ولا رأي ، أمست كالسيارة التى تنطلق بلا سائق وبلا كوابح (فرامل ) لتتخبط بمن فيها بالحوائط يمنة ويسرة ، تبدو كبلد للبغال والحمير الإدارية الذين يديرونها بفكرهم الشخصي العقيم ، بلا علم أو إبداع أو خطط ، بلا حلم وبلا أمل ، تدار بالأمزجة والأهواء والاجتهادات الشخصية والمعرفة الضحلة ، وهذا للأسف حال جُل من يشغلون المناصب القيادية ، كُلاً منهم فى فلك يسبحون ، وسياستهم المطبقة هى: من يحب " النبى" يُفتى بفتوى أو يأتي بفعل عشوائي ، ربما يفلح ويُصلح وربما يفشل ويُخرب ، وغالباً ما يُخرب ، مصر وبجدارة أصبحت بلد الانفلات والفوضى "والسداح مداح" والتخبط والعشوائية ، اختلط فيها الحابل بالنابل -ولتنظر إلى الشارع المصري لتعرف من هم أهل مصر- لدينا فائض فى خريجي كليات الطب ونشتكى من عجز الأطباء و سوء الخدمة بالمستشفيات ، لدينا ملايين فائضة من خريجي كليات التربية والآداب ونعاني من عجز فى المدرسين! لدينا ملايين الشباب المتوجع من البطالة وأصحاب المهن يشتكون من نقص المساعدين والعمال والحرفيين!
مصر بلد الزحام ، ليس بالبشر فحسب بل بالتشريعات العفنة المترهلة التى يصطدم و يناطح بعضها بعضاً ، مصر تضع القانون ومواده و تترك به آلاف الثغرات للتحايل والتلاعب ، مصر بلد عجيب قانونها يحاسب من يبصق على الأرض ، ورغم هذا يستشري الفساد فيها كالسرطان فى الجسد.
المناصب فيها لا تعدو كونها فرصة ماسية وذهبية للتربح والنهب والسرقة والارتشاء ، وليست تكليف لخدمة الوطن والنهوض والارتقاء به ، والمؤسسات فيها لا تعرف حدودها ، وكثيراً منها يحاول التميز والتجبر والجور على غيرها ، وجميع المؤسسات تتعالى وتتجبر على المواطن المسكين وتذله وكأنه خادم أو عبداً ذليل .
مصر صورة بانورامية مثالية ، للهمجية والفوضى والعته والجنون والسفاهة ، حتى فى الفن! الذي صار سلاح أسود للهدم والتخريب يحركه ويتحكم فيه تجار المواشي وتجار الخردة ، وباسم حرية الإبداع ، يصنعون أفلاماً إجرامية ، تحرض على الفسق والعنف والسرقة والإدمان والدعارة والقذارة والانحراف بأنواعه ، ينقلون الينا ما يجري فى بيوت الدعارة وعلب الليل وبعض العشوائيات الموبوءة بما تحويها من عهر وفجر ، وليخرقوا بها أعيننا وأعين أولادنا وبناتنا ونسائنا ، وليشوهوا به وجداننا وليُظلموا به سماءنا وليدنسوا به صورتنا فى أعين الآخرين ، كل شئ في مصر الآن جائزاً ووارد الحدوث على شكل يخالف المنطق والعقل والقانون .
ومصر وبلا منازع دولة الاحتكارات والتكايا والعطايا! ومن التكايا المصرية العتيقة ، القطاع الحكومي الذى يعمل به ما يزيد عن 5 مليون ونصف موظف من العاملين العاطلين! والدولة تحتاج فقط إلى نصف مليون أو على الأكثر 750 ألف أو حتى مليون موظف لتسيير دولاب العمل الحكومي ، لذا فلدينا فى هذه التكية ما يزيد عن 4 مليون ونصف عاطل حكومي متستر ومستتر ، يحصلون من جيوبنا على ما لا يستحقون ويقدمون لنا أسوأ ما يستطيعون ، ومن الغريب أن هؤلاء العاطلون يطالبون وببجاحة وبين الحين والآخر بزيادات وعلاوات وحد أدنى وحد أقصى ، مقابل خيبتهم وتنبلتهم وكسلهم .
ومن التكايا المصرية الشهيرة ، اتحاد الإذاعة والتليفزيون ، الذى يعمل به ما يربو على 43 ألف عاطل! إنه مستنقع آسن رائحته تزكم الأنوف وتعمي العيون ، الفساد فيه لا يمكن تخيله أو تصوره ، اختلاسات ورشى وبيزنس قذر من فوق الترابيزة وتحتها ، وقنوات لا لزوم لها وتعيينات للمعارف والأهل والأقارب وذوي الحظوة ، ولهذا فالأداء الإعلامي المصري متخلف و سئ ، والبرامج مكررة ومعادة ومُقتبسة ، والمذيعات شَمَطات منتهيات الصلاحية ، حاقنات الوجنات والجباه والرقاب بالفيلر والبوتكس لترميم ما أفسدته الأيام ، ومن كثرتهن تشترك أكثر من مذيعة لتقديم الفقرة الواحدة ، ولا يسابق هذا الاتحاد فى فساده إلا تكية إعلامية أخرى اسمها الصحف القومية ، تكية عفنة ، تتخطى عفونتها حدود العقل ، لماذا ثلاث صحف حكومية ومئات المطبوعات الصادرة عنها؟ لا أعرف ، إنها غابة من الفساد ، وديون بالمليارات وإصدارات صحفية لا يقرأها أحد ولا تسترد حتى ثمن الحبر الذي طُبعت به ، أوجدوها ليترأسها هذا أو ذاك ، من المرضي عنهم ، كنوع من المكافأة مقابل خدماتهم فى دعم الجالس على العرش وحاشيته ، ونحن من نمول صاغرين كل هذا الفساد ونتحمل فاتورته .
أيضاً التعليم الفاشل الذى يُفرخ الجهلة والفاشلين ، تكية من التكايا التى يتربح منها بشكل خرافي المدرسون – ولا أقول المعلمون – فهذا اللقب أطهر من أن نخلعه عليهم ، المدرسون الذين لا يخجلون ولا يتورعون عن غرس أنيابهم الشرسة القاتلة فى ثنايا وحنايا جثة -لا جسد- المواطن المصري ليرشفوا ويرتشفوا دمه وماله وأعصابه وستره بتلذذ عجيب ، أيضاً الصحة ومؤسساتها ومستشفياتها ومراكزها تكية من التكايا ، أطباء بلا عمل لا يتواجدون ولا يعالجون و يحصلون على رواتب وبدلات ، لا وقت لديهم لأنهم مشغولون بالإثراء من عياداتهم الخاصة ، وإداريين يختلسون الأدوية والمخصصات العلاجية .
و تكايا أخرى كثيرة كالمحليات وباقي الهيئات والمؤسسات الحكومية وما أدراك ما المحليات والمؤسسات وفسادها وعهرها .
أما عن الاحتكارات ، فحدث ولا حرج ، احتكارات صناعية وتجارية ، تسيطر عليها مافيا شديدة البأس ، عجز القاصى والداني عن الوقوف فى وجهها ، كل شئ فى مصر تقريباً مُحتكر ، السلع كاللحوم والسكر وغيرهما لها مافيا و صناعة الاسمنت والحديد وغيرهما لها مافيا.

إضافة لذلك ، هناك الاحتكارات المهنية والوظيفية والقطاعية ، وأشهرها مافيا الوظائف الجامعية ، التى تميز أبناء الأساتذه وتمكن لهم ، ومافيا القضاء التى تميز أبناء المستشارين وتمكن لهم ، هم وباقى العاملين بهذا السلك ، ومافيا الكليات العسكرية والشرطية التى تميز أبناء العاملين فى هذه القطاعات وتمكن لهم ، وهناك الكثير من تلك الجرائم وهذا الجرم الذي يصطدم بالدستور والقانون .
إن مصر فى حاجة الى ثورة قيم ومبادئ ، للقضاء على الإرث الأخلاقي والقيمي الفاسد ، الذى نعيشه ونحياه ، نشهقه ونزفره ، و نسبح فى بحوره ونتجرعه ونقتاته ونرتديه ونتوسده ، ويمارسه كُلاً منا على مستوى معين أو بقدر متفاوت ، نحن نبت الفساد وأبنائه وحصاده ، ولا نستثني من هذا أحد .
مصر فى حاجة ماسة وملحة وآنية وفورية لتغيير منظومتها الكلية ، الأخلاقية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية ، قدر حاجتها للديمقراطية ، الديمقراطية التى يجهل معناها الكثير ، للدرجة التى يعتقدون أنها الحرية المطلقة المُسقطة للواجبات والمسئوليات والتحرر من كافة القيود ، بما فيها القيود والالتزامات القانونية والدستورية ، وعلى هذا فهم يريدون ممارسة الفوضى والبلطجة لا الديمقراطية .
تُرى هل يستطيع الرئيس القادم أن يضبط إيقاع هذا البلد العشوائي؟

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 21 سبتمبر 2015 بواسطة elatiar

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,362